الأزمة التونسية... خطى على صفيح ساخن

 

شبكة النبأ: كانت تونس في وقت ما أيقونة التحول بين الديمقراطيات العربية الوليدة، لكنها الآن تواجه انقسامات تزداد حدة وسط أزمة سياسية متصاعدة، أدت الى شل الساحة السياسية التونسية منذ مقتل المعارض العلماني البراهمي مؤخرا، ولم ترتسم اي تسوية في الافق لا سيما ان اعمال المجلس الوطني التأسيسي مجمدة حاليا في انتظار التوصل الى توافق، مع استمرار الحركة الاحتجاجية  للمعارضة المطالبة باستقالة الحكومة، لتفاقم هذه العوامل آنفة الذكر من حدة التوترات الضارية بين الجماعات العلمانية المعارضة والأحزاب الإسلامية في السلطة.

حيث تواجه حركة النهضة اسوأ ازمة سياسية منذ وصولها الى الحكم نهاية 2011، مما أجبرها على موافقة مبدئية بحل الحكومة التي تقودها لايجاد حل للازمة في تونس، بعدما شددت لهجتها خلال الاونة الاخيرة واتهمت المعارضين بالاعداد لانقلاب على غرار ما جرى في مصر ضد الرئيس محمد مرسي، في المقابل تتهم المعارضة ومنظمات غير حكومية حركة النهضة ب اختراق مفاصل الدولة عبر تعيين مسؤولين موالين لها وغير أكفاء في مناصب حساسة خاصة في وزارة الداخلية والولايات والادارات العامة.

في حين يواجه التونسيون نفس المشكلات التي يواجهها بلد مثل مصر ومنها كيفية احترام نتائج الانتخابات الحرة والاستجابة للاستياء الشعبي إضافة إلى الضيق العام من الركود الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والتراجع الكبير في السياحة، لتكشف هذه التباينات تجاذبات كبيرة بين الأحزاب السياسية الليبرالية من جهة، والإسلامية من جهة أخرى.

إذ يرى اغلب المحللين انه بات على الحكومة التونسية الجديدة أن تتعامل بجدية مع المظاهرات الغاضبة والمتزايدة قبل أن يولّد المشهد التونسي الحالي ثورة جديدة، حيث شكل صراع أثبات الوجود تهديدات واضطرابات خطيرة، فاقمت من هشاشة الوضع السياسي في تونس الى حد كبير، إذ ان ما تشهده تونس من صدامات سياسية منذ عدة اشهر  بين الحكومة والمعارضة واستمرار التنافر السياسي الحاد، سيغلي صراعهما ويبقى الأزمة تونسية متجددة قد تدفع البلاد نحو مزيدا من الاستقرار، بينما يرى الكثير من المحللين السياسيين إن تجميد البرلمان المؤقت قد يقرب تونس مهد ثورات الربيع العربي من السيناريو المصري الذي أطاحت فيه المعارضة العلمانية بحكومة يقودها الإسلاميون، وقد تكون الصدمة الأكبر التي تعرض لها حزب النهضة الفرع التونسي لجماعة الاخوان المسلمين هي ان الضربة الأخيرة جاءته من أحد حلفائه العلمانيين فيما يشير إلى تصاعد الاستقطاب بين القوى الإسلامية والعلمانية، مما يذكي سؤالا موحدا هو هل ستسير تونس على طريق مصر؟.

وعليه فإن هذه الموجة الدراماتيكية من النزاعات السياسية تضع التونسيين على مفترق طرق في نهاية المطاف إذا استمر الوضع الحالي كما عليه طويلا، كون المنافسة الضارية بين المعارضة العلمانية والحكومة الإسلامية وصلت حد الغليان مع تزمت كل جهة برأيها والمضي في طريق المواجهة حتى النهاية، لتضع النزاعات المتتالية المذكورة آنفا بلاد الياسمين على حافة حرب سياسية اجتماعية عنيفة، خاصة مع استمرار المعارضة بتعهداتها بشأن استمرار الاحتجاجات ومطالبتها بحل الحكومة والمجلس التأسيسي، مما يبقى الأزمة التونسية في حالة غليان سياسي ديناميكي ربما يقود البلاد نحو مزيدا من عدم الاستقرار.

