اسقاط المالكي باي ثمن... وماذا بعد؟

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: الجميع منشغل بالهروب الكبير لسجناء القاعدة من اشهر سجنين في العراق.

الكتل السياسية تتبادل الاتهامات فيما بينها، وكل ترمي الكرة في ملعب الاخرى، اعضاء الحكومة المتشكلة من تلك الكتل تتبادل الاتهامات بينها، وايضا تلقي بكرة الفشل في احضان بعضها رغم ان النصيب الاكبر من الاهداف المسجلة لهذه الكرة هو ائتلاف دولة القانون، ورئيس الوزراء نوري المالكي الذي هو ايضا رئيس هذا الائتلاف.

الاتهامات ليست جديدة فهي مستمرة طوال الشهور والسنوات الماضية، وان كانت تتوزع ايضا على مجالات اخرى غير الامن، مثل الخدمات والسياسات الاقتصادية والخارجية وملفات الفساد وجميع الظواهر والمظاهر السلبية في الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية.

كل جهة لها مبرراتها في اتهام الجهة الاخرى، سواءا على صعيد مجالس المحافظات او على صعيد المركز، وكل جهة تقدم الحلول لتلك المشاكل والتي يتفق اغلبها على تغيير رئيس الوزراء والاتيان بشخص اخر من الائتلاف الشيعي.

معظم الكتل السياسية تتفق على رحيل نوري المالكي، لانه السبب والمسبّب المباشر لكل الازمات التي يعانيها العراقيون.

اتفاق الجميع ماعدا كتلة ائتلاف دولة القانون، على شخصنة الفشل العراقي في جميع المجالات، ينطلق من هذه الصيغة اللغوية، والتي تسبق دائما بالحروف (لَوْ – لولا).

وحسب النحّاة وارباب القواعد اللغوية فان (لو) للشرط وللمصدرية نحو لو أنصف الناس استراح القاضي.  ويقال لها في هذا المثال حرف امتناع لامتناع، أي انتفاء الجواب لانتفاء الشرط.

اما لَوْلا فهي على ثلاثة وجوه:

- الوجه الأوّل: أن تكون للتوبيخ.

- الوجه الثاني: أن تكون للتحضيض والعرض.

- الوجه الثالث وهو الذي يهمنا: حرف شرط غير جازم، (يقول المعربون: حرف امتناع لوجود)، يدخل على جملتين: اسميةٍ ففعلية، فتمتنع الثانية منهما بسبب وجود الأولى، نحو: «لولا خالدٌ لسافرت»؛ (امتنع السفر لوجود خالد).

من امثلة ذلك

قوله تعالى: «يقول الذين استُضْعِفوا للذين استكبروا لولا أنتم لَكُنا مُؤمنين».

[لولا أنتم لكنّا]: لولا حرف امتناع لوجود: فقد امتنع إيمان المستضعفين لوجود المستكبرين.

وقول الشاعر جرير وهو يرثي زوجته:

لولا الحياءُ لَعادَني استعبارُ

ولَزُرتُ قبرَكِ والحبيبُ يُزار

في الحديث النبوي الشريف فان (لو) تفتح عمل الشيطان، في قوله صلى الله عليه واله وسلم:

(وإن اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا وكذا ولكن قل قدّر الله وماشاء فعل فان لو تفتح عمل الشيطان).

وحرف (لو) لم يقتصر استعماله على العراقيين فقط في شانهم الحالي، ولا اقتصر على العرب والمسلمين في جميع شؤونهم، بل هو ايضا كان من اشتغالات الكاتب النمساوي ستيفان زفايج في كتابه (ساعات القدر في تاريخ البشرية) حيث طرح (لو) قبل عدة اسئلة من قبيل، ماذا (لو) ان هتلر لم يغزو روسيا هل كان سينتصر في الحرب؟ ولو ان دول المحور قد ربحت معركة العلمين هل ستنتصر في الحرب؟ وغيرها الكثير من الاسئلة المسبوقة بهذا الحرف.

اعود الى موضوعة المالكي ونطرح الاسئلة التي برع في طرحها ساسة العراق، والتي يسبق الحرف (لو) و (لولا) كل واحد منها، من قبيل:

لو ان المالكي حاسب المفسدين لما استشرى الفساد في العراق.

لو ان المالكي قام بتعيين الوزراء الامنيين لما انتشر العنف والارهاب.

لو ان المالكي نفذ مطالب المعتصمين لعادوا الى بيوتهم.

لو ان المالكي قام بطرد المقصرين لما وصلنا الى ما وصلنا اليه.

لو ان المالكي كان صادقا في وعوده لنعم العراق بالكهرباء طيلة اليوم.

لولا المالكي لكان المواطن العراقي يتمتع بما يتمتع به المواطن الخليجي.

لولا المالكي لما كان هذا الشد الطائفي بين مكونات الشعب العراقي.

لولا المالكي لما تجرأت تركيا على قصف الاراضي العراقية.

لولا المالكي لما تجرأت ايران على التدخل في الشؤون العراقية.

لولا المالكي لاصبح لكل مواطن سكن ووظيفة.

