الإنسان العراقي... أزمة ثقة بالحاضر وآمال مستبعدة في المستقبل

 

شبكة النبأ: مع مرور الزمان، تتراكم مشاعر العجز والخيبة في نفس الانسان العراقي، وهو يرى استمرار و(استمراء) حالة الفوضى والفساد والبطء الشديد في تقديم الخدمات الاساسية، واختلال العلاقة بينه كمواطن وبين الدولة، بما تمثله من مؤسسات ودوائر. ويتكرس هذا الشعور أكثر عندما يقارن بين وضعه وبين وضع المواطن في الدول الأخرى أو المجاورة.. فأول مفارقة يلمسها، وجود العلاقة المنتظمة والمتبادلة بين المواطن والدولة، ضمن معادلة (الحقوق والواجبات). بينما في العراق، ومنذ تاريخ 9-4-2003، المواطن العراقي هو المسؤول عن توفير الأمن لنفسه وعائلته من خلال اقتناء السلاح، او إعداد الاجراءات المختلفة لردع اللصوص الارهابيين وغيرهم، كما أصبح عليه توفير الكهرباء والماء الصالح للشرب وبناء المسكن بأشكال وطرق مختلفة، والبحث ليل نهار عن فرصة عمل وتوفير لقمة العيش لأطفاله. أما مهمة الدولة، حتى الآن، لم تتجاوز توفير المال للمواطن، من خلال ضم أعداد هائلة من الخريجين الى جحافل الموظفين الذين يتقاضون الراتب الشهري، وهم بين موظفين مدنيين، وعسكريين. وحسب آخر إحصائية، فان عدد الموظفين في الدولة  العراقية، تجاوز الأربعة ملايين موظف، نصفهم منتسب في القوات المسلحة.

بالرغم من المخاطر العظيمة الكامنة وراء هذا النزيف الحاد، إلا اننا نشهد أجواءً هادئة، على الصعيد الاجتماعي والسياسي، كما لو أن قدر العراق والعراقيين هو أن يعيش الجميع يومهم وحسب، ولا وجود للمستقبل. وهذا يخفي خلفه أسباب وعلل عديدة نذكر منها:

1-  الأمن

عندما تمت الإطاحة بنظام صدام، وتحديداً في اليوم الذي تحطمت فيه جميع الاصنام الحجرية للطاغية في بغداد وسائر المحافظات، لم يتمكن العراقيون من ترجمة مشاعر الفرح والبهجة، لشدة العجب والغرابة في سرعة انهيار هذا النظام الذي طالما ادّعى القوة والصلابة. والامر الآخر، ترقبهم لما يؤول عليه أمر الأمن والاستقرار الذي ضمنه ذلك النظام لنفسه وللناس بقوة السلاح والنظام المخابراتي. فكانت المفاجأة، أن النظام الجديد عاجز عن توفير الأمن لنفسه، وللناس ايضاً.. وأول انعكاس سيئ لهذا الواقع، كان على الاقتصاد، الذي يفترض أن يشهد انتعاشاً بعد غياب الديكتاتورية والمغامرات العسكرية وتوجيه الاموال الطائلة للتصنيع العسكري. لكن هذا لم يحصل، فلا نهضة في الواقع الزراعي، ولا خطط في قطاع الانتاج وإحياء المصانع، وبالنتيجة؛ لا مجال ولا فرصة للإبداع والتطوير والتقدم.

والمثير في الأمر، أن ملف الأمن ليس فقط لم يحل، إنما تحول الى شماعة في بداية الأمر، لتعليق فشل معظم المشاريع الخدماتية، في مقدمتها الكهرباء والوقود وحتى الصحة.

2-  الكرامة

عندما أتحدث مع معظم المواطنين العراقيين عن آفاق المستقبل، وما يمكن التطلّع اليه لبناء البلد وتحقيق التغيير والتطوير، تأتي الإجابات المتشابهة، بأن الانسان العراقي عليه أن يحقق ذاته وكرامته، قبل أن يفكر بتغيير بلده، فالانسان الذي فقد كرامته في ظل الحروب العبثية، والسياسات القمعية، لن يفكر إلا بتحقيق الراحة والاستقرار والرفاهية لنفسه وعائلته. وهذا ما كرّس حالة اللامسؤولية واللاأبالية في المجتمع العراقي بشكل عميق. والإثارة الاخرى، او لنقل المفارقة، مما ينطبق عليه القول "شر البليّة ما يضحك"، أن أول من مارس هذه الحالة، هم المسؤولون الجدد في الدولة العراقية، ممثلين في بعض المدراء والنواب في مجالس المحافظات والبرلمان والمسؤولين المدنيين والعسكريين – ونقول البعض دون الإطلاق- وما التهافت على الترشيح في انتخابات مجالس المحافظات ومجلس النواب، إلا دليل بارز وواضح على هذه الحالة. وقد باتت الارقام بمليارات الدنانير التي جناها المسؤولون الجدد في الدولة العراقية، من خلال الامتيازات السخية والرواتب الخيالية، حتى "بلغ السيل الزبى"، كما في المثل القديم، وهاجت مشاعر السخط والتذمّر لدى الناس، فكانت الدعوة المتأخرة لإلغاء الرواتب التقاعدية لنواب مجلس النواب والمحافظات.  

