غزة تحت الحصار مجددا

حماس تتخبط وتجلب المعاناة للفلسطينيين

 

شبكة النبأ: تطورات المشهد السياسي في مصر والتي اسهمت بعزل الرئيس محمد مرسي وملاحقة قادة جماعة الإخوان المسلمين التي اثبتت فشلها في ادارة البلاد، اثرت وبشكل فاعل على الحياة في قطاع غزة المقر رئيسي لحركة حماس، وبحسب بعض المراقبين فأن تصرفات حماس في سينا وتدخلها المباشر في مصر كان سببا مباشر في سقوط دولة الاخوان ورئيسها المعزول، خصوصا حينما رفض مرسي تعقب قاتلي 16 من الجنود المصريين في شمال سيناء، وعارض إطلاق عملية تمشيط شاملة لمكافحة الإرهاب وتدمير أنفاق تهريب الأسلحة بين مصر وقطاع غزة.

تلك الاحداث وغيرها دفعت الجهات الحكومية في مصر الى اتخاذ بعض القرارات الحاسمة تجاه حركة حماس بهدف الحفاظ على الامن، خصوصا وان هناك بعض التقارير تفيد بوجود تعاون جديد بين جماعة الاخوان المسلمين وحركة حماس للقيام بأعمال عدائية في البلاد، والهجوم على المنشآت العسكرية والامنية في البلاد واقتحام السجون المصرية، في سبيل تسهيل هروب السجناء ومنهم الرئيس المخلوع محمد مرسي.

وفي هذا الشأن وقبل عام تظاهر عشرات الألوف من أنصار حركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة احتفالا بانتخاب الإسلامي محمد مرسي رئيسا لمصر. لكن الصمت الرهيب خيم على مسؤولي الحركة في القطاع المتاخم لشبه جزيرة سيناء المضطربة بعد أن أعلن الجيش المصري عزل مرسي. وتتابع حماس المنبثقة عن جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي بقلق وخوف الاشتباكات بين مؤيدي ومعارضي مرسي في شوارع المدن المصرية وتفكر في احتمالات تطور الأمر ومدى تأثيره على حكمها لقطاع غزة.

وتملك مصر الكثير من المفاتيح التي تؤثر على مناحي الحياة في غزة من التحكم في المنفذ الوحيد الى العالم الخارجي إلى جهود الوساطة لتحقيق الوحدة الفلسطينية والتوسط في هدنة بين حماس وإسرائيل. وهناك أيضا سيطرة على شبكة من الانفاق التي يمر من خلالها كل شيء من البضائع الى الأسلحة للتغلب على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على القطاع الفقير. والأنفاق شريان حيوي لحكومة حماس التي قد يشجع سقوط حليفتها جماعة الاخوان المسلمين في مصر أعداءها في اسرائيل وخصومها في فتح.

وأذكت اشتباكات سقط فيها قتلى بين المؤيدين لمرسي والجيش شكوكا في أن الاضطرابات أثارها أجانب قدموا من الخارج وتحديدا من سوريا وغزة. وقال نادل في مقهى مزدحم بوسط القاهرة يدعى يوسف الدسوقي إن السوريين والفلسطينيين والإسرائيليين موجودون في كل مكان في مصر. وأيده زبون في المقهى يدعى محمد قائلا إنه سمع اثنين من الفلسطينيين داخل قطار الأنفاق يناقشان خطة ضد الجيش.

وساهمت سلسلة تقارير إعلامية وحكومية عن أجانب تسللوا إلى مصر ويشاركون في أعمال العنف في بث شكوك واسعة النطاق. ورسمت تقارير إخبارية غير مؤكدة وتعلقيات محللين كبار صورة لأيدي أجنبية خبيثة تتحرك في مصر. كما ذكرت بعض وسائل الإعلام أن واشنطن ضمن المتآمرين.

ومنعت السلطات المصرية دخول مئات السوريين لدى وصولهم إلى مطار القاهرة بعد تشديد إجراءات تأشيرات الدخول الذي قالت وزارة الخارجية إنه يهدف إلى منع انتقال المتشددين الإسلاميين من سوريا إلى مصر. وذكر وكيل للنائب العام أن خمسة سوريين اعتقلوا للاشتباه في ضلوعهم في إطلاق النار على محتجين مناهضين لمرسي اعترفوا بتلقي أموال وأسلحة من جماعة الإخوان المسلمين. وأصدرت وزارة الداخلية في وقت سابق بيانا حذرت فيه الأجانب من الاشتراك في احتجاجات الشوارع. بحسب رويترز.

