ثأر الشهداء وحصاد الجند

لمن ستكون الغلبة؟

زاهر الزبيدي

 

على طول الطريق المؤدي بي الى عملي؛ أمر يومياً بعدد من السيطرات الأمنية والمرابطات على جانبي الطريق وبعض الجنود المرابضين قرب المؤسسات الحكومية وحرسها FBS والشرطة الإتحادية وأنواع من رجال الأمن منتشرون إلا أن ما يربكني في رؤيتهم ويثير إنتباهي؛ أن لا أحد منهم منتصباً بوضع التأهب واضعاً أصبعه على زناد سلاحه!

سيطرات كثيرة عندما نمر عليها ظهراً عند العودة من العمل عند الساعة الثالثة عصراً ومع إرتفاع قرص الشمس اللاهب؛ تشعر وكأنها قد أُسقطت عسكرياً لا أحد بها سوى جندي واحد مترنح على كرسي متهالك وسلاحه متكئ على الكتل الكونكريتية بالكاد يكون قادراً على رفع يده للإشارة لك بالمرور وإحياناً لا يقدر على ذلك حتى!

تتعاظم التحديات ويتحد الإرهاب وتشتد قسوته على فقراء الوطن وتتنوع هجماته فكل يوم، يلون بدمائنا، له به تكتيكاته المتنوعة في الهجمات ونحن لا زلنا مذ إنتصبت تلك السيطرات في شوارعنا ندمن ذات الأجهزة وذات الأسلحة وذات الجندي الذي لا تهزّ دمائنا، أو دماءه، شعرة من رأسه.. حتى بدأنا نرى هذا التهاون الكبير في إداء الواجب من خلال العمليات التي تصورها العصابات الإجرامية وتبثها على موقع اليوتيوب لتوضح أن جُلَّ خسائرنا ناتجة عن اهمال جندي واحد لواجبه وعدم شعوره بالمسؤولية تجاه أخوته من رفاق السلاح ممن أمنوا أرواحهم بيده.. وكأنه لم يدرب على شيء، حتى على السلاح الذي بين يديه، وكأننا نعيش في سويسرا الآمنة، يجلس ليقلب في جهاز هاتفه النقال أو تأخذه أحدى "حسبات الزمن" أو أن يتحدث مع زميل له.. وهو لا يعلم كيف ستتم مباغتته ولا يعرف عدوه ومن سيهاجمه فيتم إقتناصه بإقل من عُشر الثانية بكاتم لتسقط سرية كاملة بيد العصابة تصول وتجول بها كيفما تشاء.. لماذا؟ لماذا هذا التهاون القاتل ومن ذلك القائد الذي لم يعلمك شرف المسؤولية وأهمية التركيز في كل ساعة تمر وكل دقيقة وثانية؟، فأقل من الثانية هو الوقت الكافي للقضاء عليك ومن الذي تهاون في عزلك عندما أكتشف تهاونك في العمل؟.. ومن الذي سكت على ذلك ليتسبب بالمزيد من الدماء..المصيبة أنها دماء رجال الأمن التي من المفترض أن يكونوا مدربين وقادرين على حماية أنفسهم وإذا بهم يفشلون حتى في ذلك !

المنازلة كبيرة مع الإرهاب وليس متوقعاً لها أن تنتهي بسهولة فمغذيات الإرهاب كثيرة ومنابع تمويله تتمدد وإذا لم تتمدد من الخارج فهو قادر على تأمينها بنفسه ومحلياً من خلال السرقات الكبيرة لمحال الذهب.. وبإمكانه تطويع الكثير من أبناءنا ممن تركوا على ناصية الطرق تنهش أفكارهم البطالة والفقر وتدفع بهم الى ساحة الإرهاب لتسول لهم أنفسهم القتل والجريمة من أجل 200 ألف دينار، 170 دولاراً، راتباً ملطخاً بدماء بنو جلدته.. ألم يكن من الممكن أن نمنحه المبلغ ضعفه على أن يجلس في بيته ولا ندفع به نحو شوارع العمليات الإرهابية.. وكم كنا سنستثمر من هذا المبالغ في إمن وأمان وطننا وشعبه.. قطعاً أنه أكثر بآلاف المرات فلماذا نغض البصر عن تلك الرؤيا في معالجة وضعننا الأمني وكأن المشكلة تكمن في المواجهات العسكرية فقط.. واهمٌ من يعتقد ذلك بل غبيٌّ حتى !

