إيران بعد الانتخابات.. مهام روحاني ورؤية التغيير

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: بعد ثماني سنوات من سيطرة المحافظين على الرئاسة في إيران، التي اتسمت بالتوتر مع الغرب بسبب برنامج إيران النووي، والتراجع الاقتصادية غير المسبوقة، فضلا عن حدوث اضطرابات اجتماعية وحقوقية كبرى أبان تلك الحقبة من الحكم، جاء الدور اليوم لإصلاحيين  في استلام مهام سدة الحكم في إيران أثر فوز المرشح المعتدل الإصلاحي حسن روحاني في انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة،  لتنعش آمال الليبراليين للحصول على حريات اكبر وعلاقة مع الغرب أفضل.

إذ يتوقع الايرانيون بشكل خاص تحسين الوضع الاقتصادي في البلاد التي تعاني انكماشا نسبته رسميا اكثر من 30% وارتفاع البطالة وتراجع قيمة الريـال بنسبة الثلثين تقريبا، خصوصا بعدما اكد الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني ان حكومته ستنتهج سياسة اقامة توافق بناء مع العالم وستدافع عن حقوق ايران كلها، لكن في الوقت نفسه توقع الكثير من المراقبين بان مهمة روحاني تتسم بالصعوبة، إذ يتعين على الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني الانكباب سريعا على انجاز مهمته الشاقة باعادة انهاض الاقتصاد المترنح بفعل العقوبات الدولية، واطلاق الحوار مع الخارج لتحقيق تطلعات الناخبين الذين انتخبوه رئيسا لبلادهم من الدورة الاولى.

لكن يرى معظم المحليين أن روحاني سيواجه عراقيل من المؤسسة المحافظة شأنه شأن خاتمي الرئيس الإصلاحي السابق ولن يتمكن من التحرك بسرعة وربما لا تكون لديه الرغبة في اتخاذ خطوات كبيرة نظرا لما يربطه من علاقات وثيقة بالقيادة الدينية على عكس خاتمي.

فمن غير المرجح أن يسعى الرئيس المنتخب إلى إصلاحات عميقة كما كان يفعل خاتمي لكن منصبه سيوفر له قاعدة سياسية أوسع لإنجاز المهام.

كما سيواجه الرئيس الايراني المعتدل تحديات داخلية وخارجية جمة أهمها الاقتصاد وملف النووي الايراني الشرق الأوسط الذي يفرض نفسه على سياسته الخارجية نظرا لسخونة الأحداث التي تشهدها هذه المنطقة، إذ يؤيد روحاني تبني ليونة اكبر حيال الغرب لرفع العقوبات التي اغرقت الجمهورية الاسلامية في ازمة اقتصادية خطيرة. ويرجح ان ترحب القوى العالمية بروحاني خلفا للرئيس المتشدد الحالي محمود أحمدي نجاد أملا في انتهاجه سبلا سلمية لانهاء حدة المواجهة المتصاعدة بسبب برنامج إيران النووي.

كما يتميز الرئيس الايراني المنتخب بنبرته التصالحية في المحادثات النووية التي اجراها مع القوى العالمية ليتقلد حسن روحاني المعتدل منصبه حاملا امال الاصلاحيين الساعين لقدر أكبر من الحريات الاجتماعية وانتهاج سياسة خارجية تحقق مصلحة البلاد، وكان لفوز روحاني -وهو مفاض نووي سابق- على منافسيه المحافظين الأشد ولاء للنظام الديني والزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي وقع المفاجأة بالنسبة لكثيرين بعد الانتخابات التي جرت، وكانت المفاجأة الثانية أن أول انتخابات رئاسية تشهدها البلاد منذ الانتخابات المثيرة للجدل التي تولى بعدها احمدي نجاد الرئاسة لفترة ثانية عام 2009 بدت حرة ونزيهة.

