شبكة النبأ: تموج بلاد الياسمين وسط
أزمة سياسية متصاعدة زادت حدة بعد فشل الوساطة بين الحكومة والمعارضة
للخروج من الأزمة السياسية في تونس ولا توافق حتى الان، على الرغم من
المقترحات والتنازلات والاتصالات المتواصلة بين طرفي الخصام، فما زال
الخلاف على حاله منذ اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي مؤخرا، اذ ان
النهضة ترفض استقالة حكومتها وتشكيل حكومة تكنوقراط، بينما يشترط
المعارضون تلبية مطالبهم قبل الدخول في مفاوضات مباشرة حول بقية نقاط
الخلاف مثل الانتهاء من صياغة الدستور والقانون الانتخابي.
غير ان الطرفين قدما تنازلات طفيفة اذ وافقت النهضة على احتمال
استقالة حكومتها لاحقا في حين اصبح المعارضون يصرون اقل من ذي قبل في
خطابهم على حل المجلس الوطني التأسيسي، وهو ثاني مطالبهم الاساسية، لكن
تصل هذه الازمة المتفاقمة مرحلة اليأس من التوصل الى حل وسط.
إذ ان ما تشهده تونس من صدامات سياسية منذ عدة اشهر بين الحكومة
والمعارضة واستمرار التنافر السياسي الحاد، سيغلي صراعهما ويبقى الأزمة
تونسية متجددة قد تدفع البلاد نحو مزيدا من الاستقرار، حيث تتهم حكومة
العريض بانها فشلت في ضبط الامن بمواجهة تنامي الحركات الاسلامية
الجهادية، كما فشلت في المجال الاقتصادي في حين ان المطالب الاقتصادية
كانت في صلب ثورة كانون الثاني/يناير 2011 التي اطاحت بزين العابدين بن
علي، وكانت الحكومة السابقة بقيادة حركة النهضة ايضا اجبرت على
الاستقالة بعد اغتيال المعارض شكري بلعيد في شباط/فبراير الماضي، مما
شجع المعراضة على ارغام حكومة الاسلامية على الاستقالة، مما قد قد يقرب
تونس مهد ثورات الربيع العربي من السيناريو المصري الذي أطاحت فيه
المعارضة العلمانية بحكومة يقودها الإسلاميون، مما يذكي سؤالا موحدا هو
هل تستورد تونس الانقلاب الشعبي بعدما صدرت ثورتها لمصر؟.
حيث يرى بعض المراقبين أن الوضع السياسي وارتباطه بالأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، لن يأخذ مجرى الاستقرار واستعادة ثقة
التونسيين والأوساط الدولية والدول الصديقة والشقيقة، سوى بإنهاء
الاتفاق على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وتحديد تاريخ
الانتخابات، فل ولم ترتسم اي تسوية في الافق لا سيما ان اعمال المجلس
الوطني التأسيسي مجمدة حاليا في انتظار التوصل الى توافق، مع استمرار
الحركة الاحتجاجية للمعارضة المطالبة باستقالة الحكومة، لتفاقم هذه
العوامل آنفة الذكر من حدة التوترات الضارية بين الجماعات العلمانية
المعارضة والأحزاب الإسلامية في السلطة.
في حين يرى معظم المحللين السياسيين إن تونس في مفترق طرق على صعيد
تشكيل حكومة جديدة، ففي ظل انعدام الثقة وغياب الحلول الوسط أو تخفيف
حدة الصراع بين الحكومة الإسلامية والمعارضة اللبرالية، يمكن للأزمة أن
تطول مع ما يبدو من تداعياتها الخطيرة على الاقتصاد والحقوق وبالأخص
على الصعيد السياسي، التي وضعت البلاد في دوامة مزمنة من عدم الاستقرار.
