النشيد الوطني العراقي... طرائف وظرائف

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لم يتفق العراقيون ورغم مرور عشر سنوات على سقوط النظام السابق على علم ونشيد جديدين، لان كل شيء خاضع للمساجلات والمناكفات والجدالات والصراعات وغيرها من افعال القسر والاجبار..

وربما ما يعزينا كعراقيين ان اسبانيا، بلد برشلونة وريال مدريد ليس لديها نشيد وطني كما متعارف عليه بالنسبة للاناشيد الوطنية لبقية البلدان، انه مجرد موسيقى وهمهمات لا يفهم السامع لها اي شيء، ورغم ذلك هناك بارقة امل تلوح في الافق بعد عقود من (همهمة) النشيد الوطني الاسباني وتمتمة أحرف لا معنى لها لترافق اللحنَ في ملاعب كرة القدم، حيث حصل الاسبان أخيرا على ما كان ينقصهم: كلمات. واختارت اللجنة الاسبانية الاولمبية كلمات النشيد الوطني من بين اقتراحات تقدم بها 7 آلاف مواطن. ووقع الاختيار على كلمات اقترحها رجل عاطل عن العمل، 52 عاما، بعد مسابقة أطلقتها اللجنة. وبعد إعلان اسم الفائز، قالت اللجنة إنها تنوي جمع 500 توقيع دعم وتقديم الاقتراح الى البرلمان للتصويت عليه. الا انه نظرا للترحيب الفاتر الذي لقيه النشيد المقدم من بولينو كوبيرو، فإن موافقة البرلمان الاسباني عليه لا تبدو مؤكدة. ويبدأ النشيد على الشكل التالي: «فلتعش اسبانيا، فلنغنِّ كلنا معاً بأصوات مختلفة وقلب واحد، فلتعش اسبانيا! من الوديان الخضراء الى البحر الواسع!».

وعلق جوزيب رامونيدا، مدير المركز الثقافي المعاصر في برشلونة، على الكلمات قائلا: «انها هراء تام. يمكنها أن تكون عن اي بلد، بيلاروسيا او لتوانيا او اسبانيا». وفي حين تحل مسألة الكلمات مشكلة همهمة النشيد الوطني الاسباني في الملاعب الرياضية، فإنها قد تخلق مشكلة جديد وأزمة تتعلق بالهوية، بحسب النقاد. فالسنوات التي قضاها الاسبان تحت حكم فرانكو، تركت الكثيرين منهم منقسمين حول هويتهم الوطنية. فالإسبان من سكان الباسك الذين يجهدون في الترويج للغتهم وثقافتهم واستقلالهم، يغضبون عند أي ايحاء بأنهم ينتمون الى اسبانيا. والمحافظون الذين يريدون ان تدار اسبانيا كلها من مدريد يتنبؤون بتفكك وشيك للبلاد. ويقول رامونادا من المركز الثقافي، إنه «ليس من باب الصدفة ان النشيد الوطني الاسباني خالٍ من الكلمات. فالوطنية في اسبانيا متأثرة بإرث فرانكو، وهذا امر يستحيل محوه بين ليلة وضحاها».

الا يذكرنا هذا الكلام بصدام والاكراد والسنة والشيعة؟ ما هو النشيد الوطني؟

انه حسب موسوعة ويكيبيديا الالكترونية، مقطوعة موسيقية وطنية تثير وتمدح تاريخ البلاد وتقاليدها ونضالات شعبها، معترف بها إما من قبل الحكومة كنشيد وطني رسمي أو كعرف بين أفراد الشعب.يتم عزف النشيد الوطني في المناسبات الوطنية والاستقبالات الرسمية وفي المدارس وقبل بداية لعب فريق المنتخب الوطني، الخ. وهو عادة ما يكون حماسياً، يعزز من حب الوطن في القلب ويقوي الاحساس بالانتماء إلى الوطن.

العراق لازال يعزف نشيد (موطني) الذي اختارته صحيفة التليجراف الانجليزية من ضمن اسوأ 10 أناشيد وطنية علي الإطلاق من بين أناشيد الـ 205 دولة التي شاركت في أولمبياد لندن 2012 وشملت القائمة النشيدين الوطنيين الجزائري والعراقي.

وذكرت التليجراف في تقريرها ما فعله فريق كرة القدم النسائي لكوريا الشمالية من اعتراض علي وضع علم دولة كوريا الجنوبية بدلاً من علم دولتهم، ووضعت النشيد الوطني الكوري الشمالي في مقدمة أسوء الأناشيد التي تم عزفها خلال الدورة، كما تم وضع نشيد دولة اروجواي وإسبانيا في المركزين الثالث والخامس نظراً لأنهما يصلان إلى 6 دقائق كاملة ووصفتهما بالمملين.

فيما اعتبرت كلمات النشيد الوطني الجزائري والذي كتبه مفدي زكريا بأنه عدائي وتحديداً لدولة فرنسا، ووصفت نشيد العراق والذي كتبه الشاعر الفلسطيني ابراهيم طوقان بأنه يذكر الناس بمآسي صدام حسين وفيه خيلاء وتعالي ويصدر رسالة خطيرة.