ويقول الإخوان المسلمون إن المزاعم المرتبطة بالأجانب جزء من حملة تخويف تنفذها الحكومة الانتقالية بهدف إبعاد الأنظار عن المشاكل التي تواجهها. وقال جهاد الحداد المتحدث باسم الجماعة إن الجيش يحاول تصوير نفسه مدافعا عن مصر ضد تخريب أجنبي ويختلق ذلك لدعم مزاعمه.

انفاق التهريب

في السياق ذاته دمرت مصر في بضعة أسابيع كثيرا من انفاق التهريب المحفورة تحت حدودها مع غزة والتي كانت تزود القطاع بالسلع التجارية وكذلك بالسلاح. وخسرت حكومة حماس التي تتقاضى رسوما على السلع المنقولة في الأنفاق كثيرا نتيجة لذلك. وارتفعت أسعار السلع الأساسية بشدة بالنسبة إلى مواطني القطاع الذين يعتمد كثير منهم على معونات الأمم المتحدة.

وقال علاء الرفاتي وزير الاقتصاد في حكومة حماس في غزة ان اغلاق الانفاق كلفها حوالي 230 مليون دولار وهو ما يمثل نحو عشر الناتج المحلي الاجمالي للقطاع الذي يعاني 30 بالمئة من سكانه وعددهم 1.7 مليون نسمة من البطالة. واضاف ان استمرار القيود يهدد بوقف مشروعات البناء تماما حيث تستخدم فيها مواد البناء المهربة من الانفاق مثلها مثل كل شيء من المواد الغذائية إلى الأجهزة الكهربية وحتى السيارات. وقال مسؤول مصري ان الحملة على الانفاق أغراضها أمنية فحسب. واضاف "هناك عناصر تستخدم الانفاق لإلحاق الضرر بالمصريين والفلسطينيين على جانبي الحدود."

وقال ايهود يعاري وهو محلل اسرائيلي متخصص في شؤون الشرق الاوسط درس الوضع في سيناء بعمق ان مصر أوقفت تدفق الاسلحة الى قطاع غزة لكنها تسمح بتدفق محكوم للسلع التجارية لتجنب أي نقص شديد فيها. واضاف "عندما شعر المصريون بوجود نقص في الوقود في غزة سمحوا لبعض الانفاق التي تنقل الوقود بالعمل بضعة أيام. لديهم حساسية شديدة تجاه الوضع داخل غزة." ورفض المسؤول المصري تأكيد هذه الملاحظة أو نفيها.

واتفق دبلوماسي يراقب الوضع في غزة على ان إغلاق الانفاق يمثل انتكاسة استراتيجية لترسانة حماس من الصواريخ التي استهدفتها حملة قصف جوي اسرائيلية في نوفمبر تشرين الثاني. وبرغم ان حماس التزمت منذ ذلك الحين الى حد بعيد باتفاق لوقف اطلاق النار تم بوساطة مصرية وألزمت به الفصائل الفلسطينية الاصغر في القطاع فقد توقع الدبلوماسي أن يضاعف الاسلاميون الانتاج المحلي من الاسلحة وأن يحاولوا التحايل على اغلاق الانفاق. واضاف "قد يكون من بين هذه السبل انشاء انفاق اطول وأعمق وأفضل تمويها."

الى جانب ذلك ويقول محمود (20 عاما) "الانفاق متوقفة عن العمل ، نحن هنا للحراسة فقط" ويتابع "منذ ثورة مصر الاخيرة وعزل مرسي والجيش المصري لا يتركنا في حالنا، دمروا عشرات الانفاق واغرقوا جزءا اخر منها بالمياه". ويشير الشاب وهو احد عمال الانفاق الى عدد من الفرش الاسفنجية والاغطية البالية ويقول" ننام هنا بعد ان نتناول طعام السحور فجرا، اتلقى اجرا بسيطا للحراسة، صاحب النفق لم يعد قادرا على دفع اجرتي بعد ان توقف (عمل) النفق".

لكن ابو عون (38 عاما) وهو صاحب نفق مجاور لتهريب حصى البناء كان اوفر حظا فقد تمكن عماله ليلا من تهريب كمية قليلة الى غزة. ويقول الرجل وهو يراقب عمالا يضعون اكياس الحصمة (الحصى) على شاحنة كبيرة "الوضع صعب، كنا نحضر 600 طن يوميا الى غزة قبل ثورة 30 حزيران/يونيو لكن التهريب اليوم ينطوي على خطورة ان يتم كشف عين (بوابة) النفق من قبل الجيش المصري". ويتابع "احيانا ننجح بادخال بضاعة واحيانا نفشل ويتم مصادرتها، لقد زاد الجيش كمائن التفتيش بشكل كبير لذلك نعمل يومين او ثلاثة ايام فقط في الاسبوع في الليل وبحذر شديد" بعدما كانت اعمال التهريب تتم ليل نهار.

