شبكة النبأ: يقول العارفون، مصلحون
ومفكرون وفلاسفة، أنك عندما تراعي حقوق الآخر، إنما تقوم بحماية حقك
أنت في حقيقة الامر، ويفسر المفكرون هذا الرأي بالقول، أن مراعاة حقوق
الآخر، إذا شكلت منهجا لحياة الامة والمجتمع، فإن الجميع يحفظ حقوق
الجميع ويرعاها، وبذلك لا يحدث أي تجاوز على الآخر، حيث يحرص الانسان
الفرد والجماعة على انصاف الآخرين ومراعاة حقوقهم، وتكون العملية
متبادلة، فتسود ثقافة مراعاة حقوق الآخر، وتصبح مهجا تلقائيا ينظم حياة
المجتمع بصورة آلية وآنية أيضا.
لهذا يؤكد المعنيون بحماية الحقوق، أن عدم شعور الانسان فردا او
جماعة، بحقوق الآخر، تؤدي الى سقوطه، فإذا كان ذا منصب كبير سيخسر
منصبه، واذا كان ذاك تأثير على المجتمع سيخسر هذا التأثير، واذا كان ذا
سلطة سيخسرها ايضا، وهكذا فإن كل من ينسى شرط حماية حقوق الآخر سوف
يتعرض للفشل والسقوط، حتى الاحزاب والحركات وما شابه.
المصلح الكبير، الامام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني
الشيرازي (رحمه الله)، يؤكد في كتابه القيّم، الموسوم بـ (ثقافة
التحرير) قائلا في هذا المجال: (إنّ من أهم ما يسقط الحركات عدم
مراعاتهم للحقوق، وعدم ملاحظتهم حدود أنفسهم وحدود غيرهم، فكم هو حدّ
نفسه؟ وكم هو حدّ سائر الناس؟).
ظهور بوادر الوعي
من المتفق عليه، أن اية أمة لا يمكنها تحقيق التقدم، ما لم تتشبث
بالوعي وتنمي طاقات المجتمع وكفاءته، لذلك مع استفحال موجة الظلام التي
طالت تواجد المسلمين وأشبعت عقولهم ولونت سلوكهم، كان لابد من تنمية
الوعي من جديد، واستنهاض الامة من سباتها، ولا يمكن ان يحدث هذا من دون
حركة فكرية قوية تنشر الوعي بين الجميع، وفق خطط مدروسة ومنتظمة، لأن
حفظ الحقوق لا يمكن أن يتحقق بعيدا عن الوعي.
يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه عن هذا الموضوع: (لقد ظهرت بوادر
الوعي شيئاً فشيئاً في المسلمين، وذلك منذ قرن بالرجوع إلى الاستقلال
عن الخارج، والشورى ونبذ الاستبداد في الداخل).
ومع ذلك تبقى قضية مراعاة الحقوق شائكة ومعقدة، وتابعة للسلوك
الفردي والتربية التي يتلقاها الانسان في عائلة وبيئته، وقد اسهمت حالة
إهمال حقوق الاخر التي بدت كأنها ظاهرة شائعة بين المسلمين، أسهمت في
تأخر المسلمين عن غيرهم من المجتمعات، لأن معظم الناس يفكرون اولا
بأنفسهم ومصالحهم، ولا يهتمون بحقوق الآخرين ومصالحهم، والجميع يتصرف
وفق نزعة الاستحواذ، والجشع، بغض النظر عن النتائج الكارثية التي
يلحقها هذا السلوك في المجتمع، لذا فإن الغالبية لا يفكر كيف يتحاشى
التجاوز على حقوق الاخر.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (لذا نرى
كثيرا من الناس ـ إلاّ من عصمه الله سبحانه ـ لا يلاحظ حق الآخرين، بل
يزعم أن الكلّ حقه وكل المجالات مجاله، وبذلك يلفظهم المجتمع فتراهم
بعد خمسين سنة من العمل ليس لهم إلاّ مجال صغير أصغر من مجالاتهم
الواقعية مرات ومرّات).
