استثمار الفرص و توازن الذات

مئة كلمة وكلمة في قواعد الحياة

 

شبكة النبأ: توجد في كتاب نهج البلاغة لأمير المؤمنين، الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، قواعد للفكر والسلوك، يمكنها، فيما لو التجأ إليها الفرد والمجتمع، أن تفتح مسارات صحيحة لهذا البناء، شريطة الالتزام بالتطبيق بعد الايمان بها، وهي من نوادر الحكم وجواهر الكلم، وكلنا نتفق على ان الانسان يحتاج الى قواعد صحيحة للبناء، لكي يبني حياته بالصورة الصحيحة، وطالما ان المجتمع يتكون من مجموع الافراد وتقاربهم مع بعض، فإن المجتمع برمته يحتاج الى تلك القواعد السليمة حتى يبني عليها حياته، وهذه القواعد موجودة في نهج البلاغة، إذ تهدف سلسة مقالات (مئة كلمة وكلمة)، أن تصل الى قواعد تساعد الانسان على البناء السليم، لاسيما اننا نعيش في عالم محتقن، تحكمه ضوابط ومصالح وأخلاقيات مادية بحتة.

يؤكد المعنيون دائما، أن الحياة برمتها قائمة على النظام الثنائي المتوازن، فالليل مثلا يقابله النهار، والشروق يقابله الغروب، والسماء تقابلها الارض، والحر يقابله البرد، والكذب يقابله الصدق، وكل شيء يدخل في منظومة الحراك الكوني او البشري له اطراف متناقضة، لابد من وجودها حتى يوضّح بعضها بعضا، فعندما يغيب الظلام تماما، لا احد بإمكانه معرفة قيمة الضوء مثلا، وهكذا ينطبق هذا المثال على ثنائيات الحياة كافة.

الفرص هي مكاسب ليست في الحسبان تتوافر للانسان في حالة معينة وظرف معين، وهي قد تكون شحيحة لدرجة انها ربما تأتي مرة واحدة في العمر، او اكثر قليلا، واحيانا لا تأتي اطلاقا لبعض الافراد، لذلك يحثنا الامام علي بن ابي طالب عليه السلام في (نهج البلاغة) أن نستثمر الفرص افضل استثمار، كونها تسهم في بناء حياة الانسان وذاته افضل البناء، فيما لو تم استثمارها واستخدامها على النحو الافضل.

بين الهيبة والخيبة

ان الفرص ربما تضيع بسبب هيبة الانسان من قطفها لاسباب عدة، كلها تقف وراءها حالة الخوف والتردد التي تمنع الانسان من قطف فرصته كما يجب، وفي حال اذا اصابت الانسان حالة من التردد، وتلكّأ في قطف فرصته في الوقت المناسب، فإن الخيبة هي التي ستكون نتيجة حتمية لهذا التردد، من هنا هناك دعوة واضحة في هذا النص المأخوذ من نهج البلاغة، لنا جميعا لكي نستثمر الفرصة بلا أدنى تردد، على أن تكون الفرصة مدعومة بالخير ومنتجة له في الوقت نفسه، بمعنى قد تكون هناك فرص تبدو مفيدة للانسان، وربما تنقله من حال الى حال، وقد تحسّن حياته نحو الافضل، لكن ربما تكون مقرونة بالشر، هنا لابد أن يتخلى الانسان عن مثل هذه الفرص لانها فرص شر ولا علاقة لها بالخير، وانها من المؤكد سوف تتسبب في تدمير حياة الانسان وليس سببا لسعادته.

وكذلك على الانسان ان يتحلى بروح الاقدام، نحو فرصته، وأن لا يتردد قيد أنملة في قطفها، اذا تأكد انها خالية من الضرر وبعيدة عن الشر.

يقول الامام علي ابن ابي طالب عليه السلام في كتاب نهج البلاغة: (قُرِنَتِ الْهَيْبَةُ بِالْخَيْبَةِ وَ الْحَيَاءُ بِالْحِرْمَانِ وَ الْفُرْصَةُ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ فَانْتَهِزُوا فُرَصَ الْخَيْرِ).

أما الحرمان فهو ايضا نتيجة لنوع من التردد والخوف أُطلق عليه (الحياء)، وليس المعني هنا الحياء الاخلاقي الذي يعد من مقومات سلوك الانسان لاسيما المرأة، بل الحياء هنا من سياق الجملة، هو التراجع عن تحصيل الاهداف مما يتسبب ذلك في حالة من الحرمان يعيشها الانسان المتراجع، وما كان له أن يتعرض للحرمان لو انه أحسن التصرف.

لذلك يؤكد الامام عليه السلام في نصه هذا، على اهمية استثمار الفرص، لانها ستمر سريعا كما يمر السحاب من فوق الرؤوس، ولكن لابد أن يكون هذا الاستثمار مقرونا بالخير.

الأمل قد يهدر الفرصة

هناك اسباب تؤدي الى فقدان الانسان للفرص التي قد تتاح له في حياته، ومن هذه الاسباب حالة الامل التي يعلل الانسان بها نفسه، ويرجئ قطف الفرصة المتاحة الآن الى وقت آخر، آملا أن تتاح له فرصة افضل، او ربما ينتابه نوع من التراجع والحياء والتردد، وكلها عوامل واسباب تقود الانسان الى فقدان الفرص المهمة في حياته، لهذا لا ينبغي ان يعتمد الانسان على الامل ويضيّع الفرص على امل الحصول عليها لاحقا، وقد يتسبب طول الامل بأضرار لا تعرف عقباها.

كما نقرأ في قول أمير المؤمنين عليه السلام الوارد في نهج البلاغة: (مَنْ أَطَالَ الْأَمَلَ أَسَاءَ الْعَمَلَ). لذا من المستحسن أن لا يغيب عن بال الانسان وحساباته، حالة الموازنة بين استثمار الفرص وعدم التسرع في الانزلاق، بما هو مسيء لحياته وشخصيته ومسيرة حياته، أي ينبغي أن لا يأتي التمسك بالفرص على حساب اخلاقيات الانسان، والقيم التي تقف الى جانب الخير وتدعمه، لهذا مطلوب من الانسان وهو يسعى الى قطف الفرص المتاحة، أن يتأكد من انه لا يرتكب ما يخالف مصلحة الانسان، وأن يتذكر مخافة الله تعالى وعدم الانزلاق في ارتكاب المعاصر، كما يؤكد ذلك النص المأخوذ من نهج البلاغة: (طُوبَى لِمَنْ ذَكَرَ الْمَعَادَ وَ عَمِلَ لِلْحِسَابِ وَ قَنِعَ بِالْكَفَافِ وَ رَضِيَ عَنِ اللَّهِ).

ويأتي هذا النص ايضا، للتأكيد على أهمية الموازنة بين استثمار فرص الخير من جهة، واهمية ان يتم ذلك وفق تحسب الانسان لما يرضى الله تعالى، ويقع ضمن اطار مصلحة الانسانية جمعاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/أيلول/2013 - 28/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م