تعد جريمة غسل الأموال أو غسيل الأموال واحدة من أهم الجرائم
الاقتصادية الحديثة المنظمة العابرة للحدود، وهي كل سلوك ينطوي على
اكتساب أموال أو حيازتها أو التصرف فيها أو إدارتها أو حفظها أو
استبدالها أو إيداعها أو ضمانها أو استثمارها أو نقلها أو تحويلها أو
التلاعب فيها بقصد إخفاء المال أو تمويه طبيعته أو مصدره.
مثال ذلك، استخدام أموال متحصلة من نشاط غير مشروع (بيع المخدرات
مثلا) في نشاط مشروع (شراء العقارات) بقصد إخفاء مصدر المال. أو
استخدام أموال متحصلة من نشاط مشروع (جمع التبرعات لمساعدة الفقراء) في
نشاط غير مشروع (تمويل العمليات الإرهابية) بقصد التمويه. وترتبط
عمليات غسيل الأموال بجرائم أخرى، مثل: جرائم المخدرات، جرائم الإرهاب،
جرائم الخطف وبيع الأطفال الرضع في السوق السوداء، الابتزاز، الاحتيال،
سرقة واختلاس أموال خاصة، اختلاس أموال عامة، القتل مقابل أجر، تهريب
الأسلحة، الرقيق، الدعارة، القمار، التجارة بالأعضاء الآدمية، إخفاء
مصدر العائدات ووجهتها، أنشطة التهريب عبر الحدود الأموال والسلع
والمنتجات، أنشطة السوق السوداء، الرشوة والفساد الإداري، التهرب
الضريبي، العمولات مقابل عقد صفقات الأسلحة، وتزوير العملات وغيرها.
بدأت ظاهرة غسل الأموال في العراق مع انعدام الاستقرار السياسي
والاقتصادي والانفلات الأمني وانتشار العمليات الإرهابية، وغياب دولة
القانون، وضعف الأجهزة الرقابية، وانكشاف السوق العراقية أمام الأسواق
العالمية، فضلا عن فتح الحدود العراقية مع دول العالم بشكل واسع. وأبرز
مصادر الأموال غير المشروعة في العراق فهي:
(1- سرقات المصارف والبنوك، 2ـ سرقة وتهريب الآثار الوطنية وبيعها
في الأسواق العالمية. 3ــ تهريب النفط ومشتقاته إلى الخارج. 4- تهريب
المصانع والمكائن والآلات والمعدات إلى الخارج. 5- الفساد المالي
والإداري في أجهزة الدولة، بما فيها عمليات الاختلاس الكبيرة للأموال
المخصصة للمشاريع الخدمية وإعادة الإعمار. 6- الأموال المتأتية من
جرائم المخدرات والسطو والخطف والغش الصناعي والتجاري وانتشار الشركات
والمنظمات غير الحكومية الوهمية وغيرها).
ويرى خبراء مكافحة ظاهرة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب أن هذه
الظاهرة لها آثار اقتصادية سيئة على الاقتصاد القومي للبلدان التي
تنتشر فيها، مثل: اضعاف قدرة السلطات على تنفيذ السياسات الاقتصادية
بكفاءة، وزعزعة استقرار سوق الصرف الأجنبي نتيجة للتقلبات الشديدة في
حركة الأموال والتدفقات النقدية الداخلة والخارجة، وتهديد الاستقرار
المالي والمصرفي نتيجة لتعرض المؤسسات المالية والمصرفية لمخاطر فقدان
الثقة والسمعة.
ولها آثار سياسية مثل: انتشار الفساد السياسي والإداري واستغلال
النفوذ، والأضرار بسمعة الدولة أمام الهيئات الدولية المانحة للمساعدات
والقروض، خاصة بالنسبة للدول النامية، وإمكانية توجيه الأموال الناتجة
عن غسل الأموال إلى تمويل التنظيمات الإرهابية، مما يؤدي إلى زعزعة
الأمن والاستقرار.
ولها آثار الاجتماعية أيضا مثل: عدم خلق فرص عمل حقيقية مما يؤدي
إلى تفاقم مشكلة البطالة، وانتشار الفساد الوظيفي وشراء الذمم، وصعود
فئات اجتماعية دنيا إلى أعلى الهرم الاجتماعي في البلاد لصعود المجرمين
القائمين على عملية غسل الأموال إلى هرم المجتمع في الوقت الذي يتراجع
فيه مركز المكافحين إلى أسفل القاعدة.
