شبكة النبأ: هناك علاقة وطيدة بين
نجاح الحكومات ومدى مراعاتها لحقوق المواطنين، بمعنى كلما كانت الحكومة
تراعي حقوق شعبها، كلما كانت اكثر نجاحا من سواها، وهذا المعيار يكاد
يكون واضحا اشد الوضوح عندما يتم تطبيقه على الدول المتقدمة سياسيا
واقتصاديا وثقافيا، وعلى الدول المتأخرة أيضا، حيث يظهر للباحث او
المراقب، أن الحكومة التي تهمل شعبها، ولا تعبأ بحقوقه، سوف تؤول
بالنتيجة الى السقوط بسبب حالة الصراع التي تنشأ بينها وبين الشرائح
المتضررة من الاهمال الحكومي.
فالحكومات المستبدة التي لا تهتم بالاستشارة ولا بالنهج الديمقراطي،
وتقوم بحماية مصالحها وحماية عرش الحكم اولا، سوف تجد نفسها في حالة
صراع مباشر مع الشعب، وسوف يكون سقوطها مسألة وقت لا أكثر، وهذا الرأي
تثبته التجارب القديمة والراهنة، لهذا على الحكومات الاسلامية أن تتعظ
بهذه الدروس، وأن تفهم أن مراعاة حقوق الشعب هو الطريق الوحيد الذي
يمهد لها سبل البقاء وسلامة العرش، وذلك من خلال الالتزام التام
بالمنهج الاستشاري القائم على نتائج الاقتراع حسب ما ينص عليه الدستور
الدائم.
من هنا يؤكد الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله) في كتابه القيم الموسوم بـ (ثقافة التحرير)، حول
هذا الموضوع: (إنّ من أهم ما يسقط الحركات عدم مراعاتهم للحقوق وعدم
ملاحظتهم حدود أنفسهم وحدود غيرهم، فكم هو حدّ نفسه؟ وكم هو حدّ سائر
الناس؟).
إنصفْ الناس كنفسك
من الأسس الرئيسة التي تنطوي عليها قضية مراعاة الحقوق، هي إنصاف
الناس، إذ لابد من مراعاة مسألة الانصاف في جميع العلاقات المتبادلة
بين الافراد والجماعات وبين الحاكم والمحكوم على وجه الخصوص، فإذا كانت
الحكومة لا تنصف الشعب، فإن قضية سقوطها ليست مسألة نقاش، والاسباب
التي تؤدي الى السقوط كثيرة، والعوامل التي تساعد وتعجل بسقوط الحكومة
الفاشلة كثيرة ايضا، ولا يتعلق هذا بالحكومات فقط بل لابد أن يكون
الانسان الفرد بطبعه منصفا للاخرين، حتى يمكنه النجاح في سعيه وعمله
وتحقيق اهدافه.
لذلك حتى على مستوى الافراد، فإن من لا يراعي حقوق الآخرين سوف يجد
نفسه وحده في آخر المطاف ولا احد يتعاون معه، في كل شيء، لان الحياة
طالما هي مستمرة، فإن تبادل المنفعة والمصلحة أمر يتطلب علاقة سليمة
قائمة على مراعاة الحقوق المتبادلة، بعكس ذلك فإن من لا يراعي الاخرين
سوف يخسر الكثير.
يقول الامام الشيرازي حول هذا الموضوع في كتابه نفسه: (لذا نرى
كثيرا من الناس ـ إلاّ من عصمه الله سبحانه ـ لا يلاحظ حق الآخرين، بل
يزعم أن الكلّ حقه وكل المجالات مجاله، وبذلك يلفظهم المجتمع فتراهم
بعد خمسين سنة من العمل ليس لهم إلاّ مجال صغير أصغر من مجالاتهم
الواقعية مرات ومرّات).
