الاتجار بالبشر... جرائم تنتهك المنجز الانساني

 

شبكة النبأ: جرائم المتاجرة بالبشر والأعضاء البشرية واستغلال الأطفال والفتيات القاصرات من قبل عصابات منظمة، كانت ولاتزال محط اهتمام العديد من المنظمات الحقوقية والإنسانية التي حذرت من تفشي وانتشار هذه الظاهرة الخطيرة في العديد من دول العالم، ويرى بعض المراقبين ان هناك الكثير من الأسباب التي أسهمت بتفشي هذه المشكلة، منها اتساع دائرة العنف و استمرار الحروب في العديد من الدول او نتيجة لضغوط اقتصادية أو اجتماعية وغيرها من الأمور الأخرى، هذا بالإضافة الى ضعف القوانين او التهاون بتطبيق بعض العقوبات الرادعة، وفي هذا الشأن فقد قالت المفوضية الاوروبية إن الالاف يقعون ضحايا جرائم الاتجار بالبشر كل عام في الاتحاد الاوروبي لكن اغلب الدول الاعضاء تتقاعس عن تطبيق قوانين جديدة اكثر صرامة اقرها الاتحاد للتصدي لهذه المشكلة. وتفرض القوانين الجديدة التي اقرت في 2011 عقوبات اشد على الجناة مما يسهل ملاحقتهم قضائيا عبر الحدود داخل التكتل وتوفير حماية افضل للضحايا.

وقالت المفوضية ان ست دول فقط في التكتل الذي يضم 27 دولة طبقت التشريع الجديد حتى الان. وعادة ما يكون ضحايا الاتجار هم النساء ويجبرن في الغالب على العبودية الجنسية ولكن ايضا على الاشغال الشاقة والنشاط الاجرامي. وتستأصل بعض اعضائهم. وتظهر المعلومات التي اصدرتها الذراع التنفيذية للاتحاد الاوروبي زيادة عدد ضحايا الاتجار الذين جرى التعرف عليهم بنسبة 18 في المئة بين 2008 و 2010 الى نحو عشرة الاف غير ان هذا الرقم يمثل على الارجح جانبا من الضحايا.

وقالت سيسيليا مالمستروم مفوضة الاتحاد الاوروبي لشؤون الاسرة "ما نعرفه هو مجرد غيض من فيض على الارجح. اشعر بخيبة امل كبيرة ان ارى انه رغم هذه الاتجاهات الباعثة على القلق فإن دولا قليلة فقط تنفذ التشريع المناهض للاتجار بالبشر وادعو تلك التي تفعل ذلك حتى الان الى احترام التزاماتها. بحسب رويترز.

واغلب الضحايا الذي جرى التعرف عليهم مواطنون من رومانيا وبلغاريا وهما افقر عضوين بالتكتل. ولم تطبق اي من الدولتين القوانين الجديدة. ويمكن ان تواجه حكومات الاتحاد الاوروبي التي لم تنفذ القواعد العامة اجراءات قانونية وغرامات. واظهرت احصاءات منظمة العمل الدولية العام الماضي ان ضحايا الاتجار بالبشر بلغوا 21 مليون شخص في انحاء العالم.

موسكو وبكين

من جانب اخر وفي رد سريع اعربت موسكو عن استنكارها ودانت بكين تعسف تقرير اميركي اتهم روسيا والصين بالاتجار بالبشر. واتهمت وزارة الخارجية الاميركية في تقرير الصين وروسيا واوزباكستان بعدم بذل ما يكفي من الجهود لمكافحة تلك الظاهرة. وقد تستند واشنطن التي تنوي استئصال الشر المتمثل في هذه العبودية المعاصرة، الى ذلك التقرير لتتخذ بشكل احادي الجانب عقوبات بحق روسيا والصين البلدين المستهدفين في مجال حقوق الانسان.

