استراتيجية اوباما لاتفرض شن الحرب

جاسم محمد

 

اختلفت الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب في زمن اوباما عن استراتيجية إدارة جورج بوش 2003، في عدة جوانب منها أن الاستراتيجية القومية الجديدة تسعى إلى حماية الولايات المتحدة وحلفائها من الهجمات الإرهابية، وذلك من خلال تفتيت وإضعاف الشبكات الارهابية المنتشرة في أنحاء العالم، مع تعزيز التعاون الدولي في هذا الشأن عبر خلق بيئة عالمية مناهضة للإرهاب، من خلال تقليص انتشار القوات واعتماد التعاون الاستخباري.

وفي يوليو 2011 كشف البيت الأبيض عن استراتيجية جديدة لمكافحة الإرهاب، حيث تظهر في الوثيقة الجديدة تغيرات جذرية في السياسة الأمريكية، فقد جاء فيها أن أمريكا لم تعد تنوي أن تقاوم الإرهاب خارج حدودها بالقوة العسكرية، بل ستقتصر على الجانب الدفاعي فقط. وأعلنت نهاية "الحرب الشاملة ضد الإرهاب" وعلى حد قول جون برينان مستشار الرئيس الأمريكي "تتوقف الولايات المتحدة عن العمليات العسكرية خارج حدودها، بدلا من ذلك ستقوم القوات الخاصة الأمريكية بضرب الجماعات الإرهابية في مناطق بعينها "، وكذلك قطع قنوات تمويل القاعدة، والتعاون الاستخباراتي الوثيق. كما اعلن برينان ان ادارة باراك اوباما ترى ان مهمة تصفية شبكة القاعدة بصورة تامة، التي تنص عليها الاستراتيجية الامريكية الوطنية لمكافحة الارهاب، لا تفرض على واشنطن شن حرب.

حادث الغوطة الشرقية والمعظمية

في ضوء أزمة ستخدام الاسلحة الكيمياوية في ريف دمشق الغوطة الشرقية والمعظمية ومناطق اخرى في 22 اوكست 2013 وزيارة فريق فني اممي الى دمشق للتحقق من الجهة التي استخدمت السلاح الكيمياوي الذي راح ضحيته الاف الابرياء غالبيتهم من الاطفال. لوحت ادارة اوباما بالخيار العسكري ـ ضربة جوية ـ واحتمالات اتخاذها قرار منفرد ضد دمشق رغم رفض مجلس العموم مشروع توجيه الضربة الجوية الى سوريا في 29 اوكست 2013 وعدم توصل مجلس الامن ايضا الى اجماع أمام الموقف الروسي والصيني لشرعنة اي عملية عسكرية ضد نظام الاسد.

 فالخيارات مفتوحة على كل الابواب لكن هنالك تراجع في الخيار العسكري وترجيح الخيار السياسي في ضوء المواقف الدولية. ان ادارة اوباما ربما لم تكن متحمسة للخيار العسكري وفقا الى مبدأ المهادنة في السياسة الخارجية الامريكية. ان المشهد في سوريا يختلف عن مشهد التغيير في ليبيا، لكن محاولة لتكرار الدور الفرنسي، التي تبدو اكثر تحمسا مع بريطانيا ضمن الناتو لشن الضربة الجوية ضد دمشق. ويساور المنطقة القلق الكثير، عما تسفر عنه الازمة السورية من نتائج، هذه الازمة اصبحت مصدرا لتصدير الارهاب والازمات، لتداخل النظام السوري مع ايران والقاعدة وشبكات " جهادية "وميليشيات ارهابية في المنطقة. ليتحول الارهاب من تنظيم القاعدة المركزي في 11 سبتمبر الى ارهاب عائم وتنظيمات "جهادية " جديدة.

