الذهب الأسود الليبي .. دوامة الاضطرابات قد تشل الحياة الاقتصادية

 

شبكة النبأ: يشهد القطاع النفطي الليببي تراجعا ملحوظا في انتاجه بسبب الاحتجاجات والاقتحامات المسلحة المتكررة من قبل عناصر من خارج القطاع، حيث شكلت هذه الاضطرابات أسوأ الانقطاعات التي تشهدها ليبيا عضو منظمة أوبك منذ عام أرهقت الاقتصاد الليبي المرهق اصلا، مما ينذر بشلل الحياة الاقتصادية وعواقب وخيمة على الشركات الأجنبية ومستهلكي الخام وهو ما ستكون له انعكاسات خطيرة على قطاع النفط والغاز في ليبيا قد تؤدي نتائج كارثية على أحوال البلاد المالية.

وتسببت هذه الحركات الاحتجاجية التي انطلقت في الاشهر الاخيرة بشل الموانئ النفطية الرئيسية في ليبيا ما ادى الى تراجع كبير في الانتاج النفطي الى ما دون 330 الف برميل يوميا قبل ان يعود الى الارتفاع حتى 670 الف برميل يوميا. ويبلغ معدل الانتاج، خارج اوقات النزاع، حوالى 1,5 الى 1,6 مليون برميل يوميا.

وفي احدث تطور وهددت الحكومة الليبية التي تخوض نزاعا مفتوحا مع مجموعة من حراس المنشآت النفطية وتتهمهم بالسعي الى تهريب النفط، باللجوء الى القوة لمنع اي صفقة لبيع النفط لا تمر عبر القنوات الرسمية، ويرى بعض المحللين ان الاضطرابات في مناطق ليبية والتي تغلق مواني نفطية هي صورة مصغرة لاجواء الفوضى التي تعم البلاد وتقوض سلطة الحكومة المركزية المهتزة التي يرأسها علي زيدان.

وفي حين يسيطر نشطاء يطالبون بحكم ذاتي لمنطقتهم على مواني في شرق ليبيا فإن الهيئة التشريعية في العاصمة طرابلس بغرب البلاد ينتشر فيها الحديث الذي يوحي بعدم الثقة في زيدان، ويرى هؤلاء المحللون ان جماعة الاخوان المسلمين تكتسب فيما يبدو نفوذا وسط الازمات التي تهز البلاد وان إطاحة الجيش في مصر بالرئيس الاسلامي محمد مرسي ربما دفعت بعض الليبيين المتشددين الي تصعيد العنف ضد منتقديهم العلمانيين.

بينما يرى الكثير من المحللين ان ليبيا منقسمة بشدة على اسس سياسية واقليمية وقبلية بعد عامين من الاطاحة بمعمر القذافي بحيث لا يمكن لأي جماعة ان تكون لها السيطرة بشكل فعال.

فنتيجة لذلك تخشى الشركات الغربية ضخ أموال في ليبيا ما يحرمها من رأسمال وخبرة تحتاجها البلاد لتنويع مواردها الاقتصادية التي يهيمن عليها النفط، كما ساهمت الخلافات العمالية والقيود على الملكية الأجنبية والبيروقراطية المعوقة في فتور الحماسة لتنفيذ أعمال رغم امتلاك ليبيا المال اللازم لتوفير احتياجاتها الهائلة في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم، وعليه فان عدم توقف الاضطرابات في ليبيا وفشل الحكومة بايجاد حل سياسي اقتصادي رصين، ناهيك عن تحسين الوضع الأمني المتدهور سيتجه الاقتصاد الليبي صوب انحدار في غاية الخطورة.

ليبيا تهدد الناقلات التي تصدر النفط بطريقة غير قانونية

في سياق متصل هددت ليبيا بأنها ستهاجم وتدمر أي ناقلة تصدر النفط بطريقة غير قانونية بعد ان اطلقت قوات النار على ناقلة ترفع علم ليبيريا بالقرب من أكبر مرفأ لتصدير النفط الخام في البلاد، وقال عبد الرزاق الشباهي المتحدث باسم وزارة الدفاع لرويترز ان الناقلة التي سعت لتحميل نفط خام كان محتجون مسلحون يغلقون مواني التصدير الرئيسية في البلاد يحاولون بيعه بطريقة غير قانونية تمكنت من الفرار، والسدر وهو أكبر بضعة مواني من بينها راس لانوف المجاور في شرق البلاد اغلقت في معظمها منذ نهاية يوليو تموز عندما أدت احتجاجات لحراس أمن وعمال للنفط يطالبون برواتب متأخرة ومطالب سياسية اخرى الي اغلاق حقول نفطية كثيرة.