ويسهم فوز روحاني نوعا ما في إصلاح شرعية الحكم في الجمهورية الإسلامية التي تضررت بشدة قبل أربع سنوات عندما أثار فوز أحمدي نجاد بفترة ثانية احتجاجات واسعة النطاق وربما يفسح مجالا أكبر في الساحة السياسية للإصلاحيين الذين تحملوا عبء الحملات الأمنية عقب الاضطرابات، وبعد الفوز يظهر التحدي الضخم المتمثل في تعافي إيران وإصلاح الأضرار الناجمة عن افتقار الثقة بين طهران والغرب طيلة ثماني سنوات.

وتضررت إيران من عقوبات اقتصادية فرضتها عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها بسبب أنشطتها النووية ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وتؤكد إيران انها لا تسعى لامتلاك سلاح نووي لكنها ترفض تحجيم حقها في امتلاك الطاقة النووية، وبمثل هذا التفويض القوي والرغبة الواضحة في مد يده سيكون هناك أمل حذر في أن يتمكن روحاني رجل الدين البالغ من العمر 64 عاما من احراز تقدم في المحادثات النووية. لكن مع استمرار الزعيم الأعلى في تحديد سياسات الدولة سيواجه روحاني قيودا على نطاق عمله.

فيما يرى الكثير من المحللين ان الرئيس الايراني الجيد سيسعى جاهدا كي تستعيد مكانتها الدولية ونهوضها بواقع الاقتصاد المنهك بسبب العقوبات الدولي على برنامج إيران النووي، خصوصا وان الطموحات السياسية  لرجل الدين المعتدل تشبه طموحات الرئيس الاسبق رفسنجاني، بهدف استعادة الهيبة الايرانية، من خلال تقديمه صورة رفسنجانية ناعمة جديدة.

كما يرى محللون آخرون ان ايران الحالية ستنتهج ايدلوجية سياسية جديدة تمهد الطريق لإعادة توازن القوى مع الغرب وخاصة أمريكا من خلال التطور العلاقات السياسية والاقتصادية، وكذلك باعتمادها اتجاهات عديدة في سياستها الخارجية من خلال اعتماد مبدأ المصلحة السياسية بغطاء براغماتي، لكي تتمكن من تحقيق الاستقرار وتقلل من ضغوط الحصار العالمية عليها.

وعليه ربما يتعين على الإيرانيين الانتظار بصبر حتى يتحقق التغيير بسبب تعدد مستويات السلطة في هيكل الدولة والذي أضعف بالتدريج سلطة الرئيس على مدى العشرين عاما الماضية، لكن على ما يبدو ان فوز روحاني المدوي اظهر ان ميزان القوة الجديد في ايران بات اكثر تعقيدا، حتى في ظل ظروف غير مواتية خلال الاونة الأخيرة، وعليه تظهر المؤشرات آنفة الذكر بأن سياسة روحاني الداخلية والخارجية خلال المرحلة المقبلة ستكون بعيدة عن روح المغامرة واكثر توازنا.

آمال وتوقعات كبيرة لدى الايرانيين بعد انتخاب روحاني

في سياق متصل يؤكد نافد فتحي وهو مدير شركة متخصصة في المعلوماتية، ان انتخاب روحاني "بث فيه الطاقة"، وبات يأمل في "رؤية التغيير" من خلال رفع بعض العقوبات المفروضة من الامم المتحدة والتي تم تعزيزها بحظر نفطي ومصرفي من جانب الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، لارغام طهران على تعليق برنامجها النووي المثير للجدل.

واوضح نافد فتحي ان "على الاختصاصيين التمكن من محاورة العالم، نحن بحاجة الى معدات و تبادل بيانات وعمليات مالية"، ورغم انه لم يكن بعيدا عن الفريق الحاكم في ايران، يجسد روحاني الذي سيؤدي اليمين الدستورية في 3 اب/اغسطس بعد انتخابه في 14 حزيران/يونيو، صورة "التغيير" المنتظر من الايرانيين بعد ثماني سنوات من رئاسة محمود احمدي نجاد التي كان عنوانها المواجهة مع القوى الكبرى.