التجربة العراقية تلقي بظلالها

أن تجربة الحرب على العراق عام 2003 مازالت تلقي بظلالها على تجارب دول المنطقة وعلى قرارات الدول التي تورطت بتلك الحرب ابرزها بريطانيا، والموقف البريطاني واغلبية مجلس العموم في 29 أوكست 2013 ضد الخيار العسكري في سوريا يعكس ذلك. فهنالك مخاوف حقيقية بان الضربة الجوية او الخيار العسكري في سوريا يمكن ان ينشر الارهاب في المنطقة. وهذا ماحصل بالفعل في التجربة العراقية.

أن الكثير من المراقبين ينظرون إلى السياسة الأمريكية بالعراق كانت سببًا لانتشار الإرهاب والفوضى وكان تقرير "لجنة دراسة العراق" التي أصدرت تقرير بيكر ـ هامليتون قد حذر من ذلك. وانتقد التقرير الحكومة العراقية آنذاك وهي تكرر ذات الخطأ الان لفشلها في إنجاز المصالحة الوطنية وتوفير الخدمات الأساسية لمواطنيها، وحذر من تداعيات سيئة، بدءًا من انهيار حكومة المالكى، وانتشار الصراع السنى ـ الشيعي وزيادة نفوذ القاعدة وهذا ما يحصل الان بالفعل.

العراق يشهد الان فوضى سياسية وامنية واسعة وطويلة النطاق، دون وجود اي تحسن امني. فالارهاب يضرب مركز العاصمة العراقية بغداد رغم خطط الحكومة الامنية،عمليات واسعة في صحراء الغربية وديالى واخرها عملية الثأر وسط بغداد. لذا المعنيون بشؤون الامن والدفاع يراقبون عن قرب تطورات الازمة في سوريا ولا يخفون قلقهم من انتشار الارهاب بشكل اوسع في اعقاب اي عملية عسكرية في سوريا، لان ذلك سيخلق كوارث انسانية ويخلق خصوما جدد ومتطوعين اكثر في التنظيمات " الجهادية ". من جانب اخر ان تمدد وتشظي الارهاب ما بين سوريا والعراق ولبنان والاردن قد يمثل مخاوف اكثر.

ادارة البيت الابيض 2013

وجاءت خطوة اعادت تشكيل طاقم البيت الابيض مطلع 2013 في المرحلة الثانية للرئيس أوباما وهي ترتكز على الدفاع والخارجية ووكالة الاستخبارات المركزية، وفقا لمنهجه بتبني الحوار مع الخصوم. فاختار هيغل للدفاع الذي يقوم مبدأه على" عدم اتباع المستحيل لمنع ايران ان تكون قوة نووية " أي انه ممكن التعايش مع ايران النووية وتجنب اميركا من مواجهة عسكرية تقليدية. أما جون كيري هو الاخر المعروف بعقلانيته اكثر من أوباما باعتباره من المخضرمين في مجلس الشيوخ ودبلوماسي سابق ـ سفير لدى دمشق وخبير في منطقة الشرق الاوسط والمعروف عنه بانه غير متطرف في اتخاذ القرارات.

هذا التعديل بالتأكيد جاء بعد ادراك أن الحركات الجهادية في سوريا قد انتهى دورها الى حد هذه المرحلة، وهو قرار متوقع من الادارة الاميركية في أعقاب ايقاف تسلح الحركات "الجهادية " المتطرفة والتركيز على التنظيمات المسلحة غير المتطرفة مقاتلة نظام الاسد خلال الاشهر الاخيرة.

الولايات المتحدة ربما تريد اضعاف النظام السوري أكثر من اسقاطه. خبراء الدفاع يؤكدون بان الضربات الجوية لاتغير الانظمة بدون فعل عسكري على الارض. لذا فان المراقبون يعتبرون الضربة العسكرية ان وقعت فستكون خطوة لانزال العقاب بنظام الاسد والحفاظ على ماء وجه الادارة الاميركة التي تتعرض الى ضغوطات داخلية ومن داخل اطراف المعارضة السورية.