واعلنت وزارة الخارجية الروسية في بيان فيما يخص امكانية اتخاذ عقوبات احادية الجانب بحق روسيا ان مجرد التطرق الى هذه المسالة يثير الاستنكار. وينتقد التقرير مثلا حالات عدم تسديد رواتب واعتداءات جسدية وظروف حياة سيئة جدا" في روسيا بعد خلافات مع الولايات المتحدة حول قضايا تتعلق بمسالة الحريات الفردية. وأضاف البيان الروسي ان مع الاسف بدلا من القيام بدراسة معمقة وموضوعية حول الاتجار بالبشر تشمل ايضا ما يجري في اراضي الولايات المتحدة، يلجأ معدو التقرير مجددا الى منهجية عمل غير مقبولة تصنف بها الحكومات وفق درجة التعاطف السياسي او الكراهية لدى وزارة الخارجية الاميركية.

واختارت بكين خط دفاع مشابها فطالبت الولايات المتحدة بالكف عن اصدار احكام احادية الجانب وتعسفية بحقها. واعلنت الناطقة باسم الدبلوماسية الصينية هوا شونييغ نعتقد ان على الطرف الاميركي اعتماد نظرة موضوعية وغير منحازة تجاه جهود الصين الرامية الى انهاء الاتجار بالبشر والكف عن اصدار الاحكام الاحادية الجانب والتعسفية حيال الصين. و بكين اكبر المستهدفين من واشنطن في مجال حقوق الانسان، ويتحدث التقرير خصوصا عن اتجار بالبشر على نطاق واسع بين المهاجرين داخل الصين وعن استمرار العمل القسري خصوصا في افران الآجر ومناجم الفحم والمصانع. بحسب فرانس برس.

وفضلت هوا التشديد على الجهود القوية التي تبذلها الصين في مكافحة الاتجار بالبشر والتقدم الكبير الذي قالت ان البلاد حققته في هذا المجال. واضافت لقد حسنا باستمرار قوانيننا الداخلية وعززنا تطبيق القانون والاجراءات القضائية وتعاوننا مع كافة البلدان وخصوصا جيران الصين. لكن وزارة الخارجية الاميركية تنتقد ايضا سياسة الطفل الواحد التي ادت الى ولادة 118 طفلا مقابل مئة طفلة ما يشجع الطلب على الاتجار بنساء اجانب للزواج من صينيين والدعارة. وتقدر الولايات المتحدة بنحو 27 مليون عدد الذين يعانون من الرق في العالم.

تجارة الأطفال

الى جانب ذلك فمن خدمة المنازل إلى الدعارة للفتيات والأشغال اليدوية للصبية، يرسل مئات الأطفال كل سنة من غرب افريقيا إلى الغابون للعمل في البلاد بطريقة غير شرعية، إثر وقوعهم في براثن عمليات الاتجار بالبشر. ويكفي التجول في سوق مون بويه الأكبر في ليبرفيل لتشكيل فكرة عن حجم هذه الظاهرة. فعشرات الأطفال الذين يكونون في سن صغيرة في بعض الأحيان يكدون من الصباح الى المساء تحت أشعة الشمس الحارقة. ويحمل بعضهم أكياس اسمنت ثقيلة على أكتافهم، في حين يحاول البعض الآخر بيع السمك المجفف أو الحلويات.

وفي خلال أكثر من عشر سنوات، انتشل أكثر من 700 طفل من براثن عمليات الاتجار بالبشر في للغابون وأعيدوا إلى بلدانهم، بحسب ما كشفت منظمة الأمم المتحدة للطفولة اليونيسيف. لكن عدد ضحايا الاتجار بالأطفال لا يزال مرتفعا. ولا يعلم أحد في الواقع عدد الأطفال الذين يعملون بالتحديد كبائعين او عمال منزليين، إذ أنهم لا يملكون وثائق رسمية وهم يعملون في السوق غير النظامية، على ما شرح ميشال إكامبا ممثل اليونيسيف في الغابون.