نحاول أن نقدم شيء لوطننا ونجاهد أشرف الجهاد في ذلك فالكثير من شهداء الداخلية والدفاع قد بذلوا أنفسهم في سبيل وطنهم وشعبهم ونالوا أشرف درجات الشهادة عن ذلك إلا إن عملنا لازال بحاجة الى إعادة النظر في الخطط والترتيبات الأمنية وبحاجة الى المزيد من التدريب فعمليات مثل "الشبح" و "ثأر الشهداء" من العمليات المهمة التي تنوع ساحات المواجهة مع الإرهاب وتربك مخططاته والمفترض أن تنتفض الخطط الأمنية عن أفكار جديدة في المواجهة وأن تكون للقوات الأمنية اليد الطولى في ذلك وأن تفرض جناح سطوتها على مساحة الوطن فما تمكن الإرهاب من بناءه؛ كان نتيجة حتمية لسنوات عديدة من التهاون وضعف التركيز في هذا الجانب وعلى هذا التهاون أن لايطول أكثر من ذلك لأنه سيزيد من تشبث الإرهاب وسيطرته على مساحات أكبر من الوطن وتتمدد عملياته الإرهابية لتصبح أقوى من ذي قبل وكل يوم يمر بلا عملية نوعية على غرار تلك العمليتين يعني أن عمليات إرهابية تجري المراقبة والتخطيط لها والتهيئة وبإنتظار ساعة صفرها وما أن تدق تلك الساعة حتى تدق عظام أبناءنا، وكل عملية تختار ساعتها بناءاً على مدى التهاون الأمني للموقع المستهدف وهشاشة التركيز لدى رجاله..

 علينا الإعتراف بذلك وعدم السكوت عليه بل وعرضه على المختصين لدراسته وتحليل نتائجه ومؤثراته والحلول اللازمة للقضاء عليه فإذا كانت المشكلة في العدد فدونكم رجال العراق وإذا كانت العدة فالعالم كله يتمنى تجهيزكم بها طمعاً في ثروتنا وإذا كان التدريب فالعالم كله مراكز تدريبية عالية المستوى، كما لدينا هنا في العراق، وبالإمكان جلب المدربين المتخصصين من كل العالم الى العراق ليرفد مؤسساته الأمنية الأكاديمية.. إذن أين مشكلتنا.. مشكلتنا أن نجمع الرجال والعدة والتدريب لنحيطها بإطار الوطنية الحقة والغيرة العراقية الأصيلة والنخوة لتتحق تلك الخلطة السحرية في تكوينة رجال لهم القدرة على الوقوف بقوة بوجه من يريد أن ينتهك ستر الوطن وعرضه.

على العنصر الأمني أن يستوعب ما هو فيه وأن يكون على مدى كبير من التركيز وأن يُدرب على أنه هدف إذا غفل قتل ومن معه وإذا أنتبه نجا ومن معه.. وأن يتعلم بأنه هدف مطلوب ويحسن التركيز على من يستهدفه ويحسن التوقع دائماً أي أنه يدرس المكان الذي يرابط فيه ويضع هجمات إفتراضية ويواجهها.. عشرات الهجمات الإفتراضية على كل أمر وحدة عسكرية أو مقر حراسة أن يضعها في الحسبان ويضع المخرج منها بل ويطلب من الكليات العسكرية أن تضع آلاف من الهجمات الإفتراضية لغرض دراستها وإستمكان نتائجها ودراسة عواقبها.

إنها مسؤولية كبيرة تلك الملقات على عاتق القوات الأمنية، الكل يؤمن بذلك، مسؤولية لازالت تعاني منها بلدان على مستوى عالي من التطور ولديها مؤسسات أمنية وعسكرية دولية هائلة في التمكن ويتم إختراقها وإحداث تفجيرات في بلدانها يذهب بها الكثير من الضحايا والخسائر.. مؤسسات أمنية بأعمار طويلة وخبرة عالية تصل الى عشرات السنين ويحدث في بلدانها خروقات أمنية فما بالكم بنا ونحن لم يمض على إنشاء وتشكيل قوتنا الأمنية أقل من 10 سنوات كانت في أغلب أيامها مستهدفة.

 المسؤولية كبيرة وثقتنا كبيرة وإنتصارات قواتنا الإمنية هي من ستعزز ثقتنا بأبناءنا من قواتنا المسلحة أما إخفاقاتهم، لا سمح الله، فهي من ستدمي قلوبنا وتغلق منافذ النور المتبقية أمام مستقبلنا وشعبنا... وستكون الغلبة لمن يذاكر جيداً ويطاول في القتال ولا تفت له عزيمة ولا يكل له ساعد ومن يمسك الأرض بقوة وينشب مخالبه فيها ويصمد ليرفع أخيراً علم وطنه عالياً.. لا أذل الله العراق وحفظه وجيشه وشعبه.

[email protected]

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 6/آب/2013 - 28/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م