كشمير... جنان تستحيل وبالا

 

شبكة النبأ: يبدو أن الصراع الهندي الباكستاني الذي كان ذات يوم مثار اهتمام القوتان النوويتان، يعود اليوم بحلة جديدة بعدما تبادلت الدولتان الاتهامات بإثارة العنف على الحدود المضطربة بينهما عند كشمير، ليهدد القصف عبر الحدود خلال الاونة الأخيرة، عرقلة محاولات لاستئناف محادثات السلام بين الدولتين النوويتين، فلا تزال قضية كشمير تشكل نقطة خلاف بين الهند وباكستان منذ نحو 60 عاماً، حيث خاض البلدان 3 حربان بسبب هذه المنطقة ذات الأغلبية المسلمة، وبعدما صمدت هدنة في كشمير نحو عشر سنوات أذكت هذه الواقعة مرة أخرى بسبب سلسلة اشتباكات جرت في الاونة الأخيرة على خط المراقبة في إقليم كشمير، مما قد يقوض مساعي الحكومة المدنية الباكستانية الجديدة لتحسين العلاقات مع الهند خصمها القديم.

حيث يتبادل الجيشان الهندي والباكستاني إطلاق النار مما يضر بوقف لاطلاق النار استمر لقرابة عشر سنوات، وألقى تجدد القصف بظلاله على استعدادات لاجتماع بين رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ ونظيره الباكستاني نواز شريف في نيويورك في سبتمبر أيلول، وتلقي الخلافات آنفة الذكر بين الدولتين بظلاله على جهود الرامية لتحسين العلاقات بينهما خاصة في الاونة الاخيرة، وأعربت الدولتان عن خيبة أملهما بسبب وصل العلاقات الدبلوماسية بينهما الى مستوى لم يشهده البلدان منذ سنوات، لكن على الرغم من حالة الفتور غير المسبوقة ما زال للهند مصالح مشتركة مع باكستان الشديد في العلاقات بين البلدين، فمن غير المتوقع أن تغلق باكستان الباب تماما على التعاون مع الهند، وذلك لضمان تحقيق مصالحهما السياسية والاقتصادية والإستراتيجية في البلدان العالمية الأخرى.

لذا يرى الكثير من المحللين أن  تزايد التوترات السياسية واحتدام الأزمات الدولية خلال الاونة الاخيرة، خصوصا بعدما باتت الدول المتخاصمة اليوم شبه متوازنة القوى، مما قد يعيد الحياة للحروب القديمة، وعليه يبدو ان الصراع القديم الجديد بين الهند وباكستان  يعود مرة أخرى بوجه جديد، لكنه بشكل جديد اقل حدة من ذي قبل، مما قد يطلق إنذار دولي لا تحمد عقباه في حال استمرت هوة الخلافات بالاتساع دون ايجاد توافقات ترضي الجانبين.

لذا تظهر التطورات الأخيرة في منطقة كشمير الحدودية مصدر قلق واحتكاك متواتر بينهما، وتمثل احدث انتكاسة في العلاقات بين البلدين المتجاورين، مما يذكي مخاوف أن تتحول إلى أزمة قد تهدد الامن القومي، أو تخلق توترا أمينا سياسيا خطيرا يمهد لصراعات وتوترات خطيرة في المستقبل القريب.

اتهامات متبادلة محتدمة

في سياق متصل قال الجيش الباكستاني إن أحد ضباطه قتل في اطلاق نار من جانب قوات هندية عبر المنطقة الحدودية المتنازع عليها في كشمير "دون اي استفزاز" لكن مسؤولا هنديا قال ان الجانب الهندي رد فقط على نيران باكستانية أطلقت في البداية، وقال مسؤول عسكري باكستاني انه الى جانب الجندي القتيل هناك "جندي آخر...أصيب اصابة خطيرة في القصف الهندي دون اي استفزاز"، وجاء ذلك بعد مقتل خمسة جنود هنود الشهر الحالي عند خط المراقبة الذي يفصل الجزء الواقع تحت سيطرة باكستان من كشمير عن الجزء الواقع تحت سيطرة الهند. وقالت الهند إن الخمسة قتلوا على يد قوات باكستانية في حين نفت باكستان تورطها في الهجوم. بحسب رويترز.