ولاستقدام الاطفال إلى هذا البلد الصغير الذي يتمتع بثروة نفطية ويعد من البلدان الأكثر نموا في افريقيا، يلجأ المتاجرون بالأطفال إلى قنوات الهجرة غير الشرعية، بحسب ميشال إكامبا. وغالبا ما ترسي مراكب محملة بمهاجرين من غرب افريقيا يهربون من البؤس والبطالة في بلادهم، في شواطئ ليبرفيل، عندما يحل الليل. وفي العام 2009، أوقفت القوات البحرية في الغابون قارب لا شارون الذي كان ينقل على متنه 300 مهاجر، من بينهم 34 طفلا تولت اليونيسيف الاعتناء بهم.

وفي أغلب الأحيان، يبقى الأهل في البلاد متمسكين بوعود فارغة ومقتنعين بمبالغ مالية ضئيلة. وأخبرت الراهبة مارغوريت بواندالا المسؤولة عن مراكز إسبوار إيه أركانسييل في ليبرفيل التابعة لجمعية كاريتاس أنه يقال للأهالي إن أطفالهم سيرتادون المدارس، ثم يعطونهم 20 ألف فرنك افريقي (حوالى 30 يورو) لإقناعهم. ولا يعلم غالبية أولاد بنين وتوغو ونيجيريا ومالي المصير المخبأ لهم في أراضي الغابون.

وأكدت الراهبة مارغوريت أن شبكات الاتجار بالأطفال جد منظمة، وغالبا ما يضع المتاجرون الأطفال عند عائلات هي من بلدانهم. وهم الذين يتقاضون أجورهم. وبحسب اليونيسيف، يقع الأطفال الذين يستغلون لغايات اقتصادية ضحية أعمال عنف أخرى، بما فيها الاستغلال الجنسي من قبل أرباب المنازل. كانت صونيا في السادسة من العمر عند وصلت من قرية كيتو جنوب بنين إلى الغابون. وهي أخبرت كنت أذهب باكرا إلى السوق لبيع السلع. وعندما كنت أعود إلى المنزل، كانوا يطلبون مني القيام بأعمال منزلية وكانت العجوز تبرحني ضربا. وهم كانوا يقولون إنني ابنتهم، لكنني كنت أعلم أن ذلك ليس صحيحا.

وقد فرت صونيا من ذلك المنزل في نهاية المطاف، لكن قليلين هم الأطفال الذين ينجحون في الإفلات من قبضة أهلهم الجدد الذين يشكلون مرجعهم الوحيد في هذا البلد الغريب حيث لا يملكون أي وثائق رسمية ولا يتقاضون أي راتب.

وقد أطلقت السلطات في الغابون بالتعاون مع اليونيسيف دورة تدريبية في خمس مدن كبيرة لمساعدة القضاة ورجال الشرطة القضائية والموظفين في قطاع الخدمات الاجتماعية على وضع حد لظاهرة الاتجار بالأطفال. أديت هي فتاة في الرابعة عشرة من العمر التحقت بدورة تدريبية لتصفيف الشعر في مركز "إسبوار" في ليبرفيل كي لا تعود إلى بلادها فارغة اليدين وتغرق مجددا في دوامة الفقر. وهي تبلي بلاء حسنا، بحسب الراهبة مارغوريت.

في السياق ذاته افتتحت محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية محاكمة 13 شخصا بينهم شخصان يحملان الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، بتهمة خطف اطفال جزائريين لتبنيهم في فرنسا. وقد انكشفت القضية في 2009 وقال الادعاء انها تتعلق بعدد غير محدد من الاطفال ارسلوا الى سانت ايتيان وسط شرق فرنسا حيث تم تبنيهم مقابل اموال. وحضر المحاكمة سبعة متهمين في حين غاب عنها الفرنسيان من اصل جزائري المقيمان في سانت ايتيان.

وصرح المحامي علال بوطويلي احد محامي المتهم الاساسي الطبيب خليفة حانوتي المعتقل منذ الثاني من اذار/مارس 2009 ليس هناك اي قضية خطف اطفال. واضاف ان المرأة الوحيدة التي يقوم عليها التحقيق روت ان ابنتيها التوأمتين أحلام وكاتيا خطفتا وبيعتا لزوجين يعيشان في فرنسا. واكد المحامي ان الوثائق التي بحوزتي تثبت ان الطفلتين المولودتين في 1977 تبنتهما امرأة تعيش في الجزائر.

