قيم التقدم: الاحترام صمام الامان

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يدرك العارفون قيمة الاحترام عندما تتحول الى سلوك فردي وجمعي، ليشمل عموم المجتمع، ويصبح طريقة حياة يومية معتادة، يمارسها الناس من دون تخطيط مسبق، او قسر او اجبار، بمعنى عندما تصبح قيمة الاحترام سائدة في سلوك الانسان بصورة آلية، هذا يعني أن المجتمع استطاع أن يحقق أهم ركيزة للتطور والاستقرار، نظرا لما تتحلى به هذه القيمة من مزايا وانعكاسات سلوكية وفكرية راقية على الفرد والمجتمع ككل.

وقد سعتْ المجتمعات التي اصبحت الان في مقدمة الركب العالمي، سعت لان تصبح قيمة الاحترام متوارثة من جيل الى جيل، حتى يصبح المجتمع بمكوناته كافة، قادرا على التعامل وفق قيمة الاحترام المتبادَل، التي ستساعد الجميع على حصر الخلافات في اضيق الحدود، ومحاصرة السلوكيات والافكار المتشنجة المتعصبة في أضيق الأطر، وفسح المجال واسعا امام التعاون الانساني بمختلف اتجاهاته، وفقا لقيمة الاحترام المتبادل، واستنادا لها، حيث يصبح الانسان قادرا على الابداع مدعوما بشعور مهم يستقيه من الاحترام الذي يكنه له الآخرون ولابداعه وانتاجه في اي مجال كان، عملي او نظري فكري.

وقد أبدع المفكرون المعنيون بتعميق القيم الانسانية التي تدفع المجتمعات الى امام، أبدعوا في وضع الافكار الداعمة لقيمة الاحترام المتبادل بين الافراد والجماعات والمجتمعات ايضا، كما نجد ذلك في أفكار الكاتب الامريكي القيَمي المهم (هوارد غارنر) لاسيما في كتابه ذائع الصيت الذي يحمل عنوان (خمسة عقول من اجل المستقبل)، فقد اكد هذا الكاتب الانساني المبدع، على تدرج العقول من حيث التعامل الانساني وقسمها الى خمسة عقول، يتقدمها (العقل المحترم)، هذا العقل الذي يشكل حجر الزاوية في بناء المستقبل البشري بصورة متوازنة ومستقرة، قائمة على الاحترام الذي يؤدي حتما الى الوئام والسلام والاستقرار، ويحث المؤلف على اعتماد مبدأ وقيمة الاحترام في التعامل المتبادل بين الناس (افرادا او جماعات)، لانه السبيل الوحيد لتحقيق السلم والهدوء والتطور، على أن يسود الاحترام بين الجميع، بغض النظر عن الانتماء العرقي او الديني او الفكري او الجغرافي او القومي، وما شابه من انتماءات اخرى، لا ينبغي لها أن ترتفع على القيمة الانسانية العليا للانسان.

وهكذا تصبح قيمة الاحترام في حالة انتشارها كسلوك جمعي ويومي، مثل صمام الامان الذي يمنع اي حالة تصادم بين الافراد والجماعات، والتصادم هنا يشمل المادي والفكري او المعتقدي، إذ يساعد الاحترام الانسان على بلورة مواقف متوازنة حيال الآخرين، بعيدا عن التشنج او التعصب، او اتخاذ القرارات الفورية المتسرعة التي تؤدي الى صراعات لا ضرورة لها مطلقا، كونها في كل الاحوال تؤدي الى تعويق الجهد البشري نحو التقدم لدى الطرفين المتصارعين، لذلك تحد قيمة الاحترام من النتائج المؤذية للتصادمات التي تعكسها التركيبة النفسية للفرد والجماعة، والحرص على المصلحة الذاتية، وهذا ما نلمسه من خلال مراقبتنا، للهوس الجنوني الذي ترتكبه قيادات سياسية، لقوى دولية بحق الانسانية جمعاء، بحجة حماية المصالح القومية وما شابه، متناسية ان التناظر الانساني يفرض على الجميع احترام الجميع، من خلال تصدر (العقل المحترم) لقيادة السلوك البشري أجمع، بطريقة الاحترام المتبادل التي تحفظ للجميع حقوقهم وتنشر الود والسلام بين الجميع في الوقت نفسه.

وهكذا عندما يؤمن الجميع، بأن قيمة الاحترام تشكل صمام الامان امام التناحر المتوقع بين الافراد والجماعات، فإن الجميع يكونوا في مأمن من النتائج التي قد تنعكس سلبا على الحياة البشرية أجمع، إذ لا مناص من أن يتعلم الانسان كيف يحترم غيره، ويحترم نفسه في وقت واحد، وبهذه الطريقة من السلوك والفكر السليم، الذي يمكن تحقيقه من خلال قيمة الاحترام، يمكن للجميع أن يسهموا في صناعة حاضر متوازن ومستقبل بشري أفضل.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 21/آب/2013 - 13/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م