وقال الشباهي ان القوات المسلحة الليبية كثفت دوريات خفر السواحل ووضعت ثلاث قواعد جوية في حالة تأهب مع تعليمات الي طائرات حربية بأن “تقصف” أي سفينة تقترب من المياه الليبية لمنع المبيعات غير القانونية من النفط الليبي، واضاف قائلا “وضعت ثلاث قواعد جوية في درجة عالية من التأهب لضرب وتدمير… أي ناقلة نفطية لا يكون لديها اتفاقات تعاقدية مع شركة النفط الوطنية في البلاد”، وقال مسؤول بوزارة الدفاع “لن تتردد وزارة الدفاع في الرد بأي طريقة ممكنة على كل من يحاول سرقة ثروة البلاد”، وقالت ليبيا في وقت سابق هذا الشهر انها ستستخدم القوة العسكرية اذا اقتضت الضرورة لمنع حراس الامن المضربين من تصدير النفط بشكل مستقل. بحسب رويترز.

وتقع الاحتجاجات بشكل رئيسي في الجزء الشرقي من ليبيا الذي يطالب بقدر اكبر من الحكم الذاتي منذ ان بدأت الانتفاضة ضد القذافي، ويقول مسؤولون حكوميون ان الاضرابات ينظمها اصوليون يريدون مزيدا من الاستقلال لشرق البلاد ويحاولون تمويل قضتيهم بمبيعات غير قانونية للنفط المخزن في المواني، وتقول الحكومة الليبية انها خسرت حتى الان ايرادات تصل قيمتها الي حوالي ملياري دولار.

حصار مواني النفط الليبية يعكس اجواء الفوضى في البلاد

فيما قال هنري سميث من مجموعة كنترول ريسكس للاستشارات "ليبيا أسيرة بشكل اساسي لجماعات مصالح اقليمية ومحلية... الحكومة ليس لديها فعليا القدرة المسيطرة التي تمكنها من وقفهم"، وحصار المواني وهو عامل مهم في هبوط صادرات النفط الليبية بنسبة 70 بالمئة مصدره في الغالب نشطاء محليون يهدفون للسيطرة على الايرادات النفطية لمصلحة منطقة الحكم الذاتي التي يريدون اقامتها في برقة بشرق ليبيا، والمنطقة التي مركزها بنغازي كانت منافسا تقليديا للعاصمة الليبية طرابلس في الغرب وحصار المواني هو اكثر الخطوات القوية التي اتخذها الساعون الى الحكم الذاتي للحث على تنفيذ مطالبهم للسيطرة على الثروة النفطية في منطقتهم، وقال صلاح جودة نائب رئيس لجنة الامن القومي بالبرلمان في طرابلس "انهم يتحدثون عن اسلوب فدرالي لادارة البلاد." وامتنع عن مناقشة هذا الجانب السياسي في المواجهة.

وتأججت النزعة المناطقية ايضا في منطقة فزان الجنوبية حيث بدأت قبائل محلية في المطالبة بحكم ذاتي لمنطقتهم مع إتهامها طرابلس بعدم امدادهم باموال كافية، ومن الصعب على الهيئة التشريعية (المؤتمر الوطني العام) ان تتعامل مع هذه التحديات لانها محصورة في مواجهة بين اكبر كتلة فيها وهي تحالف القوى الوطنية العلماني وثاني أكبر كتلة والتي يقوها الاخوان المسلمون، ويقاطع التحالف رسميا المؤتمر الوطني العام لكنه يحضر الجلسات احيانا مما يجعل الليبيون في حيرة مما يحدث في مجلسهم النيابي، ويشير محللون في طرابلس ايضا الى ان مصير زيدان غير مؤكد بعد ان بدا ان اعضاء المؤتمر الوطني العام مستعدون للدعوة الي إقتراع على الثقة فيه. واستقال كل من نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية هذا الشهر بسبب خلافات معه، وأبلغ زيدان المؤتمر الوطني انه لن يستقيل وان عليهم ان يقترعوا بحجب الثقة عنه إذا أرادو رحيله. وقال محلل في طرابلس طلب عدم نشر اسمه "ذكرت اسماء اخرى لتحل محله لكن لا أحد تقدم... ولذلك لم يجر أي إقتراع". بحسب رويترز.

