إيران وصفحة روحاني الجديدة

عريب الرنتاوي

 

تخطت العلاقات الأمريكية – الإيرانية مرحلة الرسائل غير المباشرة، السرية غالباً، إلى مرحلة الحوار العلني، وتبادل الرسائل و"كتب النوايا" "الإيجابية" و"البناءة"، عبر وسائل الإعلام وعلى أرفع المستويات، وسط مناخات متفائلة، تدفع على الاعتقاد بأن اختراقاً نوعياً على طريق استعادة هذه العلاقات و"تطبيعها"، لم يعد أمراً مستبعداً على الإطلاق.

وقد لا تنتهي أعمال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، من دون أن نشهد على "الحدث/المفاجأة"، كأن يلتقي وزيرا خارجية البلدين، أو ربما أن يحصل اللقاء على مستوى القمة، وقد يعمد الجانبان إلى ترتيب "لقاء مصادفة" في إحدى أروقة المنتظم الدولي أو كريدوراته، ولطالما كانت "دبلوماسية الكريدور" فعّالة في إذابة الجليد الذي يغطي العلاقات الثنائية بين خصمين محتربين.

طهران في ظل قيادة حسن روحاني، كانت المبادرة إلى إشاعة مناخات التطبيع والتهدئة بين الجمهورية الإسلامية والمجتمع الدولي (الغرب على وجه التحديد)، فالرئيس المعتدل/الإصلاحي، ما انفك عن إطلاق رسائل الطمأنينة، وفي كل الاتجاهات، وبعبارات غابت عن القاموس السياسي الإيراني طوال سنوات الرئيس السابق أحمدي نجاد، فهو خاطب الغرب من "نقطة ضعه" عندما وجه التحية ليهود بلاده والعالم برأس السنة العبرية معترفاً بـ"الهولوكوست" ومندداً به، وهو مد يد التعاون والمصالحة، توطئة لمد جسور العلاقات، ولم ينقل عنه استخدامه لعبارات الشيطان الأكبر أو الاستكبار العالمي، ولم يلوّح بحرق إسرائيل أو قذفها بالبحر.

في الملف النووي، لم يتوقف الرئيس روحاني عن الحديث "الحق الشرعي غير المنقوص" لإيران في امتلاك التكنولوجيا النووية للأغراض السلمية، بيد أنه كان حريصاً في كل مرة على التشديد على "المرونة"، واعتمد على مساعديه لبث رسائل تتحدث عن احتمال قبول طهران بوقف التخصيب العالي لليورانيوم، وثمة سيل من التسريبات "الإيجابية" في هذا المضمار، لم يتوقف، كما أن روحاني كان "سعيداً" بإظهار دور بلاده في إخراج "صفقة الكيماوي السوري" إلى حيز الوجود، مندداً باستخدامات هذا السلاح ومستخدميه، أياً كانوا.

وفي الملف السوري، يحرص الرئيس الإيراني على التأكيد على دور بلاده كـ “جزء من الحل" بديلاً عن النظرة العامة لها كـ"جزء من المشكلة"... وآخر عروضه في هذا المجال، إبداء الاستعداد لاستضافة حوار بين النظام والمعارضة في سوريا... ثم أن الرجل قدم "مطالعة" للأزمة السورية، تتخطى "الرئيس والنظام" إلى سوريا والمنطقة برمتها، في إشارة إلى استعداد بلاده لتنبي منظور أوسع لمعالجة الأزمة السورية، يتخطى الانقسامات الحالية حول من مع بقاء الرئيس أو ذهابه.

