مصر الآن تمثل تحدياً سياسياً لحاكم قطر الجديد

سايمون هندرسون

 

على الرغم من أن الاحتجاجات التي دارت في شوارع القاهرة ومدن أخرى قد قررت مستقبل مصر، إلا أن قطر تستطيع أيضاً أن تلعب دوراً حيوياً في قدرة جماعة «الإخوان المسلمين» على البقاء في السلطة. وكانت هذه الدولة الصغيرة الواقعة على الخليج الفارسي من أوائل الدول العربية التي تعترف بالحكومة العسكرية الأولية في مرحلة ما بعد مبارك، وينظر إليها منذ ذلك الحين باعتبارها أكبر داعم ومساند لحزب «الإخوان» الحاكم.

والآن يبدو أن الحكمة من استثمار الكثير من النفوذ والأموال في مصر أصبحت محل شك. فقد أصبحت قطر ممقوتة من جانب قطاعات عريضة من المصريين العاديين الذين يرون، وربما يكونوا مخطئين في ذلك، أن الإمارة تستغل ثروتها الهائلة من الغاز الطبيعي لشراء أصول مصرية (لدرجة تشمل قناة السويس أيضاً) بأسعار رخيصة. وعلى نحو مماثل، فإن الخصوم السياسيين لجماعة «الإخوان» يتهمون قطر بتمويل الحزب وتوفير حقائب نقود لزعمائه بينما تشعر الولايات المتحدة ودول أخرى بالإستياء جراء إرسال قطر كميات ضخمة من المساعدات -- تقدر بنحو 5 مليار دولار على الأقل، وربما تصل إلى 8 مليار دولار في بعض التقديرات -- دون المطالبة بإدخال تغييرات على الإعانات الاقتصادية المعيبة للقاهرة. وفي دول الخليج، يمقت كذلك جيران قطر من الدول العربية نهج الدوحة في التعامل مع مصر، نظراً لبغضهم لـ«الإخوان».

وإجمالاً، أصبحت مصر معضلة سياسية شائكة لحاكم قطر الجديد، الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، والذي تولى السلطة لدى تخلي والده عن العرش الأسبوع الماضي. إذ يجب عليه الآن أن يقرر ما إذا كان سيواصل الدعم المالي لجماعة «الإخوان» أم سيجمد ذلك الدعم إلى حين الوصول إلى تسوية سياسية مع المعارضة. ومما يزيد الأمر تعقيداً أن الأمير تميم يفتقر إلى الخبرة حول هذه المسألة: فرغم أنه زار القاهرة بعد فترة وجيزة من الثورة، عندما كان لا يزال ولياً للعهد، إلا أن الجزء الأكبر من سياسة الإمارة للارتباط بمصر الجديدة كانت تحت قيادة الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الذي أعفاه الأمير تميم عن الخدمة الأسبوع الماضي. وفي 2 تموز/يوليو، فقد الشيخ حمد منصبه كرئيس لـ "جهاز قطر للاستثمار" الذي شغله لفترة طويلة، ويعتبر هذا الجهاز "صندوق الثروة السيادية" للبلاد الذي تزيد أرصدته عن 100 مليار دولار. ولم يتم بعد تفسير سبب عزله عن منصبه، رغم أنه قال بطريقة كاشفة "إنه وصل إلى نهاية حياته المهنية".

ولا يزال المسؤولون القطريون يصورون هذه التغييرات كما لو كانت انتقالاً سلساً ومخططاً للسلطة. لكن الفوضى في مصر -- إلى جانب الدعم القوي من قطر للثوار في سوريا والحكومة الجديدة في ليبيا -- سوف تمثل مجالات اختبار للقدرة الإدارية لدول أكبر بكثير، ناهيك عن قطر.

وأثناء حديثه في واشنطن في نيسان/أبريل، أشار حمد بن جاسم إلى أن الدوحة بدأت تدعم مصر مالياً قبل أن تُسفر الانتخابات عن مجيء جماعة «الإخوان» إلى السلطة في البلاد. وقد أكد على التزام دولته تجاه الحكومة المصرية، لكنه لاحظ أنهم "اليوم يختارون حكومة إسلامية. وربما يختارون غداً حكومة أخرى... وبغض النظر عما يقرره شعب مصر، فسوف نحترم اختياراته". كما صرح "أننا لا نريد أحداً أن يتدخل في شؤوننا في قطر... فنحن نحترم إرادة الشعوب في الدول الأخرى". وفي حين لا يرجح أن يشعر تميم بقيود جراء تصريحات حمد بن جاسم، إلا أنه سوف يفضل على الأرجح ألا يغير اتجاه سياسة قطر تجاه مصر في وقت مبكر من حكمه، حيث إنها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بوالده، الذي يعرف رسمياً الآن باسم "الأمير الوالد".

وبالنسبة لواشنطن، لا تزال قطر شريكاً هاماً، حيث توفر قاعدة جوية رئيسية للقوات الأمريكية وتشارك في العديد من وجهات النظر السياسية العامة رغم اختلافها حول التفاصيل في بعض الأحيان. وعلى الرغم من أن الوضع في القاهرة قد يكون محرجاً للزعيم القطري الجديد، إلا أن واشنطن لا تزال بحاجة إلى استغلال نفوذ الإمارة المنحسر في مصر. وفي وقت مبكر من الثالث من تموز/يوليو، زار وفد مجلس الشيوخ الأميركي برئاسة جون ماكين وليندسي غراهام، الأمير تميم في الدوحة، وليس هناك شك بأن اللقاء كان فرصة للإطلاع على آراء الزعيم الجديد حول مصر، من بين أمور أخرى. وستكون هذه المعلومات حاسمة في الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على إيجاد سبل للمساعدة في حل الأزمة المصرية بسرعة.

* سايمون هندرسون هو زميل بيكر ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن

http://www.washingtoninstitute.org/

.........................................

نبذة عن معهد واشنطن

الجدير بالذكر ان معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بحسب موقعه الالكتروني أسس عام 1985 لترقية فهم متوازن وواقعي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. وبتوجيه من مجلس مستشارين بارز من كلا الحزبين من اجل توفير العلوم والأبحاث للإسهام في صنع السياسة الأمريكية في هذه المنطقة الحيوية من العالم.

وينقل موقع تقرير واشنطن الالكتروني إن الهدف من تأسيسه كان دعم المواقف الإسرائيلية من خلال قطاع الأبحاث ومراكز البحوث وان لجنة العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية المعروفة بإيباك كانت المؤسسة الأم للمعهد حيث أن مديره المؤسس هو مارتن إنديك رئيس قسم الأبحاث السابق باللجنة. وتزعم المنظمة أنها اختارت مصطلح "الشرق الأدنى" لتعريف الهوية الذاتية للمعهد (بدلا من "الشرق الأوسط) لأنه المصطلح المعترف به في الخارجية الأمريكي لوصف العالم العربي والدول المجاورة.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 6/تموز/2013 - 26/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م