وبعد ثلاثة ايام على انتخابه، وعد روحاني بـ"مزيد من الشفافية" في الملف النووي بهدف اعادة "الثقة المتبادلة" في المفاوضات مع القوى الكبرى، المتعثرة منذ اشهر عدة. الا انه طالب باعتراف العالم بالحقوق النووية لإيران.

ويعتبر روحاني البالغ 64 عاما من الاشخاص الاكثر دراية بالملف النووي الايراني لكونه قاد المفاوضات الاولى مع البلدان الاوروبية بعد الكشف عن برنامج طهران لتخصيب اليورانيوم مطلع العقد الاول من القرن الحالي. وعلقت ايران عندها برنامجها النووي وسمحت بعمليات تفتيش دولية غير معلن عنها لمواقعها النووية، وخلال الحملة، امتنع روحاني عن اي تصعيد لفظي مع الغرب، داعيا على العكس الى تشكيل حكومة "امل وحكمة".

لكن برأي رئيس تحرير صحيفة في طهران طلب عدم كشف اسمه، فإن مهمة روحاني تتسم بالصعوبة خصوصا لان التوقعات منه كبيرة، وقال "رأينا رد الفعل شبه الايجابي من العالم (اثر انتخاب روحاني) لكن عليه الرد بقرارات عملية وليس بتوزيع ابتسامات"، ويأمل رئيس التحرير هذا بـ"عمق اكبر في المقالات كما رأينا في النقاشات المتلفزة خلال الحملة عندما جرت مناقشة مسألة النووي بشكل مفتوح".

اما الرسام الصحافي جمال رحمتي فقال ان "اي شخص لديه عقل متزن يأخذ قرارات منطقية لها تأثير على حياتنا، وروحاني صاحب عقل متزن"، واضاف "امل انه سيحسن وضع وسائل الاعلام وسيسمح بحرية اكبر"، ونادى روحاني خلال حملته الرئاسية خصوصا بحرية الصحافة لمكافحة الفساد. بحسب فرانس برس.

وقال سياماك الذي يدير محلا صغيرا في غرب العاصمة "اريد ان تتراجع الاسعار كي يتوقف زبائني عن الشكوى من غلاء المعيشة"، ويعتبر صعود قيمة الريـال الذي استعاد 15% من قيمته مقابل الدولار خلال اسبوع، من اول مؤشرات التحسن، على الرغم من ان العاملين في قطاع الصيرفة يحذرون من اثار سلبية لهذا الارتفاع، ولتتويج هذا الاسبوع الانتخابي، نزل الايرانيون الى الشارع مرة ثانية في 18 حزيران/يونيو للاحتفال بتأهل منتخب بلادهم الى كاس العالم في كرة القدم 2014 في البرازيل، وقال دبلوماسي يعمل في طهران "منذ وجودي هنا، لم ار الايرانيين فخورين كما كانوا في هذين اليومين الا مرة واحدة، عندما فاز المخرج اصغر فرهدي بجائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي"، اما سائق سيارة الاجرة حسين البالغ 55 عاما فيرى الامل على وجوه ركابه. ويقول "ركابي اكثر هدوءا وابتساما".

روحاني ينشد توافقا بناء مع العالم

من جهته اكد الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني ان حكومته ستنتهج سياسة اقامة "توافق بناء مع العالم" وستدافع عن "حقوق ايران كلها"، وقال روحاني في مقابلة تلفزيونية ان "الاعتدال لا يعني الاستسلام او الخصام في السياسة الخارجية، انه يعني التوافق البناء والفعال مع العالم"، واضاف "في الخطاب المعتدل تكون الواقعية مبدأ اساسيا مع اخذ قيم ومثل الجمهورية الاسلامية في الاعتبار"، وقال ان "التوافق البناء مع العالم والحوار مع الاخرين ينبغي ان يجريا على أساس المساواة والاحترام المتبادل والمصالح (...) والثقة المتبادلة".

