التغيير الكبير الذي شهدته المنظومة العربية منذ العام 2003 كان
عاصفا ومدهشا ومثيرا لتساؤلات لاتنقطع ولاتنتهي وهو تغيير يشبه المذنب
البعيد الذي يجر وراءه سحابة من الغبار والغازات التي تشع وتبهر
الأنظار وتكاد ترعب النفوس والعقول وتتطلب حتى إظهار الكثير من الجلد
والصبر وطاقة التحمل التي لايمكن إلا أن تكون حاضرة في خضم تحولات
كبيرة وهائلة نقلت العالم العربي الى شكل جديد من أشكال العمل السياسي
وأثرت في الأولويات ودفعت الى المزيد من البحث في أسباب ذلك التغيير
ودوافعه وماسينتج عنه في المستقبل حيث تنتظر الأجيال العربية مايمكن أن
نسميه (مستقبلها الغامض) في ظل غياب واضح للخطط والبرامج
والإستراتيجيات، وربما تكون الصورة واضحة المعالم تماما في دول عربية
عدة ماتزال تعيش مخاض التغيير وبعضها مايزال يدفع أثمانا باهظة نتيجته.
العراق، تم التخلص فيه من دكتاتورية كانت تحكم المشهد السياسي لعقود
عدة ودخلت في صدامات مع دول جوار إقليمي وعربي، الفرق أن تدخلا خارجيا
كان مؤثرا في إضعاف النظام السياسي لكن علينا أن لانستعجل الحديث في
موضوعة التغيير وعوامل التأثير فيه ونتغافل حقيقة إن كل تغيير شهدته
الدول العربية كان للغرب ولأمريكا وللتدخل الخارجي نصيب في تأكيده أو
توجيهه، فلولا القصف الجوي المركز من قبل الطائرات الفرنسية ومن ثم
تدخل حلف الناتو لما إستطاع المعارضون لنظام العقيد معمر القذافي دخول
العاصمة طرابلس. ولولا التدخل الغربي والأمريكي بالذات والضغط الذي
مورس على الرئيس محمد حسني مبارك لما كان هناك نجاح كالذي حصل للثورة
المصرية في 25 يناير 2011، ولولا المبادرة الخليجية والضغط الأممي
الغربي لما تنازل علي عبدالله صالح عن عرشه في اليمن..
المملكة العربية السعودية كانت حاضرة في المشهد فهي بالرغم من
خلافها العميق مع نظام صدام حسين على خلفية غزوه للكويت وفي إطار
المنافسة الإقليمية والعربية والخليجية لكنها لم تكن ترغب في نظام
سياسي كالذي يحكم في العراق اليوم ولذلك عمدت منذ تشكيل مجلس الحكم في
العام 2003 الى إتباع سياسة هدفها إعادة النظام القديم بأي شكل كان
لأنها لاتستطيع تحمل نظام سياسي يقترب من إيران الى مستوى يقلقها ويثير
مخاوفها، لكنها بفعل عوامل الإنقسام الداخلي والتوازنات الدولية
والتأثير الأمريكي والإقليمي لم تستطع إعادة إنتاج النظام القديم على
مستوى الحكم حتى وإن ثبتت ورسخت وجوده في شكل معارضة سياسية من خلال
بعض الأفرقاء السياسيين القريبين منها...
وفي اليمن نجحت في تشكيل لجنة مهمتها الخروج بالبلاد من أزمة الحكم
الخانقة على خلفية التظاهرات المطالبة بخروج علي عبدالله صالح حليفها
القديم من السلطة وتمكنت من خلال مبادرة خليجية من أن تخرج علي صالح من
الباب وتعيده من الشباك وتترك للحكم الجديد الفرصة بإعتباره حكما لعلي
عبدالله صالح بنسبة 100%، وهو الأمر الذي عملت عليه في مصر بعد أن
فوجئت بسقوط الصديق محمد حسني مبارك لكنها صمدت وبقيت محافظة على
هدوئها وتركت المجال للأتراك والقطريين وللإخوان المسلمين أن يعملوا في
مصر في ظل ظروف إقتصادية خانقة وفوضى أمنية وبقيت على دعمها لجبهة
المعارضة لحكم الإخوان وتمكنت من تأهيل نظام مبارك من خلال رجاله في
الجيش والأمن المركزي والمخابرات والقوى السياسية والإقتصادية المتمكنة
فعلا من الدخول في مفاصل وتفاصيل الدولة حتى إذا حانت لحظة الحقيقة
أجهزت على نظام الإخوان المسلمين وتركت القطريين لحال الذهول وللإتراك
التصريحات الرنانة غير المجدية..
هي دول ثلاث تحركت عليها المملكة العربية السعودية حيث فشلت في
العراق ونجحت في اليمن ومصر...لكنها لم تيأس. وستحاول النجاح في
المستقبل.
Hadeejalu71@yahoo.com |