ايران وقيادة روحاني... السير بين الالغام

 

شبكة النبأ: يبدي الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني زعامة أكثر مرونة لاستعادة المكانة الإيرانية سياسيا واقتصاديا، من خلال انتهاج حكومته الجديدة سياسة اعتدالية اكثر واقعية وابعد عن الشعارات خلال المرحلة القادمة، مما يعكس توقعات أكثر اعتدالا لفترة حكمه المقبلة.

إذ يرى الكثير من المحللين أن روحاني نجح بالاختبار الاول من خلال اقناع البرلمان بالموافقة على حكومة تكنوقراط التي أقترحها وأن معظم وزرائها من ذوي خبرة خدموا خلال العقود الاخيرة مع الرئيسين السابقين اكبر هاشمي رفسنجاني والاصلاحي محمد خاتمي، وتجسد حكومته الجديدة الطموحات السياسية للرئيس الايراني الجديد الذي سيسعى جاهدا كي تستعيد بلاده مكانتها الدولية ونهوضها بواقع الاقتصاد المنهك بسبب العقوبات الدولي على برنامج إيران النووي.

لكن في الوقت نفسه توقع الكثير من المحللين بان مهمة روحاني تتسم بالصعوبة، إذ يتعين عليه الانكباب سريعا على انجاز مهمته الشاقة باعادة انهاض الاقتصاد المترنح بفعل العقوبات الدولية، واطلاق الحوار مع الخارج لتحقيق تطلعات الناخبين الذين انتخبوه رئيسا لبلادهم من الدورة الاولى.

حيث سيواجه الرئيس الايراني المعتدل تحديات داخلية وخارجية جمة أهمها الاقتصاد وملف النووي الايراني الشرق الأوسط الذي يفرض نفسه على سياسته الخارجية نظرا لسخونة الأحداث التي تشهدها هذه المنطقة، إذ يؤيد روحاني تبني ليونة اكبر حيال الغرب لرفع العقوبات التي اغرقت الجمهورية الاسلامية في ازمة اقتصادية خطيرة.

لكن يبدو ان الزعيم الايراني الجديد سيعتمد على إستراتيجية حكم مرنة من خلال اعتماد مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، بهدف تكوين -استراتجية سياسية جديدة- اكثر مع المجتمع الدولي وداخل النظام الايراني ايضا، فكما يبدو ان انتخاب هذا الرئيس المعتدل في هذه المرحلة الحساسة محليا وإقليما ودوليا ليس انتخاب تلقائي وانما وجود أجندة بالتوافق مع القيادة العليا في ايراني لاجتياز هذه المرحلة بانتخاب رئيس معتدل براغماتية، كون الرئيس السابق محمود احمدي نجاد واظب على التصريحات المثيرة للجدل خلال ولايتيه اللتين استمرتا ثمانية اعوام، وكان يتوقع في خطاباته الزوال المقبل لدولة اسرائيل ويشكك في حصول المحرقة ويعتبر قرارات مجلس الامن الدولي بحق ايران حبرا على ورق.

كما يعزو المحللون الضعف الاقتصادي للعقوبات الدولية وسوء الادارة الاقتصادية خلال عهد نجاد الذي استمر ثمانية اعوام، ويهيمن خامنئي على السياسة النووية الايرانية لكن الرئيس يتمتع ايضا ببعض النفوذ في هذا الملف، ومع اتهامه للغرب بالسعي إلى تغيير النظام أكثر من سعيه لانهاء النزاع لم يعبر خامنئي عن رغبة في حل قضية أدت إلى فرض عقوبات صارمة على قطاع النفط الايراني وعلى الاقتصاد بشكل عام، لكن على الرغم من ازدياد الآمال في حل الخلاف النووي عندما انتخب روحاني، لكن خامنئي هو الذي يملك القول الفصل بشأن التوصل لأي اتفاق، وعليه لذا تفضي المعطيات آنفة الذكر بأن ايران تحت حكم المعتدل روحاني تنتهج آيدولوجية سياسية وفق استراتجية مرنة، تمهد الطريق لمرحلة سياسية محورية بعيدة عن روح المغامرة واكثر توازنا على الصعيد الداخلي والخارجي.

