مصر... دولة على كف عفريت

 

شبكة النبأ: تعاني مصر اليوم الكثير من الاضطرابات والأزمات على مختلف الأصعدة سواء كانت سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تبدأ من الانقسامات الداخلية وذلك بسبب استمرار المواجهة العنيفة مع جماعة الاخوان والانفلات الأمني والاقتصاد المتدهور الى اعادة فرض الامن والوفاء بوعود احلال الديمقراطية، فضلا عن قيادة البلاد عبر مرحلة انتقالية تتضمن تعديل الدستور واجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، جل هذه الامور وضعت بلاد الفراعنة في دوامة من العنف والفوضى على الأصعدة كافة.

فعلى الرغم من تشكيل حكومة مصرية جديدة على اثر ازاحة الرئيس الاسلامي محمد مرسي، وضعت هذه الازمات آنفة الذكر الحكومة الجديدة أمام تحديات ضخمة أبرزها خطر استمرار المواجهة العنيفة مع جماعة الاخوان، وصعوبات التنفيذ السريع لجدول زمني طموح من اصلاحات دستورية وانتخابات تشريعية ورئاسية، والمشاكل الاقتصادية تلقي بثقلها على فرص النجاح.

يضاف الى كل ذلك عودة التوتر الامني الى سيناء في الاونة الاخيرة، في الوقت نفسه تصر جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي إليها مرسي على إعادته لمقعد الرئاسة قبل انضمامها للعملية السياسية، التي رفضت الاعتراف بالحكومة الجديدة التي يرأسها الاقتصادي المخضرم حازم الببلاوي وقالت انها غير شرعية.

كما أثارت الأزمة في مصر قلق حلفائها في المنطقة والغرب، بينما يرجع الحذر الذي تتعامل به الحكومة المؤقتة مع ملفات السياسة الاقتصادية إلى الضغوط السياسية التي ستواجهها خلال عملية تحول تشوبها التوترات إلى الحكم المدني.

فمن بين المهام الرئيسية للحكومة المؤقتة قيادة البلاد صوب انتخابات برلمانية من المتوقع إجراؤها في غضون ستة أشهر. وقد تتأخر العملية الانتقالية جراء أي إصلاحات جذرية لنظام الميزانية تضر بمستويات المعيشة وتؤدي إلى تجدد المظاهرات.

ومن المرجح أن مساعدات اقتصادية قيمتها 12 مليار دولار تعهدت بها السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت هذا الشهر ستخفف الضغوط الفورية على الميزانية وهو ما سيسمح للحكومة بمواصلة الإنفاق في الأشهر المقبلة.

لذا بدلا من المضي في قرارات جريئة لتغيير السياسة الاقتصادية في المدى القريب يبدو من المرجح أن تركز الحكومة الجديدة على محاولة حل بعض الاختناقات وأزمات الإمداد والتموين وأوجه عدم الكفاءة التي أضرت بالاقتصاد إبان رئاسة مرسي مثل نقص الوقود الذي أثار غضبا شعبيا.

وتستفيد الحكومة الجديدة من نقاط دفع عدة تتمثل في رفض واسع لمرسي بين صفوف الشعب وتعيين عدد كبير من الوزارء الذين يتمتعون بكفاءات مشهود لها او ايضا الى دعم اعلى السلطات الدينية في البلد الاسلامية منها والمسيحية.

في حين يرى معظم المحللين السياسيين إن مصر في مفترق طرق على صعيد تحسين الاوضاع من لدن حكومة جديدة، ففي ظل انعدام الثقة وغياب الحلول الوسط أو تخفيف حدة الصراع بين الحكومة الجديدة والاخوان المسلمين، يمكن للأزمة أن تطول مع ما يبدو من تداعياتها الخطيرة على سياسية والاقتصاد وبالأخص على الوضع الامني، التي وضعت البلاد في حالة من عدم الاستقرار في المجالات كافة.