وقال خبير ليبي اخر طلب ايضا عدم نشر اسمه ان حزب العدالة والبناء الذراع السياسي للاخوان المسلمين زاد نفوذه في المؤتمر الوطني العام منذ ان بدأت مقاطعة التحالف، واضاف قائلا "المؤتمر الوطني العام يفقد شرعيته"، وعزز نوري ابوسهمين رئيس المؤتمر الوطني -وهو عضو مستقل- نفوذ الاخوان المسلمين في طرابلس بجلب رجال مما يعرف بميليشيا درع ليبيا لتدعيم الامن في العاصمة بعد موجة من اعمال العنف هناك.

وقال الخبير "انهم في معظمهم من مصراته وتحت قيادة عضو بالاخوان المسلمين"، وفي غياب جيش وشرطة ذات فعالية يتعرض الامن في طرابلس للاختبار من جانب ميليشيات متنافسة كثيرا ما تشتبك مع بعضها البعض من اجل السيطرة على اجزاء من المدينة، وقال كل من سميث والخبير الليبي ان بنغازي ثاني اكبر مدينة في ليبيا شهدت زيادة في العنف في الاسابيع القليلة الماضية ضد نشاء سياسيين علمانيين يبدو انها غذتها جزئيا قوى اسلامية هناك، لكن سميث أكد ان هذا لا يعني ان هناك ائتلافا اوسع للمصالح في الشرق بين الاخوان المسلمين والفدراليين لأن الاسلاميين يعتبرون الفدراليين مصدرا للانقسام.

وقال جودة المسؤول الامني بالمؤتمر الوطني العام إن مجرمين هاربين يستهدفون ايضا مسؤولين بالهيئة القضائية ويشنون هجمات على محاكم بدافع الانتقام من ايداعهم السجون وتدمير أي سجلات عن ماضيهم خلف القضبان، وعبر الخبير الليبي عن مخاوف من ان النفوذ المتنامي للاخوان المسلمين وغيرهم من الاسلاميين قد يؤدي الى ظهور منطقة للجهاديين قرب الحدود المصرية قد يستخدمها اسلاميون مصريون هاربون كقاعدة ضد بلدهم، ويعتقد سميث ان القبائل المحلية ستعارض أي "قاعدة خلفية" مثل تلك التي يبدو ان متشددين مصريين اقاموها في شبه جزيرة سيناء لأن ذلك قد يؤدي الى إغلاق الحدود مع مصر والتي تريد تلك القبائل ان تبقى مفتوحة امام التجارة، وقال المحلل الذي حذر من المخاطر إن كثيرين من الليبيين يأملون بأن تتمكن طرابلس من ممارسة قدر أكبر من السيطرة حال الانتهاء من صياغة دستور جديد لكنه اضاف انه سيكون هناك حاجة الي المزيد من العمل.

حالة القوة القاهرة

من جهة أخرى اعلنت المؤسسة الوطنية الليبية للنفط "حالة القوة القاهرة" في الموانئ النفطية الرئيسية في البلاد بسبب اعاقة الانتاج فيها من جانب مسلحين تتهمهم الحكومة بالسعي الى الاستيلاء على النفط، وجاء في بيان للمؤسسة على موقعها الالكتروني "نتيجة للاعتصامات التى قام بها عدد من افراد حرس المنشأت النفطية مما ترتب عليه قفل بعض الموانئ النفطية (ميناء الزويتينة، ميناء راس لانوف، ميناء السدرة ، ميناء مرسى البريقة)، الامر الذى ترتب عليه عدم قدرة المؤسسة الوطنية للنفط على الايفاء بالتزاماتها بموجب بعض العقود المبرمة مع اطراف خارجية بشأن بيع النفط الخام مما تطلب منها اعلان حالة القوة القاهرة بالموانئ التى توقف بها العمل". بحسب فرانس برس.

وتتيح حالة القوة القاهرة باعفاء المؤسسة الوطنية للنفط من مسؤوليتها في حال عدم الايفاء بالالتزامات المترتبة عليها بموجب عقود تسليم النفط في حال كان ذلك ناجما عن ظروف استثنائية، وتوعدت الحكومة التي دخلت في نزاع مفتوح مع مجموعة من حراس منشآتها النفطية تتهمهم بالسعي للاستيلاء على النفط، في 15 اب/اغسطس باستخدام القوة لمنع اي عملية بيع للنفط لا تمر عبر القنوات الرسمية، من جانبهم يتهم هؤلاء الحراس السلطات بالفساد عبر بيع النفط الخام من دون تحديد كميات الشحنات المصدرة، واكدت المؤسسة الوطنية للنفط ان كل عمليات البيع للنفط كانت قانونية في حين شكلت الحكومة لجنة مؤلفة من قضاة للتحقيق في هذه الاتهامات.

