قواعد الإنجاز: القاعدة الرابعة التّحفيز للهدف (إيجاد المبررات)

السيد محمود الموسوي

 

"ابحث عن مبررات عملك الحقيقية لتتشكّل عندك قناعة تدفعك باتجاه تحقيقه"

 

لا يكفي أن يحدّد الإنسان الهدف من البرنامج الذي يريد أن يؤدّيه، بل لابد ان يجد ما يدفعه لتحقيقه وانجازه بأفضل صورة، وعامل التحفيز عن طريق الترغيب ووصف الهدف وفائدته للإنسان نفسه تُحقّق هذه المهمّة.

ولذلك نجد أن القرآن الكريم يشتمل على كثير من الترغيبات، أو الترهيبات وهي بمثابة الحافز الذي يجعل الإنسان يلتزم بأمر ما، و هذا أسلوب الرسول (ص) وأهل بيته الأطهار (ع)، عندما يريدون لعمل أن ينجح عن طريق إلزام الناس به ودفعهم إليه، فإنهم يقومون بذكر ثوابه الكبير الذي يجنيه في الآخرة.. أو الفوائد التي سيحققها في الدنيا، وهذا بمثابة الحافز الذي يخلق قوّة دافعة لإنجاز الأعمال.

وهذا يفيد في أنه يجعل الإنسان ينطلق في عمله بالقناعة والرضا، فينبغي أن نكتشف المبررات لتكون لنا حافزاً.. وفي الصيام تخبرنا الآيات من سورة الأحزاب أن للصائمين والصائمات (أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً)[1].

فإن المحفّز هو هذا الأجر العظيم الذي ينبغي أن نكتشفه بنور العلم، لأن فيه الخير الكثير، حيث يشتمل على بعدين:

الأول: غفران الذنوب الماضية، وهي فرصة لا تعوّض لكي يبدأ الإنسان من جديد وكأنه لم يفعل شيئاً، والرسول (ص) يقول في خطبته عن شهر رمضان: (فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم)، وهذه فرصة عظيمة لكي يستأنف الإنسان العمل، فكم من الناس من لم يرض عن أدائه العبادي، ويرى تقصيره في الطاعات وأداء المسؤوليات، مما يترتّب عليها الآثار الجمّة، ففرصة المحو هذه فرصة ذهبية لتجديد الحياة، وهي دافع ومحفّز كبير للانطلاق في تأدية الواجب الذي يضمن لنا هذا الأمر.

الثاني: الأجر العظيم، وهو الثواب الذي يعطيه الله تعالى للإنسان في الآخرة عندما يحقّق ذلك الهدف ويجتاز ذلك البرنامج بنجاح.

الأجر غير المعدود في الأيام المعدودات

في الأيام المعدودات من شهر رمضان المبارك، يتفضّل علينا ربنا عز وجل من الأجر ما هو غير معدود، إذ ليس بإمكان الإنسان أن يحصيه، لأنه عبّر عنه بالعظيم، وعندما يعّبر الله تعالى عن شيء متصل به بالعظيم فهو أمر لا يمكن أن يصل إدراك الإنسان إليه، ومثل ذلك ما جاء في القصة التالية:

جاء رجل يسأل الإمام علي (ع) يريد أن يصف له أخلاق الرسول الأعظم (ص)، فقال الإمام علي (ع) كيف أصف لك خلق رسول الله، والله يقول: (إِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا)، وهو يقول عنها ـ أي عن تلك النعم ـ (قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ)، ويقول تعالى عن خلق الرسول: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).

فالعظيم الإلهي لا يمكن أن يبلغه علمنا وإدراكنا..

وتتجسد هاتان الصفتان للصائم كدافع متّسق مع المعطيات القرآنية، في حديث عن الرضا (ع) حيث قال: (إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً مُوَكَّلِينَ بِالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ يَمْسَحُونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ وَ يُسْقِطُونَ عَنْهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَ إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً قَدْ وَكَّلَهُمْ بِالدُّعَاءِ لِلصَّائِمِينَ وَ الصَّائِمَاتِ لَا يُحْصِي عَدَدَهُمْ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى)[2].