وتابع انه سينتهج هذه السياسة "مع الاخذ بالاعتبار جميع حقوق الامة (ويقصد خصوصا النووية) وإرادة وعظمة البلاد باتباع توجيهات المرشد الأعلى" اية الله علي خامنئي، ويعتبر الملف النووي اهم ملفات الحكومة القادمة في الوقت الذي تخضع فيه ايران لعقوبات قاسية فرضها الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وتسببت في ازمة اقتصادية حادة مع ارتفاع التضخم بمعدل 32% وفق الارقام الرسمية وتدهور سعر صرف العملة المحلية.

ودعا روحاني الى سياسة "انفراج متبادل" مع الغرب. وكانت العلاقات بين الرئيس المنتهية ولايته محمود احمدي نجاد متوترة مه الانظمة الغربية بسبب تصريحاته غير الملائمة بشان زوال اسرائيل وانكار محرقة اليهود في المانيا النازية.

وانتخب روحاني المحافظ المعتدل في 14 حزيران/يونيو من الدورة الاولى وسيتم تنصيبه في 3 اب/اغسطس خلفا لمحمود احمدي نجاد، وقال روحاني "ان رسالة الناخبين كانت رسالة سلام ومصالحة رسالة وحدة وتماسك وطني. رسالة رفض للعنف والتطرف" مضيفا ان "على الجميع ان يفهم هذه الرسالة والاستجابة لها بالشكل المناسب".

واكد ان "الايرانيين اختاروا نهجا آخر (..) لقد ارادوا ان يقولوا انهم يريدون التغيير (..) والحكومة القادمة ملزمة (باحترام) اصوات اغلبية الشعب (..) والنهج المختار وهو نهج الاعتدال"، كما قال الرئيس المنتخب ان انتخابات 14 حزيران/يونيو "انهت كل غموض وكافة القضايا المتعلقة بشرعية النظام". بحسب فرانس برس.

وفي 2009 كان المرشحان الاصلاحيان مير حسين موسوي ومهدي كروبي رفضا اعادة انتخاب احمدي نجاد ونددا بعمليات تزوير واسعة. ودعوا انصارهما الى التظاهر. وتم قمع حركة الاحتجاج بشدة من السلطات التي وضعت المعارضين قيد الاقامة الجبرية في شباط/فبراير 2011، واكد روحاني ان "الحكومة المقبلة لن تكون حزبية ولن تدين لاي حزب او توجه سياسي بالولاء. وستعتمد على الشخصيات الأكفاء من كافة التوجهات السياسية شرط ان يكونوا معتدلين".

التغيير قادم في إيران بعد انتخاب رئيس معتدل.. لكن ببطء

على الصعيد نفسه قال حسين موسويان الذي كان يعمل تحت رئاسة روحاني مباشرة عندما كان كبير المفاوضين النوويين "الدكتور روحاني والزعيم الأعلى صديقان منذ اكثر من أربعة عقود... إنها علاقة ثقة"، والثقة مفتاح لغز الفوز الساحق الذي حققه روحاني المدعوم من الإصلاحيين بعد ما سبق الانتخابات من حملة على الإصلاحين دفعت كثيرين لتوقع فوز احد المرشحين المحافظين، قال علي فايز محلل الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية "المرجح أن هذه النتيجة تحققت بسبب -وليس على الرغم من- الزعيم الأعلى الذي سمح لروحاني بخوض السباق واكتساب زخم والفوز"، ومن غير المرجح أن يسعى الرئيس المنتخب إلى إصلاحات عميقة كما كان يفعل خاتمي لكن منصبه سيوفر له قاعدة سياسية أوسع لإنجاز المهام.