منع سفينة من دخول ميناء نفطي

من جهتها منعت البحرية الليبية سفينة لنقل النفط من "الدخول غير الشرعي" في ميناء السدرة في شرق البلاد على ما اعلنت رئاسة اركان الجيش فيما اتهمت الحكومة حراسا في المنشات النفطية بالسعي الى تهريب النفط، ونقلت وكالة الانباء الليبية عن رئاسة اركان الجيش ان "زوارق تابعة للبحرية الليبية اعترضت سفينة لنقل النفط كانت تبحر في المياه الليبية ومنعتها من دخول ميناء السدرة"، واضاف البيان ان "الزورق الذي يحمل اسم وائل حاول عدة مرات دخول الميناء لكنه منع من ذلك".

وافادت البحرية الليبية في بيان ان وحداتها "المكلفة بعمليات المسح والاستطلاع والمنتشرة في المياه الليبية قبالة الموانئ النفطية الليبية في السدرة ورأس لانوف والبريقة ستقوم بتفتيش الناقلات الموجودة في المنطقة"، وحذر البيان من ان البحرية ستعمل على "انهاء الوجود غير الشرعي لتلك (السفن) التي لم يثبت سلامة إجراءاتها ومنعها من شحن كميات من النفط الخام الليبي، ما لم يتم ذلك وفقا لإجراءات التعاقد مع المؤسسة الوطنية للنفط بصورة قانونية، باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة المخولة بالتعاقد وتصدير النفط بليبيا"، واضافت هيئة الاركان "في حالة رفض أي ناقلة الإذعان للأوامر الصادرة سيتم اقتحامها واقتيادها إلى أقرب ميناء". بحسب فرانس برس.

واعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في بيان ان "هناك مجموعة مسلحة (...) تقوم حاليا بالاتصال بوسطاء بغرض بيعهم شحنات من خام السدرة مصدرها ميناء رأس لانوف بطريقة غير شرعية". واضافت المؤسسة ان المجموعة تسعى الى تصريف "شحنة تبلغ 700 ألف برميل".

توقف الإنتاج في حقول نفط ليبية

الى ذلك قالت مصادر تجارية وليبية إن إنتاج خام السدر الليبي متوقف تماما بالإضافة إلى الحقول التي تنتج خامي آمنة وسرتيكا بعد إضرابات في المرفأين الرئيسيين السدر وراس لانوف، وقال مصدر في قطاع النفط الليبي "توقفت كل الحقول المنتجة لخام السدر عن الإنتاج" مضيفا أن إنتاج سرتيكا وآمنة توقف أيضا. والسدر هو خام التصدير الليبي الرئيسي، وقال مصدر آخر إن إنتاج الحقول توقف لأنها بلغت الحد الأقصى لطاقتها التخزينية في ظل توقف الصادرات لأكثر من أسبوع، وتوقف المرفآن الرئيسيان في البلاد السدر وراس لانوف عن العمل منذ نهاية يوليو تموز بسبب احتجاجات حراس مسلحين يقومون عادة بتأمين المنشآت فيما يتعلق بالأجور ومسائل أخرى.

وقالت مصادر تجارية وملاحية إن أنشطة المينائين لا تزال متوقفة، وأغلق أيضا مرفأ الزويتينة النفطي الأصغر حجما بسبب احتجاج آخر بدأ في منتصف يوليو، وتبلغ طاقة التصدير الإجمالية لمرفأي السدر وراس لانوف نحو 600 ألف برميل يوميا بينما يصدر الزويتينة ما يصل إلى 70 ألف برميل يوميا، وقال وزير النفط الليبي إن الحكومة تعمل على إنهاء الاحتجاجات من خلال لقاءات مع أسر المحتجين وتعيين رئيس جديد لقوة حراسة المنشآت النفطية. بحسب رويترز.

وتنتج شركة الواحة للنفط خام السدر الخفيف من عدة حقول. والواحة مشروع مشترك بين هيس وماراثون وكونوكو فيليبس والمؤسسة الوطنية للنفط الليبية. وتبلغ الطاقة الإنتاجية للشركة نحو 350 ألف برميل يوميا، وتدير شركة الهروج للعمليات النفطية وهي مشروع مشترك بين صنكور الكندية والمؤسسة الوطنية للنفط مرفأ راس لانوف والحقول المنتجة لخامي آمنة وسرتيكا، وأغلق أيضا حقل الفيل الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 130 ألف برميل يوميا منذ نهاية مايو أيار. وتدير الحقل شركة مليتة وهي مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط وإيني الإيطالية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/أيلول/2013 - 26/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م