حول حقيقة رأي الأغلبية

حاتم حميد محسن

 

تبرز رؤية الاغلبية في نطاق واسع من القضايا بدءاً من النقاش الدائر بين عدد محدود من الاصدقاء حول لعبة كرة القدم وانتهاءاً بالرأي السائد حول البيئة العالمية. الغرض من هذا المقال هو لكي نستكشف الكيفية التي تتكون بها رؤية الأغلبية ولنختبر مدى صلاحية أحكامها وذلك باستخدامنا مبدأ الواقع.

مبدأ الواقع

رفض (وتجنستون Wittgenstein) فكرة الموضوع الخاص حين عرض حجته في اللغة الخاصة. هو ادّعى انه اذا لم يكن مخطئاً بخصوص اللون الازرق الذي يبدو أمامه عندئذ هو سوف لن يكون صائباً ايضا. استنتاجهُ هو انه لا يوجد شخص آخر يستطيع رؤية ما موجود في ذهنه، ولذلك لا يوجد هناك تثبّت موضوعي مما يصدر عنه من أحكام ذاتية. في مقالة للدكتور G. Klempner لنشرة Pathway الفلسفية/ميتافيزيقا 2/23 جرى استعمال مبدأ الواقع كوسيلة لإختبار ما اذا كان الحكم حقيقي ام لا.

أحكامنا هي بيانات عن الكيفية التي تبدو بها الاشياء لنا، ولكن يجب علينا قبول امكانية ان تكون احكامنا كاذبة. ان عقيدتي بشأن العالم تكون مزيفة فقط حينما توجد هناك ظروف ممكنة تدفعني لتجاوز ما لدي من قناعة سابقة بأني على صواب. الغاية من استعمال مبدأ الواقع هي اننا اذا لم نقبل إمكانية الخطأ بأحكامنا عندئذ لن يكون هناك فرق بين الزيف والحقيقة.

عند تطبيق مبدأ الواقع على رؤية الاغلبية في تعريفها لحقيقة الاشياء نستطيع القول ان رؤية الاغلبية بالإمكان ان تكون كاذبة. اذا كان هذا التعريف للحقيقة يُنتج احكاماً ليست خاطئة، عندئذ سوف لن تكون هذه الاحكام صحيحة ايضا. ان أحكام الاغلبية يمكن ان تكون خاطئة فقط عندما توجد هناك ظروف معينة تدفع الاغلبية لتغيير قناعتها بانها على صواب.

أشكال رؤية الاغلبية

ان مصطلح أغلبية هو غير دقيق وهو ببساطة يعني الجزء الاكبر من السكان. الجزء هو اي شيء بين 50% و 100%، والسكان ربما اي رقم. نحن بحاجة لدراسة الطريقة التي تتشكل بها الاغلبية قبل ان نقيّم رؤية الاغلبية كحكم حقيقي.

1- حينما لا يتأثر الافراد برأي الاغلبية

ان رؤية الاغلبية تتشكل احياناً عندما لا يعلم الافراد بالأحكام التي يقررها الاخرون. لو فرضنا ان احد المروّجين يقوم بايقاف المارة عشوائيا مستفسراً من كل واحد منهم "عن عدد المرات التي ربح بها اللاعب (بورج) بطولة التنس للرجال في ويمبلدون؟" ملخص بالنتائج يوضح ان 60% قالوا ربح خمس مرات، 15% قالوا ست مرات، 15% قالوا اربع مرات، و10% قالوا ربح ثلاث مرات. وهكذا، ترى غالبية الناس ان بورج ربح اللقب خمس مرات. ان رؤية الاغلبية هنا ليست اكثر من تصنيف للمجموعات، حيث المجموعة التي تحتوي على اكثر الاصوات سميت بالاغلبية. وبالنتيجة، رؤية الاغلبية لا يمكن ان تُعرف الا بعد اجراء الاستطلاع. في الاستطلاعات السرية (كما في هذا الاستطلاع) سوف لن تؤثر رؤية الاغلبية على حكم الفرد. بالإمكان ان تكون رؤية الاغلبية كاذبة لأن حُكم الافراد المكونين للاغلبية من الممكن ان يكون كاذباً.