حتى السعودية، التي أظهرت في سنيّ الربيع العربي الثلاث، وخصوصاً في سياقات الأزمة السورية، موقفاً متشدداً من طهران وحلفائها، لم تكن بمنأى عن رسائل روحاني "الإيجابية"، فهي "الصديقة" و"الشقيقة" لبلاده، والأمل أن تعود العلاقات معها إلى سابق عهدها، ما استدعى "ردا سعودياً إيجابياً"، في سياق ما يعرف بـ"دبلوماسية مكة المكرمة"، حين وجه الملك السعودي الدعوة للرئيس الإيراني لأداء فريضة الحج هذه السنة، وهي دعوة لا يمكن التقليل من طابعها السياسي، حتى وإن اتخذت غطاءً روحانياً، اسعد روحاني بلا شك.

العالم يقف باهتمام أمام هذه التحوّلات في "المواقف" الإيرانية، حتى وهي في حدودها اللفظية القائمة... فرنسا الباحثة بيأس عن دور لها تحت سماء المنطقة، سبقت الجميع، وأنجزت ترتيبات قمة إيرانية – فرنسية في نيويورك، ووليام هيج خاطب نظيره الإيراني محمد جواد ظريف لترتيب لقاء على هامش اجتماعات الجمعية العامة، فيما واشنطن تدرس بعناية خطوتها التالية... أما السعودية، فهي تقترب بحذر من هذا الملف، وإن كانت تقارير استخبارية تحدثت عن "صدمة إيجابية" قد تفضي إلى تغييرات في مواقع ومواقف الفريق الذي قاد السياسة الخارجية خلال العامين الفائتين.

وحدها إسرائيل تنظر بقلق لهذا الانفتاح الإيراني على العالم، أو انفتاح العالم على إيران... فهي من جهة، ترى أن ضربة عسكرية هي وحدها الكفيلة بتدمير عناصر الاقتدار العملي والتقني وتعطيل البرنامج النووي الإيراني لسنوات وعقود قادمة... وهي من جهة ثانية، تخشى تراخي قبضة العالم وعصاه الغليظة حيال طهران، ولسان حالها يقول: أن الولايات المتحدة التي أظهرت كل هذا الضعف والتردد والانقسام حول توجيه ضربة "محدودة" و"ضيقة" لسورية، لن تكون في وارد إعلان حرب على إيران لن تكون بحال "محدودة" و"ضيقة" ولن تقف تداعياتها عند حدود الجغرافيا الإيرانية... وهي من جهة ثالثة، ترفع دائما من سقف مطالبها وشروطها وشكوكها، بهدف ضمان أعلى قدر من "المكتسبات" و"الضمانات" في حال أمكن التوصل إلى حلول سياسية ودبلوماسية للملف النووي الإيراني.

إذن، نجن في قلب أوسع عملية جس نبض تجريها طهران مع عواصم الغرب والإقليم، منذ سنوات طويلة، بل وربما منذ انتصار الثورة الإسلامية، تأتي في ذروة إحساس عميق متبادل بالحاجة لتفادي المزيد من الحروب في هذه المنطقة، فلا واشنطن راغبة أو قادرة إن هي رغبت، على دخول حرب ثالثة بعد حربين منهكتين وفاشلتين، ولا إيران، بعد سنوات وعقود من الحصار والعقوبات و"التورطات" قادرة على البقاء في "الخنادق" لسنوات وعقود قادمة... والمرجح أن صعود ظاهرة روحاني في الحياة السياسية الإيرانية، هو تعبير عن اتجاه جديد في إيران، بل وعن "مصلحة قومية عليا" لإيران، قد تتباين بشأن "تفاصيلها" مواقف مراكز القوى ومؤسسات صنع القرار المصطرعة في طهران، بيد أنها تشكل التعبير الممكن عن "القاسم المشترك الأعظم" بين هذه المراكز والمحاور، وإلا لما قال روحاني بانه يمتلك التفويض والصلاحيات بشأن برنامج بلاده النووي، ولما قال مرشد الثورة الإمام الخامنئي، بأن "الليونة هي البطولة".

* مركز القدس للدراسات السياسية

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/areebalrantawi.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 22/أيلول/2013 - 15/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م