قيم التقدم: بناء المعنويات

 

شبكة النبأ: في ظل عالمنا المشحون بالجشع، عالمنا المادي البحت، حيث اللهاث وراء المنافع بعيدا عن الضوابط والمعايير الانسانية، لابد أن يُصاب الانسان بالاحباط، وتهتز لديه القيم الانسانية الحقة، فما يظهر من النشاط البشري امام الجميع، كأنه نوع من التكالب الغريب العجيب على المنافع المادية الفردية التي تنسى حقوق الآخرين، وتهتم في الحقوق الذاتية، في ظاهرة تمثل قمة الانانية، هنا يحتاج الانسان الى تدعيم الجانب المعنوي في تكوينه وافكاره وتوجهاته، إذ ليس من المعقول أن تبقى المادة والمصلحة ترتهن الانسان على حساب القيم الاصيلة.

يستدعي الامر في هذه الحالة، بناء المعنويات وتعميقها وتطويرها، كي تتوازن مع النزعة المادي التي تحاول أن تسلب من الانسان انسانيته، وتدفعه نحو تفضيل الذات، في مقابل اهمال تام لحقوق الاخرين، إذ يتحول الانسان الى مستفيد فقط، يأخذ ولا يعطي، يأكل ولا ينتج، تدفعه غرائزه نحو الشراهة والاستحواذ، بعيدا عن مراعاة الجانب الانساني، يحدث هذا في ظل تراجع مخيف للجانب المعنوي، مع تضخم خطير للمادي على حساب الجانب الانساني الاخلاقي المعنوي بكل ما ينطوي عليه من قيم انسانية تضبط وتحكم وتحسّن سلوك الانسان، وفي هذه الحالة لابد من البحث عن السبل والطرق والمسالك التي تقود الانسان الى تطوير المعنوي على حساب المادي، لذا يبرز دور شهر رمضان المبارك بقوة لتحقيق هذا الهدف.

إن الدور التربوي الذي يمكن للجهات المعنية القيام به في شهر رمضان، متاح بصورة افضل من كل التوقيتات الاخرى، لسبب واضح ان الاجواء الايمانية تكون في ذروتها بهذا الشهر، وتكون النفوس على استعداد افضل للتغيير، والاقتناع، واستقبال التصحيحات، والانتقال من المادي الى المعنوي بصورة سهلة، بسبب الاجواء العامة التي يعيشها عموم الناس في هذا الشهر المبارك، لذلك مطلوب من الجهات ذات العلاقة، الدينية الحكومية والاهلية، أن تتحرك لتدعيم الجانب المعنوي في شخصية الانسان.

على أن يتم هذا التحرك وفق منظور واضح، مخطط له مسبقا، وقابل للتنفيذ، مع رصد ما يلزم من تمويل ووسائل اخرى لتنفيذه في الواقع، وأن لا يقتصر الامر على التصور او الكلام المجرد، لأن التغيير من المادي الى الروحي صعب ويتطلب جهدا مضاعفا من حيث تهذيب النفس ودفعها نحو الايمان بحقوق الاخر، ونبذ الانانية في التفكير والسلوك.

وعندما تفكر في الاخر مثلما تفكر بمصالحك ومصالح ذويك والمقربين منك، فانك تطبق الحديث النبوي الشريف الذي يحث الجميع على أن ( يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، وعندما يصل الانسان الى هذه الدرجة من التحكم في السلوك، ويساوي في درجة التفضيل بينه وبين الاخر، فإنه يكون بهذا قد وصل الى درجة متقدمة من البناء المعنوي السليم.

ومن الواضح أن عالم اليوم الذي نعيشه، يضج بالنزعة المادية، الامر الذي يضاعف من حالات الشعور بالاحباط لدى الناس الذين ما زالوا يميلون الى تعميق الجانب المعنوي، ويسعون لبناء المعنويات للحد من سطوة المادة وهيمنتها على الفكر والسلوك، لهذا يرى المصلحون من رجال الدين والمثقفين وغيرهم من المعنيين بالجانب الاخلاقي والتربوي، أن شهر رمضان المبارك يعد فرصة مواتية جدا، لمحاربة الانانية، والحد من وطأة النزعة المادية وقدرتها على اصابة النفس بالعماء، فتذهب الى تحقيق رغباتها واهوائها ومنافعها بشتى السبل والوسائل، بغض النظر عن مشروعيتها.

لهذا لابد أن يسعى المعنيون في المؤسسات المعنية التربوية والثقافية والدينية وسواها، الى استثمار هذا الشهر الكريم، من اجل بناء المعنويات بالصورة المثلى، وتطوير قدرات الانسان الفرد والمجتمع في هذا الجانب، وجعله قادرا على التعامل وفق القيم الانسانية الاصيلة مع الاخرين، بعيدا عن النزعة المادية، لكي تتحقق الاستفادة القصوى من الاجواء الرمضانية التي يعيشها المسلمون شهرا واحدا في كل عام.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 24/تموز/2013 - 15/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م