وقال مسؤول في الجيش الهندي ان القوات الهندية تعرضت لنيران قذائف المورتر والاسلحة الالية الخفيفة من الجانب الباكستاني في منطقة كارجيل التي خاض فيها الجانبان حربا غير معلنة عام 1999، وساد الهدوء منطقة كارجيل منذ ذلك الحين وحتى بدء اطلاق النار مجددا.

فقد أعلن رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف ان اسلام اباد ستلتزم "ضبط النفس لتبديد التوتر" مع الهند في كشمير حيث ما زال تبادل اطلاق النار مستمرا في هذه المنطقة المتنازع عليها بين البلدين، وأكد شريف خلال مؤتمر صحافي مع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي يختتم زيارة لباكستان "لن اوفر جهدا وسابحث عن كل الطرق لتبديد التوتر مع الهند وفتح حوار وتسوية خلافاتنا بما في ذلك حول كشمير"، وقال رئيس الوزراء الباكستاني "علينا تبديد التوتر لذلك نحتاج الى مزيد من الجهود الدبلوماسية"، ويضاعف الجنود الهنود والباكستانيون منذ عمليات تبادل اطلاق النار على طول خط المراقبة الفاصل بين البلدين في كشمير، واضاف ان باكستان "ستتحلى بضبط النفس وبمسؤولية" لكي لا تتفاقم الاوضاع اكثر.

واتهمت الهند الجيش الباكستاني بقتل خمسة من جنودها قرب الحدود وهي اتهامات رفضتها باكستان. ومنذ ذاك الحين يتبادل جنود البلدين اطلاق النار على طول خط المراقبة، وحادث تبادل لاطلاق النار الليلة الماضية اسفر عن مقتل مدني باكستاني بحسب مسؤولين في القسم من كشمير الذي تديره باكستان. بحسب فرانس برس.

وصرح مصدر عسكري باكستاني ان "مدنيا يدعى ساكي محمد في الستين من العمر قتل برصاص هندي (...) واصيبت ابنته وهي في ال17 بجروح خطيرة"، واكد مسؤول حكومي كبير مالك ايوب هذه الحصيلة، وترغب الهند في تسوية خلافاتها مع باكستان لكنها تريد تدابير حسية من اسلام اباد "لتفكيك منظمات ارهابية" حسب ما اعلن المتحدث باسم الدبلوماسية الهندية سيد اكبر الدين.

مساعي لتحسين العلاقات

على صعيد ذو صلة أفرجت باكستان عن 337 سجينا هنديا معظمهم صيادون في احدث علامة على رغبة الحكومة الباكستانية الجديدة في تحسين العلاقات المتوترة بين الجارتين النوويتين، لكن سلسلة اشتباكات بدأت هذا الشهر عبر حدودهما التي تقسم منطقة كشمير المتنازع عليها تقوض مساعي حكومة باكستان المدنية في تحسين العلاقات مع الهند، وسمح للسجناء بالعودة إلى بلدهم عبر معبر واجا الحدودي بين مدينتي لاهور في باكستان وامريتسار في الهند. وكانت باكستان احتجزت هؤلاء الهنود ومن بينهم صيادون على مدى العامين الماضيين لدخولهم المياه الاقليمية لباكستان حسب قولها.

وقال صياد يدعى كيلاش ناثو (17 عاما) الذي كان عائدا الي بلاده عندما القي القبض عليه في يناير كانون الثاني "كانت باكستان والهند دولة واحدة في الماضي.. ينبغي ان يتوصلا إلى تفاهمات ويعيشان في سلام مثل الاشقاء"، وقال صياد هندي اخر يدعى شابير اوسمان ان على الهند الان ان تفرج عن سجناء باكستانيين"، وأضاف اثناء وقوفه وسط زملائه بالقرب من المعبر "يجب ان توقع باكستان والهند معاهدة تضمن عدم اعتقال الصيادين الابرياء. اذا وقعتا معاهدة كهذه فسيساهم ذلك في تعزيز العلاقات الودية"، لكن متحدثا باسم وزارة الخارجية الهندية قال ان نيودلهي لن تتخذ لفتة مماثلة، وقال المتحدث من خلال رسالة نصية على الهاتف قبل الافراج عن السجناء "الافراج يكون فقط للاشخاص الذين اكملوا فترات اعتقالهم وتم تمييزهم كمواطنين. هذه عملية عادية وليست خطوة تبادلية". بحسب رويترز.