3-  احترام الآخر

هناك مثل يقول: إن كنت تريد معرفة أخلاق وصفات مجتمع ما، فتوجه الى الشارع.. فان شهدت الالتزام بقوانين المرور ومراعاة المارة، وعدم الزعيق بالمنبهات، واحترام الآخر، فهذا دلالة – من دلالات – على نضج المجتمع وتحضره، والعكس بالعكس تماماً.. فالمعروف، إن أمر التغيير والتطوير في الميادين كافة، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مرهون بالعمل الجماعي المسؤول والمخلص. وهكذا تطورت بلاد شهدت الحروب والدمار الهائل، مثل كوريا الجنوبية والمانيا واليابان والهند والصين وغيرها.. وفي لبنان يتم تثقيف الاطفال في المدارس، بعدم رمي أغلفة الشكولاتة وحاويات المشروبات وغيرها، في الشارع، وتلقينهم الشعار: "رمي قطعة من النفايات في الشارع، يساوي خسارة دولار في قطاع  السياحة التي يعتمد عليها بلدك..".

ما العمل أمام هذا الواقع المرير..؟

الجميع يبحث عن حلّ ومخرج من النفق المظلم، فالبعض يلقي المسؤولية كلها على كاهل المسؤول، على أنه يمتلك قوة القانون والمال، بينما في المقابل نسمع من المسؤولين دائماً، أن المجتمع عليه المسؤولية الكبيرة في تحقيق الكثير من الامور، في مقدمتها الأمن، وايضاً المساعدة على تحسين واقع الخدمات من خلال الترشيد وعدم التبذير وغيرها من الاجراءات.. إلا ان المتابع للواقع العراقي، يرى أن تعاضد الأثنين هو الكفيل بإخراج البلاد من الطريق المسدود الذي يتخبط فيه. وأي تراجع أو خذلان من أحد الطرفين، يتسبب في تكريس التخلف والتأخر، وتزايد الاخطاء، نظراً الى السرعة الهائلة التي يشهدها عالم الاقتصاد والسياسة، حيث لا مجال للترهّل والتكاسل والإتكالية. لكن اذا اردنا  البداية الحقيقية، فهي من الدولة والمسؤول، فهي التي تحدد الوجهة والمسار وفق المنهج والنظام الذي ارتضاه الشعب من خلال التجربة الديمقراطية. فهو انتخب عضو مجلس المحافظة وعضو مجلس النواب، ليقوم هؤلاء بدورهم باختيار الأكفاء والمخلصين في إدارة الدوائر والمؤسسات الانتاجية والخدمية والأمنية. والاجراءات الصحيحة والمثمرة، هي التي تستجلب التفاعل والتواصل من قبل ابناء الشعب، فهنا تكمن مسؤولية جميع ابنائه وشرائحه في مواكبة العملية السياسية والاقتصادية.

والقضية لاتحل بالشعارات، وأساليب الترضية والترغيب أو الترهيب، إنما بمنهج متكامل يحاكي الشخصية العراقية، بما لها من خصائص ومميزات عُرف عنها بين سائر البلاد، بالايجابية والعطاء والتفاعل، فهي صورة كبيرة ورائعة تحتاج الى إطار جميل يضمها لتكون بارزة وساطعة أمام شعوب العالم.

نحن نسمع ببعض الدول التي يسودها النظام والاستقرار والرفاهية النسبية، بينما العراق، ومنذ عقود من الزمن، كان هو مصدر العطاء والرفاهية لعديد دول العالم، نظراً لوفرة خيراته وثرواته، كما كان يضرب به المثل في التقدم العلمي قياساً بدول الشرق الأوسط، لما يتمتع به الانسان العراقي من ذهنية وقادة، وقدرة على الابداع والابتكار والتطوير. وهذا لن يتحقق إلا عندما يشعر العراقيون جميعهم في الشمال حتى الجنوب، وفي كل بقعة من تراب العراق، بأنهم سواسية في الحقوق والواجبات، وأنهم مسؤولون أمام هذا البلد والوطن، وما فيه من خيرات وثروات وقدرات هي بالحقيقة ملكهم، وهم مسؤولون عنه. وإذن؛ فان الأمن والاقتصاد والسياسة والاجتماع، كلها ملفات يجب ان ينظر اليها بنظرة مشتركة بين افراد الشعب العراقي بشكل عام، وبين المسؤولين المنتخبين من قبل هذا الشعب. وبذلك تتحقق النظرة الى آفاق المستقبل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/أيلول/2013 - 15/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م