الزعيم الإيراني الأعلى له القول الفصل... لكنه يصغي أولا

 

شبكة النبأ: كتب الرئيس الامريكي باراك اوباما رسالتين إلى الزعيم الايراني الاعلى علي خامنئي ظنا منه انه هو - وليس رئيس الجمهورية الاسلامية - هو صاحب السلطة المطلقة في البلاد وانه الوحيد القادر على حل عقدة النزاع على البرنامج النووي لطهران، لكن الظهور المفاجئ للرئيس حسن روحاني المقرب من خامنئي والذي يدعو إلى الاعتدال كشف النقاب عن صورة مختلفة للسلطة في ايران حيث تبين ان الزعيم الروحي للبلاد ينصت اولا للاراء المختلفة ثم يتوصل إلى التوافق.

فعلى الرغم من انه الزعيم الاعلى الا انه ليس حاكما مطلقا، وقال علي أصغر رامزانبور النائب السابق لوزير الثقافة وهو يستعرض شكوك خامنئي العميقة في الولايات المتحدة والتأثير الثقافي الغربي واصراره على ان يظل البرنامج النووي الايراني خطا احمر "بالطبع لدى السيد خامنئي اراؤه الشخصية الخاصة التي ظلت على مدار 10 إلى 15 عاما الماضية وحتى الان مستقرة وهو يتشبث بها ويؤكدها"، وقال رامزانبور لرويترز ان خامنئي الذي شغل منصب الرئيس بنفسه من 1981 إلى 1989 "يعرف انه يجب ان يكون مرنا في المسائل الادارية للبلاد".

والنظام السياسي الايراني تركيبة معقدة من السلطة الدينية لرجال الدين الشيعة ورئيس وبرلمان منتخبين ويشرف عليه عدد كبير من المجالس المعينة، ثم هناك بعد ذلك الحرس الثوري الذي كما يعمل في الخارج - على سبيل المثال في مساعدة وتدريب القوات الحكومية في الحرب الاهلية السورية ودعم ميليشيات حزب الله في لبنان - يسيطر على جزء كبير من اقتصاد البلاد القائم بشكل رئيسي على النفط. بحسب رويترز.

وعلى الرغم من ان كل الطرق تؤدي إلى الزعيم الأعلى فخامنئي يرضي دوائره ويوازن بين مصالحهم خاصة مصالح الحرس الثوري، وقال جاري سيك خبير الشؤون الايرانية والمسؤول السابق بمجلس الامن القومي الامريكي "خامنئي ليس دكتاتورا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة لكن ما من شك في أنه صاحب القول الفصل في موضوعات بعينها مثل الملف النووي"، وقال "يصغي جيدا لما يقال قبل ان يعطي كلمته الاخيرة والكلمة الاخيرة ربما تكون محاولة لبناء التوافق اكثر من مجرد املاء السياسة مباشرة"، وقال رامزانبور "عندما يعن امر في تقرير خبير او عندما يثور الجدل بين اطراف متعددة لا طرف واحد يبدي (خامنئي) قدرا كبيرا من الانتباه".

وتشير التصريحات العلنية التي يدلي بها خامنئي إلى انه يعتقد انه حتى اذا كانت ايران ستتخلى عن برنامجها النووي الذي يرى الغرب انه مجرد غطاء لبناء ترسانة حربية نووية فالولايات المتحدة تريد تغيير النظام في ايران واي تنازلات لن تغير من هذه النية، وهناك من وجهة نظر الزعيم الاعلى ما يدعوه الى التفكير على هذا النحو فعلى الرغم من ان اوباما بادر فور توليه الرئاسة في 2009 بمد يد السلام إلى ايران "اذا خففت قبضتها" فقد فرضت ادارته على طهران ما وصفتها بأنها "اشد عقوبات في التاريخ" على قطاع النفط الايراني الحيوي والملاحة والمصارف.

واسهمت العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة معا في خفض حجم الصادرات الايرانية من النفط إلى النصف منذ 2011 وفي زيادة التضخم إلى اكثر من 40 في المئة وخفض قيمة الدينار الايراني بنحو الثلثين منذ بداية 2012.

