كردستان العراق... واحة واعدة للسياحة والاستثمار

 

شبكة النبأ: عندما تغيب أصوات الانفجارات ومظاهر السلاح والعسكرة في العراق ولا ترى أثراً لنقاط التفتيش الأمنية فيها فاعلم إنك في "كردستان" الإقليم الشمالي الآمن حيث انسيابية المرور والإلتزام بالقوانين والأمن المستتب وغياب المزاج العصبي للسكان.

حتى الصافرات المدوية التي تطلقها سيارات الجيش والشرطة والإسعاف يومياً في غالبية مدن البلاد لا يُسمع صفيرها المرعب في المنطقة الكردية إلا نادراً ، كما لا تحلق في أجواء مدن الإقليم الثلاث طائرات الجيش المروحية التي أصبح تحليقها وعلى مستويات منخفضة أحيانا أمرا عاديا في سماء العاصمة بغداد وغيرها من المحافظات الوسطى والجنوبية.

ويُحسب لرجال أمن كردستان تعاملهم "المهني" و"المهذب" مع المارة سواء كانوا زوارا أو مواطنين محليين رغم إن هذا الأمر هو جزء من صميم واجبهم الوظيفي، لكن هذه الحالة سجلها بإعجاب الكثير من زوار الإقليم تحديدا أولئك القادمين من الجزء الآخر من العراق، في مقارنة لما يتعرضون له من "تجاوزات" ومعاملة وصفوها بـ"السيئة" من قبل العناصر الأمنية المرابطة في نقاط التفتيش أو عند مراجعتهم للمؤسسات الحكومية في مدنهم.

وفي فترات سابقة اشتكى زوار الإقليم من عرب العراق القادمين عن طريق البرّ من صعوبات و"معاملة متشنجة" من بعض عناصر أمن وموظفي الحدود في مدخل مدينة أربيل تحديداً، لكن هذه الحالة "باتت من الماضي.. ولم يعد شيء من هذا القبيل يحدث الآن" يقول ضابط برتبة ملازم كان يدقق في كشوفات رحلة سياحية قادمة من بغداد.

الضابط الكردي الذي يتحدث العربية بصورة جيدة يعزو ما كان يحصل سابقاً إلى "تصرفات شخصية من قبل بعض العناصر الأمنية والموظفين الذين لا يجيدون التحدث باللغة العربية لكن

توجيهات القيادة الكردية شددت على ضرورة تنسيب عناصر أمن وموظفين في المعابر الحدودية مع بقية مناطق العراق ممن يتكلمون العربية لكي يتم تسهيل دخول الوافدين إلى كردستان دون عراقيل أو تأخير.

وما أن تنتهي إجراءات الدخول، وتأخذ الحافلة السياحية طريقها نحو مركز مدينة أربيل عاصمة الإقليم الكردي شبه المستقل عن الحكومة المركزية في بغداد حتى تتغير الصورة القاتمة التي يختزنها الزائر في ذاكرته عن الجزء العربي من العراق المُعذب أمنياً وسياسياً.

فبدل مظاهر السلاح ومشاهد العنف والدمار السائدة هناك، تبرز معالم العمران والنظام في شوارع المدينة الشمالية التي تستعد لتكون عاصمة السياحة العربية العام المقبل بعدما وقعّ عليها الاختيار من قبل المكتب التنفيذي لوزراء السياحة العرب.

إّذ تلوح في الأفق رافعات البناء العملاقة وتنتشر على طول وعرض مدينة "هوليّر" وهو الاسم الكردي لمدينة أربيل مشاريع الطرق والجسور والبنى التحتية، كما تزهو الحدائق العامة والمتنزهات الفارهة التي تشتمل على مدن العاب وكازينوهات تُحاكي الطراز الغربي.

وطبقا لما هو مُخطط للمدينة الكردية فانه يراد لها أن تكون نسخة مماثلة تماما لمدينة دبي من حيث المكانة السياحية والاقتصادية والعمرانية، ومثل هذا الكلام يتوارد على السنة المسئولين المحليين في المحافظة والقيادات الكردية العليا من بينهم محافظ اربيل نوزاد هادي.

هادي قال إن "اربيل في تطور مستمر ونحن كمسئولين عن إدارتها منفتحين على تجارب سابقة لعواصم ومدن عربية وأجنبية لغرض الاستفادة منها، ولكي نضع مدينتنا على وجه الخصوص وبقية مدن الإقليم على طريق التطور الدائم".

وأضاف إن "حكومة الإقليم تولي أهمية خاصة لقطاع السياحة حيث تم تخصيص مبالغ ضخمة من أجل صرفها على المرافق كافة لتتناسب واختيار أربيل عاصمة السياحة العربية".

الدليل الذي يبرهن على أن عاصمة الإقليم سائرة بالاتجاه المُراد لها هو التواجد اللبناني الملفت في معظم قطاعات الاستثمار، وانطلاقا من مقولة "أينما وجد اللبناني يوجد الاستثمار" فأبناء بلد الأرز يعملون في كافة قطاعات "البزنس" الكردي ويمكن رؤيتهم بكثرة في أربيل.