حل الحكومة قد يفتح كوة الأزمة التونسية

في أحدث تطور قال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية ان النهضة قبلت مبدئيا بحل الحكومة التي تقودها كمنطلق لحوار وطني مع المعارضة العلمانية في خطوة ستقود لانتخابات جديدة في البلاد التي تعاني من أسوأ أزمة سياسية منذ اغتيال معارض الشهر الماضي.

وقال الغنوشي للصحفيين عقب اجتماع مع حسين العباسي الامين العام للاتحاد العام للشغل الذي يقود مفاوضات لحل الازمة "النهضة قبلت بمقترح الاتحاد كمنطلق لبدء حوار وطني"، وتنص مبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل على حل الحكومة التي تقودها حركة النهضة وتكوين حكومة كفاءات على ان يواصل المجلس التأسيسي المكلف بصياغة الدستور الجديد عمله في اطار مهلة زمنية قصيرة. بحسب رويترز.

وقال العباسي للصحفيين "الغنوشي أخبرني انه موافق على مبادرة الاتحاد لكنه طرح بعض الشروط والمقترحات التي سنعرضها على المعارضة قبل ان نعلم النهضة برد المعارضة"، وأوردت صفحة الاتحاد الرسمية الالكترونية ان النهضة قبلت بمبادرة الاتحاد دون ان تعط مزيدا من التفاصيل.

تظاهرات أسبوع الرحيل

من جهته حذر علي العريض رئيس الحكومة التي تقودها حركة النهضة الاسلامية المعارضة من أن حكومته سوف "تتصدى لكل من..يتطاول على مؤسسات الدولة" وذلك غداة دعوتها الى تظاهرات "اسبوع الرحيل" لطرد مسؤولين عينتهم حركة النهضة في مناصب عليا بالقطاع العام.

ونقلت وكالة الانباء الرسمية عن العريض قوله انه "لا تردد ولا تراجع في التصدي لكل من يتطاول سواء بالارهاب أو بالفوضى أو التمرد، على موسسات الدولة وإرباكها ومحاولة السيطرة عليها مركزيا وجهويا"، وادلى العريض بهذه التصريحات لصحافيين عقب مشاركته في "اجتماع أمني" أشرف عليه الرئيس المنصف المرزوقي وحضره بالخصوص وزيرا الدفاع والداخلية، بحسب الوكالة، ودعت "جبهة الانقاذ الوطني" المعارضة، التونسيين الى تظاهرات في "أسبوع الرحيل" المقرر في الفترة ما بين 24 و31 آب/اغسطس الحالي بهدف طرد مسؤولين عينتهم حركة النهضة في مناصب عليا بالقطاع العام. بحسب فرانس برس.

وتطالب المعارضة بحل المجلس التاسيسي (البرلمان) المكلف صياغة دستور جديد لتونس، وبحل الحكومة وتشكيل حكومة "انقاذ وطني" غير متحزبة وبمراجعة مئات من التعيينات في وظائف عليا تقول انها تمت على اساس الولاء الحزبي لحركة النهضة التي رفضت هذه المطالب، وقال حمة الهمامي القيادي في جبهة الانقاذ في مؤتمر صحفي ان حركة النهضة "تريد البقاء في السلطة لتزوير الانتخابات القادمة"، وفي أغسطس/آب 2012 قال الرئيس المنصف المرزوقي في خطاب إن "إخواننا في (حركة) النهضة يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الإدارية والسياسية عبر تسمية أنصارهم (سواء) توفرت (فيهم) الكفاءة أم لم تتوفر"، وأضاف المرزوقي "كلها ممارسات تذكر بالعهد البائد" في إشارة إلى فترة حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

الى ذلك يستعد معارضو ومؤيدو الاسلاميين الحاكمين في تونس الى تظاهرات مضادة تحت شعار الازمة السياسية التي تشهدها البلاد وكذلك في مناسبة مرور 57 عاما على إصدار مجلة الاحوال الشخصية التي منحت المرأة التونسية حقوقا فريدة في العالم العربي.

من جانبها دعت المعارضة الى التظاهر دفاعا عن حقوق المرأة، على ان تتجه المسيرة بعد ذلك الى مقر المجلس الوطني التأسيسي حيث تنظم المعارضة يوميا اعتصاما منذ اغتيال النائب محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو في عملية نسبت الى التيار السلفي، واتهم "ائتلاف حرائر تونس" النسوي حركة النهضة بالسعي إلى "ضرب مكتسبات" النساء في تونس ودعا الى التظاهر الثلاثاء بمناسبة مرور 57 عاما على إصدار مجلة الاحوال الشخصية التي منحت المرأة التونسية حقوقا فريدة في العالم العربي.

