الكفاءات وصناعة الدولة المدنية

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من المرجّح تأريخيا، أن العراقيين تتاح لهم، لأول مرة فرصة حقيقية لبناء الدولة المدنية، إذ يقول المعنيون والمهتمون بالسياسة والتاريخ، أنها لم تسنح سابقا من حيث الظروف والعوامل المساعدة لبناء دولة قوية تحكمها المؤسسات الدستورية القوية، ويركّز هؤلاء على دور الكفاءات في صناعة الدولة المدنية، وإمكانية استثمار الخبرات المتراكمة لديها، فضلا عن الابتكارات والقدرة على التجديد الذي سيصبح منهجا عمليا قائما على مدار الساعة، لبناء الدولة القادرة على صنع أجواء مناسبة جدا، لتنمية نسيج مجتمعي متناغم مستقر متوازن، تسعى مكوناته المتنوعة نحو التعايش وإنعاش السلم الأهلي، بغض النظر عن الاختلافات العرقية او الدينية او الاثنية وسواها بين مكونات المجتمع.

ولكن هناك مؤشرات عديدة تدل على توجهات قوية لوأد هذه الفرصة، مع تزايد حالات الاحتقان التي تجتاح الطبقة السياسية، لتنعكس هذه الاجواء المشحونة بصورة او أخرى على الشارع، الامر الذي يقود الى حالة من الاضطراب، والنأي عن تحقيق التداخل المجتمعي الانسيابي، بسبب فقدان الثقة بين المكونات المجتمعية، وبث ظواهر التشرذم والانقسام، بفعل اللهاث المحموم للطبقة السياسية نحو الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها، على حساب البناء الديمقراطي السليم لمؤسسات الدولة والمجتمع.

يتساءل كثيرون.. أين دور الكفاءات في دولتنا العراقية؟، ولماذا تخشى الطبقة الحاكمة من الكفاءات، مع أنها يمكن أن تستثمر طاقاتها وخبرتها، لتعزيز فرص البناء المدني للدولة، وتعزيز فرص النجاح السياسي، للاحزاب والكتل وحتى الشخصيات السياسية المستقلة؟، هناك خوف غير مبرر من الكفاءات، قد يفكر السياسي أن الكفاءة سوف تصادر مكانته او نفوذه او سلطته، ولكن الكفاءة والعقل الكفؤ لا يفكر بهذه الطريقة، تبقى هناك معايير للانصاف وضمان الحقوق وفقا للقدرات والخبرات والشهادات العلمية والخبرات العملية، هي التي تحدد أين المكان الصحيح لهذا الشخص أو ذاك.

بمعنى يجب أن يتم تشريع ضوابط واضحة، من جهات معنية تماما بالامر، نزيهة وعادلة ولها الخبرة الكافية، لاصدار وتنظيم وتفعيل بنود وضوابط، تنظم العلاقة بين الكفاءات من جهة وبين المؤسسات والدوائر الحكومية كافة، وكذلك مع الجهات التي تصنع القرار الجهات التي تقوم بتنفيذه، وليس صحيحا أن يتم التعامل مع الكفاءة على انها مصدر خطر على السياسي او سواه، بل لابد أن يفهم الجميع وخاصة الطبقة الحاكمة، أن الكفاءات هي مصدر قوة للسياسي، اذا ما تم التعامل معها برؤية حقيقية مخلصة، هدفها البناء الجمعي وليس الاستئثار الفردي، فعندما يؤمن المسؤول أن الكفاءة يمكنها ان تبني الدولة المدنية، عليه أن يسعى الى دعم الكفاءات لا أن يضع العراقيل في وجهها، ويمارس التخريب العلني والمبطن من اجل التحشيد لشخصه او حزبه او كتلته، بغض النظر عن الكفاءة والمؤهلات، وكلنا نعرف ان هناك من يقدم الولاء الحزبي او الشخصي على الولاء للوطن او الدولة او الشعب، وهذه ظاهرة خطيرة، تهدف الى الإبقاء على الدولة العراقية رهينة المماحكات والضعف والتخلف، كي تبقى فريسة لغيرها من الطامعين وهم كثر.

لا يوجد تضارب بين الكفاءات والطبقة الحاكمة، اذا لم يتم صنعها من لدن أصحاب المناصب غير الجديرين بها، بسبب قلة التجربة، وفقدان التحصيل العلمي، ومؤهلات القيادة الأخرى، هناك نزعة واضحة للعيان تسود الطبقة الحاكمة اليوم، وهي التشبث بالمنصب بكل ما يمتلك صاحب المنصب من قدرات، لتحقيق هذه الديمومة حتى لو كانت آثارها سلبية على الدولة والمجتمع، لذلك اذا أراد أصحاب القرار، السياسيون صنع الدولة المدنية، ليس أمامهم سوى الكفاءات، و تشريع الضوابط الصحيحة لإنصافهم، وللاستفادة منهم لصالح الدولة والمجتمع، علما أن الطبقة الحاكمة (الأحزاب، الكتل، الشخصيات المستقلة)، ستكون أول المستفيدين من دعم الكفاءات على الصعيدين المادي والمعنوي.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 21/أيلول/2013 - 14/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م