توجهات لإنهاء الفترة الانتقالية مبكراً
في سياق متصل اقترح الائتلاف الحاكم في تونس "الترويكا" التبكير
باستقالة الحكومة وإنهاء الفترة الانتقالية في غضون أربعة أسابيع فقط،
بدلاً من ثمانية، في خطوة اعتبر أنها تهدف إلى استعادة ثقة التونسيين،
والأوساط المالية الدولية، وعقد الائتلاف الحاكم اجتماعاً، مع الأطراف
الراعية للحوار الوطني، في مقر الاتحاد النقابي لعمال المغرب العربي،
لمناقشة المقترحات الخاصة بسرعة الانتهاء من الفترة الانتقالية، وقال
عضو الوفد المفاوض عن "الترويكا" وعضو المجلس الوطني التأسيسي عن حزب "التكتل"،
المولدي الرياحي، إنه تم خلال الاجتماع، تقديم مقترحات فيها "جانب من
المرونة"، بخصوص السقف الزمني لاستقالة الحكومة الحالية، وانطلاق
الحوار بالنسبة للحكومة القادمة. بحسب السي ان ان.
وأكد الرياحي، في تصريحات أوردتها وكالة "تونس أفريقيا" للأنباء،
الحرص على الالتقاء قريباً على طاولة المفاوضات، وعلى استعداد الائتلاف
الثلاثي لمزيد من المرونة في التفاوض حال انطلاق الحوار الوطني، مشدداً
على حاجة البلاد إلى الانتهاء من هذه المرحلة الانتقالية "في أقرب وقت
ممكن".
من جهته، قال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل، حسين
العباسي: "ليس هنالك تغيير كبير في المقترح الذي تقدمت به الترويكا،
ولكن فيه تفسير أكثر، كما أن التمشي أصبح أوضح بخصوص الاستعداد للتقليص
من آجال استقالة الحكومة إلى 4 أسابيع"، بحسب تقديره، وأضاف العباسي أن
الأطراف الراعية للحوار ستعقد، إذا فشلت المفاوضات، ندوة صحفية، يتم
خلالها الكشف عن جملة من الحقائق، وتقديم حصيلة المفاوضات الى الشعب
التونسي، معرباً عن تطلعه إلى "تقديم مزيد من التنازلات الموجعة"، وفق
قوله.
النهضة تقبل حل الحكومة لكن متى يتم ذلك؟
فيما عرض الائتلاف الحاكم في تونس استقالة الحكومة المؤقتة الحالية
خلال مدة أربعة اسابيع، لكن بعد انطلاق الحوار الوطني مع المعارضة،
ويأتي هذا العرض ضمن سلسلة من المشاورات المضنية التي يقودها الاتحاد
العام التونسي للشغل والمنظمات الراعية للمحادثات بين السلطة والمعارضة
لايجاد مخرج للأزمة السياسية في تونس، ولم تفض كل المقترحات السابقة
الى أي قبول من الجانبين، بينما تقدم الاتحاد بمبادرة تدعو لحل الحكومة
والابقاء على المجلس الوطني التأسيسي بآجال محددة ومراجعة التعيينات في
الادارة التونسية القائمة على الولاء الحزبي، وقال حسين العباسي الأمين
العام للاتحاد اليوم للصحافيين اثر اجتماعه بقياديين من الائتلاف
الحاكم "الترويكا (الائتلاف الثلاثي الحاكم) قدمت اليوم تمشيا واضحا
أعلنت من خلاله استقالة الحكومة بعد انطلاق الحوار الوطني".
وحدد الائتلاف الذي تقوده "حركة النهضة الاسلامية" مع "حزب المؤتمر"
من أجل الجمهورية وحزب "التكتل" من أجل العمل والحريات آجال مدتها
اربعة اسابيع مع انطلاق الحوار الوطني لحل الحكومة، وتعتبر تلك المدة
بمثابة مهلة للفرقاء السياسيين للتوصل الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو
حكومة كفاءات وتحديد مهامهما وفترة عملها.
وهذا المقترح لا يختلف كثيرا عما تدعو اليه "حركة النهضة الاسلامية"
منذ البداية، وهو "الدعوة أولا الى الحوار قبل حل الحكومة واستئناف
اشغال المجلس التأسيسي المعلقة والاسراع من النقاشات للتوصل الى توافق
وطني"، وتخشى الاطراف في الحكومة من فشل المفاوضات مع المعارضة، لكن
المدة المقترحة على الأرجح ستسمح بقياس الاتجاه العام لتلك المفاوضات.