وجاء في مذكرة الاتهام ان الطبيب حانوتي متهم بنقل اطفال الى الخارج بشكل غير قانوني بمساعدة كاتب عدل متهم باعداد وثائق تخلي عن مسؤولية مزورة وقعتها امهات غير متزوجات. وقد بدا التحقيق اثر وفاة فتاة في مصحة يملكها المتهم في عين طاية شرق العاصمة الجزائرية. وقال المحامي بوطويلي ان موكله لوحق في البداية بتهمة ممارسة الاجهاض بشكل غير شرعي لكن تم التخلي عن تلك التهمة. بحسب فرانس برس.

واوضح ان المتهم الاخر بوعلام ايباري المقيم في سانت ايتيان تبنى طفلين من حضانة عين طاية طبقا للقوانين الجزائرية. واضاف انه حصل على اذن من محكمة الرويبة لتغيير اسميهما واخراجهما من الجزائر بادراجهما على جواز سفره. ويلاحق المتهمون بتهمة الانتماء الى عصابة اجرامية والخطف ونقل اطفال عمدا والتزوير وانتحال هوية بغير حق.

قصة مريعة

في السياق ذاته صدمت صربيا بقضية مريعة تتعلق باحتمال وجود شبكة للاتجار بالأطفال، فيما طلبت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان من بلغراد تسليط كل الأضواء على هذه الفضيحة التي تعود بداياتها الى حقبة النظام الشيوعي في يوغوسلافيا. ويمثل هذا القرار بارقة امل للآلاف من الاهالي المفجوعين والمقتنعين، حتى اثبات العكس، بانهم وقعوا ضحايا تجارة الأطفال.

وتشير شهادات عديدة جمعت منذ اندلاع الفضيحة مع بداية الالفية الثانية الى سيناريو متشابه وهو يقوم على اعلان ادارات المستشفيات للأهالي ان طفلهم مات بدون ان تظهر الجثة، وبانها ستتولى تنظيم مراسم الدفن. لكن في المدافن لا يعثر على اي اثر للمواليد الجدد الذين زعم بانهم توفوا ودفنوا.

واكدت مريانا نوفوكميت 54 عاما ان في بلغراد فقط طلب ألفان من الاهالي التحقق مما اذا كان اطفالهم دفنوا، وتلقوا جوابا سلبيا. ومريانا التي فقدت طفلها الذي ولد بصحة ممتازة لكن بعد بضعة ايام اعلنت وفاته بدون اي تعليل في 1978، تنتمي مع غوران رادينوفيتش 42 عاما الذي فقد طفله في 2001 الى مجموعة من الاهالي تمارس منذ اثني عشر عاما ضغوطات على السلطات في بلغراد من اجل اظهار الحقيقة.

وهؤلاء الاهالي لا تساورهم اي شكوك بوجود سلوك اجرامي منظم. وقالت هذه السيدة التي خطت التجاعيد وجهها المتجهم اننا امام شبكة اجرامية منظمة والدولة لا تحرك ساكنا لمساعدتنا". واستطرد غوران ما يؤكد وجود هذه الشبكة في راينا هو سيناريوهات عمل متشابهة في مستشفيات مختلفة ومدن مختلفة وفي فترات مختلفة".

واكدت نوفوكميت ان ممرضات وقابلات قانونيات اعترفن لنا بشكل ضمني واحيانا مباشر بدون ان يكشفن اسماءهن بوجود عصابة للمتاجرة بالأطفال. ويحظى الاهالي بدعم كلي من المفوض الاوروبي للمعلومات ذات الاهمية العامة رودوليوب سابيتش الذي يعتبر قرار ستراسبورغ نتيجة منطقية لعجز السلطات الصربية عن تقديم معلومات ذات صدقية للاهالي. وراى ان احتمال وجود شبكة اتجار بالاطفال لا يمكن استبعاده مطلقا. وفي العام 2006 وتحت ضغوط الاهالي شكل البرلمان الصربي لجنة تحقيق.

