قيم التقدم: العطاء والبناء المجتمعي

 

شبكة النبأ: العطاء يعني في ابسط تعريف له، استعداد الانسان لتقديم المعاونة للآخر، الذي يستحق المعونة ويحتاجها، وبهذا فإن العطاء يعني نوعا من الايثار، ونكران الذات، ونبذ الانانية، والتعامل وفق الفطرة الانسانية التي تنحو الى الخير، وتذهب الى نشر المساواة والعدل في بناء منهج سلوكي يحفظ كرامة الجميع، الغني والفقير، القوي والضعيف.

والعطاء هو نوع من التربية النفسية والاستعداد الدائم للتضحية من اجل الناس الذين هم بحاجة الى التضحية، وغالبا ما تعود هذه التضحية وهذا النوع من الايثار بسعادة غامرة على من يؤديها تجاه الآخرين، ومعظم الاحيان يكتسب الانسان سمة العطاء من محيطه العائلي والاجتماعي عموما، ومع تقدم العمر، يكون الانسان اكثر فهما لقيمة العطاء في بناء المجتمع واكثر استعدادا للقيام بالتضحية من اجل الآخرين.

يقول أبراهام لنكولن محرر العبيد والزعيم الأمريكي الراحل: (كلما تقدم عمرك ستكتشف ان لديك يدان، واحدة لمساعدة نفسك، والأخرى لمساعدة الآخرين). بهذا فإن الانسان المعطاء يساوي نفسه مع الآخرين، ويقتسم معهم كل ما يملك، او يكون على استعداد اكيد لتقاسم ما يملكه مع المحتاجين، وهكذا تكون احدى يديه في خدمته، والاخرى في خدمة من يحتاجه، والمعنى هنا مجازي بطبيعة الحال، حيث يكون الانسان في حالة من الرضى النفسى للعطاء والبذل من اجل الآخرين، على أن لا ينحصر العطاء في فئة معينة، أو يقتصر على افراد بعينهم، بمعنى ينبغي ان يكون العطاء شاملا، لكي يصبح قيمة من قيم تقدم المجتمع.

علما أن فائدة العطاء لا تصب في فائدة المحتاجين فقط، لأن الانسان الذي يقوم بفعل العطاء، سوف يكسب فوائد نفسية جمة، تشعره بالسعادة الغامرة والرضى التام عن الذات، يقول احد الكتاب في هذا المجال: (إن العطاء لا تنحصر نتائجه على المحتاجين بل على المعطين ايضا، انه معاكس تماما للأنانية والبخل، فهو نوع من الكرم والخلق الرفيع إذ انه لا يرتبط بأيه توقعات شخصية، فأفضل العطاء من القلب، انه افضل تدريب للنفس حينما  تنزل الى الأسفل لترفع الى الأعلى  شأن إنسان أخر).

لذا فإن العطاء هو السلوك المتميز بالإيثار والشعور بالانتماء الإنساني والخلقي التلقائي الموجه لشخص او مجموعة من الناس دون قيود او شروط سابقة او لاحقة، يخلو من انتظار أي ردود فعل، انه العمل التلقائي المتدفق من القلب مباشرة تجاه الانسان والكائنات الاخرى  والحياة، فيتجاوز حدود الواجب والولاء والالتزام العرفي والاجتماعي، لان في الولاء  والالتزام و الواجب قيود والتزام تجاه الأخر، انه يعتمد على نظرة ومفهوم الإنسان للحياة و للانسانيه، وليس مجرد إجراء السلوك العطائي فقط .

بهذا المعنى يشكل العطاء قيمة اخلاقية كبيرة، فضلا عن الطابع الانساني للعطاء، إذ يحوي  شتى أنواع السلوكيات الإنسانية ذات المنفعة للآخرين  من المودة و الحنان والعاطفة لقلب الطفل، والمريض والكبير والمسكين وأصحاب المصاعب والاحتياجات، وإعطاء الفرصة للشكوى، والتلاطف والتعاطف، والمساعدة المالية والتثقيف والتعليم والإسناد والتوجيه والمشاركة والمساعدة في الجهد والوقت والمعرفة. ويرى احد الكتاب أن العطاء أقوى وسيلة لإسعاد الذات كما تؤكد معظم الابحاث. حينما تصبح احتياجات الناس أمامك  وتحلها بالعطاء، وفي هذه الآلية فان الانسان يجد ذاته، ويتمتع بطعم الحياة و أهدافها،  ناهيك  أنها ترفع الهم والكرب عن الآخرين، وتزيل عنهم الشعور بالحزن والحسرة وتحديات الحياة.

وبهذا يشكل العطاء قيمة من قيم التقدم تسهم بشكل فاعل في بناء المجتمع ولا يستثنى من ذلك أي إنسان بغض النظر عن عرقه ودينه وحتى الاشخاص غير المحتاجين، ولنا في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا) خير مثال.

واخيرا فقد أثبتت بعض الابحاث المعنية بالعطاء، أن الأشخاص ذوي العطاء يختلف وظائف أجزاء من أدمغتهم  عن البخلاء، ذلك أن الاشخاص الذين يعطون تتأصل لديهم هذه الممارسة في عقليتهم ونظرتهم الى العالم والآخرين، وليست فقط مجرد ممارسة سلوكية مجردة من الإحساسات النفسية والروحانية، أي ان هناك اختلاف في المفاهيم والنظرة الوجودية للإنسان والعالم و الحياة، وبهذا يصبح العطاء قيمة مهمة يمكنها ان تسهم بصورة فاعلة في تطور المجتمع وانسجامه واستقراره.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 7/آب/2013 - 29/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م