ان تردد الموقف الاميركي باتخاذ قرار بالخيار العسكري قد يأتي ضمن حساباته الى ردود فعل ماتقوم به ميليشيات ايرانية وتنظيمات جهادية متشددة بضرب المصالح الاميركية وتشظي الارهاب الى دول الجوار ابرزها الاردن ولبنان والحدود مع اسرائيل، أما العراق فيبدو انه خرج من الحسابات كونه يعاني من ارهاب مزمن وارض محروقة، والتشظي لايغير شيء.

تفتيت التنظيم المركزي للقاعدة

ان كم المعلومات والوثائق التي حصلت عليها وكالة الاستخبارات الاميركية ومكافحة الارهاب حول تنظيم القاعدة كشفت الكثير من اسرار هذا التنظيم وزعزعت ايدلوجيتها في ظل نقص التمويل وعمليات اصطياد الدرون ـ طائرة بدون طيار، هذه التطورات افقدت التنظيم شكله الطبيعي واصبح تنظيما رمزيا " للجهاديين". اختفت عولمة الاهداف القاعدية باهداف محلية ضمن تنظيماتها المحلية منها تنظيم انصار الشريعة في اليمن و"الدولة الإسلامية في العراق والشام " وتنظيم الشباب في الصومال وتنظيمات بوكو حرام في افريقيا وتنظيم المهاجرين في شمال افريقيا وغيرها من التنظيمات. التقييمات تفيد انكسار القاعدة في الباكستان وافغانستان ليكون اكثر في فروعه في الشرق الاوسط وفي أفريقيا وشبه جزيرة سيناء.

فروع القاعدة

هذه التنظيمات اصبحت تنفذ اهدافا محلية وتحول خطابها الى خطابا طائفيا، وذات منافع شخصية اكثر ما تمثل ايدلوجية القاعدة وعولمة اهدافها في زمن بن لادن أما مقاتليها فابرزهم من خريجي المعتقلات الاميركية. القاعدة لم تعد تمثل تهديدا الى الولايات المتحدة، وان اتفقنا على استمرارية ذلك التهديد فلا يمثل الا احتمالات ضئيلة جدا وسط تقدم التقنية والمعلومات. وكشفت قضية "سنودن " حول تجسس وكالة الامن القومي الاميركية عبر وكالة ناسا للفضاء عن تفاصيل تمكن الولايات المتحدة من المراقبة الهاتفية واعتراض الاتصالات الالكترونية عبر العالم لمتابعة النشاطات القاعدية في العالم. من خلال برامج التنصت ابرزها (بريزم). اضافة الى اعتماد استراتيجية اقتناص قيادات القاعدة في افغانستان واليمن وهو تكتيكا خفف من انتشار القوات الاميركية على الارض رغم الانتقادات الموجهة له والذي يعتبر انتهاكا للقانون الدولي.

ان الازمة في سوريا ربما تختلف عن غيرها من الحروب والازمات التي شهدتها المنطقة، من خلال تقاطع وتشابك تنظيمات جهاديين واطراف اقليمية ودولية، لتتحول سوريا الى ارض "جهاد " وفرض خلافة اسلامية على امتداد حدود إسرائيل، اكثر من ساحة معركة ومواجهة تقليدية. لذا تعتبر قلق الى دول الجوار بسبب نوعية المواجهة ومطاولتها التي استنزفت قوى الكثير من اطراف الصراع لتتحول سوريا الى ساحة تصفية حسابات، هذه المطاولة تعمل على ارباك المنطقة واضعاف قدراتها العسكرية والاقتصادية وزعزعة أمنها لتبقى تعيش حالة انذار مستمر. فالضربة العسكرية المحتملة في ضوء حادثة الغوطة الشرقية في 22 اوكست 2013، سوف لا تغير شيء من الصراع ان لم تزيده تعقيدا، بالاضافة ان الحسم العسكري بات مستحيلا، جميع الاطراف تراهن على المطاولة من أجل البقاء بضمنها النصرة والتنظيمات الجهادية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 3/أيلول/2013 - 26/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م