قد يكون الاعتراف بالخطأ فضيلة.. كذلك الفشل فالإعتراف به من زينة
الفضائل. أما لماذا نحن فاشلون فتلك القصة كانت بدايتها بعد 2003 حينما
استغل الكثير من الإنتهازيين الوضع الحرج الذي يمر به البلد حينها
وتقافزوا الى مواقع المسؤولية ليحتلوا أعلى مراتبها مدراء ومدراء عامون
ومن ثم جاء الإنتماء الى الأحزاب الذي أعطاهم القوة والمنعة في تلك
المناصب ثم بدأت معالم الفساد تأخذ دورها في تقوية أركان تلك
الانتماءات لتأتي وإعتماد مبادئ التوافق والمشاركة والمحاصصة لتثبتهم
أكثر في تلك الكراسي.
وحتى اللحظة لازال الكثير ممن عبروا الى الحكومات المتلاحقة خلال
السنوات العشر الماضية ماضون في التمسك بالمناصب التي تعتبر مؤثرة جداً
على واقع البلد وهم لا يمتلكون أدنى درجات القابلية على وضع الرؤيا
والأهداف لمؤسساتهم الخدمية والصناعية والطبية فالجميع غارق اليوم في
الفساد والذي يؤهلنا دائماً لنصبح أكثر بلدان العالم فساداً وفشلاً.
وعلى الرغم من أن المركز الذي حصل عليه العراق في هذا العام، العاشر
عالمياً، هو الأفضل منذ عام 2003 حيث كان العراق قد أحتل بجدارة المركز
الثاني في الفشل عالمياً في عام 2007 ؛ فهذا التحسن لايمثل العراق
الحقيقي الذي يجب أن يكون عليه إلا إنها الحكمة الإلهية التي جعلت
الكثير من أـولئك الرجال الذي تربعوا على مؤسسات خدمية وأمنية وهم لا
يفقهون شيئاً في حقيقية تلك المناصب وبصحبتها الفساد تأخر العراق كثيراً
في العودة المشرفة الى محيط الإنسانية وليتجاوز الإشكالات التي تضعه
بها تلك المؤسسات العالمية كالفساد وعدم السعادة والفشل.
لقد عرّف التقرير المشترك الذي أعده الصندوق من اجل السلام، ومجلة
السياسة الخارجية الامريكية (فورين بوليسي)، الدولة الفاشلة : على أنها
الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ الى القوة،
وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، اضافة إلى عدم قدرتها على توفير
الخدمات لأبناء شعبها، وتشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة...
ونحن كذلك وحتى صدور هذا التقرير لم نمتلك إحساساً حقيقياً
بالنظافة ولا نمتلك، مثلما العالم المتحضر، آلية طبيعية منسقة لتدوير
تلك النفايات والتخلص منها.. وحال بقية الخدمات لا تقل سوءاً عن حال
النظافة فالكثير من الخدمات العامة تعاني الحكومة الكثير في تقديمها
بصور متكاملة لأبناء الشعب وفي مقدمتها الكهرباء والمياه الصالحة للشرب
بعدما فقد العراقيون الثقة بالماء الذي تقدمه كذلك فقدان الثقة
بإمكانية غلق ملف الكهرباء بعدما ظهرت تصريحات جديدة دفعت بسقف تحقق
الإكتفاء الكلي الى نهاية عام 2014 بعدما كان في نهاية 2013.
كل تلك الوعود والعهود الكاذبة جعلت منا فاشلون والأكثر من تلك
الوعود هو عدم تمكن المحافظات والوزارات من تحقيق نسب عالية من تنفيذ
خططها الإستثمارية بكفاءة إنفاق عالية للتخصيصات الممنوحة لهم في
موازنة عام 2012.. وما أبدته وزارة التخطيط في عدم التمكن من تحقيق
الخطة الخمسة التي تمتد لعام 2014 وتعثر تنفيذها لأسباب عدة.
إن معدلات الفساد العالية والتي تمثلت في الإختلاسات والرشوة وغيرها
من منافذ الفساد الكثيرة كلها كانت سبباً وجيهاً لفشلنا وضياع أغلب
إيراداتنا المالية المتأتية من إقتصاد ريعي يعتبر من أشد المخاطر على
الشعب ومستقبله الإقتصادي مع تزايد ملحوظ في الجرائم الجنائية يضاف
اليه دخول تحد آخر يتمثل في إنتشار ملحوظ لتعاط حبوب الهلوسة والمواد
المخدرة.
لقد إحتاج العراق الى 6 سنوات لينتقل 8 مراكز.. فكم سنة سنحتاج
لنحلق بعيدا عن فشلنا؟ إذا أردنا أن نصل الى المركز 150 من 178 دولة
حددت لتقارير عام 2013.. فنحن بحاجة الى ما يقارب القرن من الزمان
لنبتعد عن قمة تلك المراكز، الأكثر فشلاً، وقرناً آخر لينسى العالم أن
العراق بلد فاشل.. وسنكون أيضاً بحاجة الى معجزة لتجاوز عقدة الإنفاق
الحكومي غير الكفوء التي تتسبب دائماً في هذا الفشل.
نحن بحاجة أن نوجه سياسة الحكومة الى كيفية مواجهة هذا الفشل المريع
المخجل للعراق ونرى أن تلك المواجهة أن تبدأ بعزل فوري لكل مدراء
الوحدات الحكومية التي تقدم خدمة للمجتمع من أولئك الذي لا يمتلكون من
المؤهلات إلا مهارة التزلف والإرتماء في الأحضان والكفاءة العالية في
تطويع كل دائرته وشركته لخدمة أغراضه الشخصية الفئوية أو حتى حزبه
والمجموعة التي ينتمي اليها، مع ضرورة مناقشة واقع الشركات الحكومية
كافة وهيكلة الوزارات بشكل جدي وكبير والكف عن إعطاء الوعود الكاذبة أو
التصريحات التي توحي بوجود نهضة إقتصادية في حين أن أغلب شركاتنا أصبحت
عبارة عن لجان مشتريات !!
إن محاربة الفساد الذي طالما شلّ حركة النهضة العراقية بحاجة الى
أدوات أهمها نظاماً دقيقاً للرقابة والمراقبة والفحص والتدقيق وبحاجة
الى رجال مشهود لهم بالنزاهة الكاملة وبحاجة الى تشريعات قوية تقف بوجه
تحدي الفساد هذا وتبتر كل يد تمتد الى الأملاك العامة.
نحن بحاجة الى إشاعة روح العمل الجديدة وإدخال تقنيات تصنيع حديثة
وسريعة تحقق الأرباح والحوافز للعاملين لتمكنهم من تجاوز الصعوبات في
حياتهم عسى أن يساعد ذلك على أن يبعث به روح التفاؤل بوطنهم.. فجميعنا
بحاجة الى أن نتفاءل بوطننا وبحاجة أن نشعر أنه وطننا نحن لا أن نكون
مجرد أرقاماً في تعداده السكاني وأنهم فقط أصحاب المناصب السياسية
والمليارات هم العراقيون أما نحن فأصحاب الهويات.. ولا غيرها.. حفظ
الله العراق وأهله.
zzubaidi@gmail.com
http://www.annabaa.org/news/maqalat/writeres/Zahiralzubaidy.htm |