مشكلة النشيد الوطني في دول متعددة الاثنيات والقوميات، تم حلها في ست دول تتشابه مع الحالة العراقية، حالة التعدد الاثني والقومي، وهذه الدول هي (كندا – جنوب افريقيا – بلجيكا – سويسرا – ايرلندا – نيوزيلندا)..

تملك كندا ثلاثة أناشيد وطنية باللغات الإنجليزية والفرنسية ولغة Inuktitut (واحدة من اللغات الأصلية الحية في كندا). هذه الأناشيد الثلاثة مختلفة قليلا في المعنى ولكنها متطابقة في الوزن الشعري مما يجعلها قابلة للإنشاد مع نفس الموسيقى الرسمية.

ويتكون النشيد الرسمي لجنوب أفريقيا من خمس فقرات قصيرة موزعة على خمس لغات وهي: الخوسا، الزولو، السيسوثو، الأفريكانس (هولندية جنوب أفريقيا)، والإنجليزية. ويتم إنشاد الفقرات الخمس في نشيد واحد في كل المناسبات الرياضية والوطنية وغيرها.

أما بلجيكا فتملك نشيدا وطنيا بثلاث ترجمات، بلغاتها الرسمية الثلاث: الهولندية والفرنسية والألمانية.

ونفس الشيء ينطبق على سويسرا التي تملك نشيدها الوطني مترجما بلغاتها الأربع الرسمية: الألمانية والفرنسية والإيطالية والرومانتش.

وفي أيرلندا تم اعتماد النشيد الوطني الأيرلندي رسميا من طرف الجمهورية الأيرلندية باللغتين الرسميتين: الأيرلندية والإنجليزية.

وتملك نيوزيلاندا نشيدها الوطني بلغتيها الرسميتين: الإنجليزية والـ Māori. ويتم إنشاد الفقرة الأولى من النسخة الماورية متبوعة بالفقرة الأولى من النسخة الإنجليزية في كل المناسبات الرياضية والرسمية النيوزيلاندية.

بالعودة الى سجلات التاريخ العراقية حول هذا الموضوع، هناك حادثة يمكن ان تكون الحل الامثل لموضوع النشيد الوطني العراقي المختلف عليه، وهو حل من المؤكد ان الجميع سيتفق عليه بعيدا عن الشعارات والمزايدات حول السيادة الوطنية او المكانة او غيرها، فلا شيء من ذلك في العراق الحالي.

الحادثة وقعت في سنة 1936 اي قبيل وقوع الحرب العالمية الثانية، وفي العاصمة الالمانية برلين ومفادها: ان الوفد العراقي المشارك في مهرجان الكشافة العالمي المنعقد هناك، حيث تم اختيار اعضائه من قبل الملك غازي، لكونه كان في فتوته من الكشافة العراقية ببغداد وقت تم اختيار الاعضاء؛ وكان يراسهم الفنان التشكيلي حافظ الدروبي.

وعند وصول الوفد العراقي مع الوفود العالمية المشاركة الى مدينة برلين الالمانية وفي اكبر ملاعب كرة القدم الالمانية حيث جرى حفل الافتتاح وبحضور المستشار الالماني انذاك، هتلر. حيث بدأت الفرق تتقدم وتصل الى المنصة لتقوم بتأدية النشيد الوطني الخاص ببلدانها، حيث يقف هتـــــلر محيياً لهم. عندها لاحظ الفريق العراقي هذه المشكلة لكونه لم يكن يعرف ما هو النشيد الوطني ولم يكن للعراق نشيدا وطنيا بعد، عندها بدا الارتباك واضحا على اعضاء الفريق العراقي وهنا جاء دور الفنان التشكيلي العراقي حافظ الدروبي حيث قال لهم اطمئنوا باني سأقوم باداء النشيد الوطني وما عليكم الا ان تقوموا بالرد بعدي بكلمة (بلي). لم يصدق اعضاء الفريق ما طرح عليهم الا انهم وافقوا على الامر.

وبعد مرور الفريق العراقي امام المنصة وامام استعداد هتلر لسماع النشيد الوطني العراقي.

وبالفعل بدا حافظ الدروبي بالإنشاد:

((بلي.. يبلبول))... ويردد الاخرين ((بلي))

((ما شفت عصفور))... ((بلي))

((ينكر بالطاسة))... ((بلي))

((حليب وياسة))... ((بلي))

وهكذا الى نهاية الانشودة... وعندها انتهى الامر بسلام. لكن والاغرب من ذلك كله، ان الجمهور الالماني الذي كان يملأ المدرجات، او الحاضرون في منصة التحية بما فيهم هتلر نفسه... قد تفاعلوا في الامر وازداد حماسهم واخذوا يرددون ((بلي)) مع الفريق العراقي. وتمايل الحاضرون طربا واخذ صوت الجمهور الذي كان يغص به الملعب، يطغي على صوت العراقيين الذين شدهم نشيد ((بلي)).. وهكذا تخلص العراقيون من الاحراج ومر الامر بسلام..

و(بلي يبلبول بلي) اغنية شهيرة للاطفال في الموروث الشعبي العراقي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 25/تموز/2013 - 16/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م