2- حين يتأثر الافراد برأي الاغلبية

لننظر في مثال آخر فيه يتأثر الافراد برؤية الاغلبية. في معرض للفن الحديث، نحن على وعي سابق بان الاغلبية لا ترى الفن الحديث فنا عظيما. في المعرض عُرضت نماذج من الاعمال الفنية، منها لوحة تشير الى علم دولة معينة بما فيه من نجوم وخطوط، و لوحة اخرى لصور رمزية متكررة images لقنينة الكوكا كولا، ولوحة زيتية صُبغت بالكامل باللون الاسود. هذه الاعمال الثلاثة أثارت المزيد من النقاش في مقهى المعرض. عند احدى الطاولات كانت مجموعة من طلاب الفن يعتقدون ان الفن شيء عظيم. على طاولة اخرى مجموعة من السواح حكموا بان الفن الحديث ليس عظيماً. وبشكل عام ذكر غالبية الناس في المقهى بان الفن الحديث قليل الاهمية. اما اولئك الذين هم أقلية كانوا من الخبراء وطلاب الفن ولديهم معرفة كبيرة في الموضوع.

لماذا تتبنّى الأغلبية رؤيتها الخاصة؟ حجتهم الرئيسية هي ان اي شخص بما فيهم هم يستطيع او استطاع في يوم ما رسم ذلك العلم، او مربع اسود، او صور رمزية متكررة لقنينة. هذه الحجة هي في ذاتها صحيحة ولكنها ليست سبباً مقنعاً للقول ان هذه اللوحات الثلاث ليست فنا عظيما.

اولاً: ان الاغلبية لم تنظر الى هذه الاعمال كفن وانما كإشارات رمزية. اي انهم ينظرون فقط الى ذلك العلم. هم لم يلاحظوا ان اللوحة صُنعت ايضا من مواد مختلفة لُصقت الى بعضها (كولاج) وان كل نجمة هي مختلفة عن غيرها. في المربع الاسود هم فشلوا في رؤية العديد من العلامات الفنية التي تشكل جزء من العمل الفني.

ثانياً: انهم لم يفكروا كيف نُظر الى الادب عندما اُنجزت هذه الاعمال وكم كانت بعيدة راديكاليا عن الفن القائم. المسألة هي ان هؤلاء الفنانين خلقوا عملا فنيا لم يتصوره احد من قبل. احد المعلقين يعلّق قائلاً: ان هذه الاعمال هي عظيمة لكنه يعترف ان رأيه قد يكون خاطئاً. الاغلبية تعتقد شيئا آخراً ولكنه غير مقتنع بحكمهم. هو قرأ الكثير من الكتب حول الفن كي يتعلم الموضوع وحاول الرسم. هو يدرك مدى صعوبة ذلك. يذكر ان ما لمسهُ كحقيقة بالنسبة له هو القناعة بعدم الرضوخ للاغلبية التي لا تشاركه نفس التجربة. لذلك فان حكم الاغلبية ربما يكون كاذبا لأنه يرتكز على معلومات وخبرة محدودة.

3- القبول بحكم الخبراء هو طريقة اخرى لتكوين رأي الاغلبية.