واوضحت رئيسة هذه اللجنة التي تمت الموافقة عليها باجماع النواب ان هذه الوثيقة اكدت بشكل كلي شكوك الاهالي. وقالت داسين طالبنا بإنشاء وحدة متخصصة في الشرطة تقود التحقيق حول هذا الملف، وبادخال آلية الزامية للتحقق من هوية الاطفال المتوفين من قبل الاهالي، والالزام باجراء تشريح والسماح لعائلة الطفل المتوفى بالاهتمام بالجنازة. ولفتت الى ان توصيات اللجنة هي نتيجة اقتناعها بان الشكوك بوجود اتجار بالاطفال مبررة. وعبرت مريانا نيكوليتش 46 عاما الموظفة في متجر كبير والام لطفلين عن روعها لقصة هؤلاء الأهالي. وقالت لا اعلم فعلا ما كنت سافعله امام مأساة كهذه. اشعر بالحزن لهؤلاء الناس.

واقرت مريانا وغوران اللذان رزقا باولاد اخرين في هذه الاثناء هي ام لتوأمين وهو اب لاربعة اولاد، بان معركتهم الطويلة من اجل كشف الحقيقة نغصت عليهم حياتهم. وروت مريانا من فرط سماع قصتي تشعر احدى ابنتي بالفزع من دار التوليد، فهي تخاف من سرقة طفلها. هذه القضية عقدت حياتنا. ولفتت الطبيبة النفسانية ميليتشا زارين الى ان الآثار النفسية لدى الاهالي خطيرة والندوب عميقة. وقالت ان الامر يتعلق بسلسلة اخبار سيئة مصحوبة بمعاناة وانهيار عصبي وشعور بالعجز وبحث محموم عن الحقيقة. بحسب فرانس برس.

وقد طلبت المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان في قرارها من الدولة الصربية التحرك بشأن هذا الملف، لكنها لم تفعل حتى الان. لكن مسؤوله في وزارة العدل الصربية صرحت طالبة عدم كشف هويتها لدينا مهلة ستة اشهر لاتخاذ اجراءات وسنفعل ذلك بدون ان تعطي اي توضيحات اخرى.

متسوّلون سوريون

على صعيد متصل أصبح عبد الله وربيع صديقين عزيزين في الشوارع خلال قيامهام ببيع ورود اصطناعية كل ليلة في مقهى مار مخايل في بيروت. عبدالله، ذو قامة قصيرة وممتلئة، يقول إنّه في سن العاشرة. أما ربيع فأطول وأنحف من صديقه، عمره لا يزيد عن التسع سنوات. يؤكد الصبيّان أنّهما سوريّان من حلب، غادراها مع عائلتهما بسبب الحرب. وتحدّث ربيع بلهجة سوريّة واضحة، ويعترف بأنّ لا والد له، وأنّه يعيش مع أمه في جونية، وأنّهم غادروا حلب قبل نحو شهرين. توجد هناك حرب الآن، يشرح. وهو يشتري الورود الاصطناعية من مخيّم صبرا للاّجئين في بيروت. حيث يأخذه جاره أبو سمرا كل يوم سبت بسيارته، كما يقول.

أما لهجة عبدالله فلبنانية، لكنّ الصبي يقول إنّه في لبنان منذ عام، واليوم بات يتقن اللهجة اللبنانية. هو أيضاً يعيش في جونية مع والدته. والدي على قيد الحياة، لكنّه في السجن منذ شهرين لأنّ الشرطة ألقت القبض عليّ وعلى ربيع ونحن نبيع الورود، وأوقفتنا مدة 15 يوماً في سجن الأحداث ومن ثم ساقوا والدي الى المحكمة وهو الآن في السجن.

وعشرات الأطفال مثل عبد الله وربيع، فتياناً وفتيات، وكذلك عشرات النساء اللاتي يحملن أطفالهن، يتسوّلون في شوارع وسط بيروت، والحمرا، والروشة، والجميزة، ومار مخايل، المكتظة بالمطاعم والمقاهي والحانات والفنادق. ومعظم النساء والأطفال الذين يتسوّلون في الحمرا والروشة يقولون إنّهم لاجئون فقراء من حلب، لكنّ سكان تلك المناطق مقتنعون أنّهم يشكّلون جزءاً من شبكة اتّجار بالبشر. ويكّرر عاملو الإغاثة هذه الادّعاءات، ذاكرين وجود حلقات اتّجار بالبشر تقوم باستغلال عوز ويأس اللاجئين الفقراء.

