تركيا تضطرب مجددا... احتجاجات عنيفة وقمع اعنف

 

شبكة النبأ: بعد صراع حامي الوطيس بين الحكومة التركية برئاسة رجب طيب أردوغان والمعارضة الشعبية قبل أشهر قليلة، أفرزت اضطرابات أمنية وسياسية كبرى هزت تركيا داخليا وخارجيا، يعود الحراك الشعبي اليوم مجددا الى الواجهة في البلاد التركية ويبدو ان المتظاهرين مصممين على مواصلة تحركهم ضد الحكومة رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان فقد ترجمة تظاهرات تركيا الاخيرة عن غضب شعبي عارم على انحراف استبدادي لاردوغان، والسعي لقمع حقوق وحرية الشعب التركي.

ففي الاونة الاخيرة منعت الشرطة المحتجين من الوصول الى ميدان تقسيم بؤرة الاحتجاجات المناهضة للحكومة وعمدت الشرطة التي انتشر عناصر باعداد غفيرة على طول جادة الاستقلال وفي الشوارع المتفرعة منها، الى استخدام قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، في تفريق المتظاهرين الذين اشتبكوا مع رجال الشرطة في مواجهات تواصلت حتى وقت متأخر من الليل، أدت الى مقتل شاب متظاهر.

ويتوقع الكثير من المراقبين ان يؤدي مقتل هذا شاب في ظروف ما زالت غامضة في اثناء مواجهات مع الشرطة الى انعاش حركة الاحتجاجات التي هزت السلطة الاسلامية المحافظة في تركيا، خصوصا بعدما قررت الشرطة التركية إغلاق جميع الشوارع المؤدية إلى حديقة غازي بإسطنبول لمنع تنظيم تظاهرة بمناسبة اليوم العالمي للسلام.

كما قمعت الشرطة التركية عشرات الطلاب قرب حرم جامعي في انقرة تظاهروا ضد مشروع للبلدية يقضي باقتلاع اشجار جزء من الحرم، وياتي هذا القمع المضطرد بهدف منع اي تظاهرة حول هذه الحديقة التي تحولت رمزا، عمدت السلطات التركية الى اغلاقها ونشر وحدات من الشرطة في محيطها. وتمركزت مدرعات للشرطة حول الحديقة فيما وجهت دعوات الى التظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي رفضا لقمع الشرطة في انقرة، وقامت حكومة رجب طيب اردوغان بقمع الاحتجاجات بعنف فاوقفت المئات في عملية ادت الى مقتل خمسة اشخاص وجرح ثمانية آلاف آخرين، واثارت هذه الاحداث انتقادات في العالم للحكومة التركية ولا سيما في اوروبا.

ويرى بعض المحللين انه في حال استعادت الحركة الاحتجاجية زخمها فسيكون صدمة قاسمة للحكومة اردوغان الذي خاب امله كثيرا لعدم فوز اسطنبول بتنظيم الالعاب الاولمبية 2020 واعلان المتمردين الاكراد عن تعليق انسحابهم من تركيا في اطار عملية سلام.

إذ يرى الكثير من المحللين إن أسلوب اردوغان في السنوات القليلة الماضية أصبح استبداديا،  حيث تتعرض وسائل الاعلام لضغوط وكذلك أثار القبض على شخصيات عسكرية ومدنية في مؤامرات انقلاب مزعومة وخطوات أخرى مثل القيود على بعض الحريات والحقوق قلق الطبقة المتوسطة العلمانية التي تخشى من أي اقحام للدين في حياتها اليومية، و على الرغم من كل هذه الانتقادات استخدمت السلطات التركية نهج القمع البوليسي وقوة المفرطة من جانب الشرطة في مواجهة المتظاهرين، من خلال الإجراءات التعسفية والإجرامية بحق الشعب، كالاعتقال والملاحقة، والتعتيم الاعلامي على نحو خاص، لتشكل أعنف اضطرابات سياسية حقوقية امتدت الى العديد  من المدن التركية، مما أثارت قلق المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي على حد سواء، وقد شكلت هذه الاحتجاجات ثورة كبيرة على الحكومة وهز الثقة بها بشكل كبير، فالشعب اليوم مستاء بشكل عام، وتظاهرات الشعب التركي فعلت مجتمعاً مدنياً قوياً يطالب بحكومة أفضل، مما يضع الحكومة الحالية على محك التغيير.