قال روحاني إنه يعتزم التواصل البناء مع العالم وإجراء مفاوضات "أكثر فاعلية" بشأن البرنامج النووي الإيراني بعد أن قوبل تمسك سلفه بموقفه بعقوبات غربية موجعة وتهديدات عسكرية، وقال أيضا إن تعليق تخصيب اليورانيوم غير وارد لكن منهجه الأكثر اعتدالا من الممكن أن يؤدي إلى تحسين العلاقات الفاترة مع القوى الغربية التي تعتقد أن طهران تسعى لصنع أسلحة نووية وهو ما تنفيه إيران.

وأوضحت اسرائيل التي تخشى ذوبان الجليد بين الغرب وإيران أنها لا تتوقع أي تغيير في السياسة النووية لعدوها اللدود ولا يتوقع كثيرون أن تنهي طهران قريبا دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد.

كان خاتمي مديرا للمكتبة الوطنية قبل أن يحقق انتصارا كاسحا في انتخابات الرئاسة عام 1997 مما كان إيذانا بعهد تم فيه تخفيف القيود الصارمة كما انتعشت الصحافة والفنون، لكن المحافظين ذوي النفوذ خاضوا معركة للدفاع عن المؤسسة المحافظة ومنعوا إجراء المزيد من الإصلاحات وحظروا الصحف الإصلاحية.

وعلى العكس من ذلك اكتسب روحاني نزعاته الثورية عبر قربه من مؤسس الجمهورية الإسلامية روح الله الخميني والرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني الذي لم يتأهل للترشح للانتخابات لكن ما زال ينظر له على أنه "أحد أعمدة الجمهورية الإسلامية".

لعب روحاني دورا قياديا محوريا في الحرب الإيرانية العراقية مما عزز مكانته ونفوذه بسبب الأهمية التي أولتها تلك الحرب لتأمين مستقبل الجمهورية الإسلامية.

وكوفيء بسلسلة من المناصب الرفيعة وهو لا يزال عضوا في مجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء وهما مجلسان استشاريان لهما كلمة مسموعة. كما أنه ممثل الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي في المجلس الأعلى للأمن القومي، وقال فايز "إذا ما قارناه بخاتمي فسنجده في وضع أفضل يتيح له الحصول على دعم خامنئي وهو في المنصب"، وتوقع موسويان أن يشكل فريقا يضم إصلاحيين ومحافظين وأصوليين لكنه لن يضم راديكاليين من أي فصيل.

ورغم سعادة الإيرانيين ذوي الفكر الإصلاحي بانتهاء حكم الرئيس المتشدد محمود أحمدي نجاد فإنهم يتساءلون عما إذا كان الرئيس المنتخب قادرا أو راغبا في تحقيق ما وعد به وبدأوا بالفعل يشعرون بخيبة أمل.

ومن أكثر القضايا التي تشغلهم ما إذا كان سيتطرق إلى قضية زعيمين إصلاحيين فرضت عليهما الإقامة الجبرية في المنزل منذ أكثر من عامين بسبب ما قيل عن قيامهما بدور محرض في الاحتجاجات الهائلة التي أعقبت انتخابات الرئاسة في 2009.

وأعاد أنصار الرجلين ذكريات 2009 خلال الحملة الانتخابية لروحاني وهتفوا باسم الرجلين مير حسين موسوي ومهدي كروبي خلال التجمعات الانتخابية وطالبوا بالإفراج عنهما، قال مهدي خلجي وهو زميل في معهد واشنطن "ربما نشهد الإفراج عن موسوي وكروبي. فبعد الانتخابات قد لا يكون لهما دور يقومان به"، غير أن القضية ما زالت حساسة بشدة. وتقرر تقليص مدة أول مؤتمر صحفي رسمي لروحاني منذ انتخابه للرئاسة بعد أن ردد أحد الحاضرين هتافات مؤيدة لموسوي.