كيف أوجد الدافع؟

 كيف أحفز نفسي وأحفّز الآخرين؟

حتى في شأن الدين، فإن المطلوب هو إقناع الآخر بالكلمة الطيبة، ولا يوجد مكاناً للإكراه، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)[3]، وهذا أسلوب عام، فلا ينبغي أن تتعامل مع نفسك بلغة الأوامر، وكذلك لاينبغي أن تتعامل مع الآخرين بهذه اللغة، فإذا أردت أن توجد الحافز للعمل في نفسك أو عند الآخرين، فما عليك إلا أن تبحث عن الأفكار التي تخلق في نفسك القناعة، لكي تحصل على دافع لذلك العمل، فقد تكلمنا عن الإيمان بالعمل ودوره في خلق حالة التمسك بالهدف، وهنا يقوم الإيمان بدور المحفّز والدافع لأداء العمل، يقول الله تعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[4].

لقد سئل أحد مدراء شركة من أكبر الشركات اليابانية في العالم، عن الأسلوب الذي اتبعه مع عمال وموظفي الشركة التي تعمل في مجال الصناعة، كيف استطاع أن يحقق النجاح ويدفع بهم للجد في العمل؟ هل هي لغة الأوامر؟

قال: كلا، فلقد اتبعت أسلوب التحفيز، عمدت إلى إقناعهم بأن نجاح الشركة يعني نجاحهم جميعاً، فإن شخصية الإنسان في المجتمع مرتبطة بنوع العمل الذي يعمل فيه، فإذا كانت شركتك أقوى شركة في العالم، فإنك بكل بساطة ستكون عاملاً في أقوى شركة في العالم. اقتنع الجميع بهذه الفكرة وصارت دافعاً قوياً للأداء وحسن الجودة.

أنواع التحفيزات

 التحفيز أنواع، وهو يعتمد على نوع الحافز وطريقة التفكير فيه، فعندما تنظر إلى الأمر من جهات عدّة سوف تكتشف أن هنالك عدة حوافز في العمل الواحد، وهذه الجوانب نشير إليها بشكل عام، كأفكار تنطبق على أي عمل.

1/ ابحث عن النتائج المجدية نتيجة فعل ذلك العمل، وهذا يسمى بـ (الترغيب)، فإن النتيجة من العمل كلما كانت أفضل سيكون الحافز بمقداره، كأن يكون الدخول في مشروع تجاري مربح، فالمشروع الأكثر ربحاً سيحظى بدافعية أكثر.

2/ ابحث عن الخسائر التي ستخسرها نتيجة ترك ذلك العمل، فما الذي يمكن أن أخسره إن لم أقم بهذا العمل؟

3/ ابحث عن المشكلات والعواقب التي تصيبك عند ترك العمل، وهذا نسميه بـ (الترهيب)، الترهيب من سوء العاقبة التي يمكن أن تحصل لولا حصول العمل، ولولا الدخول في هذا المشروع، هذا بحد ذاته يعطي دافعاً لعدم ترك العمل، ويدفع نحو السعي لإنجازه.

4/ ابحث عن الفوائد الجانبية التي تحصلها حال أداء العمل، ولا تنظر إلى النتائج فقط.. فهناك بعض الأعمال لها فوائد أخرى، فرعية، مثل الإستمتاع والإستفادة من العلاقات الإجتماعية بالنسبة لمسؤول في العلاقات العامة لشركة ما، فالفوائد الفرعية غير الأساسية قد تفاضل بين عملين لهما نفس النتيجة النهائية، ولكن لأن أحدها له فوائد أخرى، فإن هذا سيعد حافزاً لاختياره.

والقاعدة هي: ابحث عن مبررات عملك الحقيقية لتتشكّل عندك قناعة تدفعك باتجاه تحقيقه.

 * قسم من كتاب: شهر رمضان شهر الإنجاز-8 قواعد لتكون من المنجزين

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/mhamod%20almosiwy.htm

............................................

[1] / سورة الأحزاب، آية 35

[2] / وسائل الشيعة، للحر العاملي، ج10، ص405

[3] / سورة البقرة، آية 256

[4] / سورة يوسف، آية 108

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 1/آب/2013 - 23/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م