ويضم الائتلاف ناشطات من 25 منظمة غير حكومية ابرزها الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية) ومنظمة أرباب العمل "أوتيكا" والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان، والجمعية التونسية للنساء الديموقراطيات، وقالت نجوى مخلوف المتحدثة باسم الائتلاف في مؤتمر صحافي "نريد ان يهب كل المواطنين نساء ورجالا الى الشارع غدا للدفاع عن حقوق المرأة المهددة وعن مدنية الدولة"، واضافت ان "حقوق المرأة في تونس أصبحت مهددة" منذ وصول حركة النهضة الى الحكم نهاية 2011 قائلة "شهدنا خلال السنتين الماضيتين محاولات لضرب مكتسبات المرأة والعودة بها الى الوراء"، واتهمت سهام بوستة الناشطة في الائتلاف حركة النهضة بمحاولة "تمرير خيارات غريبة عن ثقافة تونس" مثل "تعدد الزوجات والزواج العرفي وتزويج القاصرات". بحسب فرانس برس.

كما حملتها مسؤولية تحول فتيات تونسيات الى سوريا تحت مسمى "جهاد النكاح"، وفي تونس يحظر القانون الزواج العرفي وتعدد الزوجات، وتزويج الفتاة دون سن 18 عاما، ويدعو ائتلاف المعارضة التونسية غير المتجانس، الى تشكيل حكومة تكنوقراط وحل المجلس التأسيسي في تعبئة جماهيرية على غرار التي خرجت في السادس من اب/اغسطس وشارك فيها عشرات الاف التونسيين ضد الحكومة.

صراع إسلامي علماني محتدم

من جهتهم اقر اسلاميو حركة النهضة الحاكمة في تونس ومعارضوهم لاول مرة انهم اجروا مباحثات سرية مباشرة بعد شهر من اندلاع ازمة سياسية حادة في البلاد بين الطرفين اثر اغتيال نائب معارض، واقرت حركة نداء تونس (يمين الوسط) اجراء مباحثات خلال "جولة في اوروبا" قام بها زعيمها، رئيس الوزراء السابق الباجي قائد السبسي، عدو الاسلاميين الاول، لانه كان وزيرا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وفي عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة.

واكد زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي على فيسبوك ان اللقاء الذي انعقد في 15 اب/اغسطس كان "ايجابيا وصريحا" دون مزيد من التفاصيل بينما افادت وسائل الاعلام التونسية ان اللقاء كان في باريس، ولم يوضح الطرفان لماذا فرضت السرية على ذلك اللقاء بينا لا سيما ان الغنوشي نفى بشدة هذا الاسبوع ان يكون غادر تونس لاجراء مشاورات في الخارج.

من جهة اخرى قالت حركة نداء تونس انها شاركت في تلك المباحثات بالتوافق مع جبهة الخلاص الوطني -وهو ائتلاف معارض غير متجانس يجمع احزابا من يمين الوسط الى اقصى اليسار وينظم حركة الاحتجاج منذ نحو شهر، وعقدت حركة النهضة منذ السبت اجتماعا لبرلمانها الداخلي لدراسة "مبادرات" تهدف الى تسوية الازمة بينما يرتقب عقد اجتماع مجددا مع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يعد نصف مليون منتسب والقادر على شل نشاط البلاد بدعوته الى الاضراب.

ووعدت النهضة بالمصادقة على الدستور قبل نهاية تشرين الاول/اكتوبر--اي بتاخير سنة-- وانتخابات قبل نهاية السنة الجارية لكنها سبق وطرحت مثل هذه الاستحقاقات خلال الاشهر الاخيرة دون ان تتحقق نظرا لغياب توافق حول الدستور والقانون الانتخابي، واعتمد الاتحاد مدعوما بمنظمة ارباب العمل موقفا معتدلا يدعو الى تشكيل حكومة تكنوقراط والابقاء على المجلس الوطني التاسيسي كي ينهي صياغة الدستور، واتهمت الحكومة بانها اخفقت في المجال الامني في وجه تنامي التيار السلفي وكذلك في المجال الاقتصادي بينما كانت المطالب الاجتماعية في صلب الثورة التونسية في كانون الثاني/يناير 2011. بحسب فرانس برس.