ويشكو عامر حسان وهو تاجر من "مصادرة الجيش المصري للبضائع" ويتابع "اغلقوا اغلب الانفاق، لم يعد يعمل اكثر من عشرة في المئة من الانفاق". وتشير احصاءات غير رسمية الى ان نحو مئتين وخمسين نفقا كانت تنشط قبل الاحداث الاخيرة في مصر. ويقول حسان امام نفقه "الاوضاع تدهورت، بالكاد نستطيع ان نحضر بضاعة مرتين في الاسبوع لكن في كثير من الاحيان لا نستطيع ان ندخلها او يتم مصادرتها".

ويشرح "الوضع الامني ادى الى ارتفاع حاد في اسعار البضائع لانها معرضة للمصادرة بشكل كبير من الجيش ونريد ان نعوض خسارتنا في البضائع التي تتم مصادرتها، فمثلا قبل 30 حزيران/يونيو كنا نبيع شوال العدس بخمسين شيكل (13,5 دولارا اميركيا) ، الان اصبح ب 80 شيكل وهذا عبء مادي علينا وعلى المواطن الغزاوي".

وباستثناء عدد محدود من الشاحنات تبدو منطقة الانفاق خالية من اي نشاط كالمعتاد، والى جانب احد الانفاق خزانات وقود فارغة وشاحنتان متوقفتان. ويقول ابو كريم (25 عاما) وهو يشير الى الجانب المصري من الحدود "فجروا لنا نفقا لنقل البنزين والسولار، لماذا سمحوا لنا بنقلها الى غزة في السابق اذا كانوا يريدون منعنا اليوم؟". ويتابع الشاب ذو اللحية الخفيفة "الحصار ما زال مستمرا على غزة، ما الداعي الان لتدمير الانفاق، كيف سنعيش في غزة؟". ويقاطعه اخر "انا اول من يتمنى تدمير الانفاق لكي نتخلص من هذا العمل المتعب والمقرف، ولكن وفروا لنا فرص عمل اخرى واحتياجات الحياة في غزة".

ويقول ايهاب الغصين المتحدث باسم حكومة حماس "الانفاق حالة اضطرارية لا نرغب فيها ولا نريدها ولكنها جاءت بديلا في ظل الحصار المتواصل على قطاع غزة واغلاق المعابر مع الاحتلال، المعبر الوحيد الذي يعمل هو معبر كرم ابو سالم ولا يلبي اقل من 20 في المئة من احتياجات القطاع". ويضيف الغصين "لا يمكن ان نعتمد على من يحتلنا ويحاصرنا ويريد قتلنا والقاءنا في البحر، فالبديل ان يكون هناك معبر تجاري بين مصر وقطاع غزة او حل للتبادل التجاري بين مصر وغزة"، لافتا الى انه "اذا وجد البديل فسنقوم نحن بإغلاق الانفاق وتدميرها".

وتصاعدت الهجمات التي تستهدف قوات الامن والجيش المصريين بشكل شبه يومي في سيناء منذ الاطاحة بالرئيس الاسلامي محمد مرسي. ودفع ذلك الجيش المصري الى تعزيز انتشاره في هذه المنطقة والتحضير لعملية واسعة النطاق. وكانت دفعة اولى من التعزيزات العسكرية وصلت الى مدينة العريش بعد موافقة اسرائيل على نشر قوات عسكرية اضافية "لمحاربة الارهاب". ويمكن مشاهدة جنود مصرين يعتلون سقوف العمارات السكنية وابراج المراقبة التي عليها العلم المصري في الجانب الاخر من الحدود. بحسب فرانس برس.

وادى اغلاق الانفاق الى ازمة حادة في الوقود في قطاع غزة وارتفاع ثمن ما توافر بكميات شحيحة في السوق السوداء. ويعتمد القطاع المحاصر منذ منتصف 2006 على مئات الانفاق المنتشرة على الحدود مع مصر في تهريب البضائع والمواد الغذائية والوقود. وتبدي حماس التي تسيطر على قطاع غزة استياء من الحملة المصرية على الاتفاق. وتساءل موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحماس على صفحته على فيسبوك "ما علاقة انتهاء أزمة الوقود بمصر، بعمليات هدم واغلاق الأنفاق؟ ثم إن ما يدخل قطاع غزة من وقود عبر الأنفاق لا يسبب أزمة في شارع من شوارع مصر العزيزة".

