لعبة الامن في العراق... سلم الحكومة وثعبان الارهاب

 

شبكة النبأ: لا تتوقف الأجهزة الأمنية في العراق، سواء التابعة لوزارة الداخلية أو لوزارة الدفاع، تعاضدها أجهزة استخبارية ووحدات سرية خاصة، عن إعداد الخطط الأمنية في المحافظات كافة، وتعلن عنها في المناسبات التي يزداد حضور الناس في الشوارع والأسواق، كأن تكون مناسبات دينية او وطنية، آخرها اجراءات عيد الفطر السعيد. الذي لم يكن سعيداً على أكثر (342) أسرة فجعت بضحايا أربعة عشر انفجار ضرب مدن عديدة خلال أيام العيد. وربما يكون هذا الرقم من المصادر الطبية العراقية، تقديرياً، ولو لا نرجو زيادة في أعداد الشهداء والجرحى. لكن تبقى المصيبة، لواحد أو مئة، هي واحدة بالنسبة للجميع.

والحقيقة الموجعة، أن الناس يسمعون من القادة والمسؤولين، عن هذه الخطط الخاصة بحماية الناس من الهجمات المحتملة من لدن الجماعات الارهابية، ثم يفاجئون بانفجار السيارات المفخخة والعبوات الناسفة هنا وهناك. ثم لا يحد يتحدث عن فشل أو خلل في هذه الخطط او البرامج الأمنية التي ربما رصدت لها الملايين او المليارات من الدنانير خلال أيام العيد. والمثير حقاً لي ولكل انسان سواءً في العراق أو في أي مكان، أن يرى وكيل وزارة الداخلية، أو بالأحرى الوزير الفعلي، عدنان الأسدي وهو يتجول في المتنزهات ببغداد ويوزع الابتسامات على العوائل المنتشرة في الحدائق، ليثبت أنه وفّر لهم الأمان، وبفضله باتوا يجلسون بارتياح وسرور في الحدائق العامة..! وكان من المفترض بالوكيل أن يزور المستشفيات ويتفقد جرحى الانفجارات في بغداد وغيرها من مناطق العراق، ثم يحصي العدد الحقيقي للشهداء الذين سقطوا بلا ذنب ضحية السجال العقيم بين الجماعات الارهابية وبين الحكومة العراقية.

أما الخطوة الأخرى التي لا يدعو لها كاتب السطور وحده، إنما هو مطلب جماهيري عام؛ وهي مراجعة الخطط الأمنية والنظر في جدوائيتها في حال وجود "الأهداف السهلة" أمام اصحاب السيارات المفخخة أو العبوات الناسفة، ففي جميع أرجاء العراق، هنالك الأسواق العامة وسوق الخضار والفاكهة، وأماكن تجمع الناس لسبب أو لآخر، وكلها تُعد أهداف سهلة وبسيطة للارهابيين والدمويين، فهل ننتظر من الأجهزة الامنية أن تغطي كل هذه المناطق، لتنجح في خططها الأمنية؟!

مثالاً بسيطاً من مدينتي الصغيرة، فقبل فترة تعرّض سوق شعبي للخضار والفاكهة على مسافة من الطريق العام، لانفجار بسيارة مفخخة، في بدايات شهر رمضان المبارك، أسفرت عن حرق هذا السوق واستشهاد عدد كبير من المتسوقين وجرح آخرين، وعندما كنت أتطرق على هذا السوق للتبضّع احياناً لم أشهد دورية للشرطة، كما هو الحال في بعض الاماكن المزدحمة، لكن هذا ما كنت أشاهده في سوق مشابه في منطقة قريبة، لا تدع أي سيارة بالركون أو التأخر في المكان، فتصرخ على صاحبها وتثير المكان بالضجيج من خلال مكبّر الصوت.. وعندما تعرض ذلك المكان الى الانفجار الرهيب، ثم تم إزالة الركام المحروق وبقايا السوق المغدور، وسويت الأرض بالتراب النظيف بواسطة الجرارات والجرافات، كأن لم يكن في المكان..! لاحظت أن الباعة في السوق الآخر، وقد هجروا المكان سريعاً، ثم جاءت تلكم الجرارات والجرافات لتنظف هذا المكان كذلك. ولابد من الاشارة الى ان السوق الأول تمت إحاطته بسياج، ربما حتى لا يكرر الباعة تواجدهم ثانية وتعرضهم للموت مرة اخرى..!

وبعد يومين من انقضاء شهر رمضان المبارك، وتحديداً بعد ساعة واحدة من غروب شمس يوم السبت المصادف لليوم الثاني من العيد، هزّ بيتنا وسائر بيوت المنطقة بانفجار هائل، وعندما خرجت لاحظت المفاجأة، وهي ان السيارة المفخخة كانت مركونة بالضبط مقابل محل لبيع الخضار والفاكهة، صُنع من جريد النخل وقصب البردي، وقد عرفه الناس باسعاره الزهيدة خلال شهر رمضان المبارك، كونه ليس من المحال التجارية المكلفة بالإيجار. وكانت النتيجة التي رأيتها احتراق وتضرر ثلاث سيارات خلال مرورها من المكان، واحتراق دراجتين صغيرتين كانتا قبالة المحل، بمعنى أن هناك اشخاص كانوا يتبضعون من ذلك البائع المغدور، وربما يكونوا في عداد الشهداء او الجرحى.

بقيت الدراجتين المحطمتين حتى الصباح، لتمثل لي أقسى وأمرّ مشاهد الموت وإزهاق الارواح بالمجان في العراق. وبعد انقضاء ساعات الصباح الاولى، حضرت نفس تلكم الجرافات وأزالت آثار الحطام وبقايا السلع المعروضة لذلك البائع المسكين، من البصل والطماطم والبطيخ و... غيرها، وتم فتح الشارع الذي كان المحل البسيط يشغل جزءاً منه.

لنفترض أن الجهة أو الجهات التي تقف خلف أعمال القتل الجماعية في العراق، تحمل رسالة الموت الى الحكومة أو الدولة في العراق بشكل عام، بأنها لن تكون قادرة على إلغاء وجودها في الساحة. أو الرسالة الاخرى الى الشعب العراقي، بأن حكومته وجميع الأجهزة الامنية لن تكون قادرة يوماً من حمايته من الموت المفاجئ. في كل الاحوال لا يعتقد أن هؤلاء، وبهذا المنطق والسلوك، يحملون قضية مطلبية في الساحة العراقية، وليكونوا من أيتام النظام الصدامي البائد، أو من الجماعات التكفيرية الممولة خليجياً، أو من غيرها، لكن الواضح هو استمرار "لعبة القط والفأر" بين الجانبين، إذ لا مجال للتحاور وإنهاء المشكلة بطرق سلمية او سياسية، والواضح ايضاً والمثير للتساؤل في آن؛ أن الجانبين بعيدان عن التأثر سواءً بالانفجارات والموت المفاجئ، أو بالاجراءات والخطط الأمنية المتزايدة والمكلفة، إنما الذي يدفع ثمن اللعبة المتسوقين والمتبضعين من نساء وأطفال وأصحاب عوائل، ولسان حالهم: "القوم يسيرون المنايا تسير بهم"، بمعنى أن تكون أرواحهم رخيصة الى هذا الحد، فيموت بين فترة واخرى العشرات، ثم تزال آثار الموت من المكان وكأن شيئاً لم يكن. أمن أجل هذا يجلس المسؤولون خلف طاولاتهم وفي مناصبهم الرفيعة ويقبضون الرواتب والامتيازات الكبيرة؟

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 12/آب/2013 - 4/شوال/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م