السياسة الخارجية لا تصنع بالشعارات

من جهته اكد الرئيس الايراني حسن روحاني ان السياسة الخارجية "لا تصنع بالشعارات" في انتقاد ضمني لسلفه محمود احمدي نجاد، وذلك في تصريحات نقلتها وكالة الانباء الطالبية الايرانية، وقال روحاني في احتفال تسلم وتسليم بين وزير الخارجية السابق علي اكبر صالحي وخلفه محمد جواد ظريف ان "السياسة الخارجية لا تصنع بالشعارات. لا يحق لنا ان نستخدم السياسة الخارجية ليصفق لنا (الاخرون). انه مجال بالغ الحساسية وهو المفتاح لحل مشاكلنا الراهنة". بحسب فرانس برس.

واضاف روحاني ان "احدى الرسائل التي وجهها الناخبون خلال انتخابات (14 حزيران/يونيو الرئاسية) انهم يريدون تغييرا في السياسة الخارجية. هذا لا يعني التخلي عن مبادئنا بل تغييرا في الاسلوب"، وتابع الرئيس الايراني "سندافع بقوة عن مصالحنا القومية لكن ينبغي القيام بهذا الامر بتان ودقة وعقلانية (...) اذا لم نفهم قضايا هذا العالم وحقيقته فلن ننجح في السياسة الخارجية"، منبها الى ان "اي خطأ في السياسة الخارجية سيكلف الشعب ثمنا باهظا"، واكد روحاني انه يامل باجراء "مفاوضات جدية" مع الدول الكبرى "من دون اضاعة وقت"، ولكن مع عدم التنازل عن حقوق ايران في المجال النووي وخصوصا تلك المرتبطة بتخصيب اليورانيوم.

الموافقة على معظم وزراء روحاني

من جانب آخر منح مجلس الشورى الايراني ثقته لمعظم الوزراء الذين اختارهم الرئيس حسن روحاني لحكمته بعد مناقشات استمرت اربعة ايام، ما يسمح للحكومة ببدء عملها، وفق ما اعلن رئيس المجلس علي لاريجاني مباشرة على التلفزيون، وصرح لاريجاني للتلفزيون في بث مباشر ان وزير التربية الوطنية محمد علي نجفي ووزير العلوم والبحث والتكنولوجيا جعفر ميلي منفرد، وهما قريبان من الاصلاحيين، وكذلك وزير الرياضة والشباب مسعود سلطاني فار، لم ينالوا ثقة المجلس، ويتم التصويت على كل وزير على حدة وليس للحكومة بمجملها.

في المقابل، حصل وزيرا الخارجية محمد جواد ظريف والنفط بيجان زنغانه على ثقة النواب، وفي خطابه الختامي مع نهاية المناقشات، دافع روحاني في شكل شخصي عن زنغانه مؤكدا انه "لا يعرف شخصا افضل منه لتولي هذا المنصب"، لكن زنغانه الذي كان تولى وزارة النفط بين 1997 و2005 ابان ولاية الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي، تعرض لانتقاد شديد خلال النقاش من جانب النواب المحافظين، وقال روحاني ان "لوزير النفط موقعا حساسا جدا لان الحياة اليومية للسكان مرتبطة به (...) في حين ان الاعداء يستهدفون هذه الوزارة بعقوباتهم"، واضاف "حتى لو كانت هذه الوزارة ستبقى من دون مسؤول، فان هذا الامر سيكون قاسيا جدا علي ومنافيا للمصالح الوطنية (...) في الوضع الراهن، لا اعرف شخصا افضل من زنغانه لتولي هذه الوزارة الاستراتيجية".

واخذ النواب المحافظون على زنغانه دوره في حملة المعارض مير حسين موسوي خلال الانتخابات الرئاسية في 2009 والتي شهدت اعادة انتخاب محمود احمدي نجاد. وانتقدوا ايضا عقودا نفطية وقعت خلال توليه حقيبة النفط في عهد خاتمي، اما وزير الخارجية الجديد محمد جواد ظريف الذي يحمل دكتوراة في الحقوق الدولية من الولايات المتحدة، فقد عمل سفيرا لايران في الامم المتحدة في الفترة من 2002 حتى 2007، كما لعب دورا مهما في المفاوضات النووية بين ايران والدول الكبرى في 2003-2005 عندما كان روحاني يقود وفد بلاده.