وباتت الحمرا دمشق مصغّرة، يقول أحد السكّان وهو جالس على طاولة في أحد مقاهي الحمرا، رافعاً صوته. أليس واضحاً ما يحدث؟ هناك شاب يتركهم في طرف الشارع في السادسة صباحاً ويعود ليقلّهم في الليل!. ويشرح الرجل العجوز، معبِّراً عن غضبه من المتسوّلين الصغار. بات من غير المحتمل الجلوس هنا. ينقضّون عليك في كل مكان! يتذمّر قائلاً، في حين يهزّ باقي الزبائن برؤوسهم تعبيراً عن موافقتهم على أقواله.

وفي الشارع، ثمّة العديد من النساء اللواتي يحملن أطفالاً رضّعاً أو في مراحل المشي الأولى، بعضهنّ يجلسن على جانب الرصيف، وأخريات يتنقلّن من نافذة الى أخرى بين السيارات العالقة في زحمة السير. حميدة الأحمد هي المتسوّلة الوحيدة التي ترتدي النقاب في شارع الحمرا. تقول إنّها في الـ25 من العمر، وهي من حيّ الخرافيه في حلب، لديها 7 أطفال، وزوجها مريض ولا يستطيع العمل، وعليهم أن يدفعوا مبلغ 400$ شهرياً بدل إيجار شقة في حي السلّم، في الضاحية الجنوبية لبيروت. غادرنا حلب قبل شهر. حيث دقّ الجيش السوري جرس الإنذار، وأعلن أنّهم سيخلوننا، فجمعونا في شاحنات وقادونا الى الحدود اللبنانية، تخبرنا قصتها مصرّة على صحّتها، رغم صعوبة تصديقها.

شريفة، متسوّلة أخرى تقول إنّ عمرها 33 عاماً، تحمل مولوداً حديثاً لا يكفّ عن الحراك، وتنتقل به من نافذة سيارة الى أخرى في زحمة سير شارع الحمرا. توضح إنّها تحمل اسم عائلة الأحمد نفسها، وتخبر قصة حميدة نفسها، بأنّها قادمة من حلب، من الشيخ مقصود، ووصلت الى لبنان قبل شهرين، وأنّ الجيش السوري قام بإخلاء الحي الذي تقطنه، ووضع الناس في شاحنات وقادهم الى الحدود اللبنانية، كما أنّ زوجها مريض، وأنّهم يدفعون 500$ بدل إيجار شقة في النبعة، إحدى ضواحي بيروت. نحن النساء اللواتي يتسوّلن هنا، نعرف بعضنا البعض. نأتي في مجموعات بإحدى سيارات الأجرة في صباح كل يوم ونتقاسم تكلفة النقل.

غير أنّ زينب، 13 عاماً، التي تبيع أوراق اللوتو مع والدها، تقول إنّها من التركمان، مثل معظم النساء الموجودات في الشارع. نحن جميعاً من حلب، وجئنا الى هنا منذ شهرين. أخوتي وأخواتي يبيعون الحلوى على الطريق العام، في حين نبيع أنا ووالدي أوراق اللوتو هنا، تقول. يجب أن أجني 20$ يومياً وإلاّ لا أعود الى المنزل يزلّ لسانها قائلة.

ويقول العاملون في الإغاثة في لبنان إنه من الصعب التمييز بين اللاجئين الفقراء حقاً الذين تحوّلوا الى التسوّل لإعالة عائلاتهم، والشبكات التي تستغل وضع اللاجئين لجني المزيد من الأموال من خلال استغلال السوريين ضمن حلقات اتجار بالبشر. وقد لفتت حالتا انتحار ومحاولة انتحار النظر الى الفقر الذي يواجهه اللاجئون السوريون في لبنان. حيث قام شاب سوري في التاسعة عشرة من العمر بإضرام النار بنفسه في ساحة بربور بسبب مصاعبه المالية. وقام لاجئ سوري آخر بشنق نفسه في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا للسبب نفسه.

