قواعد الإنجاز: القاعدة السابعة العمل وإكمال العمل

السيد محمود الموسوي

 

"أكمل المدّة المقرّرة لعملك، فالنتائج الكاملة لا تأتي إلا عند إتمام الأعمال"

 

نلاحظ أن كل إنسان مكلف صحيح وحاضر في شهر رمضان المبارك يجب عليه أن يبدأ بالفعل بالصيام وعليه أن يجتاز المدة المقررة له في الوقت المعين، وعندما لا يستطيع الإنسان أن يؤدّي صيام بعض هذه الأيام في هذا الوقت، فعليه أن يحافظ على العدد لإكمال البرنامج في وقت آخر.

حيث يقول تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)، أي إن تحققت المقدّمات التمهيدية وغيرها، وجاء الوقت المناسب فعليه أن يبدأ بالعمل، فقوله تعالى: (فليصمه) دلالة على الشروع في أداء الفعل عملياً وليس الاعتماد على الكلام .. ولا يكفي الإيمان بالهدف أو البرنامج من دون عمل، يقول تعالى: (وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[1]، فالصائمين والصائمات الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً كما في الآية 35 من سورة الأحزاب، لابد أن يلازموا بين الإيمان بالشيء والعمل به كما في هذه الآية.

ولنتبين ملازمة الإيمان والعمل ننقل هذا الحديث الذي يعبر عن ذات الموضوع، (لا يقبل إيمان بلا عمل ولا عمل بلا إيمان)[2].

ثم يقول عز وجل (ولتكملوا العدّة). أي لتتموا المدّة المقرّرة، فكثير من الناس يبدأون برنامجاً ما ولكنهم لا يسعون لإتمامه والوصول إلى نهايته، فلا يحصلون على النتائج المرجوة من أعمالهم، فإذا أراد الإنسان أن ينجز مهماته بنجاح فعليه أن يؤدّي العمل حتى نهايته ثم يرى مقدار المنجز منه.

والوصول إلى النهاية يحتاج إلى صبر وعدم الاستعجال، فالنتائج لا تأتي إلا عندما تكتمل الأعمال.

الأمور بتمامها والأعمال بخواتيمها

 قاعدة ذهبية قيّمة جداً عبّر عنها رسول الله (ص)، بهذه العبارات: (الأمور بتمامها، والأعمال بخواتيمها)[3]، فأي أمر لا يمكن أن نطلق عليه تسميته ولا يأخذ مسماه الإعتباري والحقيقي إلا إذا تمّ واكتمل، فإنك إن قلت رأيت بيتاً، فهذا يعني أنك رأيت بيتاً مكتملاً، والصحيفة لا تسمّى صحيفة إلا إذا حرّرها المحرّرون وأخرجوها إلى النور، وكذا فإن طبق (الكنافة) مثلاً لن يكون بهذا الإسم وهو مازال قيد الإعداد، فإنه قبل التمام، مجرد مقدار من الجبن ومقدار من الزبدة والسميد وغيره. هكذا هي الأمور بتمامها.

 وأعمالنا إنما يكون لها التقدير عندما نصل إلى خواتيمها، ففي النهايات يمكن أن نقيّم أعمالنا ونوصّفها بتوصيفاتها التي تستحق، فلن تعرف صفة الحديقة التي تنشئها، هل هي جميلة أم لا، إلا إذا وصلت إلى ختام عملك فيها، ولن تتعرف على جودة مقالك إلا إذا وضعت آخر نقطة في خاتمته.

 وهذه القاعدة إنما تعطينا مجموعة من الحقائق المهمة في طريق الإنجاز، أولها أن النتائج إنما تأتي بعد إكمال العمل عادة، ففي نهاية المطاف يكون الحصاد، كما أن ترك الأمور والأعمال في أنصافها ومقدماتها قبل أن تتم، يعدّ منقصة في العمل، بل وفي الشخص، لأنه سيكون سلوك عام يتصف به، إننا نجد البعض ما إن يبدأ عملاً حتى يتخلّى عنه ويبدأ في عمل آخر، وهكذا لا يتم عملاً في مسيرته، لذلك فهو لا يحصل على نتائج أعماله، وتبقى جهوده هباء منثوراً تذروها رياح التنقل من عمل إلى عمل.

 نعم هنالك بلا شك صعوبة في الوصول إلى النهايات، لأن البداية لا تحتاج إلا إلى عزيمة بسيطة، يمكن أن تحفزه إليها ما يرجوه من العمل نفسه، ولكن سرعان ما يجد أنه مطالب بالإستمرار، وهو يحتاج إلى رؤية أخرى ومجهود آخر، كما عن الإمام الصادق (ع): (الإبقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل)[4].

 وهنا تمثيل رائع للإمام علي (عليه السلام) عن حقيقة عدم فائدة انقطاع الأعمال والإكتفاء بأجزائها، يقول: (ليس البرق الخاطف مُستمتعٌ لمن يخوضُ في الظلمة).

قال المسيح ـ النبي عيسى بن مريم (ع) ـ للحواريين: يامعشر الحواريين، بحق أقول لكم إن الناس يقولون إن البناء بأساسه، وأنا لا أقول لكم كذلك..

قالوا: فماذا تقول ياروح الله؟

قال: بحق أقول لكم إن آخر حجر يضعه العامل هو الأساس[5].

فما فائدة الأساس إذا لم يُبن عليه البناء؟؟

وهل تبدأ العمل من أجل العبث، أم من أجل الوصول إلى الهدف.