 افرض ان سيارتي تعطلت. احاول اصلاحها بنفسي ولكن حكمي على ماهو خطأ هو عرضة للخطأ ايضا لأني اعرف القليل في ميكانيك السيارات. انا يجب ان ادعو خبيرا للتصليح، ولكن كيف اقرر منْ هو جدير بالثقة من المتخصصين بالسيارات. هناك جار يقوم دائماً بتصليح السيارات قرب منزله. في الصحيفة المحلية هناك اعلان يضع قائمة بعدد من المصلحين. الوكيل الذي باعني السيارة ايضا يقوم بالتصليح. كل هؤلاء يمكنهم تصليح السيارة ولكن كل واحد منهم يمنحني مقدار مختلف من الثقة المرتكزة على ما لديهم من خبرة وكفاءة. الجار دائما يصلح سيارته لكنها سرعان ما تتعطل. خبرته تميل اكثر لإيجاد حلول رخيصة ومؤقتة. الإعلان الصغير في الجريدة لايبين اي من المصلحين يختلف عن الاخر. لو قمت بزيارة احدهم في الكراج أجد معدات متداعية وادوات احتياطية قديمة وزيوت في كل مكان. هل انهم يعرفون ما يكفي حول موديل السيارة التي في حوزتي؟ الوكلاء المتخصصين في ذلك الطراز من السيارات لديهم ميكانيكيين مدربين ويمنحون المزيد من الثقة حول صحة حكمهم. هناك العديد من الخبراء بمستويات مختلفة من الخبرة لكن لا ضمان بان الخبير سيكون صحيح دائما. كل ما استطيعه هو ان اجد من لديهم التخصص المناسب لحاجتي ثم أختار من لديه أعلى مستوى من الخبرة. الخطر في الإذعان لحكم الخبراء هو مع انهم خبراء في مجالهم الخاص الا ان المشكلة قد تتطلب دراسة عدد من المجالات الاخرى لكي يمكن اتخاذ الحكم الصحيح.

4- رؤية الاغلبية حينما تتشكل كنتيجة للنقاش المفتوح المصحوب بمعرفة كافية بالدليل.

 المثال الاكثر وضوحا هو عندما يريد ان يقرر عدد من الاعضاء المحلفين حكماً في محكمة. القاضي يستمع دائما الى نفس الدليل المعروض في المحكمة ومن ثم يغادر الى غرفة المحلفين ليصل الى قرار بالاغلبية. قبل مناقشة الحالة يطلب كبير المحلفين رفع الايدي. ستة منهم يقولون مذنب وستة يقولون ليس مذنباً. لماذا هذا الانقسام بالقرار حينما يستمع الجميع لنفس الدليل؟ عندما يناقشون الدليل يتضح لكبير المحلفين ان البعض أقاموا حكمهم ليس على الدليل المعروض وانما بناءاً على ما يعتقدون انه حكم حقيقي. كبير المحلفين يذكّرهم انهم يجب ان يصدروا حكمهم بناءاً على دليل كافي لإثبات الذنب. بعد نقاش آخر يقول تسعة من المحلفين ليس مذنباً وثلاثة يقولون مذنباً. لازالوا لم يصلوا بعد الى قرار بالاجماع. ذلك بسبب عدم وجود قاعدة سحرية لقياس ما اذا كان الدليل يكفي لاثبات الذنب. عند أقصى حجم متوفر من الدليل سيكون واضحا ان كان الدليل كافياً ام لا. مثلا، عندما شاهد الآلاف من المتفرجين Eric Cantona يضرب احد المشجعين، من الواضح هناك دليل كافي لذلك الفعل. افرض ان احد احفاد القيصر اتهم احد جيرانه بقتل القيصر. ببساطة لا يوجد هناك دليل كافي لاثبات الذنب. لا يوجد خط فاصل واضح بين ما يكفي وما لا يكفي. اذاً المسألة متروكة للقضاة في عمل حكم ذاتي قائم على كفاية الدليل. في مثل هذه الحالات لا يزال ممكنا للاغلبية ان تقرر حكماً زائفاً.

أصناف الاحكام

من الامثلة اعلاه يتضح ان رؤية الاغلبية ستكون لها أعظم قيمة عندما تتشكل من التجربة الشخصية او عندما تتكون من النقاش العلني لدليل ملائم. هل ينطبق هذا على جميع الاحكام؟ يمكننا تجزئة الاحكام الى أربعة اصناف عامة تتعامل مع اشياء موضوعية، اشياء ذاتية، الادراك الحسي، والاستنتاج. الاصناف الاربعة يمكن ان تُصنف بدورها الى احكام حسية موضوعية، احكام استنتاجية موضوعية، احكام حسية ذاتية، واستنتاج مبني على احكام ذاتية.

