شبكة النبأ: مع تقادم الزمن تزاد حياة
البشرية تعقيدا، وتتضاعف المخاطر والمشكلات التي تواجه الانسان، لأسباب
عديدة أهمها، زيادة نسبة السكان الملحوظة على الارض، مع الاستنزاف
المتواصل لمواردها بسبب الكثافة السكانية المتصاعدة، ولو اضفنا طبيعة
التركيبة النفسية للإنسان، وحرصه على حماية مصالحة على حساب الاخرين،
كما يفعل الغرب اليوم على سبيل المثال، فإن نزعة التفضيل الذاتي هذه،
تجعل من مخاطر الصراع أمرا في غاية الخطورة، لاسيما أن الانسان بات
يملك سلاحا فتاكا يمكنه أن يقضي على الارض ومن فيها كذا مرة! بسبب
القوة التدميرية الهائلة لهذا السلاح الذي يسمى (بقوة الردع النووي).
ولعل التساؤلات القائمة الان عن منظومة السلم العالمي وتعرّض السلام
الدولي الى هزات متواصلة ومخاطر كبيرة، تجعلنا نبحث بدقة عن السبل
والوسائل التي تدعم هذه المنظومة، وتجعلها اكثر قوة ورسوخا ضمانا لأمن
البشرية التي تتضارب مصالحها وتتصارع اراداتها رغبة في حماية هذه
المصالح، والاستحواذ على اكثر ما يمكن من الموارد التي تديم حياة
الانسان.
لماذا البحث عن السلم
لهذا انشغل المفكرون والفلاسفة والمصلحون، بالسبل التي تدعم مقومات
السلم والسلام العالمي، كما هو الحال مع المفكر الاسلامي الكبير،
الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه
الله)، الذي قدم الكثير في هذا المجال، عبر طروحاته الفكرية التي نجدها
حاضرة بقوة، في كتابه القيّم الموسوم بـ (الفقه: السلم والسلام).
لذلك يرى الامام الشيرازي: (أن -السلم والسلام- بمعناهما الأعم
والشمولي يقتضيان الأمن والعافية، والاستقرار والازدهار، وكل ما يوجب
تقدم الحياة وتطورها، ووضعها في أبعادها الصحيحة، صحية واجتماعية،
واقتصادية وسياسية، وعسكرية وإعلامية، وغيرها).
ولعلنا لا نختلف على الوقع النفسي الساحر الذي تخلفه مفردة السلام
في النفس، حيث تسود الرحمة، وتتضاعف فرص السلم، وتلتقي النفوس لترفل في
حالة من التعايش والامان دائمة ومتواصلة، إذ يقول الامام الشيرازي في
هذا المجال بكتابه المذكور اعلاه: إن (السلم هي كلمة تدخل في نفس
الإنسان الاطمئنان والراحة والهدوء، وتوحي إليه بذلك. ومن الواضح أن
الكل يبحث عن السلم والسلام في حياته، ويطلبه بفطرته، بل هذا ما نشاهده
عند الحيوانات أيضاً، فكلها تطلب السلام).
لهذا السبب فإن الانسان ينبغي أن لا تحصر جهوده على توفير السلم
لنفسه وذاته فقط، بل هو مطالب أن يسهم بفعالية وجدية في تحقيق السلم
الجمعي، وتوفير اقصى درجات السلام لغيره من الناس، وبهذه الطريقة يكون
السعي ذا طابع جمعي وهدف جمعي ايضا، لا ينحصر بالفرد الواحد فقط.
خاصة أننا نعيش في العصر الراهن حالة من تدهور الوضع الامني العالمي
غير مسبوقة، وكأن السلام اصبح اليوم حلم الجميع، حيث نجد بؤر التوتر
والاحتقان والاحتراب تسود في معظم مناطق العالم، كما يحدث الان في
منطقة الشرق الاوسط التي تعد من اكثر المناطق حساسية وخطورة في العالم
اجمع.