عودة التظاهرات العنيفة

على الصعيد نفسه تظاهر الاف الاشخاص وتواجهوا مع الشرطة في كبرى المدن التركية احتجاجا على مقتل متظاهر كما اوردت وسائل الاعلام، وفي اسطنبول شكلت ساحة كاديكوي على الضفة الاسيوية للمدينة المركز الرئيسي للتجمعات حيث وقعت صدامات بين نحو الف متظاهر وقوات الامن التي استخدمت الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه كما ذكرت الشبكة الاعلامية سي ان ان-تورك، وقامت الشرطة بتوقيف نحو عشرين شخصا بحسب هذه الشبكة التي اشارت الى اصابة عدد من المتظاهرين بجروح، وفي ازمير كبرى مدن غرب تركيا شارك اكثر من 2500 شخص في مسيرة بوسط المدينة متحدين الشرطة التي اطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على الحشد الذي كان يهتف "حزب العدالة والتنمية قاتل"، في اشارة الى الحزب الحاكم المنبثق عن التيار الاسلامي بحسب صحيفة حرييت. بحسب فرانس برس.

وسجلت صدامات مماثلة في انقرة ومرسين (جنوب) وكذلك في مدينة انطاكيا الواقعة في جنوب تركيا والقريبة من الحدود السورية حيث فقد الشاب احمد اتاكان (22 عاما) حياته اثناء صدامات مع الشرطة، وتؤكد عائلته انه قتل بمقذوفة اطلقتها الشرطة في حين اكد وزير الداخلية التركي معمر غولر ان الشرطة ليست مسؤولة عن مقتله بل انه نتيجة سقوطه منددا باستغلال هذه الوفاة لغايات تحريضية، وقد ادت هذه الوفاة الى تزايد التظاهرات في كل انحاء تركيا ما يلوح بشبح تجدد الحراك المناهض للحكومة وغير المسبوق الذي هز في حزيران/يونيو البلاد في ظل نظام اسلام محافظ متهم بالاستبداد.

ازدياد حدة الاحتجاجات بعد مقتل متظاهر

في الوقت نفسه قال شهود عيان إن الشرطة التركية استخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق حشود في اسطنبول وأنقرة كانت تحتج على مقتل أحد المتظاهرين في وقت سابق، وتقدم العشرات من أفراد شرطة مكافحة الشغب المدعومين بمدافع المياه صوب المتظاهرين وأطلق بعضهم قنابل الغاز المسيل للدموع والطلقات البلاستيكية في الشوارع الجانبية فيما لاذ المحتجون بالفرار، وفي العاصمة انقرة تجمع اكثر من الف شخص في ميدان كيزيلاي الرئيسي قبل ان تستخدم الشرطة مدافع المياه والغاز المسيل للدموع لتفريقهم. بحسب رويترز.

وتوفي احمد اتاكان البالغ 22 عاما في المستشفى في انطاكيا (جنوب) متاثرا بجروحه بعد اصابته في اثناء مواجهات بين المتظاهرين البالغ عددهم حوالى 150 وشرطة مكافحة الشغب التي استخدم عناصرها قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه بحسب وسائل الاعلام التركية، وكانت انطاكيا القريبة من الحدود السورية، احدى المدن التركية التي شكلت مركزا للتظاهرات المناهضة للحكومة في حزيران/يونيو، واوضحت وكالة دوغان للانباء ان اتاكان اصيب في رأسه عند اطلاق الشرطة قنبلة يدوية مسيلة للدموع، وكان ضمن مجموعة متظاهرين في انطاكيا تجمعوا لاحياء ذكرى احد ضحايا الاحتجاجات ضد الحكومة التركية في حزيران/يونيو الماضي.

