غياب التخطيط الاستراتيجي للثقافة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من يتابع الانشطة الثقافية في العراق.. سيلاحظ أنها كثيرة ومتعددة، حيث نجدها في عموم المحافظات العراقية، فضلا عن العاصمة التي تعد حاضنة ثقافية مهمة تحفل بنشاطات في الادب عموما، وفي الفن التشكيلي والسينمائي والمسرحي، وثمة تقليد اسبوعي يتابعه المثقفون والادباء والفنانون، في شارع المتنبي الذي وصفه المعنيون والمهتمون، بأنه رئة الثقافة العراقية، هذه المؤشرات السريعة تدل على وجود حركة ثقافية فنية تنبثق بصورة متواصلة في عموم مساحة العراق.

ولكن ثمة مشكلة تعترض هذا النشاط الثقافي الفكري الفني المتواصل هنا وهناك، سنأتي على ذكرها، إذ أن المراقب المعني او المهتم، حينما يقف جانبا ويتطلع الى المشهد الثقافي، سيلاحظ من دون شك غياب الاستراتيجية الثقافية التي تضم بين دفتيها هذا الحراك المتواصل، وهذه الانشطة المتنوعة، إذ أنها توحي بحالة من التشرذم الثقافي غير مسبوقة.

فالأصل في الثقافة، كما في كل مجالات الابداع الاخرى، ليس الكم بالدرجة الاولى، وإن كان للكم تأثيره المعروف، ولكن يتم التأثير الثقافي بوجود التنظيم الذي يحتوي الانشطة الثقافية المتعددة، ويوجه مساراتها بصورة صحيحة، لكي يجعل من اكثر تركيزا وقوة وتأثيرا، هذا التناغم الثقافي العام، اذا ما كان يسير وينشط ويتحرك وفق استراتيجية ثقافية ممنهجة ومبرمجة ومخطط لها مسبقا، فإن النتائج ستكون على قدر كبير من النجاح والتأثير، خلافا لما ينتج عن الفعل الثقافي العشوائي.

ولا شك أن الاستراتيجية الثقافية، تنظم العمل الثقافي، وتساعد على تحقيق الاهداف المخطط لها، إذ يتقدمها رفع مستوى الثقافي والوعي لدى الفرد والمجتمع على حد سواء، ولا يأتي هذا من دون السعي الحثيث والتخطيط السليم لتحيق هذا الهدف، أما العشوائية الثقافية، فهي غير منتجة بطبيعة الحال، لأنها لا تقوم على اسس واضحة ورصينة، ولا تستهدف رفع المستوى الثقافي للفرد او الجماعة، بل في الغالب تكون النشاطات الارتجالية خاضعة للمزاج الشخصي، وغير مدروسة، ولا تقود الى نتائج ملموسة، كونها لا تستند أصلا الى قاعدة او منظومة ثقافية واضحة المعالم، بطبيعة الحال لا نعني بالتخطيط والبرمجة واخضاع الفعل الثقافي الى استراتيجية واضحة، أننا نهدف الى تركيز الفعل الثقافي في بؤرة محددة، إنما الهدف هو تنظيم الانشطة الثقافية والفنية المختلفة، و وضعها ضمن سياقات متناغمة، بعضها يسند البعض الاخر، فتظهر وكأنها تنطلق بصورة منتظمة لا تقبل الارتجال ولا العشوائية في العمل الثقافي او الفني.

لقد لاحظنا عدة مشاريع ثقافية في العاصمة بغداد، وفي سواها من المحافظات، وتم صرف مبالغ مالية كبيرة جدا على هذه الفعاليات، ولكن لم تأت هذه المشاريع، ضمن الاستراتيجية الثقافية التي طالبنا بها وأشرنا لها في هذا المقال وسواه، مما سبق كتابته ونشره في حينه، اذا تم طرح رؤى كثيرة في هذا الصدد ولم يؤخذ بها من لدن الجهات المعنية، لذلك طالت بعض المشاريع الثقافية شبهات فساد، وصفقات مشبوهة لا يسع المجال هنا للتفصيل او الخوض بها.

ولكن حدثت مثل هذه الاخطاء بسبب العشوائية والمزاجية وحالة الارتجال التي تقع الثقافة الآن تحت سطوتها، إذ هناك نزعات فردية مريضة تحاول أن تستأثر بالفعل الثقافي، وتحاول ان تتصدر المشهد الثقافي والفني من دون وجه حق، او من دون خبرة وتخصص، لكنها تبقى نزعات فردية لصناعة مجد شخصي لا يمت للحقيقة بصلة، كل هذا وسواه ادى الى غياب التأثير الواضح للثقافة في رفع مستوى الوعي والفكر لدى المجتمع بصورة عامة، لذلك ثقافتنا تحتاج الى تنظيم الفعل الثقافي المتنوع وضبطه وفق ايقاع استراتيجي مؤثر يجعل من الثقافة ذات حضور قوي وكبير ومنتج في حياة الجميع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 17/أيلول/2013 - 10/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م