من هو المجرم الحقيقي وراء العمليات الإرهابية؟

زاهر الزبيدي

 

لا شك بأن الإرهابي الذي يخطط ويجهز ويفجر ليقتل؛ ليس هو المجرم الوحيد المسؤول عن دماء مئات الآلاف من أبناء شعبنا الأبي.. بكل شرائحه وفئاته وأجناسه وأعماره من الذين يتساقطون يومياً كأوراق خريف الموت بلا أدنى إحساس بالإنسانية والشرف؛ فهناك مجرمون كثر يجولون في ساحة الجريمة تختلف توجهاتهم وفعالياتهم ويشتركون بالجريمة ومساهماتهم أنهم أصبحوا بفكرهم المتخلف الأداة المثلى لتنفيذ الجرائم التي ترتكب بحق الإنسانية تجاه الشعب العراقي.

علينا البحث عن المجرم الحقيقي وراء تلك الجرائم فليس بالضرورة أن يكون القاتل هو المجرم الوحيد بل أن المخطط للجريمة أو الذي جهزها بالعتاد أو الذي بذل المال الكثير لها ومن هيأ الرجال وشحن عقولهم بالفتاوى التي أضحت في ساعتنا تلك وبالاً على الشعب هو مجرم.. ومن شاهد الجاني وانزوى بعيداً عنه ولم يخبر عنه والمجرم ايضاً من أخفق في واجبه وسرّب الجاني تحت جنح الليل ولكن المجرم الأكبر اليوم هو من يقف بوجه الخطط الحديثة في مجابهة الفكر التكفيري الإرهابي.. من يقف اليوم امام زرع الكاميرات الرقمية الدقيقة في كل مفاصل العاصمة المهمة منها وغير المهمة وربطها بشبكة واسعة من وحدات الخزن والتدقيق والمراقبون الأكفاء الذين يسهرون على تحليل المعلومات ليل نهار بكل حرفية وجدية وشرف وغيرة.

 فمسارح الجرائم الإرهابية اليوم شوارع وأسواق وجوامع وجامعات ومدن ملاهي وساحات اللعب الشعبية والمسابح ووزارات.. فقد نشرت احدى المجلات الأجنبية يوماً صورة لمدينة بغداد موضح عليها أماكن التفجيرات التي حدثت أوضحت الصورة أن شارعاً لم يسلم من تفجير أو عمل إرهابي فكل مكان في العراق من الممكن ان يكون مسرحاً لعملية إرهابية؛ يجب أن يكون مجهزاً بأحدث الكاميرات الرقمية التي تساعد على كشف الجناة أو الحيلولة دون وقوع الجريمة.. والتي تساعد على معرفة خط سير العجلات المفخخة ومكان إنطلاقها لكي لا تكال التهم لأحياء عن أحياء جزافاً وتثير التوتر بين أحياء المدينة التي تهزها كل يوم شياطين الطائفية.

المجرم ذلك الذي يقف أمام تغيير الخطط الأمنية بطريقة تتناسب وحجم المواجهة الشرسة مع الإرهاب.. فقد يكون العراق البلد الوحيد على سطح الكرة الأرضية الذي يكابد شعبه الموت كل يوم منذ عام 2003 في حادثة موقع الأمم المتحدة في بغداد، وما سبقها من موت بحروب الإبادة، حتى اللحظة لازلنا نتبادل مع دول الجوار رفات شهدائنا ولم ننتهي من نبش كل مقابرنا الجماعية ومسلسل القتل مستمر بالعمليات إرهابية دون كلل أو ملل بهدف إيقاع أكبر الخسائر بالأبرياء وزلزلة الأرض تحت أقدام ممن لا حول لهم ولاقوة.

كاميرات المراقبة كان أول حديث عن نصبها، حسب ما تيسر من المواقع الإلكترونية، قبل سنوات عندما تقاذفتها الحكومة مع البرلمان وخصصت لها المبالغ، وفي خبر نشره المركز الخبري لشبكة الإعلام العراقيIMN عن إتمام نصب 13 ألف كاميرا مراقبة في الأماكن العامة من العاصمة حيث قال رئيس اللجنة الامنية في مجلس محافظة بغداد السيد عبد الكريم الذرب "ان الحكومة المحلية انتهت من نصب 13 ألف كاميرا وزعت بين الاماكن العامة والمرافق السياحية والفنادق الرئيسة في بغداد لتغطي مساحة 4555 كيلومتر مربع لا يوجد متر واحد فيها لا يستهدفه الإرهاب بينما ذات العدد من الكاميرات مساحة باريس وهي أقل بكثير من مساحة بغداد !.

الغريب في الأمر أن خادم بغداد، السيد علي التميمي، دعا في يوم 12-8 الشركات المختصة لنصب كاميرات مراقبة في الشوارع بسبب تردي الوضع الامني.. حيث قال المكتب الاعلامي للتميمي في بيان صحفي تلقته الكثير من الوكالات الإخبارية ان" التميمي دعا الشركات العالمية المختصة لتنفيذ مشروع امني كبير لإرساء الأمن في العاصمة بعد التردي الكبير الذي شهدته بسبب عدم تفعيل الجهد الاستخباراتي في مكافحة الارهاب"، مبينا ان" المشروع يضم استخدام التقنيات الحديثة في نصب وتجهيز كاميرات المراقبة".

فأين الحقيقة بين التصريحين أعلاه وما هذا التناقض إلا دليل على أن موضوع كاميرات المراقبة لازال يجول في عالم المجهول ومنذ سنين عديدة.

أين المجرم الحقيقي الذي يضع المعوقات أمام إستقدام تلك التقنية وبأعلى مستوى وأكثر دقة وتخطيط ومن ذلك الذي يقف أمام إستيراد الطائرات المسيرة دون طيار والتي تتمكن من مسح مساحات شاسعة من أرض العراق خلال ساعات وصحارينا تعج بالمعسكرات الكبيرة التي تدرب الإرهاب وتديم قوته.. وأين وصل العمل في إطلاق القمر الصناعي العراقي "دجلة" الموعود والذي أخبرنا عنه بأنه سيطلق في نهاية عام 2013 وهل سنتمكن من خلاله من توفير صور سريعة للمساحات المظلمة أمنياً من الوطن أم أنه مخصص لفضائيات الفن الرخيص أو المشاريع التي ليس لها الأولوية القصوى من حيث الأهمية في حياتنا إذا علمنا أن التصحر أهون علينا من الموت !

نحن بحاجة الى نقلة نوعية كبيرة في عالم المعلومات وطرق الحصول عليها بالسرعة المطلوبة والدقة العالية والتعاون مع العالم بأكمله للمساهمة في تحالف دولي لمكافحة الإرهاب وأن لا نبقى على تخلفنا هذا فكل يوم يمر يزيد تخلفنا الإرهاب قوة ويمنحهم حصانة... نحن بحاجة لعمل كبير وستراتيجية أمنية تتناسب والدماء التي تهرق يومياً على مذبح العملية السياسية في العراق.

فهل من سبيل اليوم للبحث عن المجرم الحقيقي الذي يقف كحجرة عثرة أمام تلك التقنيات الحديثة في القيادة والسيطرة والتوجيه والمراقبة.. أم سنترك الإرهاب يتلاعب بمصير شعب بأكمله بالسكوت عن المجرمين وعدم التحقق من أمرهم.. حفظ الله العراق وشعبه والله المستعان.

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 19/آب/2013 - 11/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م