الرئيس المصري المؤقت يعد بمحاربة الفوضى

في سياق متصل تعهد الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور في اول خطاب له منذ تنصيبه في الرابع من يوليو تموز باستعادة الاستقرار والامن، وقال في خطاب بثه التلفزيون "اننا نمر بمرحلة حاسمة من تاريخ مصر يريد لها البعض ان تكون طريقا الى المجهول ونريد لها ان تكون طريقا الى الافضل. يريد لها البعض ان تكون مقدمة للفوضى ونريد لها ان تكون مقدمة للاستقرار. يريدون لها ان تكون طريقا الى العنف ونريد لها ان تكون تاسيسا لصون الحياه وترسيخ حقوق الانسان"، وتهدف مظاهرات الاخوان الى اظهار ان انصار مرسي غير مستعدين لقبول الحكومة الجديدة التي يدعمها الجيش. لكن مسؤولا بالاخوان قال ان الجماعة اقترحت اطار عمل لمفاوضات يرعاها الاتحاد الاوروبي.

وفي حين لم تستوعب بعد جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي اليها مرسي صدمة الاطاحة به يوم الثالث من يوليو تموز دعت الجماعة وحلفاؤها الذي انضووا تحت اسم التحالف الوطني لدعم الشرعية إلى مظاهرات في انحاء مصر توقعوا ان يشارك فيها ملايين، ودعا التحالف في بيان الشعب المصري إلى الخروج ضد "الانقلاب العسكري الدموي"، وقال جهاد الحداد المسؤول في جماعة الاخوان المسلمين الذي سبق له تمثيل الجماعة في محادثات بوساطة من الاتحاد الاوروبي مع جماعات سياسية اخرى ان الجماعة لن تتراجع عن مطلبها بعودة مرسي إلى منصبه، لكنه في اول اشارة رسمية على استعداد الجماعة للتفاوض قال الحداد ان الجماعة طرحت من خلال مبعوث للاتحاد الاوروبي اطار عمل لمحادثات تهدف إلى حل الازمة في مصر وقال "نحن لا نغلق باب الحوار ابدا".

وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي برناردينو ليون ان الخلافات بين الجانبين ما زالت واسعة، ومن الصعب تصور سماح الجيش بعودة مرسي إلى السلطة، ونفى الجيش تدبيره لانقلاب عسكري وقال انه تدخل لحماية البلاد من الفوضى بعد احتجاجات لم يسبق لها مثيل في 30 يونيو حزيران بعد عام من حكم مرسي الذي اثار انتقادات كثيرة، وحذر الاتحاد الافريقي من خطر نشوب حرب اهلية في مصر ما لم تضم الحكومة الانتقالية اسلاميين. وشكلت الحكومة من 33 وزيرا ليس من بينهم اسلامي.

وكان حزب النور - ثاني اكبر الاحزاب الاسلامية في مصر - قد دعم خارطة الطريق التي طرحها الجيش في البداية لتقود البلاد نحو انتخابات جديدة. وقال الحزب ان على الحكومة التوصل إلى طريق للتوافق مع الاخوان، وقال نادر بكار المتحدث باسم حزب النور لتلفزيون رويترز انه يعتقد انه يجب على من يمسكون مقاليد الامور ان يدركوا ان زيادة الضغط على الاخوان المسلمين والتهوين من مشاعر انصارهم سيؤدي إلى نتائج سيئة للغاية.

وقتل 99 شخصا على الاقل في اعمال عنف منذ سقوط مرسي. وسقط نصف هذا العدد حين فتحت قوات النار على محتجين اسلاميين امام دار الحرس الجمهوري بالقاهرة في الثامن من يوليو تموز، وقال مصدر امني لوكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية المصرية ان الاجراءات الامنية ستعزز على "جميع المنشآت الحيوية والهامة"، كما دعت حملة تمرد التي نظمت الاحتجاجات العارمة ضد مرسي إلى مظاهرات ايضا من بينها مظاهرة قريبة من تقاطع رابعة العدوية حيث يعتصم العدد الاكبر من انصار مرسي.