وكانت الدولتان اتفقتا على استئناف المحادثات بشان تحسين العلاقات بينهما قبل الاشتباكات الاخيرة التي وقعت بمحاذاة ما يعرف بخط الهدنة الفاصل بين الشطر الذي تسيطر عليه باكستان والاخر الخاضع لسيطرة الهند في كشمير. لكن محللين كثيرين يشككون فيما اذا كان بوسع الحكومة الهندية التي تتعرض لضغط من المعارضة اليمينية ان تقدم اي تنازلات جوهرية قبل الانتخابات العامة المقررة العام القادم، ومن المقرر ان يلتقي شريف بنظيره الهندي مانموهان سينغ في الامم المتحدة في نيويورك الشهر القادم ويبدو ان الافراج عن السجناء يوم السبت يشير إلى عزمه على تحسين العلاقات.

تجدد الاشتباكات عبر الحدود

في سياق متصل تصاعد العنف على طول الحدود في السادس من أغسطس اب عندما قتل خمسة جنود هنود في كمين بمنطقة نائية عند جبال الهيمالايا. واتهمت الهند الجيش الباكستاني بالمسؤولية عن الهجوم لكن باكستان نفت أي تورط لها في الأمر، وقال الجيش الهندي إن مجموعة من المسلحين المجهولين حاولوا عبور الحدود ودخول الهند في أول محاولة تسلل من الجانب الباكستاني منذ حادث السادس من أغسطس اب، وقال اللفتاننت كولونيل بريجيش بانداي القائد في الجيش الهندي "أحبط الجيش اليوم محاولة تسلل في قطاع كيران بشمال كشمير على طول خط المراقبة مع باكستان وقتل متشددين اثنين"، ودعا شريف في تصريحات باسلام اباد أثناء زيارة بان جي مون الامين العام للأمم المتحدة إلى الحد من التوتر، وقال "علينا نزع فتيل التوترات ووقف تصاعد الموقف. هدفنا هو السلام وما نحتاجه هو المزيد من الدبلوماسية، "تصاعد التوتر على طول خط المراقبة يقلقنا ويقلق الأمين العام". بحسب رويترز.

ولم يرد تعليق فوري من الجيش الباكستاني على أحدث اتهام هندي لباكستان لكن مصادر عسكرية في إسلام آباد قالت إن مدنيا قتل في وقت سابق في قطاع باتال نتيجة "لقصف هندي غير مبرر"، وقال مالك أوان وهو مسؤول في الادارة المحلية من منطقة بونتش "كان إطلاق النار كثيفا ويستخدمون (الهنود) أسلحة صغيرة وثقيلة من بينها المدفعية ويستهدفون تجمعات مدنية"، وترددت أنباء عن حادثين آخرين في مناطق أخرى على الحدود.

استهداف مواقع عسكرية في كشمير

في المقابل اتهمت الهند القوات الباكستانية باستهداف 16 موقعاً عسكرياً ومنطقة مدنية على طول خط المراقبة في إقليم كشمير، وأفادت وكالة (برس ترست) الهندية ان الجانب الهندي اتهم القوات الباكستانية بانتهاك وقف إطلاق النار للمرة التاسعة خلال 4 أيام، مشيراً إلى انها استهدفت 16 موقعاً عسكرياً ومنطقة مدنية على طول خط المراقبة في إقليم كشمير، وذكرت ان تبادلاً كثيفاً لإطلاق النار سجل في المكان، فيما لم يُفد عن سقوط ضحايا بين الجانبين. بحسب يونايتد برس.

