شهر رمضان ربيع القرآن

تعضيد العلاقة بين الانسان والنص القرآني

 

شبكة النبأ: يعد شهر رمضان الكريم، من أنسب الاوقات التي تعمق العلاقة بين الانسان وقراءة القرآن الكريم، حيث الاجواء الروحية تزدهر وتتوسع، لتشمل أعدادا كبيرة من المسلمين الذين يجدون في هذا الشهر المبارك، فرصة مواتية لقراءة كتاب الله الحكيم، والتمعن في آياته ومضامينه ونصوصه المباركة، وقد عُرف هذا الشهر الفضيل بأنه (ربيع القرآن).

وجاء في الآية القرآنية الكريمة حول هذا الشهر المبارك، وعمق الحضور القرآني فيه، إذ ورد في الذكر الحكيم: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) [البقرة: 185]، وعن العلاقة التي تزدهر ازدهارا كبيرا وبيّنا بين أهل الصيام والقرآن الكريم، تقول الآية المباركة: )أهل الصيام هم أهل القرآن الذين مدحهم الله تعالى بقوله : إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور (سورة فاطر، آية 30،29.

لاشك أن للقرآن الكريم، أبعاد و آفاق عديدة اهتمت بالإنسان كفرد ومجتمع، وكحاكم و طموح وأن الإنسان من خلال قدراته العقلية وما تتضمنه  من عمليات فكرية وما تتمخض عنها من نتاجات فاعلة ومؤثرة على مستوى الإنسان ومحيطه البشري والطبيعي والكوني، لا يمكن أن يسجن في حدود بيت أو مدينة أو حتى في الكرة الأرضية الواسعة الأرجاء، كما أنه من غير الممكن أن يؤدلج الإنسان في إطار فكرة محدودة أو سطحية أو قاصرة أو ضيقة، فآفاق الإنسان ليس لها حدود زمانية أو مكانية، وهو ما دفع الإنسان الباحث عن كنوز القرآن إلى الحيرة، لما وجده من فراغ في علاقته مع القرآن، حيث لم يتفاعل مع بين آياته وما بعدها فضلاً عن إدراك  ما فيها، إذ لم يجد من  يتعامل مع القرآن روحاً ومادة أو تفسيراً، بياناً ومعنى وغاية وخاطرة، لما للروح و الخاطرة  من شمولية تستوعب أبعاد النص وآفاقه.

ونلاحظ في هذا الاطار أن سماحة المفكر الاسلامي آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (رحمه الله) حاول في كتابه الموسوم بـ (خواطري  عن القرآن) أن يعمق العلاقة بين الانسان والقرآن، وقد أذاب سماحته في كتابه هذا، جبال جليد العلاقة السطحية بين الإنسان والكتاب الكريم كما أزال، قضبان الممنوع والحرام المصطنع والموروث، من واقع بحثي وثقافي ديني غير صحيح والمبني عل أسس غير علمية، وهو ما دعا سماحة الشهيد السعيد إلى توقع الاعتراض والاحتجاج من قبل الآخرين، ومن هذا المنطلق وتشجيعاً منه على مواصلة البحث في القرآن وعلى أطر أوسع من الحرية عبر سماحة  الشهيد السعيد عن عدم تحمله مسؤولية تفسير القرآن حيث يقول: أنا لا أفسر القرآن، ولا أدعو أحداً إلى فهم القرآن كما فهمته، وإنما أكتب ما فهمته من القرآن مع ملاحظة ما اطلعت عليه من الأحاديث في تفسير القرآن، عله يكون مساعداً على التفسير.

إن الجهد الكبير الذي وضعه سماحة الشهيد السيد حسن الشيرازي رحمه الله في كتابه القيم (خواطري في القرآن) بأجزائه الثلاثة، يؤكد اهتمام سماحته، في توطيد العلاقة بين الانسان والقرآن، وقد ركز سماحته على المعاني التي تبثها النصوص القرآنية للانسان وتزرع في روحه بذور الامل، وتنمي لديه القدرات والطاقات العملية والفكرية وتدعم مواهبه كافة، وتعضّد الجانب الروحاني لديه، لاسيما في الاجواء الرمضانية المباركة، حيث يتحول هذا الشهر الكريم الى واحة خضراء، يتفيأ فيها المسلمون بمعاني القرآن وظلاله الوارفة، تعميقا للحس الايماني لديهم، وترسيخا للفهم السليم للنصوص القرآنية التي تساعد الانسان على بناء نفسه، والعمل الجاد لدنياه وآخرته في وقت واحد.

ربما نلاحظ نوعا من الجفاء بين الانسان والقرآن، في الشهور الاخرى، أو الايام العادية، وهو امر لابد أن نقر فيه، حيث يتلكأ كثيرون في تلاوة القرآن وقراءته وينشغلون بالزائل من امور الحياة، حيث اللهاث وراء الماديات، والصراع من اجل المال او السلطة والجاه، وهي من مستلزمات الباحثين عن مجد الدنيا، ناسين او متناسين أن الآخرة تستدعي جهدا كبيرا ومتواصلا من لدن الانسان، اكثر بكثير مما تتطلبه حياتنا الراهنة، ومع ذلك نلاحظ فتورا في العلاقة بين الناس والقرآن في الشهور والايام العادية، لكن في شهر رمضان يختلف الامر تماما.

لذلك لابد للمسلمين من استثمار هذا الشهر الكريم، لاستثمار ما تقدمه النصوص القرآنية للجميع، من دعم روحي، يساعد على تحقيق النجاح من خلال ثبات الايمان، واشاعة الروح الايجابية، مدعومة بأجواء شهر رمضان المبارك، الذي يشكل مناسبة جيدة جدا للاستفادة مما يقدمه القرآن الكريم من دعم روحي للانسان، حتى يتقدم اكثر في حياته، ويتقن العمل لآخرته، ولعلنا نجد في هذا الشهر الكريم (شهر الله) ضالتنا وهدفنا في بناء الذات والنفس والفكر، استنادا الى علاقة متجددة بيننا وبين كتاب الله الحكيم في هذا الشهر المبارك.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 4/آب/2013 - 26/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م