لكن السلطات المحلية رفضت هذه الرواية مؤكدة ان الشاب سقط من سطح مبنى في اثناء التظاهرات فيما كان يرشق الشرطة بالحجارة، كما اعلنت المديرية العامة للشرطة على موقعها على الانترنت ان الوفاة نتيجة سقوط الشاب، مؤكدة انه عند وقوع الحادث "لم تكن قوى حفظ النظام تنفذ اي تدخل" ضد المتظاهرين، وكلفت الداخلية مفتشيها بالتحقيق في القضية بحسب بيان الشرطة، ونقلت دوغان نتائج تشريح اولي افادت خلاصاته انه توفي نتيجة "صدمة عامة" و"نزيف دماغي"، ويرتفع بوفاة الشاب عدد قتلى الاحتجاجات منذ حزيران/يونيو الى ستة.

بالاضافة الى القتلى الستة، اصيب اكثر من ثمانية الاف شخص بجروح في هذه الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة ضد الحكومة الاسلامية المحافظة برئاسة رجب طيب اردوغان التي تتولى الحكم منذ العام 2002، وبعد وفاة اتاكان شهدت شبكات التواصل الاجتماعي التي تعتبر محرك الحركة الشعبية، تكاثر الدعوات الى التظاهر، ومن المقرر تنظيم تظاهرات مساء الثلاثاء على ضفتي البوسفور ولا سيما في ساحة تقسيم التي تشكل رمزا لاحتجاجات حزيران/يونيو، ومنذ مطلع ايلول/سبتمبر وبدء السنة الجامعية، عادت مدن تركيا تشهد تظاهرات ضد تشدد الحكومة خصوصا اسطنبول وانقرة، لكنها اقل اتساعا بالمقارنة مع احداث حزيران/يونيو. بحسب فرانس برس.

ومن المقرر التظاهر ايضا تنديدا بعنف الشرطة في انقرة حيث يتظاهر الطلاب منذ ايام ضد مشروع للبلدية يقضي بشق طريق وسط حرم جامعة الشرق الاوسط التقنية ما يعني اقتلاع اكثر من ثلاثة الاف شجرة، وانطلقت حركة الاحتجاجات الحاشدة في حزيران/يونيو من تظاهر عدد قليل من الناشطين البيئيين احتجاجا على مشروع لاعادة ترتيب ساحة تقسيم في اسطنبول ينص على تدمير حديقة جيزي العامة واشجارها الـ600، والحق القمع العنيف لهذا التحرك ضررا كبيرا بصورة اردوغان الذي اعرب تكرارا عن تصميمه عدم الاذعان لارادة 2,5 مليون متظاهر نزلوا الى شوارع تركيا احتجاجا على حكمه، ومنذ انتهاء التعبئة في اواخر تموز/يوليو والحكومة تشن حملة تصفية حسابات مع معارضيها، واوقف الكثير من المتظاهرين وافرج عن القسم الاكبر منهم لاحقا في انتظار محاكمتهم.

اما الصحافة التي تخضع بشكل كبير للحكومة فقد طالتها اجراءات الانتقام كذلك. وتعرض عشرات الصحافيين والكتاب المعروفين الى الطرد بسبب التعبير عن تضامنهم مع المتظاهرين الذين دافعوا عن العلمانية ونمط الحياة العصري امام ما يعتبرونه تشددا اسلاميا تطبقه السلطة.

الشرطة التركية تقمع التظاهرات

الى ذلك تدخلت الشرطة التركية مرارا مستخدمة الغاز المسيل للدموع لتفريق عشرات الطلاب قرب حرم جامعي في انقرة تظاهروا ضد مشروع للبلدية يقضي باقتلاع اشجار جزء من الحرم، وقامت قوى الامن التي انتشرت بكثافة في المكان واستخدمت الهراوات بتوقيف 14 متظاهرا، وخاض مئات المتظاهرين مواجهات مع شرطة مكافحة الشغب ورشقوا عناصرها بالحجارة واقاموا حواجز امام المدخل الرئيسي للجامعة، وفق مشاهد بثتها قنوات التلفزيون، وعمدت الشرطة مجددا الى اطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي على المتظاهرين.