ولا يمر يوم من دون أن تصادف شاب أو شابة من الجنسية اللبنانية سواء في الفنادق أو مراكز التجميل والتطبيب الصحي ناهيك عن المطاعم والمولات التجارية، وهناك الكثير من متعهدي الحفلات الغنائية من اللبنانيين يمارسون نشاطهم في مدن كردستان.

كما تعمل فرق استعراضية لبنانية في المهرجانات الاحتفالية التي تقام في الإقليم، وهناك عارضات من بلاد الأرز يعملن لبيوت الأزياء العالمية التي افتتحت فروعا لها في كردستان، كما أُقيم مؤخرا عدد من الحفلات الغنائية لمطربين لبنانيين.

هذا التواجد اللبناني المُلفت والذي لا يخلو من طبقة رجال الأعمال والمستثمرين، لا ينافسه إلا الحضور التركي الذي دخل بقوة للعمل في كافة قطاعات الحياة الكردية، ابتداء من مقاولي وحرفيي البناء، مروراً بشركات الغذاء والملابس والسلع الاستهلاكية، وانتهاءاً بالعقود المبرمة بين شركات تركية وحكومة الإقليم والتي يتعلق الجزء الأعظم منها بإنشاء مشاريع البنى التحتية في السكن والصحة والكهرباء والنفط وغيرها.

وطبقا للأرقام فإن حجم الاستثمارات في كردستان وحدها دون بقية مناطق العراق وصلت غلى 29 مليار دولار وكان نصيب مدينة اربيل وحدها بين 16- 17 مليار دولار تتقدمها الاستثمارات التركية تليها اللبنانية.

وعن هذا التواجد الأجنبي الملفت للنظر يقول شّمال محمد مدير مجموعة فنادق "أشبيلية"، "عندما تتجول في أربيل ستشاهد وتصادف أُناس من جنسيات مختلفة بينهم الأوروبي والإفريقي والأسيوي والخليجي، ناهيك عن أخوتنا من الجزء العربي للعراق". بحسب موقع نقاش.

شّمال هو أحد مؤسسي "رابطة الفندقة" في كردستان، يؤكد إن "قطاعي السياحة  والاستثمار في الإقليم يزدهران بصورة ملحوظة وخصوصاً في السنوات القليلة الماضية".

هذا الانفتاح الثقافي والاقتصادي وما يرافقه من بناء عمراني على الطراز العالمي إضافة إلى الأوضاع الأمنية المستقرة، جعلت كردستان مقصدا رئيسيا لبقية سكان العراق من أجل الترفيه والاستجمام وكذلك أضحت معلما للسياحة العلاجية حيث تنتشر مستشفيات خاصة ومراكز صحية، إلى جانب عشرات العيادات لأكبر وأشهر الأطباء المحليين والأجانب.

ووفقا لإحصائية رسمية صادرة عن هيئة السياحة في كردستان، فان أكثر من مليوني سائح دخلوا الإقليم موسم الصيف الماضي غالبيتهم من العراقيين، ويتوقع أن يرتفع هذا العدد في نهاية الصيف الحالي بعد التسهيلات المقدمة والتوجيهات الرسمية التي شددت على جعل أبواب الإقليم مشرعة أمام السائحين تحضيراً لمهرجانات اربيل عاصمة السياحة العربية.

كما تفيد الإحصائية الرسمية المسجلة لدى الرابطة الفندقية بأن عدد الفنادق في الإقليم وصل إلى (570 فندقاً) من بينها فنادق ذات ماركات عالمية وأخرى شعبية وبسيط وثالثة متوسطة الخدمات.

وعلى ضوء تلك التسهيلات وغيرها من الأمور المشجعة، تُنظم شركات سياحة من وسط وجنوب البلاد رحلات أسبوعية إلى مصايف ومنتجعات المنطقة الكردية التي تتميز بمناظر خلابة وأجواء ساحرة، خصوصا بعدما تحولت بوصلة الكثير من السياح العراقيين إلى المنطقة الكردية، بدلا من سورية ومصر اللتان تشهدان أزمات داخلية.

وفي هذه الأيام الصيفية تستقبل أربيل لوحدها آلاف الزوار والسياح شهرياً حتى إن سكانها يقولون بأنها لم تعد مدينة للأربيليين كما كانت في السابق، وإنما باتت "موطن" لمختلف الجنسيات وكذلك لأكراد المنطقة الهاربين من جحيم الحرب والقمع والتضييق في بلدانهم، نحو نسيم الأمان والحرية المتوفر في الإقليم العراقي المترامي الأطراف.

حالة الهدوء والطمأنينة التي يبحث عنها سكان الجزء المضطرب من العراق، لا تقتصر على محافظة اربيل بل يشمل محافظتي السليمانية ودهوك، لكن الكثير منهم فضّلوا الاستقرار بصورة نهائية في "عروس الشمال" وهي التسمية التي تُطلق على مدينة أربيل.

ومع هذه المعلومات والأجواء المشجعة على الاصطياف في كردستان الواعدة التي لا تزال مجهولة للكثير من سواح المنطقة والعالم، هناك شكاوى من الغلاء وعدم مراقبة السلطات المحلية لظاهرة ارتفاع الأسعار "الجنونية" التي قد تدفع الكثيرين إلى السياحة في إيران بدلاً من أربيل.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آب/2013 - 16/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م