ساسة يتشبثون بخشبة الطائفية

 

شبكة النبأ: من المفترض أن يكون الساسة في سُدة الحكم في بلادنا - وحسب المذهب الدارج- مستغنين عن الدين، كمفهوم وتعاليم وقيم، فلا أحكام مسبقة، ولا أطر أخلاقية تحدد الثقافة والسلوك والمواقف، إنما هو "فن الممكن"، و"المصالح الدائمة" وحسب.. بيد أننا نلاحظ ساسة في بعض دول المنطقة، يلجأون الى الدين والطائفة بشكل خاص، في وقت يتراجع الأداء السياسي بتزايد الأخطاء والسقطات، ما من شأنه تشويه الصورة الكبيرة اللامعة في عيون العواصم الكبرى التي تمسك بخيوط اللعبة منذ مطلع القرن الماضي. مثالنا البارز "صدام" ومغامراته العسكرية، والسعودية، وتوغلها عميقاً مسألة "الجهاد" في افغانستان إبان الغزو السوفيتي.

لقد فتح "صدام"، أبواب على مصراعيه أمام الوهابيين ليصولوا ويجولوا في البلاد، وينشروا افكارهم الضالة، وهذه الافكار هي التي تحولت فيما بعد الى قاعدة لنشوء "القاعدة" وانتشار التكفيريين والذباحين في الفترة التي سبقت سقوطه. فمن أجل ان يثبت عدم زواله من الخارطة بسهولة، حوّل الوهابيين والسلفيين، من حملة اللحى الطويلة، الى حملة سلاح ومخططات مخابراتية دقيقة، تدعمها فكرة "المقاومة" للمحتل. لكنه بالحقيقة؛ "قاوم" أو قاتل أغلبية الشعب العراقي الذي انتصر عليه سياسياً، وتخلّص من حكمه البغيض. وما نزال نشهد آثار هذا التحالف المشؤوم بين الفكر الطائفي والتكفيري وبقايا الفكر الصدامي، من خلال مسلسل الدم الذي يشهده العراقيون يومياً.

كذلك الحال لدى حكام السعودية، الذين اكتشفوا أنهم كانوا مجرد بندقية امريكية بوجه "السوفيت"، ما أن تغيّرت المعادلة برمتها في المنطقة والعالم، وانتهى العتاد، تحولوا الى قطعة من النفايات ترمى جانباً.. فما كان منهم إلا ان أعادوا العمل الى شبكة علاقاتهم مع بعض الجماعات الافغانية، على وجه السرعة، لتشكيل "تنظيم القاعدة" بزعامة السعودي المنشق "أسامة بن لادن".

لايهمنا هنا، ما فعل "بن لادن"، وما كسبته السعودية خلال السنوات الماضية في الشرق الأوسط، وردود فعل الامريكيين على هذه اللعبة. ولا ايضاً ما جناه "صدام" من لعبته الدموية، إنما المهم في تسليط الضوء على عمق الثغرة في ايديولوجية الحكم في المثالين، ومبررات بقائه، فمنذ تسعينات القرن الماضي، تحسس الحكام في المنطقة رائحة الديمقراطية الغربية العاتية قادمة نحوهم، فلابد من التغيير والتحول، او التكيّف والاندماج، وهما "خياران أحلاهما مُر". فاذا كانت الشعوب ملّت الوجوه السياسية العتيقة وذات المشاكل والازمات الخانقة، فانها ربما تضع ثقتها في الجانب الديني والطائفي، فهذه تجربة مختلفة عن السابق، ففي الماضي، القرارات الحكومية والمراسيم الملكية والجمهورية المفروضة، أما الآن، نحن أمام "صحبة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله" لمجرد المشاركة في عملية انتحارية..! أو أداء واجب عيني وهو "الجهاد" من خلال المشاركة في القتال سواء في أدغال افغانستان أو صحاري العراق، وحديثاً بين المباني والبيوت السورية.

لو عدنا قليلاً على الوراء، حيث التجارب التاريخية لهكذا نهج في سياسة الحكام، نجد أن "معاوية" مؤسس الدولية الأموية، كان رائد فكرة تأسيس الطائفية السياسية، عندما ابتكر "الجبرية" ، وشجّع على "الخوارج"، واستخدم الدجل لأول مرة في تاريخ دولة اسلامية، عندما أشاع بوجود "جنود لله" يعينونه على تصفية معارضيه..! عندما قال: "لله جنود من عسل"، وبهذا تمكن من استغفال عدد كبير من الناس، والدلالة على ذلك، عدم تسجيل أي اعتراض في المجتمع الاسلامي آنذاك، على اغتيال مالك الأشتر، ومن بعده الامام الحسن المجتبى عليه السلام. والسبب في ذلك، إفلاسه السياسي الفاحش أمام سياسة أمير المؤمنين عليه السلام،  الذي أنجز وبنى وأعطى، للانسان والمجتمع والأمة. حتى المعارض كان آمناً ، يعيش حياته الطبيعية في عهده عليه السلام. فما الذي يمكن ان يواجه به سياسة ذات أبعاد حضارية، سوى اختلاق جو ديني يضمّ اكبر قدر ممكن من الاتباع والجهلة والأمّعة. ليقابل بهم المؤمنين بالرسالة المحمدية الأصيلة المتصلة بالسماء.

لكن بما أن الزيف والتحريف لن يصمد أمام الحقائق المضيئة مهما كان، ومهما بذلت الاموال والامكانات، فان اصحاب مشروع الطائفية السياسية، ايضاً يكونون دائماً عرضة للخسارة في هذه اللعبة القذرة التي تؤدي الى إزهاق الارواح بالجملة، عندما تُحرف المفاهيم وتتغير الموازين، فيصبح الحق باطلاً، والباطل حقاً، فنرى الشباب والرجال والنساء، يندفعون نحو القتال ضد كل من يخالفهم في العقيدة والرأي، حتى يأتي اليوم الذي تحدث الصدمة، عندما ينهار رأس السلطة والهرم، فيكتشف الناس ضلالهم وغيّهم وكم كانوا مستغفلين ومغرر بهم. فالمراقبون والمتابعون يرصدون تململاً لدى الجماعات الارهابية المسلحة في سوريا، بعد تنحّي أمير قطر "حمد بن خليفة آل ثاني"، وصعود ابنه "تميم"، وإعلانه صراحة انه لا يتبنى الطائفية السياسية في البلاد العربية. ربما لانه وجد ان اللعبة مكلفة كثيراً على بلاده، أو أن "حساب الحقل لا يناسب حساب البيدر".

وهكذا تكون الطائفية السياسية، وتجيير الدين والعقيدة لاغراض سياسية، مدخلاً للكوارث والمآسي للشعوب، من حروب ومعارك يدفع ثمنها الابرياء من اطفال ونساء ، ودمار لا يعد ولا يحصى. كل كذلك من أجل تحقيق أغراض سياسية محدودة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 10/تموز/2013 - 1/رمضان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م