ماذا نحتاج لإتمام الأعمال؟

 الوسائل التي ينبغي أن نحققها في ذواتنا من أجل أن نتمّ العمل، ونصل إلى خاتمته، هي أولاً عامل (الإتقان)، وثانياً عامل (الصبر)، فكل واحد منهما يكمّل الآخر.

الإتقان معزز الإستمرار

ليس المطلوب هو أن نصل إلى النهاية بأي كيفية كانت، ومهما تكون النتيجة، بل إننا نحتاج إلى الإتقان، واتقان العمل هو عبارة عن المحافظة على الكيف والجودة في العمل، كما يقول الرسول الأعظم (ص): (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)[6].

 وقد حكى الإمام الصادق (ع) عن إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نزل حتى لحد سعد بن معاذ وسوى اللبن عليه، وجعل يقول: ناولني حجراً، ناولني تراباً رطِباً، يسد به ما بين اللبن، فلما أن فرغ وحثا التراب عليه وسوّى قبره قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إني لأعلم أنه سيبلى ويصل إليه البلاء، ولكن الله يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه[7].

فإن الصناعات الناجحة كلها تعتمد على الجودة، يقول أحد مدراء أكبر المصانع في العالم، أننا حافظنا على الجودة بالدرجة الأولى، وقد قام هذا المدير بتقدير عمل مراقبي الجودة في المصنع، بأن جعل رواتبهم عالية، كتقدير عن أهمية عملهم، بهذه الخطوة استطاع أن يضبط عمل كافة الأقسام في المصنع، لأن أي منتج لن يمر في طريقه إلى السوق قبل أن يصدّق عليه مراقبو الجودة.

 وعامل الإتقان بحد ذاته يعطي دافعاً للمواصلة، فإن من أهم أسباب ترك الأعمال وعدم إكمالها هو شعور الإنسان بأنه غير موفق، وبأنه يجهل هذا العمل ولذلك يقوم بتركه، أما إذا كان يتقن العمل فإنه يشعر بأنه على الطريق الصحيح، فيندفع إلى المواصلة.

والإتقان يحتاج إلى المعرفة

من المهم توفير الشروط لأداء أي عمل، ومن شروط الإتقان هي المعرفة، أي معرفتك يالشيء الذي أنت مقدم عليه، أن تعرف كيفية البدء فيه، وكيفية المواصلة وكيفية الإنجاز، فإن المهندس لكي يقوم بإنجاز بناية حديثة، لابد أن يكون ذا معرفة بالأساليب الحديثة في البناء، ليكون مساره صحيحاً ومتقناً: فإن الإمام علي يقول: (ما من حركة إلا وأنت محتاج فيها إلى معرفة)[8]. ويقول عليه السلام: (لا تقدمنّ على أمر حتى تَخبُرَه)[9].

الصبر وقود المواصلة

 لأن إتمام الأعمال هو نتيجة أن يستقيم عليها الإنسان ويواصل مجهوده الذي بدأه، فإنه بحاجة إلى وقود يساعده على الإستمرار حتى نهاية المطاف، وصفة الصبر هي التي تقوم بهذا الدور، وبمقدار ما يملك الإنسان من صبر فإن بإمكانه أن يحقق الإنجازات، تحمّل مشاق العمل يحتاج إلى صبر، تحمّل التعامل مع الأشخاص في العمل يحتاج إلى صبر، وتحمل المشكلات من أجل تخطيها يحتاج إلى هذه الصفة الكبيرة، التي يتصف بها الأنبياء والأئمة والصديقين والعلماء العاملين، وكل الذين قدموا للبشرية انجازاتها في مختلف الميادين.

 يقول الإمام علي (ع): (بالصبر تدرك معالي الأمور)[10]، ويقول عليه السلام: (من لم ينجه الصبر أهلكه الجزع)[11]، لأن البديل عن الصبر هو أن يجزع الإنسان على ما يصيبه وما يواجهه، فيتوقف عن العطاء.

 ولكي يتحلّى الإنسان بالصبر وتكون هذه الصفة ملازمة له، فإنه ينبغي أن لا يستعجل النتائج في بداية الطريق أو في منتصفه، لأن النتيجة تأتي في النهايات، كما أن عليه أن يتوقع الخير في تلك النتيجة، ويتفاءل بها، وبنجاحها، لأن من يتوقع الخير والنجاح سوف يعينه هذا الشعور على الإستمرار والمواصلة إلى النهاية، أما من يتوقع أنه لن يحصد شيئاً من عمله وبأنه سيفشل، فهذا يكون داعياً لأن يترك العمل.

والقاعدة هنا هي: أكمل المدّة المقرّرة لعملك، فالنتائج الكاملة لا تأتي إلا عند إتمام الأعمال.

* قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

...............................................

[1] / سورة المائدة، آية 9

[2] / كنز العمال، ج1/59

[3] / عوالي اللئالي، ج1، ص290

[4] / وسائل الشيعة، ج1، ص61، الحر العاملي.

[5] / الحياة، ج1، ص316

[6] / ميزان الحكمة، ج3

[7] / المصدر.

[8] / بحار الأنوار، ج74، ص268

[9] / ميزان الحكمة، ج1، ص377

[10] / ميزان الحكمة، ج2

[11] / وسائل الشيعة، ج15، ص265

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 5/آب/2013 - 27/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م