1- مثال بسيط عن الاحكام الحسية الموضوعية هو في الاجابة على سؤال مثل "هل هذه المقالة طُبعت على الورق". جوابك سيكون حكم حسي موضوعي لأن الورق هو شيء موضوعي وانت سوف تستعمل احساسك لتدرك الورق. امكانية الخطأ في مثل هذا الحكم تعتمد على تجربتك وتمييزك للشيء. في الاشياء العادية يكون احتمال الخطأ في احكامنا ضعيفاً، اما اذا كان يتوجب عليّ اصدار حكم يتعلق بجسم داخل الكومبيوتر فان احتمال الخطأ سيكون أعلى.

2- الحكم الاستنتاجي الموضوعي قد ينشأ من سؤال مثل " كم عدد لفات ورق الجدران التي أحتاجها لزخرفة هذه الغرفة". الاشياء في هذه الحالة هي جدران الغرفة وورق الجدران. الجزء الاستنتاجي من الحكم يستلزم حسابات مرتكزة على قياس الجدران والورق. امكانية الخطأ في الحكم ستزيد طبقا لتعقيد القياسات والحسابات. يبدو ان هناك احتمال كبير بالخطأ في الاحكام السببية الموضوعية قياساً بالاحكام الحسية الموضوعية.

3- في الحكم الحسي الذاتي نحن نصدر حكم ذاتي حول الاشياء المدركة عبر الحواس. مثلا، نحن نحكم ما اذا كانت Celine Dion اكثر جاذبية من مادونا. الجواب لم يكن متضمناً في الاشياء ذاتها وانما في الاحكام الذاتية التابعة لتصورنا للاشياء. لو قلت ان سيلين هي اكثر جاذبية وانت تقول ان مادونا هي الاكثر جاذبية، فلابد حسب المنطق ان يكون احدنا مخطئا. الجمال ربما يوجد في الشكل الفيزيقي للشيء حتى عندما لا يُلاحظ، ولكن الإنجذاب يحصل فقط عندما يكون احد ما على ادراك واعي بالآخر. وبالرغم من ان العديد من النساء متساويات في الجمال، لكنهن لسن دائما متساويات في الجاذبية لأي شخص. ذلك لأن كل فرد يجب ان يصدر حكماً ذاتياً عن اولئك الذين يجدهم جذابين. ولذلك، عندما أقول ان سيلين اكثر جاذبية، فانا لا اقول فقط كيف ذلك يبدو لي وانما هو الطريقة الوحيدة التي تظهر امامي. كل واحد منا هو صحيح في حكمنا لأننا نستطيع فقط عمل مثل هذه الاحكام من وجهة نظرنا. وبما ان الجاذبية هي ذاتية وليست موضوعية، ذلك يجعل احتمال الخطأ في حكمي ضعيف. الخطأ قد يحدث لسبب ما كما لو ان ضعف الذاكرة جعلني اجد سيلين جذابة يوم امس، ولكني اليوم اقول وجدت بالامس مادونا اكثر جاذبية.

4- الاستنتاج المبني على حكم ذاتي ينتج من اسئلة مثل "هل عقوبة الموت غير جائزة اخلاقياً". لاشيء في عقوبة الموت ذاتها يتضمن الجواب على السؤال الاخلاقي. مختلف النظريات الاخلاقية تعطي رؤى متضادة عن التبرير الاخلاقي لعقوبة الموت. الموقف الاخلاقي للفرد هو قرار ذاتي. الفرد سوف يستعمل المنطق لتبرير عقوبة الموت طبقاً لعقيدته الاخلاقية. الاخلاق النفعية الصارمة قد تبرر اعدام القاتل ذي السوابق لأن انهاء حياة شخص واحد ستمنع الجرائم الكبرى القادمة للمجرم ذاته. الاغلبية ربما تقتنع بهذا الحكم ولكن اذا كانت الاخلاق مزيفة عندئذ اي أحكام صادرة من ذلك الاساس ستكون كاذبة.