ومع تركيز روحاني قبل الانتخابات على الحقوق والحريات ربما يضطر أيضا لمواجهة قضية حقوق الإنسان والتجاوزات التي ترتكبها اجهزة الأمن، لكنه قد لا يتمكن من بسط سيطرته بسلاسة على تلك الأجهزة خاصة بعد أن هزم مرشحيها المفضلين: كبير المفاوضين النوويين الحالي سعيد جليلي ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، وقال اسكندر صادقي بروجردي وهو باحث في شؤون إيران الحديثة بجامعة أوكسفورد "سيتمكن روحاني من تخفيف التوترات والحد قليلا من الأجواء الأمنية التي تخيم على أغلب اجزاء البلاد منذ أربع سنوات"، وأضاف "لكن لن يكون له تأثير كبير أو أي تأثير على وزارة الاستخبارات والحرس الثوري وسوف يجد نفسه في وضع حرج"، وعندما كان خاتمي رئيسا واجه احتجاجات شارك فيها آلاف الطلبة عام 1999 كانوا يحتجون على إغلاق صحف ليبرالية. بحسب رويترز.

واتهم الرئيس الإصلاحي بالوقوف بلا حراك مما أتاح الفرصة للمتشددين لقمع المعارضين مما أسفر عن مقتل عدد منهم، وبعد مرور أيام على الاحتجاجات قال روحاني الذي كان رئيسا للمجلس الأعلى للأمن القومي في ذلك الحين أمام تجمع حاشد مؤيد للحكومة إن قوات الأمن سوف "تتعامل مع هؤلاء الانتهازين والعناصر المثيرة للشغب إذا جرأوا على إظهار وجوههم"، ورغم رسالة التهديد هذه برز أيضا روحاني بوجه عملي يهتم بإحداث تقدم بغض النظر عن الأيديولوجية.

قال أمام التجمع الحاشد ذاته في انتقاد فيما يبدو لأفراد اقتحموا اماكن نوم الطلبة وأوسعوا المحتجين ضربا "احداث الأيام القليلة الماضية تقول لنا إن العنف والميل نحو العنف بأي شكل يدعو للأسف وإن الكل يجب ان يعمل في إطار القانون وسيادة القانون"، ولن تتضح طبيعة التوازن الذي سيسعى روحاني لتحقيقه وهو في منصب الرئاسة لفترة من الوقت. ولن يؤدي اليمين الدستورية إلا في أغسطس آب وسيستغرق اختيار الوزراء وتصديق البرلمان على هذا الاختيار عدة أسابيع، وقال خلجي من معهد واشنطن "روحاني يتيح أفضل فرصة للغرب لكسب الوقت في القضية النووية. سيستغرق وقتا طويلا في تشكيل فريقه ولا يتوقع أحد منه أن يحرز تقدما في الشهر الأول"، وأضاف "إنه تكتيك ماهر جدا".

فوز إصلاحي معتدل في إيران يبشر بتغيير

الى ذلك وجه الناخبون الإيرانيون الذين أرهقتهم سنوات العزلة الاقتصادية والقيود السياسية مطلبا صريحا بالتغيير عندما صوتوا بأغلبية ساحقة لصالح رجل دين معتدل في انتخابات الرئاسة.

وبعد انتظار طويل استقبل ملايين الإيرانيين في الداخل والخارج فوز حسن روحاني بمزيج من الارتياح والفرح بانتهاء ثماني سنوات من حكم الرئيس المحافظ محمود أحمدي نجاد.

قال تريتا بارسي رئيس المجلس الوطني الإيراني الأمريكي "رغم استمرار المتشددين في السيطرة على قطاعات رئيسية من النظام السياسي الإيراني أثبت الوسطيون والإصلاحيون أن بإمكانهم حتى مع تضافر العوامل والظروف ضدهم أن يفوزوا بفضل التأييد الشعبي الذي يتمتعون به."

وبعد إعلان النتائج النهائية وانتهاء لحظات الانتظار العصيبة سعد الإيرانيون بتمكنهم من توصيل رسالتهم لخامنئي الذي هيمن أنصاره على ساحة التنافس في انتخابات الرئاسة.