لذلك لابد ان يتعاون الجميع لتحقيق السلم الجماعي، وتدعيم منظومة
السلام العالمي، خاصة اذا عرف وآمن الانسان بأنه مسؤول عن السلم بمعناه
الاوسع، لذا يؤكد الامام الشيرازي في مؤلَّفه عن السلم والسلام على: (أن
الإنسان ليس مأموراً بحفظ نفسه وسلمها وسلامها فقط، بل مأمور بحفظ غيره
وسلمه وسلامه أيضاً).
البحث الدائم عن السلام
لذلك بسبب فقدان الامن على المستوى العالمي، صار الكل يتحدث عن
اهمية السلام، ولعلنا نلاحظ بوضوح الاستنزاف المتواصل لموارد الارض، مع
مضاعفة اعداد المواليد الجدد على الارض، هذا يستدعي تفكيرا بمضاعفة
الموارد ويؤدي الى تضارب المصالح، وحدوث الصراعات على المستوى الاقليمي
واحيانا الدولي، لهذا نلاحظ الجميع يتحدث عن اهمية السلام، حتى الدول
التي لا تعبأ بالسلام ايضا!.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بوضوح تام: (إن مساحة الحياة
صارت ضيقة إلى أبعد الحدود، والكل يريد الخير كله لنفسه ويريد إبعاد
الشر كله عنها، لذلك تصادمت المصالح في إرادة الاستحواذ على مقتضيات
الزمان، وفي هذا الإطار تنشأ الحروب والثورات والإضرابات والمظاهرات
وأسباب العنف وما أشبه ذلك، كما هو مذكور في علم الاجتماع. من هنا تتضح
الحاجة إلى تطبيق قانون السلم والسلام ومعرفة مقوماته في مختلف مجالات
الحياة).
وقد ضاعفت الدول الكبرى والصغرى ايضا من دعواتها لأهمية السلام،
وبات الجميع يرى اهمية قصوى في استعادة منظومة السلم والسلام العالمي
والعمل على انشاء مقومات راسخة في هذا المجال، لذلك نلاحظ انشغال دول
العالم في جميع المحافل بالبحث عن السلام، والتركيز على هذا الجانب.
لذا يرد في كتاب الامام الشيرازي المذكور سابقا، عن هذا الجانب
قائلا: (في هذا العصر بالذات خصوصاً في النصف الأخير من هذا القرن،
التفت الإنسان إلى ضرورة البحث عن السلم والسلام، وصار الشغل الشاغل
للناس في وسائلهم الإعلامية وغيرها، ومدارسهم الخاصة ومدارسهم الدولية،
فصاروا يتكلمون في الشرق والغرب عن السلم والسلام، ويبحثون عنه في
المؤتمرات الدولية وفي المؤتمرات القطرية، وينشدونه في كل محفل من
المحافل، في شتّى أقسامها وباختلاف مستوياتها، حتى تلك الدول التي تثير
الرعب وتشيع الخوف في بلدانها وبين جيرانها، نراهم يبحثون عن السلام أو
يتكلمون فيه).
إن الوضع المؤسف بل الخطير الذي يعيشه العالم اجمع، وسط حالة من
الاضطراب والمخاوف المتصاعدة من نشوب حروب مدمرة، تجعل الجميع في حاجة
لإعادة دفة السلم والسلام الى موقعها الصحيح، وهناك دور للأعلام في هذا
الجانب فضلا عن الدول التي يمكنها بالتوافق ان تجعل السلام هدفا ممكن
التحقيق.
لهذا يقول الامام الشيرازي في كتابه المذكور سلفا: (كلما اشتد البحث
عن السلم والسلام في الوسائل الإعلامية وغيرها، وعلت الأصوات في ترويج
كلمة السلام وتكرارها، ربما دل ذلك على مدى مشكلة البشرية ومعاناتها
وصعوبة الوصول إلى السلام وتعقد مسالك سبلـه وضياع معالمه). |