قوة حكم الاغلبية

من الحجج أعلاه يبدو ان شكل الاغلبية الأوفر حظا في الصواب هو ذلك الشكل القائم على النقاش العلني المصحوب بمعرفة متساوية بالدليل. رؤية الاغلبية سيكون لها ايضا اعظم قيمة لو ان المشاركين لهم خبرة مباشرة بالشيء المراد الحكم فيه. السؤال اذاً هو اذا كانت رؤية الاغلبية تتكون بمثل هذه الطريقة فهل جميع اصناف الحكم سيكون لها اوفر الحظوظ في الصواب؟

لننظر في الصنف الاول من الاحكام الحسية الموضوعية. افرض هناك مئة شخص اُعطوا تفاحاً وسُئلوا عن ماهية الشيء أمامهم. كل الذين في المجموعة سبق ان اكلوا تفاحاً في الماضي. مع التجربة الشخصية بالشيء ووجود دليل متساوي امامهم، يبدو من غير المحتمل ان حكمهم يكون كاذبا. في الحقيقة يبدو من المحتمل جدا ان النقاش المفتوح سيقود الى حكم صحيح بالاجماع. كيف سينطبق هذا على الاشياء التي لا يمتلك فيها الناس اي خبرة مباشرة ؟ مثل الاطباق الطائرة. افرض وجّهنا السؤال التالي هل الاطباق الطائرة موجودة فعلاً؟ في بعض الولايات الامريكية تقول الاغلبية نعم لأن اولئك الناس رأوا شخصيا الاطباق الطائرة. هل ان حكمهم هذا يُقنع من لم ير الصحون الطائرة؟ تستطيع الاغلبية المناقشة علناً مع الاخرين بما لديها من جميع الادلة والخبرات الشخصية. آخرون ليس بالضرورة مقتنعون بما لديهم من حجة لأن الدليل لم يتضح بشكل قاطع كما في حالة التفاح. تجربة اولئك الذين رأوا الصحون الطائرة هي ايضا محدودة. في حالة التفاح انت تستطيع مشاهدته، تشم رائحته، تلمسه. اما الصحون الطائرة يتم تحسسها فقط من خلال البصر ومن مسافة بعيدة قياسا بالاشياء الاخرى. رؤية الاغلبية اذاً تكتسب اعظم قيمة عندما تصبح الخبرة بالشيء اكثر اكتمالاً.

سؤال رياضي هو مثال جيد على إعطاء حكم استنتاجي موضوعي. افرض لو سألنا "هل 3 مرفوعة الى 15 تساوي 907 14348". لو حاولت حساب هذه المسألة بمفردي، من الممكن ان يكون حكمي كاذبا. واذا كان هناك 15 شخص يحسبون المسألة عبر نقاش علني فان الفرصة في ان يكون حكمهم صحيحاً هي كبيرة. كل فرد يمثل قوة لثلاثة اشخاص عند احتساب المشاركة في حل المشكلة. وبهذا فان الفرد1 يحسب ثلاثة مرفوعة الى واحد فتكون النتيجة ثلاثة، الفرد 2 يحسب 9، الفرد 3 يحسب 27 وهكذا. آخرون في المجموعة يثبتون صحة كل مرحلة من الحساب عبر النقاش ويوافقون على النتيجة قبل الانتقال الى المرحلة اللاحقة. في هذا النوع من الحكم يبدو هناك حظ كبير لحكم الاغلبية في ان يكون صحيحاً من خلال النقاش المفتوح قياساً بما لو جرى استفتاء الاغلبية عبر التصويت السري.