من جهته، يشرح أمين مندو، الذي يرأس أحد مكاتب إغاثة اللاجئين السوريين في طرابلس، أن الوضع مختلف في شمال لبنان. في بيروت، كل شيء باهظ الثمن وربما يصل الناس الى درجة اليأس الى حد الانتحار، لكن هنا يمكنك أن تبقى على قيد الحياة. هنا المجتمع مضياف لا سيما في الشمال، والشخصيات الدينية تقوم كذلك بالمساعدة في الإغاثة. بحسب فرانس برس.

ويحصل اللاجئون على قسيمة شراء تساوي تقريبا 30$ من وكالات الأمم المتحدة، في حين يدفع مجلس اللاجئين الدانمركي 60 في المئة من باقي نفقات 250 عائلة يتيمة الأب، كما يقول. لكن مندو يشير كذلك الى أن الكثير من التركمان أو البدو الذين كانوا هنا، حتى قبل الحرب، يدعّون بأنهم لاجئون سوريون لكي يتسولوا ويجنوا المال ما من لاجئ سوري يقوم بذلك. اللاجئون، حتى إن كانوا يائسين، لن يتسولوا. المتاجرون بالبشر يستغلون هذه القضية لجني الأرباح. هؤلاء المتسولون يعيشون قرب الحدود اللبنانية السورية وبهذه الطريقة يجنون المال.

تجارة الأعضاء

من جانب اخر حكمت محكمة اوروبية على خمسة اطباء كوسوفيين بالسجن لمدد تصل الى ثلاث سنوات بتهمة الاتجار باعضاء بشرية في كوسوفو، وهي قضية تعود الى 2008 وامتدت تشعباتها الى سائر انحاء اوروبا واميركا اللاتينية وحتى الشرق الاوسط. وحكمت المحكمة بعقوبة السجن لثماني سنوات، وهي اشد عقوبة، على طبيب المسالك البولية لطفي درويشي فيما حكم على نجله اربان درويشي وهو طبيب ايضا بالسجن لسبع سنوات وثلاثة اشهر.

كما حكم على ثلاثة متهمين اخرين في هذه القضية وهم ايضا اطباء بالسجن لمدد تتراوح بين سنة مع النفاذ وثلاث سنوات. وفي اطار هذه المحاكمة تمت تبرئة المتهمين الاخيرين في هذه القضية احدهما مسؤول كبير سابق في وزارة الصحة الكوسوفية ايلير رجائي. واثناء المحاكمة اقر رجائي بان عمليات الزرع غير المشروعة تمت في عيادة لكنه نفى ضلوعه فيها. واتهم جميع هؤلاء الاشخاص ب"الجريمة المنظمة" و"ممارسة انشطة طبية بطريقة غير مشروعة" كما ورد في محضر الاتهام التي اعده المدعي العام الاوروبي جوناثان راتل.

وبحسب المصدر نفسه فان اكثر 30 كلية نزعت وزرعت بطريقة غير مشروعة في عيادة ميديكوس التي اغلقت في 2008 بعد اندلاع الفضيحة. ووعد الواهبون الذين اختيروا في اوروبا او في اسيا الوسطى بحوالى 15 الف يورو لكل منهم فيما كان متلقو الاعضاء مستعدين لدفع حتى 100 الف يورو لكل عملية جراحية كهذه. بحسب فرانس برس.

واشار محضر الاتهام الى الاسرائيلي موشي هاريل على انه الدماغ المدبر لشبكة تجنيد واهبين للاعضاء ومتلقين لها، لكن يشتبه بان الطبيب التركي يوسف ارجين سونميز هو الذي اجرى عملية زرع الاعضاء في العيادة ميديكوس. وهذان الرجلان لا ترد اسماؤهما بين المتهمين في هذه القضية لانهما لم يوضعا في تصرف المحكمة الاوروبية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آب/2013 - 20/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م