الاكتئاب واللاجدوى... مرض العصر

 

شبكة النبأ: الاكتئاب ظاهرة العصر، هكذا وصفها العلماء المعنيون بالصحة النفسية، وهي فعلا ظاهرة عالمية، إذ يشترك الجميع في المعاناة من الاكتئاب، لأنه لا يستثني احدا، ولا يفرق بني غني او فقير، ضعيف أو قوي، جاهل أو عارف، الكل مشمول بالاصابة بهذه الحالة التي تحيل حياة الانسان الى ما يشبه الظلام الدائم، وتصيبه هو بالشلل أو الكسل او الخمول، وعدم التفاعل مع أي شيء يستحق التفاعل، فيميل الانسان الى الحزن والصمت والركون الى العزلة الكلية، فيصبح عبء على نفسه وسواه، ولا يعود انسانا منتجا حيويا مشاركا في بناء الحياة.

يحاول المعنيون فهم هذه الظاهرة، خاصة اسبابها، من اجل التقليل من تأثيراتها، بعد أن اصبحت ظاهرة عامة شاملة، يمكنها ان تصيب حتى علماء النفس والاجتماع وغيرهم، فضلا عن الشباب والنساء وكبار السن والكهول، بمعنى ليس هناك احد مستثنى من هذه الظاهرة، ولكن هناك درجات، وهناك معالجات حثيثة يمكن اللجوء اليها للحد من التأثيرات الخطيرة لها، إذ ليس هناك اخطر تحييد طاقات الانسان ومواهبه، وشل تفكيره، والقضاء كليا على عطائه، وهذا ما تفعله بالضبط حالة الاكتئاب بالانسان.

بطبيعة الحال عالمنا يمضي نحو التعقيد يوما بعد آخر، وتضارب المصالح الفردية والجماعية لها دورها الكبيرة في نشر ظاهرة الاكتئاب، لذلك لابد من المبادرة لتذليل هذه الظاهرة ومحاصرتها، للحد من اضرارها، وهو امر ليس بالمستحيل، لكنه يحتاج الى تخطيط وتنفيذ في خطوات عملية مستمرة من اجل انتشال الشباب وسواهم من حالة الاكتئاب والشعور الدائم بحالة اللا جدوى التي غالبا ما تكون نتيجة للعزلة واليأس والاحباط.

شهر رمضان يتحلى بأجواء مناسبة جدا لمقارعة حالة الاكتئاب، بمعنى يمكن ان تكون هذه الاجواء عامل مساعد على الشفاء من الكآبة، وإعادة روح الامل للانسان، وعند ذاك تبدأ المواهب بالظهور والطاقات البشرية بالعودة الى سابق عهدها، فيشترك الانسان مع المحيط المجتمعي في عملية التفكير والانتاج، ويعود عنصرا منتجا وفاعلا في المجتمع.

بيد ان هذا الامر لا يتحقق من دون السعي المبرمج للوصول اليه، على ان تشترك المؤسسات المعنية بمختلف مشاربها واتجاهاتها، في حملات متواصلة عملية ونظرية، لاسيما في هذه الشهر الكريم، الذي يمثل فرصة ذهبية لبث روح الامل والنجاح في النفوس المصابة باليأس والكآبة، لاسباب كثيرة ينبغي معالجتها على نحو علمي وجاد، من اجل بناء المجتمع المنتج، الذي لابد أن يتكون من افراد وجماعات منتجة، تتمتع بصحة جسدية وعقلية ونفسية سليمة، غير مصابة بمرض العصر، ونعني بها حالة الاكتئاب التي تحيل الانسان الى العجز التام.

إن الإكتئاب عبارة عن مزيج من مشاعر الحزن، والوحدة، والشعور بالرفض من قبل الآخرين، والشعور بقلة الحيلة والعجز عن مواجهة مشاكل الحياة. وحسب تعريف المعهد الأميركي للصحة العقلية فإن الاكتئاب عبارة عن: "خلل في سائر الجسم يشمل الجسم والأفكار والمزاج ويؤثر على نظرة الإنسان لنفسه ولما حوله من أشخاص وما يحدث من أحداث بحيث يفقد المريض اتزانه الجسدي والنفسي والعاطفي". وحسب رأي خبراء الصحة النفسية، فإن الأعراض والمظاهر التالية تدل على وجود مرض الاكتئاب: شعور دائم بالحزن والقلق وتعكر المزاج. وفقدان الاهتمام والشعور بالمتعة في الأنشطة المحببة للنفس. والشعور بالتشاؤم الدائم وقلة الحيلة في مواجهة مشاكل الحياة. والشعور بالذنب، وعدم القيمة والأهمية في المجتمع. وعدم القدرة على إظهار أو تقبل العواطف للآخرين ومن الآخرين. ومشاكل في النوم مثل الأرق أو النوم لساعات طويلة، أو الاستيقاظ مبكرا.

ويمكن أن يتم تحريك هذا المسعى بشكل مضاعف في شهر رمضان، ومن المستحسن أن تتحرك وتنشط الجمعيات والمنظمات والمؤسسات المعنية بمساعدة الفرد والمجتمع على مقارعة هذه الظاهرة او ما يسمى بمرض العصر، إذ يتيح هذا الشهر الكريم فرصا كثيرة امام المعنيين بمعالجة الاكتئاب، فضلا عن استعداد الناس النفسي لتلقي الدروس والنصائح التي تساعدهم على العودة الى حاضنة الحياة والنشاط الانساني المعتاد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 28/تموز/2013 - 19/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م