ألبوم صور... عن الذكريات والاحلام والاخطاء

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لا يمكن ان نتصور ان هناك انسان ما على امتداد الكرة الارضية، وفي جميع مناطقها المأهولة بالمدنية والحضارة لا يملك البوم صور خاصة به وباصدقائه وافراد عائلته. قد يشذ عن ذلك بعض القبائل في مجاهل افريقيا او امريكا الجنوبية، وحتى هؤلاء هناك من يحتفظ لهم بالكثير من الصور التي تسجل بعض لحظات حياتهم لاغراض دراسية متنوعة.

كلما احسست بوطأة الزمن الراكض نحو اللحظة الماضية وانا اعيش الحاضر واعبر منه الى المستقبل، اهرع الى البومات صوري اقلبها، وهي كثيرة لدي، لاني عشت في زمن كانت فيه الصورة الفوتوغرافية هي الوسيلة الوحيدة لاقتناص الزمن وتجميده عند لحظة معينة، قبل ان تفترس حياتنا الصور الرقمية، ولم يعد لها مكان في الالبومات الا على اجهزة الكومبيوتر والهواتف النقالة، وحتى صورنا التي تحدد هوياتنا الشخصية في الاوراق الرسمية هي ايضا اصبحت رقمية، ولا نحتفظ بها او لا نهتم بها كثيرا فهي صور لاغراض التعامل ولا شيء اكثر من ذلك، وكل معاملة يمكن لك ان تلتقط صورا جديدة لها. وانت لست معني باقتناص اللحظات الهاربة في تلك الصور لانها تجعلك تشعر كم هو مؤلم هذا الضياع لزمنك في دوائر الحكومة.

واحدة من تعريفات الصورة الفوتوغرافية هي لحظة زمنية مسجلة على الشريط الفلمي اي انها لحظة مسجلة من حركة الزمن الواقعي والتي انفردت بهذه الخصوصية عن باقي الفنون. كما يخبرنا بذلك الباحثون في السيمياء البصرية.

ويعتقدون انها صورة اينما وجدت ولأي شيء كانت ويجب ان تحظى بنفس الاهتمام سواء كانت لشخصية مهمة او لزهرة رقيقة باهرة الالوان او لطائر بديع ام لجريمة وقعت. وكل صورة لها اعتباراتها الخاصة واجوائها ومقوماتها وقوتها وجمالها .

وهذا الزمن الذي تجمده الصورة، له علاقة وطيدة بالموت، كما يصفها بذلك ريجيس دوبري في كتابه (حياة الصورة وموتها) فهو يقول: (لولادة الصورة علاقة وطيدة بالموت، لكن إذا كانت الصورة العتيقة تنبثق من القبر، فذلك رفض منها لك، كلما انمحى الموت من الحياة الاجتماعية كلما غدت الصورة أقل حيوية، وكلما غدت معها حاجتنا للصور أقل مصيرية).

نحتفظ بالكثير من صورنا التي تسجل لحظات متفرقة من حياتنا، في الدراسة او في العمل وفي الحياة الخاصة، ولا تنفصل تلك الصور عن حالاتنا النفسية التي كنا نعيشها لحظة التقاط تلك الصورة، او حجم الخطأ الذي يمكن ان نكون ارتكبناه قبل تلك اللحظة او بعدها.

كثيرا ما نشعر بالندم على بعض اللحظات الافلة ونتمنى لو عاد الزمن بنا الى الوراء لمحاولة اصلاح ما يمكن اصلاحه منها.

وغير ذلك نشعر بالفرح على بعض اللحظات الماضية وهو فرح يمتزج بالمرارة او الخسارة، ليقيننا اننا لا يمكننا العودة الى تلك اللحظات، فهي ماض لا يمكن ان يعود مهما كانت درجة مرارتنا او خسارتنا او لوعتنا.

رغم اعتزازنا بألبومات صورنا فنحن كثيرا ما نتعامل معها باهمال ودون تقدير لكل الحياة التي تختزنها فيها. مثلما نهمل كثيرا ان نتيح لانفسنا فرصة التامل في تلك الصور، واكتشاف حجم اخطاءنا او خطايانا، لا يعني هذا اننا نحاول الغاء تلك الصور من سجلات ماضينا، انه يعني عدم اعطاء انفسنا فرصة للتصالح معها، والقبول بتلك الاخطاء والخطايا كواقع عشناه، وهي التي صاغت حياتنا الحاضرة وشخصياتنا التي نحن عليها. هناك من عاش لحظات ندم حقيقية لا تبارحه حتى دون النظر الى البوم الصور، وهناك من أصرّ على الاستمرار في الخطأ لحظة راهنة او في مستقبل قادم اليه.

صورنا علامة فارقة لماضينا واحلامنا، كثير من هذا الماضي يعيش بيننا، وقسم اخر نحاول ان نتخلص منه، لكننا لا نستطيع ان نفعل ذلك لان الصورة هي التي منحت افعالنا الماضية هذا الخلود مثلما ستفعل معنا حين نغادر هذه الدنيا، وياتي اخرون يقلبون البومات صورهم ويستعيدون لحظات ماضية عاشوها معنا وكنا قد عشناها معهم قبل ان يطوي الموت صفحتنا ويطوي صفحتهم في لحظة ما، ويصبحون هم موضوعا لفرجة وتذكر من قبل اخرين.

للدلالة على حيوية الصورة في حياتنا وعنفوانها، وبعيدا عن صور هذا العصر بوظائفها الاعلامية المتعددة، طلب امبراطور صيني من كبير الرسامين في القصر أن يمحو صورة الشلال المرسومة على الجدار لأن هدير المياه كان يمنعه من النوم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/آب/2013 - 23/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م