تطور الوعي الجماهيري

وتأثيره على العلاقة بين المجتمع والدولة

محمد بن سعيد الفطيسي

 

(كل شيء يتغير، لذا من الخطأ التأكيد بان الطبيعة البشرية تبقى هي نفسها مع تغيير الزمن، فمذهب خلود الطبيعة البشرية وثبات الغرائز والأهواء هو مذهب خاطئ)

ماكس هوركهايمر، فيلسوف وعالم اجتماع ألماني، عضو في مدرسة فرانكفورت الفلسفية للأبحاث الاجتماعية

 

 لقد بات من المؤكد وبما لا يدع مجالا للشك حدوث ذلك التغيير الجذري في بنية وهياكل الوعي المجتمعي، وخصوصا بين فئة الشباب منهم، والذي رافقه العديد من التحولات الثقافية والسياسية والفكرية الجماهيرية التي باتت تؤثر كثيرا في نظرتهم الى حياتهم ومستقبلهم وطبيعة تعاملهم مع من يدير شؤون حياتهم اليومية، وبالتالي نظرتهم الى شكل ومضمون القرارات والاستراتيجيات والأهداف التوجهات الوطنية، وفي مختلف مجالاتها وتفرعاتها الحياتية.

 و- بمعنى آخر- ان وعي المجتمع ورؤيته الى العالم وما يدور حوله من تحولات قد تغيرت كثيرا نتيجة العديد من الظروف والعوامل الجيوسياسية والاقتصادية والثقافية العابرة للقارات، لذا بات من الضروري ان يحدث تغيير مشابه وبشكل متوازي في ثقافة ووعي نماذج تفكير القيادات السياسية والعسكرية والأمنية والإدارية التي تدير شؤون الجماهير، وبطريقة تستوعب فيه ذلك التطور الهائل والتغيير العميق في الوعي الجماهيري.

 فتطور وعي الجماهير وثقافتهم ونظرتهم الى المحيط الخارجي الجديد، وارتفاع نسبة المتعلمين بينهم وتوسع ثقافتهم الالكترونية واطلاعهم على ما يحدث خارج بيئتهم ومحيطهم الداخلي، وقدرتهم على المشاركة والتأثير على تلك الأحداث، وتأثرهم بها كذلك سلبا او إيجابا، يفرض بالضرورة الحتمية والإلزامية تطور وعي القيادات ومؤسسات الدولة، وإلا تفاقمت الخلافات السياسية والمشاققات الثقافية واتسعت هوة التجاذبات وسوء الفهم وفقدان الثقة وارتفاع نسبة الحنق والامتعاض بين الطرفين، فلا يمكن بحال من الأحوال ان تبقى نماذج وعي وتفكير وثقافة القيادات والمسئولين في أي دولة في القرن الحادي والعشرين على ما هي عليه بوعي وثقافة وفكر الستينيات والسبعينيات او حتى القرن العشرون بأكمله.

 فنحن اليوم نعاين ونعايش وعي جديد وثقافة جديدة ومتغيرات معاصرة جديدة لا يمكن ان تستوعبها العقول القديمة إذا لم تحاول التطور ومواكبة تلك المتغيرات والأحداث الجديدة، إذ يجب ان تتطور تلك العقول والأفكار لتوازي تقدم وتطور الوعي التاريخي والحضاري للمجتمع والجماهير بثقافة متقدمة ووعي معاصر يستوعب وعي الجماهير في القرن الحادي والعشرين، كما ان غلبت المكابرة وعناد القيادات والمسئولين واستمرار تأكيدهم على صلاحية قدراتهم الكلاسيكية والتقليدية وحدها وسيطرت مفاهيم الماضي وقدرتها على استيعاب ثقافة الجماهير الجديدة وإمكانياتها على احتواء تطور الوعي الجماهيري الحديث، برغم الانفصال الواضح والبين بين بعض تلك القيادات والشعوب التي تدير شؤون حياتها اليومية وتخطط لمستقبلها ومستقبل الأجيال القادمة منها، ورفضهم لأشكال التغيير والتحديث المفروضة لا يمكن ان يؤدي في نهاية المطاف سوى الى الصدام وتفاقم الوضع بين الطرفين، وهو ما قد يؤدي لاحقا الى عواقب اشد واخطر على النظام السياسي، بل ومستوى الأمن والاستقرار في الدولة بأكملها.

 إذا يجب ان تعي الحكومات القائمة وتلك القادمة ان صمام بقاءها آمنة مطمئنة من تصاعد تيارات الحنق والامتعاض تجاه سياساتها وتوجهاتها وقراراتها وأهدافها ومن توسع دوائر المشاققات السياسية والفكرية وهوة الخلافات بينها وبين من تحكمهم واستمرار امن وسلامة الوطن والمواطن الذي تدير شؤون حياته مرهون بشكل كامل بمدى قدرتها على استيعاب التطورات الجديدة والمتجددة الحاصلة في بنية النظام الاجتماعي وتطور وعي الجماهير والشعوب التي تحكمها، وقدرتها على مزج إرادتها وتوجهاتها وأفكارها بإرادة تلك الجماهير، وكذلك بمدى قدرتها وبراعتها على مشاركتهم تلك الأفكار والأهداف الوطنية، وإشعارهم بالثقة والطمأنينة تجاه سياساتها وأهدافها ومرائياتها المستقبلية.

 والحق انه كما يؤكد ذلك – د. محمد خاتمي – (الى جانب إبداء الرأي وممارسة النقد وعرض المطالب لابد من اطلاع الشعب على الحقائق بشكل علمي ودقيق، وان نتحدث له بوضوح وصدق وحين يكون ثمة نقص او حرمان، او عندما يكون جزء من ذلك الحرمان نتيجة قصور فينا او ارتكابنا الخطأ فلابد من اطلاع الشعب على ذلك، وان نكون واثقين حينذاك ان الشعب سيقدر موقفنا، كما ان جانبا من النقص والحرمان يعود الى عوامل خارجة عن دائرة إمكانيات الحكومة وصلاحياتها وحين يطلع الشعب على ذلك فانه سيبدي جلدا اكبر).

* باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mohamdalfitisi.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 4/أيلول/2013 - 27/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م