وتعد منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الربحية وسيلة من بين
أهم الوسائل الحديثة التي يمكن أن يستغلها أصحاب الأموال القذرة لتبيض
أموالهم وإخفاء مصادرها غير المشروعة وتدويرها. وقد استقطب موضوع سوء
استعمال المنظمات غير الربحية لتمويل الإرهاب اهتمام هيئة الأمم
المتحدة والدول الصناعية السبعة الكبرى، والسلطات الوطنية في عدد كبير
من الدول. ومنذ عام 2002 أصبح هذا الموضوع نقطة التركيز الأولى بالنسبة
لفريق العمل المالي لمكافحة غسل الأموال (FATF.GAFI).
فقد جاء في (التوصية الثامنة) لفريق العمل المالي الدولي لمكافحة
غسل الأموال بخصوص المنظمات غير الربحية (يتعين على جميع الدول التأكد
من كفاية القوانين واللوائح التنظيمية المتعلقة بالمؤسسات التي يمكن أن
تستغل في تمويل الإرهاب، خاصة المؤسسة غير الربحية، كما ينبغي على
الدول التأكد من عدم استغلال هذه المؤسسات:
1. من قبل المنظمات الإرهابية التي تتخذ وضعية مؤسسات شرعية.
2. لاستغلال جهات شرعية كقنوات لتمويل الإرهاب بما في ذلك تفادي
تجميد الأموال.
3. في اخفاء أو تمويه التحويلات السرية للأموال المزمع استخدامها في
أغراض شرعية.
وتشمل (المنظمة غير الربحية)- على سبيل المثال - كل المؤسسات
القانونية والأوقاف واللجان التي تجمع الأموال والمنظمات العاملة لخدمة
المجتمع والهيئات ذات المصلحة العامة والشركات المحدودة والمؤسسات
الخيرية العامة وغيرها من الأشكال القانونية المتنوعة من المنظمات غير
المربحة.
والسؤال المهم هنا، كيف نستطيع حماية المنظمات غير الربحية
والمنظمات غير الحكومية التي تعمل في مجال جمع الأموال أو توزيعها
تحقيقا لأغراض خيرية أو دينية أو ثقافية أو تربوية أو اجتماعية، أو في
القيام بأنواع أخرى من "الأعمال الحسنة"، من الناحية الفعلية من سوء
الاستعمال أو الاستغلال من قبل تجار الأموال القذرة وممولي الإرهاب؟.
تؤدي منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في العراق دورا
مهما في محاربة الظروف التي تؤدي للإرهاب من خلال تقديم المساعدات
الإنسانية والخدمية للمحتاجين، وبناء الهياكل الاجتماعية، وزيادة
الحوار والتفاهم داخل المجتمع، وحل النزاعات، وقضايا التعايش السلمي،
مضافا إلى قضايا الصحة والتعليم. ولكن – للأسف- بعض منظمات المجتمع
المدني العاملة في العراق كانت وسيلة من وسائل غسيل الأموال أو تمويل
الإرهاب، أو الفساد المالي والإداري، أو الفساد الأخلاقي مثل الدعارة
والقمار، أو الاحتيال والنصب وغيرها من الجرائم.
ومن بين المنظمات غير الحكومية التي يحتمل أن تكون عرضة لسوء
الاستغلال بما فيها غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب هي المنظمات الآتية:
1- المنظمات غير الحكومية الأجنبية، وهي فروع المنظمات غير الحكومية
الأجنبية المسجلة لدى دائرة المنظمات غير الحكومية، وتحصل على التمويل
المالي من منظمة الأم، ولا تمتلك المؤسسات الحكومية المختصة بيانات
دقيقة عن مصادر تمويلها الحقيقية.
2- المنظمات غير الحكومية المحلية التي أسسها عراقيون يقيمون في دول
الخليج والدول المجاورة وفي بعض الدول الأوربية وأمريكا. وتحصل هذه
المنظمات على التمويل من المؤسسين أنفسهم دون معرفة مصادرها الحقيقية.
3- المنظمات غير الحكومية التي أسسها عراقيون يقيمون في العراق
ويتولون مراكز قيادية عليا، بما فيهم أعضاء مجلس النواب والمدراء
العامون ورؤساء الأحزاب ومسئولو القنوات الفضائية ورؤساء الصحف وغيرهم.
وتحصل هذه المنظمات على التمويل من الأموال التي تقع بيد هؤلاء
المسئولين بشكل مباشر، أو عن طريق استخدام علاقاتهم الوظيفية مع
المسئولين في الوزارات القطاعية التي تقدم مساعدات مالية للمنظمات غير
الحكومية.