واطلقت تمرد على المظاهرات اسم "الشعب ضد الارهاب" ملقية باللائمة على انصار مرسي في احداث العنف الاخيرة، وقتل ثلاثة من افراد الامن خلال الليل في هجمات القي باللوم فيها على متشددين اسلاميين في شبه جزيرة سيناء التي تشترك حدودها مع اسرائيل وقطاع غزة. وتوعد المتشددون بمواصلة القتال لحين عودة مرسي المحتجز في مكان غير معلوم منذ عزله، ومن بين الاتهامات التي وجهت لمرسي اساءة ادارة الاقتصاد. وتزايد العجز في الميزانية ليصل إلى حوالي 3.2 مليار دولار شهريا كما تراجعت احتياطيات النقد الاجنبي إلى اقل من النصف عن مستواها في ديسمبر كانون الاول 2010 وتجاوزت نسبة البطالة 13 في المئة.

وظل الخبز واحدا من اهم المشكلات التي تواجهها مصر وقال وزير سابق في حكومة مرسي ان ما تملكه مصر من القمح المستورد في الوقت الحالي يكفيها اقل من شهرين وهو اقل كثيرا من المخزون الذي تحتفظ به مصر دائما والذي يفترض ان يكفيها لستة اشهر.

واشترت الهيئة العامة للسلع التموينية 300 الف طن من القمح من موردين في الخارج في ثاني صفقة بهذا الحجم منذ فبراير شباط، وتلقت الحكومة التي تواجه عجزا في التمويل دفعة مع وصول دعم اماراتي بقيمة ثلاثة مليارات دولار وهو جزء من 12 مليار دولار تعهدت بها دول خليجية بعد الاطاحة بمرسي، ومن الممكن ان تكسب هذه المساعدات الحكومة وقت لاصلاح المشكلات العديدة في مصر لكن بعض المحللين حذروا من ان هذه المساعدات قد تسهم في تأجيل المسؤولين لاتخاذ قرارات صعبة يحتاجها الاقتصاد المصري لتعديل مساره.

تحديات ضخمة تتمثل في الامن والاقتصاد والاسلاميين

على الصعيد نفسه بدا الرد على التحدي الامني من خلال تنفيذ عمليات امنية في سيناء قتل خلالها عشرة متطرفين اسلاميين، بحسب وكالة الانباء المصرية الحكومية، والحكومة التي يرئسها حازم الببلاوي، وهو وزير مالية سابق في السادسة والسبعين من العمر "تواجه كل انواع التحديات التي قد تغرقها للاسف"، كما يقول سامر شحاتة المتخصص بالشؤون المصرية في جامعة جورجتاون في الولايات المتحدة، وتضم الحكومة التي لم يتمثل فيها اي حزب اسلامي، فريقا من ذوي الكفاءات التقنية العالية: في وزارة الخارجية نبيل فهمي وهو عريق في الدبلوماسية المصرية وسفير سابق في واشنطن، وفي المالية احمد جلال الذي عمل سابقا في البنك الدولي، وفي وزارة التعاون الدولي الخبير في الشؤون المالية زياد بهاء الدين.

وتترجم ارداة العمل في الحقل الاجتماعي بتعيين كمال ابو عيطة الناشط من اليسار والمدافع عن العمل النقابي المستقل وزيرا للعمل، وترقية وزير الدفاع الفريق اول عبد الفتاح السيسي الى منصب نائب رئيس الوزراء تعني دعم الجيش للفريق الحكومي الجديد وانما تحت طائلة خطر تعزيز الشعور بحكومة تحت وصاية عسكرية، وبالنسبة الى سامر شحاتة، فان عودة الامن الذي تدهور بقوة منذ سقوط حسني مبارك في 2011، تشكل مفتاح النهوض بالبلاد، وقال ان "اعادة جذب الاستثمارات الاجنبية والسياح"، وهما الركيزتان الاساسيتان للاقتصاد المحلي، "تتوقف في قسم كبير منها على العودة الى نوع من الامن والاستقرار"، واصلاح الشرطة --التي تعتمد الوسائل الوحشية والتراتبية الموروثة من عهد مبارك-- الذي يتوقعه العديد من المصريين قد يكون مع ذلك صعب التحقيق خصوصا وان هذه الشرطة نفسها ستكون مدعوة لاعادة فرض النظام، وقال شحاتة "اخشى ان تكون الدعوات الى اصلاح وزارة الداخلية غير مسموعة وغير مطبقة".