إن الخطر كل الخطر يكمن في مثل هذه الرؤية الخاطئة، حيث يرى الانسان
انه صاحب الحق دائما، ولا يشعر بأي تجاوز لا يرعى حقوق الآخر، بل يبيح
لنفسه قياس الحد الفاصل بين الباطل والحق، وفقا لمصالحه ومنافعه هو،
أما القضايا والامور التي تتعارض مع مصلحته، فهو لا يعترف بها، ولا
يعيرها الاهتمام، حتى لو شكلت خرقا واضحا لحقوق الآخرين.
أهمية المؤتمرات لنشر الوعي
من الامور المتفق عليها، أهمية اقامة المؤتمرات، من اجل نشر الوعي
بين عامة الناس، وتعميق قضية احترام حقوق الناس ومراعاتها في شتى
مجالات الحياة، واذا كان الامر يتعلق بالحريات المدنية والحقوق
السياسية، فهناك بالاضافة الى المؤتمرات، اسلوب المظاهرات والاحتجاجات
والاعتصامات، الى تتحقق اهداف الشعب، والى أن يتم انصاف الفقراء
والمحرومين، بسبب عدم مراعاة حقوق الناس بعضهم لبعض، أو الحاكم للمحكوم.
يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه المذكور نفسه: (بعد هذا
الوعي يحتاج الأمر إلى المؤتمرات الكثيرة، ومراكز الدراسات المتعددة،
ثم الإضرابات والمظاهرات السلمية، وبدون هذه الأمور الثلاثة: الوعي
والمؤتمرات والإضرابات والمظاهرات السلمية. من غير الممكن عادة حسب
الموازين الطبيعية، نجاة المسلمين من التخلّف الذي يغوصون فيه إلى أذرع
فوق رؤوسهم).
اما بخصوص تعميق مراعاة حقوق الآخر، فإن الامر يحتاج الى انصافهم
ايضا، سواء الافراد والجماعات بعضهم لبعض، أو انصاف السلطة للشعب، لأن
الانصاف يمس حماية الحقوق وصيانتها ايضا، بمعنى اذا غاب الانصاف، يتم
التجاوز على الحقوق، وتصبح هذه العملية متبادلة بين الجميع وقد تتحول
الى ظاهرة، لهذا لابد أن تنصف الآخر كما تنصف نفسك تماما.
لذا يؤكد الامام الشيرازي قائلا حول هذا الموضوع: (لقد ورد أنّ من
أشد الأشياء: إنصاف الناس من نفسك، فلك النصف ولغيرك النصف، ولا يراد
النصف الهندسي بل النصف العرفي العدلي).
وفيما يتعلق بالجانب السياسة وتجاوز السلطة على حقوق الشعب، فإن هذه
القضية تكاد تشكل ظاهرة واضحة جدا، في الدول المتأخرة، ونقصد بها دول
العالم الثالث، ومن بينها مجتمعاتنا الاسلامية والعربية، حيث تسيء
السلطة السياسية لشعبها، من خلال هدر الحقوق المدنية والخدمية وما
شابه.
إذ يشير الامام الشيرازي الى هذه الصورة بوضوح، فيقول في هذا الصدد:
(أما في العالم الثالث فالغالب أنّ الحزب الواحد إذا لم يجد السلاح
والسلطة يأخذ في سبّ الناس وإهانتهم والابتعاد عنهم ونسبتهم إلى
الخرافة والجمود والجهل وألف منقصة ومنقصة، فإذا وجد السلاح والسلطة
استبد بالأمر وأخذ بيده السجن والسلاح والإعلام وبدأ يكلّم الناس بمنطق
القوّة لا بقوّة المنطق، وقد خفي عليه: أنّ من قتل الناس قُتل ومن أهان
الناس أهين، ومن صادر أموالهم وسجنهم صادروا أمواله وسجنوه، ولو بعد
حين، وهذا ما أثبتته التجارب ودل عليه التاريخ). |