وفي تعيين اخر مهم، تم تعيين علي اكبر صالحي الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة الرئيس السابق محمود احمدي نجاد، رئيسا لمنظمة الطاقة النووية الايرانية، بحسب وكالة ارنا الحكومية للانباء، وترأس صالحي، الذي يحمل شهادة الدكتوراة في العلوم النووية من معهد ماشاسوستس للتكنولوجيا، المنظمة في الفترة من 2009 و2010 قبل ان يتولى وزارة الخارجية، وفي كلمته امام البرلمان في بدء المناقشات الاثنين، اكد روحاني على اقتصاد ايران المتعثر ودان الضغوط الغربية، واضاف انه "في مجال الدبلوماسية، فان الحكومة ستحاول معالجة هذا التحدي الدولي فيما تدافع عن ارادة الشعب" للتمسك بحقوقها النووية في وجه التهم الغربية بانها تعكف على بناء قنبلة نووية.

قرار السفر الى نيويورك

من جهته قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية عباس عراقجي، إن "زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة"، والمشاركة في قمة شانغهاي المزمع عقدها في قرغيزستان مدرجتان على جدول أعماله إلا أنه لم يتخذ القرار النهائي بشأنهما، وقال عراقجي خلال المؤتمر الصحافي إن "زيارة الرئيس روحاني الى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة ومشاركته في قمة شانغهاي المزمع عقدها في قرغيزستان، مدرجتان على جدول أعماله "إلا أنه لم يتخذ القرار النهائي بشأنهما لانشغاله بموضوع نيل ثقة البرلمان لحكومته".

وحول إمكان عودة العلاقات الديبلوماسية بين طهران ولندن وإعادة فتح السفارة البريطانية في إيران، قال عراقجي إن "مجلس الشورى الإسلامي أوصى برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع بريطانيا الى مستوى القائم بالأعمال حصراً"، وأضاف أنه في حال استئناف العلاقات الثنائية فإن التمثيل الدبلوماسي سيقتصر على مستوى القائم بالأعمال، مشيراً الى أن هذا الموضوع يتعلق "بمدى تغيير بريطانيا نهجها مع إيران"، وحول توجه إيران لتحصيل عائداتها النفطية بالعملات المحلية بدلاً من الدولار الأميركي، قال عراقجي إن إيران تسلّمت مبالغ مالية بالعملة الهندية "الروبية" لقاء تصدير النفط إليها حيث يتم الانفاق لهذه العائدات المالية في عملية استيراد السلع من الهند. بحسب يونايتد برس.

وأشار الى إن "هذه الفكرة إذا ما نجحت ستسري على بعض الدول المستوردة للنفط الإيراني بهدف الاستفادة من العملات المحلية في عملية الاستيراد من أجل استبدال العملات الأجنبية المتداولة كالدولار بالعملات المحلية، وهذا الأمر يصب في النهائية بمصلحة الدول وعملاتها الوطنية".

إيران والخليج

على صعيد آخر وصل سلطان عُمان قابوس بن سعيد، الوحيد من القادة الخليجيين الذي يقيم علاقات طيبة مع ايران، الى طهران في زيارة سيركز خلالها على المسائل الاقتصادية والدبلوماسية، وفق ما اعلنت السلطات الايرانية، وتمثل مسقط المصالح الايرانية في بريطانيا منذ اغلاق السفارة الايرانية في لندن اثر هجوم على البعثة البريطانية في طهران في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وسلطنة عُمان عضو في مجلس التعاون الخليجي الذي تتسم علاقاته مع ايران الشيعية بالتوتر اذ يتهمها بالتدخل في شؤونه الداخلية، وتدهورت تلك العلاقات مؤخرا بسبب دعم طهران لنظام الرئيس السوري بشار الاسد.

والسلطان قابوس هو اول رئيس دولة اجنبي ينزل ضيفا على الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني منذ توليه مهامه في الثالث من اب/اغسطس، وقد اعرب بعد بقليل من انتخابه عن رغبته في "تعزيز العلاقات مع دول الجوار" وخصوصا في الخليج. بحسب فرانس برس.

واكد الناطق باسم وزارة الخارجية الايرانية عباس ارقشي ان "المحور الاساسي في المفاوضات هو تعزيز التعاون الاقتصادي وفي مجال الطاقة"، ونقلت عنه وكالة الانباء ايرنا الرسمية قوله انه سيجري خلال الزيارة التي ستدوم يومين بحث "الملفات الاقليمية والدولية وخصوصا مصر وسوريا"، وافادت وسائل الاعلام الايرانية استنادا الى مصادر دبلوماسية عمانية ان مسقط ترغب في تعزيز موقعها كوسيط مفضل بين طهران والغربيين، وقال وزير الخارجية الايراني الجديد محمد جواد ظريف "لسنا نعلم اذا كان (السلطان قابوس) يحمل رسالة (من واشنطن) لكننا مستعدون للتباحث في المواضيع" التي يريد التطرق اليها، وفضلا عن روحاني سيلتقي السلطان قابوس ايضا المرشد الاعلى آية الله علي خامنئي ووزير الخارجية الجديد محمد جواد ظريف ورئيس البرلمان علي لاريجاني والرئيس المعتدل السابق اكبر هاشمي رفسنجاني.