والجيش الذي ازاح مرسي في خطوة يرحب بها العديد من المصريين اليوم، اثبت في الماضي انه "بعيد جدا عن الديموقراطيين" وانه "فاشل في الادارة"، وترى صوفي بومييه المتخصصة في شؤون العالم العربي في جامعة العلوم السياسية في باريس، انه "بما ان هذه الحكومة لا تتمتع بشرعية الانتخابات، فسيترتب عليها اكتساب مثل هذه الشرعية من نتائج ملموسة"، واضافة الى النهوض بالاقتصاد، اعتبرت بومييه انه "يتعين عليها تلبية التوقعات الاجتماعية الكثيرة في مجال اعادة توزيع الثروات"، وتابعت تقول ان السكان "يتوقعون مؤشرات سريعة الى ان الامور تسير في الاتجاه الصحيح"، لكن اذا استمر العنف "فانه سيعقد الوضع"، والاخوان المسلمون لم يقولوا كلمتهم الاخيرة بعد على الرغم من ضعفهم بعد ازاحة مرسي. بحسب فرانس برس.

واضافة الى قدرتهم على الحفاظ على مناخ من الاضطرابات، فان ازاحتهم من السلطة قد تسمح لهم باعادة التموضع سياسيا لجعل حياة السلطة الجديدة صعبة، كما راى البعض، ويقر سامح مكرم عبيد النائب السابق في الكتلة المصرية، وهو تشكيل ليبرالي، بان نجاح العملية الانتقالية الحالية "ليس امرا مكتسبا. هناك عمل كثير مع وجود كل الاسلاميين في الشارع او في سيناء. انها مهمة ضخمة جدا"، وقال ان "المعركة الكبرى المقبلة ستكون معركة الانتخابات التشريعية (المتوقعة في بداية 2014). من غير المستبعد ان يكون لا يزال لدى الاسلاميين القدرة على الحصول على الغالبية حتى ولو لم تكن سوى نسبية".

الحكومة الجديدة تعمل على تحقيق السلم الاجتماعي لا الإصلاح الاقتصادي

الى ذلك تواجه الحكومة المصرية الجديدة المدعومة من الجيش ضغوطا كبيرة لإصلاح حالة الفوضى في الأوضاع المالية للبلاد لكن من المرجح أن تنفق المليارات على أمل رفع مستويات المعيشة وإبعاد المحتجين عن الشوارع، ويشكل عجز الموازنة الذي ارتفع إلى نحو 3.2 مليار دولار شهريا متأثرا بضعف الإيرادات الضريبية والهدر في نظام دعم المنتجات البترولية والغذاء أكبر تهديد للاستقرار الاقتصادي في أعقاب الثورة المصرية عام 2011.

لكن الحكومة المؤقتة التي اختير أفرادها هذا الأسبوع بعد أن أعلن الجيش عزل الرئيس محمد مرسي من المرجح أن تتجنب الإصلاحات الخطرة سياسيا في الموازنة مثل خفض الدعم الذي يعتمد عليه ملايين الفقراء في مصر.

وستحاول الحكومة التي تضم العديد من الخبراء بدلا من ذلك شراء السلام الاجتماعي بمليارات الدولارات من المساعدات الخارجية التي عرضتها دول خليجية عربية، وقال فاروق سوسة كبير الاقتصاديين المختصين بالشرق الأوسط لدى سيتي جروب إن الإصلاحات الاقتصادية واتفاق قرض صندوق النقد الدولي الذي طال انتظاره من المتوقع أن تؤجل لما بعد الانتخابات التي تأمل مصر إجراءها خلال ستة أشهر.

وتوقع أن تنفق الحكومة الجديدة بكثافة في محاولة لتحسين إمدادات الغذاء والوقود وخفض البطالة والحد من الجريمة عن طريق رفع أداء الشرطة، وكان فشل مرسي في هذه المجالات قد أثار سخط الجماهير وساعد في إسقاط حكومة جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي لها والتي كانت تربطها علاقات شائكة مع الغرب وأغلب الدول العربية، وقال سوسة "ليست مهمة الحكومة المؤقتة أن تنفذ إصلاحات صعبة. بل أن تدير الأزمة وتحافظ على علاقات مصر مع المجتمع الدولي."

