الإمام الشيرازي.. مستشرفاً

موقع الامام الشيرازي

 

لا يمكن لأي قائد أو مصلح أن يساهم في صناعة التغيير، والمساهمة في النمو الحضاري، ورسم منهج لتحقيق منتج إنساني (مادي ومعنوي) على مستوى الإنسان والدولة، إلا إذا كان يملك رؤى مستقبلية واضحة الأهداف، ومن أبرز سمات فكر الإمام الشيرازي اهتمامه بالأبحاث المستقبلية، فقد كان صاحب مشروع نهضوي حضاري، يهدف إلى إنقاذ الأمة من ماض دام وواقع مأزوم ومستقبل ملبد بالقلق والمخاوف، وإن الجهود الفكرية والبحثية للسيد المجدد(قده) تعد مادة غنية في موضوعة الدراسات المستقبلية، وهي مادة جديرة بالاهتمام والدراسة الإستقصائية، لجهة أنه(قده) قد أثبت صحة رؤاه وموضوعيته البحثية في هذا المضمار، من خلال سيل من التنبؤات الصادقة، ومن ذلك:

كتب(قده) كتباً عديدة، نقد فيها النظرية الماركسية، وقد تضمنت التنبؤ الموضوعي والمنطقي، الذي خلص إليه، وهو حتمية سقوط هذه النظرية، قبل أن تصل إلى تصوراتها، في بلوغ الشيوعية، فهي إلى زوال، لكونها تسلب الحريات بالكامل. وقد كان التنبؤ في محله تماماً، وقد أثبته في كتابه (ماركس ينهزم)، قبل وقوع الحدث بعقد من الزمن.

كما أن كتاب (الغرب يتغير)، قد اشتمل على تنبؤات موضوعية رصينة، لمجمل التطورات المستقبلية التي تعصف في حاضر دول الغرب، وخاصة في مجالات الاقتصاد والاجتماع، والتي كانت سبباً لدعوته الجريئة، إلى أن (نمنع الغرب من السقوط)، لتحفظ الإنسانية بذلك، حضارتها المادية، وكذا منظومتها القيمية، لاسيما إن (محاسن المجتمع الغربي قد أخذها بالأساس من تموجات الحضارة الإسلامية كالشورى والتعددية و...)، فإن قرائته(قده) تفصح بأن الديمقراطيات الغربية باقية، لكنها تتغير إلى الأصلح، بما يقترب إلى الإسلام وقيمه، عندما تتحرر من سطوة رأس المال، وإفساد قوة العمل.

وفي منظور بحثي مستقبلي آخر، أكد(قده) الحاجة إلى (السلمية)، حيث دعا الحركات التغييرية (منذ عقود عديدة) إلى نبذ العنف، لأنه لا يحقق هدفاً في عملية التغيير والإصلاح، بل إنه سيزيد الأمر سوء، ويؤدي إلى تقوية الأنظمة القمعية. أيضاً، وفي كثير من نصوص تراثه(قده)، استشراف الحتمية التاريخية لسقوط الأنظمة القمعية والاستبدادية، وحتمية انتصار (الديمقراطية - الاستشارية)، وقد تجلّت مصداقية هذه القراءة، من خلال هبوب رياح (الربيع العربي)، رغم أن هذا الربيع ما زال منكفئاً، لأسباب عديدة، أهمها التيار التكفيري الإرهابي. ويؤكد(قده) أن الغلبة أخيراً، ستكون لمن ينتهج نهجاً سليماً في الديمقراطية. ويخلص إلى أن الديمقراطية بمنزلة الروح من الجسد للحكم، باعتبارها دواء لأمراض الاستبداد والتسلط والقمع، والفساد المالي والاجتماعي والديني والسياسي، وهو الخيار الأمثل للتخلص من التخلف بنظم الاستبداد (الديني أو الدنيوي) في العالم الثالث.

من اشتراطات الاستقراء المعلل، في دراسة التنبؤ الموضوعي المستقبلي، هو النظر في الخصوصيات، كالتحولات التاريخية التي تطرأ على الشعوب، في فكرها ومعتقداتها وثقافاتها، بمعنى أن الدراسة الفلسفية التاريخية، ومخرجاتها في الدراسات المستقبلية، تشترك فيها معطيات علمية أخرى، كالدراسات الأنثروبولوجية، والتي يطلق عليها بالأناسة أو علم دراسة الإنسان، وكذا الدراسات الاجتماعية والسياسية، والطبيعية والجغرافية والسكانية (الديموغرافية)، والآثارية وبضمنها القراءة المعمقة الحفرية (الأركيولوجية)، وبعكسه يكون التحليل ومخرجاته، خلاف الواقع سابقاً، وخلاف المتوقع مستقبلاً. وبذلك، فإن النتاجات الفكرية للإمام الشيرازي في مجالات التنبؤ العلمي الموضوعي والدراسة المستقبلية، تعد من الجهود البحثية الرصينة.

لقد أولى(قده) الدراسات المستقبلية اهتماماً كبيراً، وهو إنما يجهد في هذا الحقل العلمي، بحجية دلالة نصيّة من قوله(عزوجل) ((سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنّه الحق)). فوظيفة المؤمن، هي البحث عن هذه الآيات المنتشرة في الآفاق، حتى يكتشف حقائق الوجود، ولذلك يقول(عزوجل) ((إنما يخشى الله من عباده العلماء)). فالعلماء هم أهل الخشية، لعلمهم بهذه السنن المطروحة في الآفاق، ولرؤيتهم حقائق الكون، وهي تسير وتتجانس مع ما أشار(عزوجل) إليه، وإلى ذلك يعبر الإمام أمير المؤمنين(ع) في مقاربته الثاقبة إلى قضية النظر إلى الدنيا، أن (من أبصر بها بصّرته، ومن أبصر إليها أعمته).

* أجوبة المسائل الشرعية العدد (191) لشهر شوال لسنة 1434 هـ

http://alshirazi.com/rflo/ajowbeh/ajowbeh.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 22/آب/2013 - 14/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م