اختفى في مصر

على صعيد متصل وجهت إسرائيل تهمة الإرهاب لفلسطيني احتجزته سرا اثر اختفائه أثناء زيارة لمصر لكن السلطات الإسرائيلية لم تكشف أين وكيف احتجزته. وأي اشارة إلى الامساك بوائل ابو رضا داخل الاراضي المصرية سواء من خلال عملاء سريين لإسرائيل او من خلال التعاون مع القاهرة يمكن ان يصعد العداء الشعبي لإسرائيل في مصر التي تشهد اضطرابات سياسية.

وقالت إسرائيل انها تحتجز ابو رضا وهو شرطي سابق من قطاع غزة منذ 21 يونيو حزيران اي بعد نحو اسبوع من إبلاغ أسرته عن اختفائه اثناء زيارة لمصر لعلاج ابنه. ووجهت محكمة في بلدة بئر السبع بجنوب إسرائيل عشرات الاتهامات لابو رضا منها الشروع في القتل والانتماء إلى منظمة إرهابية والتخابر مع عملاء اجانب من الاعداء لهم صلة بهجمات تشن على إسرائيليين من قطاع غزة.

وجاء في صحيفة الاتهام ان ابو رضا (35 عاما) هو نشط في حركة الجهاد الاسلامي منذ عشر سنوات. وحركة الجهاد هي فصيل فلسطيني قوي تدعمه إيران وتتحدى في بعض الأحيان سلطة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تحكم قطاع غزة. وقال محمد جبارين محامي ابو رضا إن موكله سيطعن في التهم الموجهة له. وقال إن اعترافات ابو رضا للمحققين الإسرائيليين التي استندت اليها السلطات في توجيه الاتهام هي "نسخة ملفقة للاحداث."

ورفض المحامي والادعاء خلال جلسة المحكمة التحدث مع وسائل الاعلام عن الظروف التي قادت لاحتجازه نظرا لحظر النشر الذي أصدرته المحكمة. ونفت حركة الجهاد الاسلامي اي صلة لها بالمتهم كما اتهمت إسرائيل بخطفه خلسة قرب حدود سيناء المصرية مع غزة وهو اتهام رددته ايضا حركة حماس وان لم تقدم الاثنتان دليلا على ذلك.

وقال المسؤول بحركة الجهاد الاسلامي خضر حبيب إن ابو رضا "مواطن فلسطيني اختطفته سلطات الاحتلال من دولة اخرى" ولا توجد اي صلة بينه وبين حركة الجهاد وان كل هذه الاتهامات مفبركة. ولم تعلق مصر على القضية. وقالت أماني زوجة ابو رضا التي رافقته إلى مصر إن صديقا لا تعرفه اتصل بزوجها وطلب منه المجيء إلى رفح وهي مدينة يقع جزء منها داخل الاراضي المصرية والجزء الاخر في قطاع غزة وتبعد سبعة كيلومترات فقط من الاراضي الإسرائيلية.

ومنذ ان توجه ابو رضا للقاء هذا الصديق لم تسمع أسرته شيئا عنه. وهم يقولون انهم لا يعرفون ان له اي صلة بحركات المقاومة. وتقول أماني ابو رضا إن زوجها فقد عمله كرجل شرطة بعد ان سيطرت حماس على قطاع غزة عقب اقتتال قصير مع حركة فتح. واتهمت دبي جواسيس إسرائيليين بقتل تاجر سلاح لحماس في دولة الامارات عام 2010. وبعدها بعام خطف مهندس من غزة أثناء زيارة لاوكرانيا والآن يحاكم في إسرائيل بوصفه خبيرا للصواريخ من حماس وهي تهمة نفاها عن نفسه.

وقيام إسرائيل بعملية خطف مثل هذه داخل الاراضي المصرية سيكون له حساسية خاصة في مصر حيث تسود مشاعر العداء لإسرائيل وان كانت الدولتان تتعاونان في القضايا الامنية في سيناء. وتشكك دبلوماسي اجنبي عمل في مصر وإسرائيل في امكانية قيام إسرائيل بإرسال عملاء الى داخل الاراضي المصرية لاعتقال ابو رضا. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي طلب عدم نشر اسمه "الرهان عال جدا بالنسبة للجانبين اذا افتضح امر مثل هذه العملية" وخمن ان يكون قد تم استدراج ابو رضا إلى غزة قبل ان يمسك به الإسرائيليون. وقال "اذا كان قد تم استدعاؤه لرفح فيبدو هذا كشرك لادخاله في الجانب الصحيح من الحدود أولا" قبل الامساك به.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 29/تموز/2013 - 20/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م