ويمكن أن تنجح هذه الاستراتيجية إذا انحسرت الاضطرابات الاجتماعية بالدرجة التي تسمح لرجال الأعمال باستئناف الاستثمار وإعادة الأموال التي أخرجوها من البلاد خلال افترة الفوضى في ظل حكومة مرسي. وقال الملياردير المصري نجيب ساويرس المعارض لمرسي بالفعل إن أسرته "ستستثمر في مصر أكثر من أي وقت مضى"، وإذا تحققت مثل هذه الوعود فقد يبدأ الاقتصاد المصري في النمو والخروج من أزمة الموازنة. ونما الناتج المحلي الاجمالي 2.2 بالمئة في الربع الأول وهو معدل أقل بكثير من المطلوب لحل المشكلة ناهيك عن المساعدة في التخفيف من التوترات الاجتماعية عن طريق خلق فرص عمل في دولة ذات معدل نمو سكاني كبير. بحسب رويترز.

ويقول الاقتصاديون إن الناتج المحلي الاجمالي يجب أن ينمو نحو ستة بالمئة سنويا لاستيعاب المصريين الباحثين عن فرص عمل. وكان الاقتصاد ينمو سبعة بالمئة على مدى عدة أعوام قبل الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بحكم حسني مبارك في فبراير شباط 2011 لكن منذ ذلك الحين تراجعت بشدة إيرادات السياحة وتوقفت الاستثمارات الاجنبية، وإذا فشلت استراتيجية دعم النمو فستواجه الحكومة المنتخبة التالية أزمة أكثر عمقا وهو ما سيضطرها لاتخاذ قرارات غير مقبولة شعبيا في وقت مبكر، وقال سيد هيرش الاقتصادي لدى شركة فولتيرا بارتنرز ومقرها لندن "مبعث القلق هو أنه عندما تتشكل حكومة أكثر استقرارا فسترث فوضى اقتصادية أكبر من التي شهدتها حكومة مرسي"، وتفيد أحدث البيانات أن أزمة الموازنة المصرية ساءت أسرع من المتوقع قبل بضعة أشهر. وتشير بيانات وزارة المالية الصادرة في يونيو حزيران إلى أن العجز تضاعف في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2013 عن مستواه قبل عام ليبلغ 113.4 مليار جنيه مصري (16.2 مليار دولار).

ويعادل ذلك نحو 15 بالمئة من الناتج المحلي الاجمالي وهو مستوى بلغته اليونان في ذروة أزمة ديون منطقة اليورو، ولأن استقرار مصر أمر حيوي لدول الخليج يمكن للقاهرة أن تتطلع لمزيد من المساعدات. فقد أنفقت قطر وهي واحدة من حكومات قليلة كانت تربطها صلة وثيقة بحكومة الإخوان المسلمين نحو أربعة بالمئة من ناتجها المحلي الاجمالي لمساعدة مصر قبل سقوط مرسي، ويمكن أن تحصل القاهرة على 40 مليارا أخرى إذا قررت السعودية والإمارات والكويت أن تتبع خطى قطر بعد أن سقط مرسي لكن سرعة التدهور المالي في مصر تشير إلى أنه قد يخرج عن السيطرة حتى إذا توافرت مساعدات ضخمة، وفي العام الماضي توقعت الحكومة عجزا قدره 135 مليار جنيه في السنة المالية التي تنتهي في يونيو حزيران 2013 وبنهاية مايو أيار بلغ العجز الفعلي 202.9 مليار جنيه ولم يدرج عجز شهر يونيو بعد.

وجزء محدود فقط من الدين المصري دين خارجي لذا من المرجح أن تنجو البلاد من أزمة في ميزان المدفوعات. لكن عبء تمويل الدين الحكومي ذاتيا ربما يبلغ مستويات تشكل خطرا على القطاع المصرفي.

