قيم التقدم: الإنصاف

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: الانصاف قيمة اساسية من القيم التي تساعد بناء مجتمع متوازن ومنتج وقادر على الابداع، ومواجهة مصاعب الحياة الكثيرة، نظرا للتأثير المعنوي الكبير الذي يعكسه الانصاف في نفوس الآخرين، فضلا عن المكاسب المادية التي يحققها شعور الافراد بعضهم تجاه البعض الآخر، ومراعاة الجميع لمصالح الجميع.

ولا شك أن ثمة تقاربا شديدا بين مفهومي العدل والإنصاف، لدرجة أن كثيرا من المعنيين، يعتقدون أن المفهومين ينبعان من أساس واحد، هو حماية الانسان من الغبن بكل أشكاله ودرجاته، ومع ذلك هناك فرق بين العدل والانصاف، فالمفهوم الاول يخضع للقوانين الوضعية والشرعية، ويحتكم الى نصوص وتعاملات محددة ومعروفة ومتفق عليها في المجتمع، بمعنى أن العدل حالة خارجية تضبطها قوانين ونصوص وأعراف وما شابه، أما الانصاف فهو حالة داخلية او ذاتية تنبع من أعماق الانسان وقناعاته وطبيعة تفكيره وسلوكه ورؤيته للحياة، وطبيعة علاقته مع الاخرين.

لذلك من المهم جدا أن تحضر قيمة الانصاف في جميع التعاملات المتبادلة بين الافرد مع بعضهم أو بين الجماعات، لأن الانصاف يعني بصورة مبسطة، أنك تشعر بالاخر، وتفكر بهمومه واحتياجاته، بل تسعى لان تحمي حقوقه، وترغب بمساعدته في تذليل المصاعب أيا كان مصدرها او حجم تأثيرها.

وبهذه الرؤية الواضحة لمفهوم الانصاف، فإن مراعاة الآخر والشعور به، وعدم المشاركة في تعريضه للغبن، بل منع الغبن عنه هو الاساس الذي ترتكز عليه قيمة الانصاف، علما انها تنطلق من سلوك طوعي ذاتي، غير خاضع للضوابط القانونية او الشرعية او العرفية ايضا، لذلك من ينصف الآخرين يستحق أن يبلغ مرتبة الأشراف.

وقد قال الإمام علي عليه السلام: (من تحلى بالإنصاف، بلغ مراتب الأشراف)، وقال عليه السلام في الإنصاف إنه: (عنوان النبل) و (شيمة الأشراف) و (أفضل الفضائل) و (أفضل الشيم)، وقال عليه السلام أيضا: (المؤمن من‏ ينصف، من لا ينصفه). لذلك يعدّ الإنصاف من الملكات الإنسانية التي تُظهر الحق وتتجلى به في سيرة الإنسان وسلوكه وعلمه وعمله، وهو أن يرضى لغيره ما يرضى لنفسه، ويكون وفق الحكمة التي تضع كل شيء في محلة، والتصرف بما فيه المصلحة والخير لا غير.

ومن الملاحظ أن قيمة الانصاف تسهم بصورة جذرية في القضاء على التناحرات، والمشكلات التي تعترض طريق المجتمع نحو الاستقرار والتقدم، كذلك تجعل قيمة الانصاف من السلام والانسجام ممكنا، بل في متناول اليد للجميع، لأن هذه القيمة تصنع حالة من التوازن والتقارب بين جميع المكونات المجتمعية على الرغم من اختلافها في الدين او العرق او الموروث والتقاليد والثقافة وما شابه، ولذلك تقضي قيمة الانصاف على التجاوزات بكل اشكالها، بل وتقضي كليا على حالة الاستحواذ وتفضيل النفس على الاخرين، وتشيع حالة من الثقة والاطمئنان بين مكونات المجتمع كافة، لان الكل يعمل بجدية واخلاص من اجل الاخر ويشعر به، ويسهم في الحفاظ على حقوقه، ويمنع عنه الغبن، ولا يفضل نفسه عليه، بسبب الايمان بقيمة الانصاف، ليس في القول فقط، ولا التفكير المجرد من التطبيق، بل هو ايمان مغروس في العلاقات اليومية المتبادلة بين الناس، حيث يصبح الانصاف حالة معتادة يتمسك بها الجميع، من دون الضغط او استخدام وسائل الاكراه، وانما هو شعور طوعي ينتشر في المجتمع عموما ليتحول الى سلوك دائم بين الجميع.

وبهذا لابد أن يقطف الفرد والمجتمع في الوقت نفسه ثمار الانصاف، كقيمة اساسية من قيم التقدم، حيث تمنع التجاوز على افراد المجتمع بالرغم من تباين المصالح وتشابك العلاقات، لأن الانصاف سيكون هو المعيار الاساسي الذي تنتظم تحته، وفي ظله، جميع العلاقات التي تتعلق بالعمل والانتاج، فضلا عن العلاقات الانسانية بمختلف صورها ومساراتها المتشابكة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 11/أيلول/2013 - 4/ذو القعدة/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م