وفي مجال الطاقة يتوقع ان يستأنف البلدان المفاوضات حول تصدير الغاز والنفط الايرانيين الى عُمان وتطوير حقول غاز مشتركة في عرض البحر وفق وسائل الاعلام، وفي 2009 وقع البلدان اتفاقا لبناء انبوب غاز مشترك تحت البحر يبلغ طوله 200 كلم بين ايران وسلطنة عمان.

سياسيات جديدة

في سياق متصل اعلنت وزارة الخارجية الايرانية تعيين الدبلوماسية مرضية افخم ناطقة باسمها في سابقة في تاريخ الجمهورية الاسلامية، وافخم التي تعمل في وزارة الخارجية منذ حوالى ثلاثين عاما، تشغل منذ 2010 منصب مديرة الاعلام والدبلوماسية العامة في الوزارة، كما ذكرت وسائل الاعلام بدون اي توضيحات، وقال الناطق الحالي للوزارة عباس عراقجي انها "تملك خبرة دبلوماسية مع وسائل الاعلام"، واضاف ان "الذين يريدون توجيه انتقادات سيدركون ان كفاءتها كانت العامل الوحيد لتعيينها".

واحد هؤلاء حجة الاسلام مرتضى حسيني الذي صرح لصحيفة 7-صبح ان رجال الدين "قد يعارضون" تعيينها وان كتلته البرلمانية وجهت "تحذيرا" الى وزير الخارجية محمد جواد ظريف، ويفترض ان تعين الوزارة قريبا اول سفيرة لايران منذ الثورة الاسلامية، ورحب الرئيس حسن روحاني الذي تولى مهامه في الثالث من اب/اغسطس، بهذا التعيين، الذي يندرج في "حملة ترمي الى تحرير ورفع شأن النساء في ايران" بحسب ما جاء على حسابه على تويتر، وتتكلم افخم اللغتين الانكليزية والفرنسية بطلاقة.

وعين الرئيس الايراني المعتدل الجديد الهام امين زاده نائبة الرئيس المكلفة الشؤون القانونية والعلاقات مع مجلس الشورى. وهي حائزة دكتوراه في القانون من جامعة غلاسكو كروحاني. وكانت ايضا عضوا في البرلمان، وكان الرئيس السابق محمود احمدي نجاد عين في 2009 امرأة لقيادة وزارة الصحة قبل اقالتها في 2013. وكان اقترح العديد من النساء لتولي منصب وزير لكن البرلمان الذي يسيطر عليه المحافظون رفض منحهن الثقة، وكان الرئيس الاصلاحي السابق محمد خاتمي عين في 1997 معصومة ابتكار نائبة الرئيس المكلفة حماية البيئة. وكانت المتحدثة باسم الطلاب الايرانيين خلال احتجاز رهائن في السفارة الاميركية في 1979.

على صعيد ذو صلة قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إنها وإيران ستعقدان جولة جديدة من المحادثات في 27 سبتمبر أيلول بشأن برنامج طهران النووي المتنازع عليه في أول اجتماع من نوعه منذ تولي حسن روحاني رئاسة إيران. بحسب فرانس برس.

وقالت متحدثة باسم الوكالة إن الاجتماع سيعقد في فيينا وسيكون الجولة الحادية عشرة بين الجانبين منذ عام 2012، ولم تحقق أي جولة عقدت حتى الآن نتيجة، وكانت إيران والوكالة اجتمعتا آخر مرة في مايو آيار دون احراز تقدم يسمح للوكالة باستئناف تحقيقاتها المتعثرة منذ فترة طويلة بشأن ما تصفه بأبعاد عسكرية محتملة لبرنامج إيران النووي. وتقول إيران إن المزاعم بأنها قد تكون أجرت تجارب ذات صلة بتصنيع قنابل ذرية عارية عن الصحة ومزورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 5/أيلول/2013 - 28/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م