وقالت شركة آي.اتش.اس للاستشارات العالمية هذا الأسبوع إنها ستخفض تصنيفها للقطاع المصرفي المصري إلى درجة "المخاطر الكبيرة" مشيرة إلى حيازات البنوك الرئيسية لسندات سيادية تشكل نحو 40 بالمئة من إجمالي أصولها، وقالت الشركة "نظرا إلى حالة عدم التيقن السياسي في البلاد قد تجد البنوك أن الأوراق المالية الحكومية غير سائلة في حالة حدوث تعثر وهو ما يزيد فعليا هيكل مخاطر السيولة التي لولا ذلك لكانت منخفضة"، وارتفعت مدفوعات الفائدة على الدين المحلي الحكومة في 11 شهرا حتى مايو 31 بالمئة إلى 124.8 مليار جنيه وفقا لمحلل سندات في القاهرة لا تسمح له شركته بالإدلاء بتصريحات منسوبة له بالاسم. وشكلت المدفوعات 26.3 بالمئة من إجمالي انفاق الحكومة في الفترة نفسها.

ودفع ارتفاع مدفوعات الفوائد حكومة مرسي إلى اتخاذ خطوة تضخمية وهي زيادة اقتراضها المباشر من البنك المركزي فجمعت 92 مليار جنيه في الأشهر الستة الأولى من 2013 بحسب بيانات البنك المركزي، وتفاقم العجز جراء زيادة نسبتها 21 بالمئة في أجور العاملين بالدولة في 11 شهرا حتى مايو إذ سعت الحكومة للحد من استياء العاملين.

وفي هذه الفترة ارتفعت الإيرادات بنسبة 4.6 بالمئة أي بمعدل أقل من التضخم الذي بلغ تسعة بالمئة. وتضررت الإيرادت جزئيا بانخفاض صادرات النفط والغاز التي تحولت إلى السوق المحلية لتهدئة الغضب الشعبي، وستتعرض الحكومة الجديدة لضغوط كبيرة لوقف هذا النزيف. لكن أغلب الحلول الممكنة ستتسم بمخاطر سياسية. فخفض الدعم على سبيل المثال سيرفع الأسعار وقد يحتج المستهلكون الغاضبون بالنزول في مظاهرات، وسيعقد ذلك الفترة الانتقالية المتوقع بالفعل أن تكون صعبة حتى تعود اليلاد إلى حكم مدني لذلك ستؤجل الحكومة القرارات الصعبة.

وكتب محللون في سيتي جروب في تقرير يقولون "الفريق ليس لديه تفويض سياسي لتفعيل إجراءات لا تحظى برضى شعبي ومثل هذه السياسات قد تؤدي إلى تفاقم الوضع وسيكون لها أثر عكسي سياسيا"، ولم تذكر الحكومة الجديدة الكثير عن سياساتها لكن المؤشرات الأولية تنبئ بأنها قد لا تعود لمحاولة التفاوض على قرض قيمته 4.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي والذي على عكس مساعدات دول الخليج سيطالب القاهرة بإصلاح الاقتصاد.

وقال وزير التخطيط أشرف العربي هذا الأسبوع إن الوقت غير مناسب لاستئناف محادثات الصندوق إذ أن الدعم المقدم من دول الخليج سيساعد البلاد في الأشهر القليلة المقبلة، وقال جون سفاكيناكيس كبير المحللين بشركة الاستثمار ماسك في الرياض إنه سيكون من الأفضل إذا عالجت الحكومة المؤقتة مشكلات الموازنة على الفور حتى تتولى الحكومة المنتخبة السلطة في وضع أفضل. وإذا لم يكن ذلك ممكنا فيمكنها على الأقل أن ترسي الأسس، وقال "يمكنهم أن يخطوا خطوات صغيرة - مثلا بطاقات صرف البنزين (الذي تدعمه الدولة) يمكنهم وضع النظام بحيث يحصل المحتاجون على البطاقات وتخصيصها لمن هم في مسيس الحاجة لها .. حتى إذا لم يطبق في الأشهر القليلة القادمة فينبغي أن يكون جاهزا من الآن بحيث تبدأ الحكومة التالية في تطبيقه".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/تموز/2013 - 15/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م