لننظر الآن في حكم حسي ذاتي مثل هل موسيقى ستروس strauss اكثر جمالاً من موسيقى موزارت. انا قد احكم لصالح ستروس بينما اخر ربما يفضل موسيقى موزارت. الاغلبية ربما تقول موسيقى موزارت هي اكثر جمالا ولكن ذلك لن يجعلني اشك بحكمي. هل النقاش المفتوح يكشف الحكم الصحيح؟ الاغلبية ربما تفسر سبب تفضيلها لموسيقى موزارت وتبيّن الاثر الذي تحدثهُ في نفوسهم، ولكن ذلك ايضا يمكن ان يقال في موسيقى ستروس. لا شيء في الموسيقى ذاتها يحدد موقعها على مقياس الجمال. انا قد اوافق على ان أعمال موزارت جميلة ولكني أرى ذلك ينطبق على موسيقى ستروس ايضا. المسألة هي كوني استطيع فقط الحكم حول ما اسمع، واذا كانت موسيقى ستروس تسحرني بجمالها فذلك سيكون حكماً حقيقياً من وجهة نظري. ليس هناك حكم عام صحيح لأن الفرد يستطيع فقط عمل حكم ذاتي. رؤية الاغلبية هي اذن صحيحة لأولئك الذين يشكلون الاغلبية، ولكن حكم الاقلية هو ايضا صحيح. يبدو اذاً ان النقاش المفتوح ليس له تأثير على حكم الفرد او هو ربما قليل جداً.

الاستنتاج المبني على حكم ذاتي ينتج من الاسئلة التي تتطلب من الافراد استعمال استنتاجاتهم الشخصية للوصول الى ما يعتقدونه هو الصحيح. وهذا سيترك مجالاً للخطأ، اولاً في الاستنتاج ذاته، وثانياً في تكوين حكم من ذلك الاستنتاج. انظر في السؤال الاخلاقي في تبرير عقوبة الاعدام. الحجة المؤيدة والمخالفة للحكم يرتكزان على عقائد دينية واخلاقية صرفة. الاخلاق النفعية الصارمة ربما تبرر إعدام القاتل ذو السوابق لكي تمنع وقوع جرائم اخرى. الفرد المتدين قد يأخذ العبارة الانجيلية "الحياة من اجل الحياة" كأمر حرفي للرب، ولكنه سيواجه فيما بعد مأزقاً في تبرير ذلك تجاه وصية "انت يجب ان لا تقتل". استنتاج الفرد لهذه الحجج سيتأثر بعقيدته الاخلاقية. بما ان هناك مختلف النظريات الاخلاقية فان ذلك سيقود الناس الى تكوين مختلف الاستنتاجات التي يقيمون عليها احكامهم. هل النقاش المفتوح يعزز رؤية الاغلبية؟ لا يوجد جواب محدد لأن السؤال مشابه للسؤال اي النظريات الاخلاقية صحيحة، هناك امكانية بان الحوار المفتوح قد يقنع احداً ما لو كانت الحجج الاخلاقية اقوى من الاساس الاخلاقي للافراد. مع ذلك لا ضمان هناك بان احسن حجة اخلاقية في ذلك الوقت هي الحجة الصحيحة.

رغم ان النقاش العلني قد يعظّم فرصة صحة الاحكام الحسية الموضوعية واحكام الاستنتاج الموضوعية، الا ان هذا لا يصح على الاحكام الذاتية. الاحكام مثل كيف تبدو الاشياء لنا كشكل او كذوق لا يمكن ان تكون صحيحة او خاطئة بسبب عدم وجود ظروف تجعلنا نغير حكمنا. الاحكام الحسية الذاتية كلها ترتكز على شيء خاص ولا يمكن ان تكون صحيحة او خاطئة حتى لو كانت هي رؤية الاغلبية.

http://annabaa.org/news/maqalat/writeres/hatimhameed.htm

.........................................

* Alan Bradnam: Essay 3

Pathways school of philosophy

قائمة المراجع:

1- الطبيعة النهائية للاشياء Klempner,G.

2- نظريات الوجود(بنغوين 1985) Sprigge, T.L.S

3- الميتافيزيقا Hamlyn,D.(CUP 1984)

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 27/تموز/2013 - 18/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م