وجاءت تقارير من شوارع طهران عن أجواء احتفالية وحشود من أنصار روحاني يرتدون اللون البنفسجي رمز حملته الانتخابية ويتجمعون للاحتفال بفوزه. وهتف البعض "أحمدي.. وداعا"،

ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية عن أحمد توكلي وهو عضو محافظ بالبرلمان الإيراني قوله إن روحاني "سيختار الكوادر الأساسية لوزارة الخارجية والمجلس الأعلى للأمن الوطني وهذا سيكون له أثر بالقطع. لكن التوجه العام يقرره الزعيم الأعلى... ومن الطبيعي أن يتعاون السيد روحاني معه"، وهناك تحد آخر يتمثل في قضية اثنين من الإصلاحيين موضوعين قيد الإقامة الجبرية منذ أكثر من عامين بسبب ما يوصف بدورهما النشط في الاحتجاجات التي أعقبت انتخابات عام 2009، وطيلة الحملة الانتخابية كان انصار روحاني يعيدون إلى الأذهان ذكريات 2009 مرددين اسمي الزعيمين مير حسين موسوي ومهدي كروبي وكثفوا الدعوات لإطلاق سراحهما، لكن ذلك يعني مواجهة عناصر قوية من المؤسسة المحافظة قد لا تكون مستعدة بعد للترحيب بمن تصفهم بالمحرضين.

وقال علي أنصاري الاستاذ بجامعة سان أندروس في اسكتلندا "فوز روحاني الساحق لابد وأن يسفر عن شيء جوهري وليس مجرد شكلي وهذا يتطلب أن تعترف قلة قليلة بأن السنوات الثماني الماضية كانت بمثابة انحراف عن الدرب."

وكان روحاني قد تعهد بأن يضع ميثاقا للحقوق المدنية وأن يطبقه وتحدث مدافعا عن حقوق المرأة والأقليات العرقية. وكان ينتقد بشدة أجواء التشديد الأمني قبيل الانتخابات وحظي بمساندة كبيرة من الليبراليين نتيجة لذلك، لكن بدا أن الناخين كانوا منشغلين بدرجة أكبر بالأوضاع الاقتصادية المتدهورة.

حتى الكثير من المحافظين انتقدوا المواقف الايديولوجية الإيرانية التي لم تحقق مصالح المواطنين، وأفاد مقال على موقع تابناك الاخباري الالكتروني المرتبط بمحسن رضائي وهو مرشح محافظ ورئيس سابق للحرس الثوري الإيراني وجاء في المرتبة الرابعة في انتخابات الرئاسة "هزيمة الأصوليين كانت ضرورية"، وأضاف "التيار الأصولي يجب أن يفهم أنه لا يمكن ان يكون المرء غير كفء ويتوقع أن تستمر جماهير الناس في تأييده."

ورغم دعوات النشطاء المحافظين الواسعة للتجمع وراء مرشح واحد ظل ثلاثة من كبار مرشحيهم في ساحة المنافسة ما أدى إلى تفريق الاصوات بينهم.

وجاء سعيد جليلي المفاوض النووي الذي كان من المتوقع أن يكون في المقدمة في المرتبة الثالثة، وقالت فريدة فرحي من جامعة هاواي "الإيرانيون قلقون على مستقبلهم. (احتمال) فوز جليلي بالرئاسة وتشديد المناخ الأمني في الداخل - أعتقد ان الناس تصوروا انه سيقود إلى وضع مواجهة داخل البلاد"، وقال علي واعظ المحلل بمجموعة الأزمات الدولية "فوز روحاني أعاد بالفعل الثقة إلى النظام الانتخابي الإيراني الذي وصم بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009"، وأضاف "تذكروا أن إيران تحكمها مؤسسات معقدة ومراكز سلطة متنافسة تحبذ دوما الاستمرار على حالها وليس التغيير الجذري".

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تموز/2013 - 26/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م