وعندما يتم التأكيد على مراعاة الحقوق، فإن الامر يتعلق اولا
بالحكومة، وبالحاكم والمسؤول عموما، إذ على هؤلاء أن ينصفوا الناس
جميعا، من خلال مراعاة حقوقهم ومصالحهم، والانصاف هنا ليس في جانبه
المادي، بل الانصاف العدلي كما يصفه الامام الشيرازي قائلا: (لقد ورد
أنّ من أشد الأشياء -إنصاف الناس من نفسك- فلك النصف ولغيرك النصف، ولا
يراد النصف الهندسي بل النصف العرفي العدلي).
لا لسلطة الحزب الواحد
هناك حكومات يقوم حكمها وفق نظام الحزب الواحد، وهو نظام معروف
ومجرب في الدول المتأخرة ذات النهج المستبد، لذلك لا يمكن ان نتوقع من
نظام الحزب الواحد ان يكون منصفا للناس، ولا مراعيا لحقوقهم، لان
الانصاف سمة صعبة وقلة من الناس من يتحلون بها فعلا بسبب صعوبة تطبيقها.
يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (لا شك أنّ الإنصاف يوجد في
قليل من الناس فهو من قبيل المثال المشهور: بأوراد قليلة لا يحصل
الربيع).
ولا شك ان دول العالم الثالث جربت أسوأ النظم الفردية، حيث القادة
والحكام الذين لا يراعون حقوق الناس، بسبب النظام الحزبي الذي لا يعبأ
بحقوق الآخرين ولا يتحلى قادته بالانصاف، لذلك يقول الامام الشيرازي عن
هذا النوع من الاحزاب في كتابه المذكور نفسه: (في العالم الثالث، الحزب
الواحد إذا لم يجد السلاح والسلطة يأخذ في سبّ الناس في الغالب
وإهانتهم والابتعاد عنهم وينسبهم إلى الخرافة والجمود والجهل ويلفق لهم
ألف نقص ونقص، فإذا وجد السلاح والسلطة استبد بالأمر وأخذ بيده السجن
والسلاح والإعلام وبدأ يكلّم الناس بمنطق القوّة لا بقوّة المنطق).
ولكن في الغالب لا يتعظ الطغاة والحكام الذين يقعون تحت تأثير
السلطة وسحرها، فيبدأ هؤلاء بملاحقة كل من يعارضهم بالرأي، بل غالبا ما
يستخدمون العنف والقتل والتشريد والحبس والملاحقة، لكل من يعارضهم، وهم
بذلك لا يكتفون فقط بعدم مراعاة الشعب، وانما بمضايقة وملاحقة واقصاء
من لا يقف معهم في ظلمهم للناس.
ولكن لا احد يفلت من العقاب، فمن يقتل الناس يُقتل، هذا ما يؤكده
الامام الشيرازي كما نقرأ في قوله: (خفي على الطغاة أنّ من قتل الناس
قُتل، ومن أهان الناس أهين ومن صادر أموالهم وسجنهم صادروا أمواله
وسجنوه ولو بعد حين، وهذا ما أثبتته التجارب ودل عليه التاريخ، كما ورد
في كلمات أهل البيت عليهم السلام: من سل سيف البغي قُتل به).
ويرى الامام الشيرازي بالنتيجة، أن من أهم اسباب بقاء الحكومات على
قيد الحكم، وعلى عرش السلطة، هو مراعاة حقوق من هم اسباب البقاء، ويعني
بهم الشعب بكل طبقاته وشرائحه، فإذا كانت الحكومة منصفة لشعبها، وترعى
حقوق الشعب من دون اهمال او تجاوز، فإنها ستجد الشعب معها في كل شيء،
ومساندا لها في كل المواقف، كونه يشعر ان حكومته عادلة منصفة ترعى
حقوقه على الدوام.
لذلك ينتهي الامام الشيرازي قائلا: (على أية حال فمراعاة الحقوق من
أهم أسباب البقاء ثم التقدم والاتساع). |