وقد سبق واستقالت الحكومة الاولى التي شكلتها النهضة نزولا عند الضغط اثر اغتيال المعارض شكري بلعيد في شباط/فبراير الذي نسب ايضا الى التيار السلفي لكن لم يتم التعرف عن مدبر تلك الجريمة ولا الثانية بحق البراهمي وما زال مطلقو النار فارين ولم يقبض سوى على شركاء لهم، ويطارد الجيش في جبل الشعانبي عند الحدود الجزائرية مجموعة اسلامية مسلحة يبدو انها موالية لتنظيم القاعدة قتلت ثمانية جنود في تموز/يوليو ولم تصدر اي حصيلة رسمية للعمليات العسكرية لكن مصادر افادت فرانس برس عن مقتل او اعتقال حوالى عشرة مقاتلين اسلاميين.

من جهتها أعلنت أحزاب المعارضة التونسية الممثلة في (جبهة الإنقاذ) عن إطلاق حملة تحت شعار (إرحل) في تحرك تصعيدي لحل الحكومة والمجلس التأسيسي، فيما جددت حركة النهضة الإسلامية رفضها لما تصفه بـ(الإنقلابات).

وقالت (جبهة الإنقاذ الوطنى) فى بيان إن حملة (إرحل) تنطلق اليوم، وهي تستهدف “عزل المحافظين ورؤساء المنشآت العامة وفى الادارة المركزية الذين تم تعينهم على أساس الولاء الحزبى”، وتأسست جبهة الإنقاذ الوطني التونسية في السادس والعشرين من الشهر الماضي، وذلك بعد يوم واحد من اغتيال المعارض القومي محمد براهمي، وهي تتألف من أكثر من 45 حزبا ومنظمة وجمعية أهلية، أبرزها الإئتلاف اليساري “الجبهة الشعبية” و”الإتحاد من أجل تونس″.

ودعت الجبهة في بيانها إلى “التعبئة العامة لأسبوع الرحيل إبتداء من يوم 24 أب/ أغسطس الجاري، والبدء فى مشاورات لتشكيل الهيئة الوطنية العليا للإنقاذ، وحكومة الإنقاذ الوطنى المستقلة والمتكونة من 15 عضوا برئاسة شخصية وطنية مستقلة سيقع الإعلان عنها فى الوقت المناسب”، كما جددت تمسكها بضرورة حل المجلس الوطنى التأسيسى والسلطات المنبثقة عنه حكومة ورئاسة، وحمّلت في بيانها الإئتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة الإسلامية مسؤولية المماطلة فى ذلك وتأزيم الوضع، وتأتي هذه الخطوة التي وُصفت بالتصعيدية، فيما أعلنت حركة النهضة الإسلامية وعدد من الأحزاب الأخرى،رفضها” توظيف مختلف المناسبات الوطنية وجرائم الإغتيال السياسي للمناكفة السياسية”.

وجددت في بيان مشترك وزع رفضها “محاولة الإنقضاض على السلطة والإنقلاب على الإرادة الشعبية المجسمة من خلال إنتخابات 23 أكتوبر 2011، وما أفرزته من مؤسسات على رأسها المجلس الوطني التأسيسي”، على حد تعبيرها. بحسب يونايتد برس.

ولفت مراقبون إلى أن شريكي حركة النهضة الإسلامية في الحكم، أي حزب التكتل من أجل العمل والحريات، وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية لم يوقعا على هذا البيان المشترك الذي تضمن دعوة الفرقاء السياسيين إلى “الحوار لإنجاح مسار الإنتقال الديمقراطي والوصول إلى وفاق وطني يضمن أكبر قاعدة سياسية للحكم لتأمين ما تبقى من المرحلة الانتقالية وتوفير المناخ المناسب لانتخابات يقبل جميع المتنافسين بنتائجها”، ويُشار إلى أن البيانين وزعا فيما يُنتظر أن تستأنف المفوضات بين حركة النهضة الإسلامية والإتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) لإيجاد مخرج للمأزق السياسي الذي تعيشه البلاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 24/آب/2013 - 16/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م