لكن روحاني قال انه مستعد لاجراء محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة التي انقطعت العلاقات الدبلوماسية معها بعد الثورة الاسلامية عام 1979، بذلك يكون الرئيس قد حقق على الاقل تحولا في الاسلوب الذي يبدو انه مناقض لآراء خامنئي الثابتة. لكن الامر ليس كما يبدو تحولا في السياسة حيث يصر روحاني أيضا على انه لن يتخلى ابدا عن حق الجمهورية الاسلامية في امتلاك التكنولوجيا النووية.

وفي اشارة إلى انه سيمنح روحاني فرصة لتجربة التوجه الجديد قال خامنئي مؤخرا انه لا يعارض المحادثات المباشرة لكنه يشك تماما في انها قد تؤتي بثمار، وتفضل خامنئي على كل من الرئيسين السابقين - الاصلاحي محمد خاتمي والشعبوي المتشدد محمود احمدي نجاد - بفترة سمح له فيها بالمضي في سياسات لا يقبلها هو قبل ان يوقفها ويعلن عدم جدواها، وتتأسس السلطة التي يتمتع بها الرئيس على حقيقة انه منتخب شعبيا على الرغم من انه لا يخوض الانتخابات إلا المرشحون المرضي عنهم. وهكذا يمثل الرئيس الجانب الجمهوري في معادلة الجمهورية الاسلامية.

وبدا ان محاولات خاتمي للتخفيف من حدة القيود الاجتماعية والتأسيس لحكم القانون وقومية احمدي نجاد الشعبوية خلال فترة رئاسته الثانية هي امور قد مثلت تحديا لخامنئي والمحافظين المتشددين والحرس الثوري، كما اسهم دعم خامنئي لاحمدي نجاد في انتخابات 2009 المتنازع على نتيجتها في مواجهة الاحتجاجات في تآكل الشرعية الشعبية للجمهورية الاسلامية وربما يكون هذا ما اثنى الزعيم الاعلى عن الوقوف في طريق فوز روحاني، وقال رامزانبور ان خامنئي "شعر ان الناس كلهم قلقون على حال البلاد وانهم منزعجون منه وان الامور قد تؤول إلى الاسوأ بالنسبة له. وعلى هذا الاساس قدم تنازله"، ولأنه رجل ينتمي إلى الدائرة الداخلية المقربة وعمل مع خامنئي حتى من قبل الثورة الاسلامية في 1979 يملك روحاني فرصة افضل من الرؤساء السابقين في التفاوض في دهاليز السلطة الايرانية.

وفي الوقت الحالي يتمتع روحاني بمباركة الزعيم الاعلى لكنه لا يتمتع بأكثر من فرصة محدودة فإما أن تنجح محاولته للتواصل مع العالم الخارجي وتخفيف حدة العقوبات واما تنتهي سريعا، لكن حتى قبل بداية المهمة ربما يواجه روحاني بالفعل معارك ضارية في الداخل. فبعد اكثر من شهرين من انتخابه ما زال روحاني يحاول اتخاذ قرار بشأن نقل وظيفة كبير المفاوضين في الملف النووي الايراني من المجلس الاعلى للامن القومي إلى وزارة الخارجية، وبينما يحتفظ مجلس الامن القومي الاعلى بالاشراف على المحادثات فإن استبعاده من عملية التفاوض قد يغير مسار الجانب الايراني في المفاوضات حيث يوجد ممثلون للحرس الثوري والقضاء والبرلمان في المجلس، واستغرقت مسألة من يمثل ايران في موضوع السياسة الخارجية الاهم بالنسبة لايران وقتا طويلا وهو ما يلمح إلى وجود جدل قوي خلف الابواب المغلقة وربما مقاومة من الجهات التي تشعر انها ستستبعد جراء الخطوة المحتملة.

وكان روحاني نفسه كبير المفاوضين الايرانيين في الملف النووي خلال رئاسة خاتمي، وقال سيك "روحاني من الدائرة الداخلية وهو يقينا ليس ساذجا فيما يتعلق بما تقبله السياسة الايرانية"، واضاف "اعتقد انه يتقدم بحذر شديد. وهو يتخذ كل خطوة على حدة وهو على الارجح يذلل العقبات اثناء سيره ويحافظ على الاتصال بالزعيم الاعلى ويضع الامور امامه... هذه سياسة طيبة ووسيلة ذكية لإدارة الامر".

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 26/آب/2013 - 18/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م