وتطالب "جبهة الإنقاذ الوطني" التي تضم اطياف المعارضة بحل الحكومة
بشكل فوري والانطلاق بتشكيل حكومة كفاءات تتولى الاشراف على الانتخابات
وانقاذ البلاد من الفوضى الاقتصادية، وهذا المطلب الأساسي من بين حزمة
مطالب تقدمت بها المعارضة بعد اغتيال النائب المعارض في التأسيسي محمد
البراهمي في 25 تموز (يوليو) والذي أحدث أزمة سياسية وشللا مؤسساتيا في
البلاد حتى اليوم، ودعا الاتحاد السلطة والمعارضة الى تقديم تنازلات،
حتى لو كانت "مؤلمة" من أجل مصلحة تونس، وقال العباسي اليوم انه سيلتقي
مع المعارضة قريبا لعرض مقترحات الائتلاف الحاكم، مضيفا انه سيعقد
مؤتمرا صحفيا في حال فشلت المشاورات لتحميل المسؤوليات الى الاطراف
التي كانت سببا في فشلها، وقال المولدي الرياحي القيادي بحزب التكتل "ان
الائتلاف الحاكم يأمل انطلاق الحوار سريعا، غدا أو بعد غد".
مقترحات للخروج من الازمة
على الصعيد نفسه طرح الائتلاف الثلاثي الحاكم في تونس بقيادة حركة
النهضة الاسلامية مقترحا للخروج من الازمة مع تكرار رفضه تلبية طلب
المعارضة باستقالة الحكومة، وقال احد ممثلي الائتلاف والمسؤول في حزب
التكتل العلماني من اليسار الوسط المولدي الرياحي "عرضنا موقف الائتلاف
الثلاثي للخروج من الازمة. عرضنا مقترحا تكون الحكومة بموجبه مستعدة
للاستقالة على أن يترافق ذلك مع جملة من التدابير"، واضاف انه ينبغي "الاتفاق
على حيثيات استقالة الحكومة الحالية"، داعيا الى "استئناف اعمال المجلس
التأسيسي" المجمدة منذ بداية اب/اغسطس بسبب الازمة السياسية التي
اندلعت اثر اغتيال النائب المعارض محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو.
ورفض الرياحي التطرق الى تفاصيل مقترحات الائتلاف الحاكم بهدف "تسهيل
الحوار وتخفيف التوتر والمزايدات"، لكنه قال ان الحكومة المقبلة ستضم "سياسيين
وتكنوقراط"، وسلم المقترح لفريق من الوسطاء يضم الاتحاد العام التونسي
للشغل (المركزية النقابية القوية)، والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة،
والرابطة التونسية لحقوق الانسان، ونقابة المحامين. بحسب فرانس برس.
إلى ذلك دعا "الاتحاد من أجل تونس" وهو ائتلاف يضم 5 احزاب علمانية
بينها "نداء تونس" (اكبر حزب معارض في تونس) احزاب الائتلاف الثلاثي
الحاكم الى "الإقلاع عن التعنت والاسراع في الاستجابة لما بات مطلبا
شعبيا بحل الحكومة وإنهاء الأزمة"، ولا يبدو ان مقترح الائتلاف الحاكم
يستجيب لشروط المعارضة التي تطالب منذ نهاية تموز/يوليو بالاستقالة
الفورية للحكومة وتشكيل حكومة "انقاذ وطني" غير حزبية، وقال العباسي "لا
يزال على الطرفين تقديم تنازلات". ويعمل العباسي على اقناع الطرفين
بتشكيل حكومة تكنوقراط، وقالت حركة النهضة خلال هذا الاسبوع ان حكومة
علي العريض يمكن ان تستقيل فقط في حال التوصل الى تسوية مع المعارضة
بشأن مضمون الدستور الجديد الذي تتعثر صياغته منذ اشهر، وبشأن جدول
وقانون الانتخابات.