وكانت باكستان، اتهمت القوات الهندية في وقت سابق باستمرار انتهاك خط المراقبة في إقليم كشمير، وقالت قناة (دنيا نيوز) الباكستانية إن القوات الهندية عمدت إلى إطلاق النار مستخدمة أسلحة خفيفة وثقيلة عبر خط المراقبة في كل من خوي راتا وناكيال وغوي ومندول وكاكوتا ودونغا غمير بكشمير، وان القوات الباكستانية ردت على النار، فيما لم يتم التبليغ عن سقوط ضحايا، وأشارت إلى أن الهلع دب في المناطق الحدودية جرّاء سماع إطلاق النار كثيف، وقد خاضت الهند وباكستان القوتان النوويتان ثلاث حروب منذ استقلالهما في 1947 من الامبراطورية البريطانية. وكانت كشمير المقسمة الى قسمين يطالب بهما البلدان، سبب اثنتين من الحروب الثلاث.، وتم التوصل الى اتفاق حول وقف اطلاق النار في كشمير سنة 2003، واستؤنفت المفاوضات بين البلدين في 2011 بعد ثلاث سنوات على اعتداءات بومباي التي قالت السلطات الهندية ان جماعة عسكر طيبة الاسلامية الباكستان نفذتها. بحسب فرانس برس.

فيما قاد رئيس وزراء الشطر الباكستاني من ولاية كشمير شودري عبد المجيد تظاهرة ضمت 400 شخص توجهوا الى مقر بعثة المراقبة للامم المتحدة في مظفر اباد للمطالبة بالتحرك لارساء السلام، وقال للمتظاهرين ان "ضمان السلام في كشمير من مسؤولية بعثة المراقبة الدولية"، واضاف "عليهم تحمل مسؤولياتهم من خلال وقف القصف من الهند واعادة الامن الى كشمير". بحسب فرانس برس.

الى ذلك  قال حرس الحدود الهندي انه وقع المزيد من حوادث تبادل اطلاق النار بين الهند وباكستان مع تعرض وقف اطلاق النار المستمر منذ عشرة اعوام لمخاطر بسبب اتهامات بمقتل جنود نشروا على خط المواجهة، وقالت قوة امن الحدود ان احد افراد حرس الحدود الهندي اصيب بعد ان فتح حراس الغابات الباكستانيون النار على موقع في كاناتشاك على بعد نحو 40 كيلومترا جنوب غربي جامو العاصمة الشتوية لولاية جامو وكشمير الهندية، واضاف متحدث باسم قوة امن الحدود "كان اطلاق نار غير مبرر من الجانب الاخر. غير اننا قمنا بالرد بأقصى درجات ضبط النفس"، ولم يرد تعليق فوري من اسلام اباد، وقالت السلطات الهندية ان الجيشين تبادلا اطلاق النار ايضا في منطقة بونتش مما يعرض للخطر وقف اطلاق النار المتماسك الى حد بعيد منذ نوفمبر تشرين الثاني 2003. بحسب رويترز.

وقال مسؤولو ولاية جامو وكشمير ان ثلاثة اشخاص قتلوا في اعمال عنف وظل الوضع متوترا مع فرض حظر التجول في ست من عشر مقاطعات في جامو، ونشرت الهند عشرات الالاف من الجنود في كشمير لاخماد تمرد مسلح بدأ عام 1989. وتراجع عنف المتمردين في السنوات الاخيرة لكن لا يوجد حراك يذكر بشأن تسوية سياسية للخلاف، ونظمت قوات الجيش دوريات اليوم في شوارع المقاطعات التي يجتاحها العنف.

في الوقت نفسه قال مسؤول عسكري كبير ان "قوات الامن الهندية الحدودية اطلقت النار من دون ان تستفز على مراكز حدودية باكستانية قرب بوخليان في منطقة سيالكوت"، واضاف المسؤول طالبا عدم كشف اسمه ان "تبادل اطلاق النار مستمر بشكل متقطع. ولم يذكر سقوط ضحايا". بحسب فرانس برس.

والمح وزير الدفاع الهندي اي كاي انتوني الخميس الى تحرك عسكري اكبر على طول خط المراقبة في كشمير بعد ان اتهمت نيودلهي الجيش الباكستاني بانه مسؤول عن الكمين الذي ذهب ضحيته خمسة جنود هنود، وحاول رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف الخميس تهدئة التوتر مع الهند داعيا الجانبين الى التحرك بسرعة لترسيخ اتفاق وقف اطلاق النار المهدد جراء الهجمات الاخيرة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 28/آب/2013 - 20/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م