ومنذ اسابيع عدة يحتج طلاب جامعة الشرق الاوسط التقنية في انقرة وسكان المنطقة على مشروع طريق سريعة يتطلب اقتلاع اشجار الحرم الجامعي، واخيرا، اعلن رئيس بلدية انقرة مليح غوكتشيك العضو في حزب العدالة والتنمية الحاكم (منبثق من التيار الاسلامي) والمعروف بتصريحاته الحادة واثارته للجدل، ان شق طريق سريعة تمر في وسط الحرم الجامعي سيبدا قريبا. بحسب فرانس برس.

استخدم القوة المفرطة في ساحة تقسيم

كما خلص محققو وزارة الداخلية التركية إلى أن عناصر الشرطة استخدموا القوة المفرطة ضد مجموعة كانت تتظاهر في البداية سلمياً في منتزه غيزي بساحة تقسيم باسطنبول في أيار/مايو وحزيران/يونيو الماضيين، وذكرت صحيفة (مليت) التركية، أن المحققين التابعين للداخلية حققوا في سلوك الشرطة خلال المظاهرات التي بدأت أواخر أيار/مايو باسطنبول وانتشرت في عدة أقاليم في البلاد، بينها إزمير، وأنقرة، وأنطاليا. بحسب يونايتد برس.

وأضافت أن المحققين الذين راجعوا العديد من الأشرطة المصوّرة خلصوا إلى أن عناصر الشرطة استخدموا القوة المفرطة ضد المتظاهرين في منتزه غيزي، وأشارت إلى أن المحققين طلبوا من الداخلية إذناً للتحقيق مع عناصر الشرطة المتورطين في استخدام القوة المفرطة، مؤكدة أن الداخلية منحتهم بالتالي موافقتها، معلنة أن عناصر الشرطة المعنيين سيقدمون إفادتهم بصفتهم مشتبه بهم في القضية.

وكانت المظاهرات في ميدان تقسيم باسطنبول بدأت في أيار/مايو بعد الإعلان عن مشروع لبناء مشروع تجاري مكان متنزه غيزي.

منع تنظيم تظاهرة في اليوم العالمي للسلام

اغلقت الشرطة التركية المنافذ المؤدية الى حديقة جيزي التي كانت في حزيران/يونيو مركز حركة احتجاج كبيرة ضد الحكومة، لمنع تنظيم تظاهرة للاحتفال باليوم العالمي للسلام، وقد صدت وحدات من شرطة مكافحة الشغب بدروعها ومن دون استخدام القنابل المسيلة للدموع وخراطيم الماء، حوالى الف متظاهر انكفــأوا الى جادة استقلال القريبة من الحديقة وشكلوا سلسلة بشرية، بحسب فرانس برس.

وتشكلت سلاسل بشرية ايضا في عدد من الاحياء الاخرى للمدينة بدعوة من منتديات الحوار التي خرجت من رحم الحركة الاجتماعية في حديقة جيزي، ودعت جميعا سكان اسطنبول "الى التكاتف من اجل عالم تسوده الحرية والسلام"، وفد فرقت الشرطة السبت بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم الماء مجموعة من المتظاهرين ضد الحرب في انقرة، كما ذكرت شبكة ان .تي.في التلفزيونية.

تأثر السياحة التركية

على صعيد آخر أظهرت بيانات أن أعداد الزوار الأجانب الذين وصلوا إلى تركيا زادت بأقل معدل في ثمانية أشهر الاخيرة متأثرة بالاحتجاجات المناهضة للحكومة، وارتفع عدد الزوار الأجانب 0.48 بالمئة على أساس سنوي الشهر الماضي إلى 4.59 مليون شخص وفقا لبيانات وزارة السياحة وهو أقل معدل ارتفاع منذ نوفمبر تشرين الثاني الماضي، وارتفع عدد الزوار بمعدل 4.93 بالمئة في الشهر السابق، وتمثل إيرادات السياحة أحد أهم العناصر التي تساعد في تمويل عجز ميزان المعاملات الجارية الذي تجاوز نسبة سبعة بالمئة من الناتج. بحسب رويترز.

وتركيا وجهة رئيسية للسائحين العرب لكن اعدادهم عادة قلت هذا العام، وفي عام 2012 بكامله بلغ اجمالي عدد السياح 31.78 مليون سائح بارتفاع بنسبة 1.04 بالمئة عن عددهم عام 2011.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 16/أيلول/2013 - 9/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م