4- المنظمات غير الحكومية التي أسسها عراقيون يقيمون في العراق،
ويستغلون حصول منظماتهم على شهادة التسجيل التي تخولهم إجراء التصرفات
القانونية، فيستغلون اسم المنظمة غير الحكومية وشعارها لفتح مشاريع
مربحة تعود بالفائدة إلى أعضاءها، أو فتح نوادي للخمر والقمار
والدعارة، وغيرها من الأنشطة غير المشروعة المدرة للربح غير المشروع.
5- المنظمات غير الحكومية غير المسجلة لدى دائرة المنظمات غير
الحكومية، وهي منظمات شبه وهمية لا ترغب بالتسجيل ولا تريد الإفصاح عن
بياناتها، وأنشطتها الفنية والمالية إلى رقابة أجهزة الدولة، ولا أحد
يعرف بالتحديد مصادر تمويلها.
لذا.. يستلزم أن تقوم الهيئات الحكومية المسئولة عن مكافحة غسيل
الأموال أو تمويل الإرهاب بوضع سياسات وخطط وبرامج تحمي المنظمات غير
الحكومية من تطاول الجماعات وأصحاب رؤوس الأموال القذرة، وممولي
الإرهاب، من خلال ما يأتي:
1 - تضمين مشروع قانون مكافحة غسيل الأموال، وقانون المنظمات غير
الحكومية رقم (12) لسنة 2010، نصوصا قانونية تحمي المنظمات غير
الحكومية من سوء استغلال العمل الخيري لصالح الجماعات وأصحاب رؤوس
الأموال القذرة وممولي العمليات الإرهابية أو إعطاء التعويضات نتيجة
المساهمة في تلك الأفعال.
2- شمول حسابات المنظمات غير الحكومية الأجنبية أو المنظمات غير
الحكومية المحلية التي تزيد موازنتها المالية على (75) مليون دينار
عراقي والمنظمات ذات النفع العام بتدقيق ديوان الرقابة، وذلك من اجل
الاحتفاظ بثقة المتبرعين والسلطات التنظيمية من جهة، ولضمان عدم سوء
استعمالها أو استغلالها من قبل المجموعات الإرهابية من جهة ثانية.
3- أن تنشا الجهات الرسمية المختصة استمارة حساب لجميع الأموال
والموجودات والعقارات لدى المنظمات غير الحكومية. وأن تقوم بالتدقيق
الميداني المباشر لحسابات المنظمات غير الحكومية، ففي العديد من
الأحوال يكون التدقيق المالي والحسابات غير كافية ضد سوء استعمال
المنظمة غير الحكومية. فمن الواضح أن فحص العمليات الميدانية هو أسلوب
ممتاز لاكتشاف سوء استعمال الأموال بما في ذلك تحويل الأموال إلى
الإرهابيين.
4- أن تتولى الجهات الرسمية المختصة التأكد من قيام المنظمات غير
الحكومية بتنفيذ مشاريعها، وأن المستفيدين هم أناس حقيقيون، وقد استلم
المستفيدون الحقيقيون الأموال التي أرسلت إليهم.
5- إلزام المنظمات غير الحكومية التي تتجاوز ميزانيتها (75) مليون
دينار عراقي على تعين محاسب قانوني مجاز يتولى تنظيم حسابات المالية من
حيث مصادر الأموال وطرق إنفاقها، وحث المحاسب القانوني على أن يؤدي
دورا في حماية القطاع الخيري من سوء الاستعمال، وتقليل خطر استخدام
المنظمات غير الحكومية من قبل المجموعات الإرهابية.
6- إلزام المنظمات غير الحكومية أن تحتفظ بميزانيات كاملة، وان يكون
في مقدورها تقديم مثل تلك الميزانيات التي تأخذ بعين الاعتبار كافة
نفقات البرامج. ويجب أن تشير تلك الميزانيات إلى هوية المستفيدين والى
كيفية إنفاق الأموال. ويجب أيضا حماية الميزانية الإدارية من التحويل
إلى جهات أخرى وذلك بتوفير مراقبة لها والتبليغ وتحقيق حماية جيدة.
7- إلزام المنظمات غير الحكومية بفتح حساب مصرفي خاص بأموالها، وان
تستخدم القنوات المالية الرسمية أو المسجلة لتحويل الأموال لاسيما إلى
الخارج. ويترتب على المنظمات غير الحكومية التي تتداول كميات كبيرة من
الأموال أن تستخدم الأنظمة المالية الرسمية للقيام بمعاملاتها المالية.
