المسؤول النظيف والمحاسبة بالأسلوب النظيف

 

شبكة النبأ: نطالب بمكافحة المحسوبية والمنسوبية في التعيينات الادارية، ونشكو غياب الكفاءات العلمية، وأن يكون "الشخص المناسب في المكان المناسب". لكن أين الحل..؟ وإن وجد، فما هي الآلية الصحيحة للتطبيق؟

هكذا يتساءل بشكل استنكاري، معظم ذوي الشأن في الوزارات والدوائر الحكومية والرسمية، من مؤسسات خدمية وأمنية وقضائية وغيرها.. قائلين: من أين نأتي بمدير المكتب، أو المسؤول عن الحسابات، أو المدير، اذا لم يكن معروفاً لديّ؟!

فالتزكية هنا؛ لمن يكون من افراد الأسرة، أو العشيرة، او الحزب والجماعة التي أتت بالمسؤول الى ذلك المنصب، وهذا من شأنه ان يجعل المنصب والمسؤولية وحقوق الناس، سلماً يصعد من خلاله هذا المسؤول ومعه أقربائه ومعارفه وحزبه نحو تحقيق اهدافهم ومصالحهم الخاصة، وهي كما نرى في العراق و دول اخرى، عبارة عن السلطة والمال والجاه، وهنا يتحقق الظلم والتعسف على يد من يقفون يومياً للصلاة أمام الله تعالى، ويلتزمون بفريضة الصوم، وربما يبادرون، مع وجود الفائض في الاموال، باقامة موائد الافطار، وتوزيع المساعدات على عدد من المحتاجين.

لكن في شهر رمضان المبارك، حريّ بنا مراجعة عهد الامام علي عليه السلام، الى واليه على مصر، مالك الاشتر النخعي، حيث يتضمن العهد بنداً لمسألة تعيين الكفاءات والاشخاص من ذوي المؤهلات لتسلّم المناصب الادارية، وهو العهد الذي لا يماري فيه أحد اليوم، أنه نموذجاً للحكم الناجح، وصورة ناصعة للعلاقة المطلوبة بين الحاكم والشعب، في كل مكان.

يقول عليه السلام، لمالك: "انْظُرْ فِي أُمُورِ عُمَّالِكَ، فَاسْتَعْمِلْهُمُ اخْتِبَاراً وَلاَ تُوَلِّهِمْ مُحَابَاةً، وأَثَرَةً، فَإِنَّهُمَا جِمَاعٌ مِنْ شُعَبِ الْجَوْرِ وَالْخِيَانَةِ، وَتوَخَّ مِنْهُمْ أَهْلَ التَّجْرِبَةِ وَالْحَيَاءِ، مِنْ أَهْلِ الْبُيُوتَاتِ الصَّالِحَةِ، فِي الإسْلاَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ، فَإِنَّهُمْ أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاْمُورِ نَظَراً..".

ثم لنلاحظ؛ ماذا نرى أمامنا في بعض دوائر الدولة – مع الأسف- ؟ إنه الجور والخيانة، كما تنبأ أمير المؤمنين عليه السلام، فهو خير من خَبَر النفوس وعرف الطباع، وهذا لن يصدر على الأغلب إلا من الشخص الذي لم يعهد المال والجاه، فقد عاش الحرمان طيلة حياته، ولعل ما نسمعه يكون مصداقاً حقيقياً، فالمناصب والرواتب والامتيازات وغيرها التي نراها تقتطع من جسد العراق، يعدها الكثير من المسؤولين أنها حقٌ مشروع لمن وصل اليها، فهذا ثمن الاتعاب في أيام "الجهاد" و "المعارضة"..! بينما كوامن النفس الانسانية تقول هذا وأكثر، وهو الانتقام من المجتمع الذي عاش فيه بشكل وضيع فترة من الزمن، لذا يجب أن يحجم عن المطالبة بالخدمات والكهرباء والشوارع المعبدة والجمال والرفاهية وغيرها.

بينما نلاحظ أمير المؤمنين يجمع ثلاث صفات أساس وفي غاية  الدقة للمدير والمسؤول الناجح، وهي:

1- "التجربة" والكفاءة العلمية.

2- "الحياء"، والقيم الاخلاقية.

3-  "البيوتات الصالحة"، بمعنى التربية الصالحة القائمة على جذور إيمانية.

والفائدة من وراء هذه الشروط مجتمعة، يوضحها لنا عليه السلام، بانهم "أَكْرَمُ أَخْلاَقاً، وَأَصَحُّ أَعْرَاضاً، وَأَقَلُّ فِي الْمَطَامِعِ إِشْرَافاً، وَأَبْلَغُ فِي عَوَاقِبِ الاْمُورِ نَظَراً..". وهؤلاء هم من يستحق التكريم والتحفير، "ثُمَّ أَسْبِغْ عَلَيْهِمُ الأرْزَاقَ فَإِنَّ ذلِكَ قُوَّةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِصْلاَحِ أَنْفُسِهِمْ، وَغِنىً لَهُمْ عَنْ تَنَاوُلِ مَا تَحْتَ أَيْدِيهِمْ، وَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ إِنْ خَالَفُوا أَمْرَكَ أَوْ ثَلَمُوا أَمَانَتَكَ".

هنا لابد من وقفة تأمّل في عظمة نهج أمير المؤمنين، عليه السلام، فقد جمع بكل براعة، بين الجانب الانساني، وبين الجانب الاخلاقي والمعنوي، وأعطى كل ذي حقٍ حقه. فالاخلاق والخلفية التاريخية والدينية في محلّها، كما المؤهلات العلمية والخبروية في محلّها ايضاً، وكلها مطلوب، ثم يأتي الإمام ليطالب بفقرة مكملة، وهي الرقابة والمحاسبة.. "ثُمَّ تَفَقَّدْ أَعْمَالَهُمْ، وَابْعَثِ الْعُيُونَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ وَالوَفَاءِ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ تَعَاهُدَكَ فِي السِّرِّ لأمُورِهِمْ حَدْوَةٌ لَهُمْ عَلَى اسْتِعْمَالِ الأمَانَةِ، وَالرِّفْقِ بِالرَّعِيَّةِ". والحدوة؛ هنا بمعنى الحثّ والتوجيه.. وهذه تُعد التفاته نفسية غاية في الدقة، ربما قد توصل اليها علماء النفس، أو لم يتوصلوا، وإن توصلوا، فالذي نجده، العقوبات والتشهير والتجسس وقطع الراتب وغير ذلك، مما يعلن عنه انه اجراءات رادعة، بينما هي عبارة عن دفع عنيف نحو الخيانة بأساليب جديدة، ثم تحويل الضغط الشديد والانتقام من الرعية، الذين هم اليوم المواطنون العاديون، الذين يراجعون الدوائر الحكومية لأمر حياتهم ومعيشتهم، سواء في دوائر الكهرباء او التعليم او المحاكم او الصحة أو الأمن وغيرها.

هذا البند الرائع والعظيم في عهد امير المؤمنين عليه السلام، لمالك الأشتر، يدلنا على الطريق الصحيح والسليم نحو نظام إداري بعيد عن الازمات والخيانات والسرقات والظلم. فانتخاب الشخص السليم والنظيف، ثم اتباع الاسلوب السليم والنظيف ايضاً مع هكذا نماذج مسؤولة وامينة على حقوق الناس. ولا حاجة – إن أردنا حقاً السلامة والاستقرار- لافتعال الازمات وخلق المشكلة للبحث عن حل لهذه المشكلة..!

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 31/تموز/2013 - 22/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م