يمكننا ادراج المئات وربما الالاف من (لو) و (لولا) في مجالات الامن والخدمات، والتي هي على رأس الاولويات في تبادل الاتهامت بين الساسة والكتل السياسية.

اصحاب (لو) و (لولا) لا أحد منهم يريد ان يتشارك المسؤولية مع رئيس الحكومة في الفشل الذي هو ناتج عن فشل الوزراء في وزاراتهم، وفشل المدراء العامون، وفشل المحافظات بمحافظيها ومجالسها.

وهؤلاء الفاشلون ينتمون الى كتل وجهات سياسية تتشارك في الحكومة وتشارك في البرلمان، ولايمكن محاسبة احد منهم او اقالته، لان ذلك يعد من باب الاستهداف السياسي لكتلته او مكونه، وبالتالي يبقى الفشل مصدره واحد وهو رئيس الوزراء، الذين يشتط البعض منهم بتقديم التبريرات من قبيل عدم وجود نظام داخلي لمجلس الوزراء. ولكن هل يمنع ذلك من ان ينجح الوزير في وزارته، وفي انجاح اعمالها؟ لا يمنع ذلك. وهل يمنع محاسبة الوزير للوكلاء او المدراء العامين في وزارته؟ نعم الكثير يمنع من ذلك. ماهو هذا الكثير؟

على رأس تلك الممانعات المحاصصة الطائفية والقومية التي تشكل على اساسها نظام الحكم بعد العام 2003 واخذ يشكل الدولة العراقية على اساسه تحت مسمى المكونات او حكومة المشاركة او المصالحة الوطنية او حكومة التوافق الوطني. وهو سبب يبقى موجودا حتى برحيل المالكي ومجيء غيره، لانه سيكون محكوما بكل الاعتبارات التي تشكل على اساسها نظام الحكم الجديد.

هذا عن المحاصصة، ماذا عن بقية العوامل الاخرى التي عددها التقرير المنشور في شبكة (اي بي سي نيوز) التي رأت انها تدفع البلد ان ينزلق  مرة اخرى إلى شفا الحرب الأهلية متعددة:

اول تلك العوامل هي الأحزاب السياسية، التي أنشئتْ على أسس طائفية، وباتت في قبضة الجمود القاتل.

ثاني الاسباب اعتقاد السنة بانهم مضطهدون، لذلك خرجوا في تظاهرات، مطالبين بإصلاحات لقوانين مكافحة الإرهاب المعمول بها منذ بداية الاحتلال.

وثالث العوامل التي تؤجج الوضع في العراق هو الحرب الأهلية في سوريا.

ومن جملة العوامل الاخرى هو العلاقات مع الاكراد التي تشهد توترا، فلا يزال الجمود يباعد بين الحكومة العراقية وقادة المنطقة في كردستان.

وهناك مصدر آخر للتوتر يتمثل بغياب اتفاقات لتقاسم العائدات، وتريد الحكومة الإقليمية ضم مناطق اخرى غنية بالموارد تحت سيطرتها. وكل هذه العوامل تترك الجيل الجديد عرضة للمخاطر.

جميع تلك العوامل لا دخل للمالكي فيها، فهي موجودة قبل مجيئه وستبقى بعد رحيله، فقانون الاحزاب لم يشرع حتى الان ولا مجال لتشريعه في الدورة اللاحقة، وليس من الممكن تشريعه بوجود هذه الاحزاب والتي هي في معظمها احزاب طائفية تستمد نفوذها من الطائفية الاجتماعية الناهضة.

اعتقاد السنة بالاضطهاد لن يتغير طالما ان سدة الحكم ليست بيدهم، وطالما ان اي انتخابات تفرز اكثرية برلمانية، سيكون الشعور بالاضطهاد قائما.

وعن الاوضاع السورية، فهي وحسب مايجري على الارض مرشحة للاستمرار لعشر سنوات قادمة وربما اكثر من ذلك، لن يكون المالكي فيها على كرسي رئاسة الحكومة.

واخيرا فيما يتعلق بالعلاقات مع الاكراد التي هي مصدر توتر مع الحكومة المركزية حتى قبل مجيء المالكي، الذي وضع الخلافات على الطاولة وادخلها الى الاجندة الحكومية.

فالاكراد لايمكن لهم ان يتنازلوا عن كركوك او المناطق المتنازع عليها، ولا يمكن بالمقابل لاي رئيس وزراء ان يقوم بالتنازل، ناهيك عن الممانعة العربية السنية التي تشكل نقاط تماس مباشرة مع النفوذ الكردي.

لا يعني ما ذكر في السطور السابقة ان المالكي لايتحمل المسؤولية، لكنها وحسب معطيات الواقع العراقي، فأن المسؤولية جماعية يتحملها كل المشاركين في الحكومة والجالسين في البرلمان، وبديل المالكي القادم سيكون خاضعا لنفس الشروط التي وضعت لتشكيل الحكومة العراقية منذ مجلس حكمها الاول، وهي نفس الشروط التي تصوغ تشكيل الدولة العراقية وفق النسب السكانية المذهبية والقومية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تموز/2013 - 22/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م