واعلنت المعارضة في هذا السياق تنظيم تظاهرة جديدة على شكل سلسلة
بشرية من ساحة باردو مقر المجلس التاسيسي الى مقر الحكومة في القصبة،
وتمكنت المعارضة من حشد عشرات الالاف في 6 و13 اب/اغسطس، لكنها فشلت في
تعبئة حشود كبيرة خلال اسبوع التظاهرات التي نظمت في مختلف انحاء تونس
منذ 24 اب/اغسطس.
اكبر حزب معارض يدعم جبهة الانقاذ الوطني
الى ذلك اعلن حزب "نداء تونس" وهو أكبر حزب معارض في تونس "دعمه"
لـ"جبهة الانقاذ الوطني" المعارضة التي شكلها مع احزاب علمانية
للمطالبة بحل الحكومة الحالية التي تراسها حركة النهضة الاسلامية، ودعا
ناشطيه الى "مواصلة" المشاركة في تظاهرات الجبهة، وقال الحزب الذي
يرأسه الباجي قايد السبسي رئيس الوزراء الاسبق، في بيان اصدره اثر
اجتماع مكتبه التنفيذي انه "يعبر عن اعتزازه بالجبهة الوطنية للإنقاذ،
ويؤكد على دعمها باعتبارها مكسبا وطنيا وعنصرا استراتيجيا لتجنيب
البلاد المخاطر المحدقة بها".
واتهمت احزاب مشاركة في جبهة الانقاذ الوطني مؤخرا حركة النهضة التي
تواجه اسوأ أزمة سياسية منذ وصولها الى الحكم نهاية 2011 بـ"مغازلة"
حزب نداء تونس لإخراجه من الجبهة بهدف "إضعافها" و"تفتيتها"، وقال راشد
الغنوشي في مقابلة مع تلفزيون "نسمة" التونسي ان "أهم شيء تحقق (مؤخرا)
هو كسر الجليد في العلاقة بين حزب النهضة ونداء تونس" اللذين وصفهما
بأنهما "أكبر حزبين في البلد"، وتابع الغنوشي "الاصل في البلدان
الديموقراطية ان البلد لا تمشي (تتحرك) إلا بالتفاهم بين الحزبين
الكبيرين ونحن نمد أيدينا لنداء تونس"، وتمثل تصريحات الغنوشي الذي رفض
في وقت سابق مجرد الحوار مع نداء تونس لأنه يضم بحسب قوله "أزلام" نظام
الرئيس المخلوع زين العابين بن علي، تحولا لافتا في موقفه من هذا
الحزب، وكان الغنوشي صرح سابقا ان نداء تونس "أخطر" على تونس من
الجماعات السلفية المتطرفة التي تورطت في اعمال عنف عدة. بحسب فرانس
برس.
وأضاف حزب نداء تونس في بيانه انه "يثمن التحركات الشعبية
الاحتجاجية والسلمية في كامل مناطق الجمهورية مساندة لمطالب جبهة
الانقاذ الوطني"، داعيا "كافة مناضليه إلى مواصلة المشاركة الفعلية في
مختلف التظاهرات التي يدعو إليها ضمن الجبهة"، واكد "ضرورة التسريع بحل
الحكومة الحالية وتشكيل حكومة انقاذ وطنية مستقلة"، وأعرب عن "عميق
انشغاله لما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
والامنية في البلاد من تدهور خطير يتفاقم يوما بعد يوم"، وقال إنه
"يأسف أن الطرف المقابل (الحكومة) وبالخصوص حركة النهضة، لم تتجاوب مع
هذه المطالب بصفة جدية وبقيت تراوح في الوعود الفضفاضة والتصريحات
المتناقضة".
وتشكلت "جبهة الانقاذ الوطني" بعد اغتيال محمد البراهمي النائب
المعارض الذي قتل بالرصاص امام منزله في العاصمة تونس يوم 25
تموز/يوليو الماضي بعد اقل من ستة اشهر على اغتيال المعارض اليساري
شكري بلعيد، وتطالب الجبهة بحل البرلمان والحكومة وتشكيل حكومة كفاءات
غير متحزبة وهي مطالب رفضتها حركة النهضة. |