قيم التقدم: السلوك المتحضّر

 

شبكة النبأ: لا شك ان السلوك المتحضّر يشكل قيمة مهمة من قيم التقدم للمجتمع، ومنها ينطلق الافراد والجماعات المدنية المعنية بتطوير البناء المجتمعي، الى فضاءات افضل في السلوك المتمدّن، ولابد من فهم التباين بين التحضّر المادي والفكري، لان الاول لا يقود الى التطور الفكري والنفسي، بل تطور في الشكل او القشر، وهذا لن يساعد في التقدم المجتمعي، إلا في حالة مرافقة التطور الفكري له، والذي يتعلق بالتفكير المتحضّر واهمية اقتران المادي بالفكري والمعنوي من اجل تحقيق تطور متوازن للمجتمع، يقول احد الكتاب في هذا الصدد، لا شك أننا استطعنا أن ننقل الحضارة المادية التى أفرزتها العقول فى العالم المتقدم، فأصبحنا نقود السيارات ونستقل الطائرات والقطارات فى رحلاتنا وانتقالاتنا داخل أو خارج البلاد وصرنا نتمتع بمنتديات الدردشة على الانترنت ونسهر أمام الفضائيات التى تنقل لنا كل كبيرة أو صغيرة فى هذا العالم.. ورغم كل ذلك فإننا مازلنا بعيدين كل البعد عن التحضر. فالتصرفات والسلوكيات التى نرصدها فى شوارعنا تدل على ذلك.. ومن سخرية القدر أن تتحول شبكة الانترنت إلى وسيلة لفضح السلوك غير السوى.

فيما يقول كاتب آخر في هذا المجال، لا أضيف جديداً إذا قلت أن الأنانية والتعصب للرأي هما اليوم من أكثر العيوب التي تطبع على تصرفاتنا، وهما اللتان تقفان عازلاً دون اختلاط الأفراد في عمل جماعي مشترك. و لكن للأسف اٍننا نفتقر اٍلى هذه الأشياء في مجتمعاتنا، إن تجربة المجتمع الألماني بعد الحرب العالمية الثانية تعد خير دليل، إذ أنها تسلط الضوء على الطريق الذي انتهجه الألمان لتحقيق النمو وإنجاز التصنيع في فترة زمنية قصيرة، بفضل العمل التطوعي و التعاون بين الأفراد الذي يميز هذا المجتمع، لتصبح ألمانيا من أكبر الدول الصناعية في العالم. و لا ننسى بأن الإرادة النابعة من داخل المجتمع هي ما يصنع حضارته، لذلك فإننا نخطئ في حق أنفسنا عندما نعتقد أنه بإمكاننا محاربة التخلف باستيراد التكنولوجيا، كما نخطئ تماماً إذا اعتقدنا أن الحضارة ليست إلا الازدهار اقتصادياً و تجارياً. و أود التوقف عند حمى الاستهلاك و الإسراف التي تجتاح مجتمعاتنا بقوة، فنحن نحرص على اقتناء أفخم سيارة وأحدث جهاز كمبيوتر أو هاتف نقال، ضناً منا أنها دليل على الوجاهة و الرفعة، لكن مشاكلنا ستبقى عالقة ما لم نهتد إلى ضبط الأمور من أساسها وما دمنا نكتفي بتحليل ظواهرها.

إن قيمة السلوك المتحضّر ترتبط ارتباطا وثيقا بتحصين الفكر وتطويره نحو الافضل، وعدم الاقتصار على الجانب المادي، وجميع المجتمعات التي سبقتنا الى تدعيم السلوك، لم تركز على الشكل فقط، ولم تعتمد المظاهر السلوكية التي لا تستند الى قواعد فكرية محصنة، فغالبا ما يأتي السلوك كنتيجة للفكر السليم وليس العكس بطبيعة الحال، من هنا اصبح يستدعي التطور في السلوك تطورا في الوعي والمعرفة اولا.

بخلاف ذلك لا يمكن ان تشكل قيمة السلوك المتحضر منفعة او مصلحة للمجتمع، لانها ستكون هشة، او فارغة من المحتوى والمضمون الاصيل الذي يجعلها امرا واقعيا يلتزم به الجميع ويطبقه الجميع بلا تردد او تلكؤ او خمول، كونه ينطلق من قاعدة وعي ومعرفة سليمة، واذا لم تتوفر قاعدة فكرية لقيمة السلوك المادي، فإنها لا يمكن ان تكون فاعلة، وسوف تصبح مثل الطلاء الخارجي الجميل، الذي يخفي وراءه حقائق سلوكية متخلفة.

لذا لا يكفي ان نتحدث كثيرا عن قيمة السلوك المتحضّر ما لم ندعم ذلك اولا بالفكر المتمدن والمعرفة الانسانية المستقاة من اصول معرفية ثقافية انسانية اصيلة، قادرة على دعم السلوك المجتمعي، ومساهمة بجدية في جعل قيمة السلوك المتحضر ذات تأثير مباشر في تطوير حياة المجتمع.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/أيلول/2013 - 27/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م