8- أن تعمل الجهات المختصة على توفير مراقبة مالية مناسبة على
الإنفاق وعلى البرامج بما في ذلك البرامج التي يجري تنفيذها بموجب
اتفاقيات مع منظمات أخرى؛ والتأكد من توازن مناسب بين الإنفاق المباشر
على البرنامج والإنفاق على الشؤون الإدارية؛ والتأكد من وضع إجراءات
لمنع استخدام تسهيلات المنظمة أو موجوداتها لدعم النشاطات الإرهابية أو
التغاضي عن النشاطات الإرهابية.
9- تفعيل هيئات الرقابة الرسمية مثل ديوان الرقابة المالية وهيئة
النزاهة العامة بهدف مكافحة سوء استعمال المنظمات غير المربحة من قبل
الإرهابيين من خلال تدريب مراقبين على معرفة ودراية بالمنظمات الجامعة
للتبرعات.
10- أن تتولى الجهات المختصة التنسيق وتبادل المعلومات مع السلطات
المختصة في البلدان الأخرى بالنسبة للمنظمات غير الحكومية التي يكون
المقر الوطني للمنظمة غير الحكومية في بلد آخر ويكون فرعها والعمليات
المستفيدة في العراق.. وأن تتولى إنشاء قائمة دولية للمدانين في جرائم
المخدرات وغسيل الأموال وأصحاب السوابق والمشبوهين تشمل الأفراد
والمنظمات غير الربحية التي تسعى لإنشاء وتأسيس منظمة غير حكومية
أجنبية.
11- حث البنك المركزي العراقي على التعاون مع الجهات المختصة من أجل
إعداد ورش عمل لشرح مفاهيم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والتعريف
بالقوانين و النصوص العراقية والإطار المؤسسي والتنظيمي والإجراءات
الرادعة والوقائية ضد هذه الظاهرة وأدوار ومسؤوليات الهيئات الخاضعة
لقانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وواجب اليقظة ومراقبة
الأشخاص المشتبه فيهم والتبليغ عن العمليات المريبة، فضلا عن المؤشرات
الدالة على عمليات الغسل وتمويل الإرهاب.
12- إنشاء قاعدة بيانات بالمنظمات غير الحكومية ومؤسسيها وأعضاء
هيئاتها الإدارية الذين يحاولون القيام بعمليات مشكوك فيها بكونها
عمليات غسيل أموال، أو يحاولون بعد ذلك فتح حسابات بشكل مباشر أو غير
مباشر، وإتاحة استخدام قاعدة البيانات المذكورة لتمكين الموظفين في
المصارف والمؤسسات المالية من الكشف عن محاولات جديدة أو فتح حسابات
مباشرة أو بالواسطة.
13- أن تلتزم الجهات المختصة بإبلاغ (مكتب الإبلاغ عن جريمة غسيل
الأموال) في البنك المركزي العراقي إذا ما حاولت المنظمة غير الحكومية
توظيف مبالغ متحصلة من نشاطات غير قانونية، أو توظيف مبالغ لتستعمل
لتمويل الجريمة أو توظيف مبالغ لدعم غرض غير قانوني بطريقة ما.
وبذلك يمكن تحديد ومحاصرة تلك المنظمات التي تستغل اسم المجتمع
المدني لأهداف تخالف هذا المفهوم، شريطة عدم استغلال تلك الإجراءات من
قبل أي سلطة للتحكم بعمل المنظمات الفاعلة أو التضييق على فاعليتها
واحترام برامجها وخصوصيتها وتقديم كافة أنواع الدعم لحركتها واتصالها
بالمجتمع من جهة وبالمنظمات الدولية من جهة أخرى.
http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/jameelawde.htm
.....................................................
** مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات هو أحد
منظمات المجتمع المدني المستقلة غير الربحية مهمته الدفاع عن الحقوق
والحريات في مختلف دول العالم، تحت شعار (ولقد كرمنا بني آدم) بغض
النظر عن اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب. ويسعى من أجل تحقيق هدفه
الى نشر الوعي والثقافة الحقوقية في المجتمع وتقديم المشورة والدعم
القانوني، والتشجيع على استعمال الحقوق والحريات بواسطة الطرق السلمية،
كما يقوم برصد الانتهاكات والخروقات التي يتعرض لها الأشخاص والجماعات،
ويدعو الحكومات ذات العلاقة إلى تطبيق معايير حقوق الإنسان في مختلف
الاتجاهات...
موبايل/009647712421188
http://adamrights.org
ademrights@gmail.com
https://twitter.com/ademrights |