الاقتصاد العالمي... بين صعود أسيا وتراجع أوروبا

كمال عبيد

 

شبكة النبأ: يبدو أن الاقتصاد العالمي هذا العام اقل حيوية لكن اكثر استقرارا، مما يعني انه  يتجه الى فترة سيكون فيها النمو ابطأ لكنه اقل تعرضا للتقلبات وخصوصا تلك التي سببها القطاع المصرفي، مما يثير مخاوف دخول الاقتصاد العالمي مرحلة اكثر صعوبة في المستقبل القريب، وذلك بناء على تراجع معدلات النمو الاقتصادي في كل من المانيا وفرنسا والصين، وعلى الرغم من ان الصين زعيمة القوى الناشئة، تعطي في الوقت نفسه بعض اشارات التباطؤ، في حين لا تزال منطقة اليورو، التي تترسخ فيها حالة الركود اكثر فاكثر مع تسجيلها انكماشا مصدر القلق الرئيسي للاقتصاد العالمي.

فعلى الرغم من ان الانتعاش الاقتصادي العالمي يتحسن بفضل العمل النشط للمصارف المركزية لكنه يبقى مهددا بسبب استمرار الركود في اوروبا.

فبعد خمس سنوات تقريبا على اندلاع الازمة المالية، يشكل التفتت المتزايد للاقتصاد العالمي، بين دينامية البلدان الناشئة ومقاومة الولايات المتحدة والتراجع المستمر لمنطقة اليورو، خطرا على الافاق الاقتصادية العالمية كما دللت عليه حالة جمهورية قبرص، مما يعني انه ما من دولة بمنأى عن الاضطرابات الاقتصادية الاجتماعية، على الرغم من أن بعض دول النامية تشهد تطورا كبيرا بفضل اصلاحات بنيوية واجتماعية لضمان نمو دائم كما هو الحال في البرازيل وتركيا، فضلا عن نهوض اليابان التي تبدو انها تخرج اخيرا من جمودها الاقتصادي، الا أن الاقتصاد العالمي برمته سيعاني في عام 2013 من حالة تباطؤ كبير جدا، إذا ما تمكنت بلدان العالم ومؤسساته المالية من التعامل بمرونة للتغلب على العديد من الأزمات، وبالأخص أزمة منطقة اليورو.

اقتصاد العالم اقل حيوية وأكثر استقرار في 2013

فقد قال البنك الدولي في تقديراته نصف السنوية التي نشرت انه يتوقع تباطؤا في النمو الاقتصادي في العالم في 2013 بتأثير من منطقة اليورو من جديد لكنه رأى ان الاقتصاد سيصبح اكثر "استقرارا" عما كان عليه قبل الازمة، ويتوقع البنك ان يبلغ النمو 2,2% هذا العام في العالم و5,1% في الدول النامية، اي بتراجع طفيف عن النمو في العالم في 2012 الذي بلغ 2,3 بالمئة، وتقديراته السابقة التي نشرت في كانون الثاني/يناير وتحدث فيها عن 2,4 بالمئة، وقال كبير الاقتصاديين في البنك الدولي كوشيك باسو خلال مؤتمر صحافي "توقعاتنا هي تقريبا نفسها التي كانت قبل ستة اشهر في اقتصاد عالمي متقلب وكون وجود فترتين بدون تغيير كبير هو خبر سار".

ولكن التغيير الاكبر في التقديرات يتعلق بمنطقة اليورو (من -0,1% الى -0,6%) حيث النمو ما زال بطيئا بسبب "ضعف مستوى الثقة وكذلك بسبب اعادة هيكلة ميزانية ومصرفية ما زالت جارية"، حسب تقرير البنك الدولي، ومن الضحايا الجانبيين لازمة منطقة اليورو، احد شركائها التجاريين الاساسيين اي المغرب العربي والشرق الاوسط. وقال البنك الدولي ان هذه المنطقة ما زالت تتأثر بتداعيات "الربيع العربي" حتى وان كانت هناك اشارات "لتحسن الوضع" في تونس والمغرب، وتوقع خبراء ان تبلغ نسبة النمو في هذه المنطقة 2,5 بالمئة. بحسب فرانس برس.

اما افريقيا جنوب الصحراء فيفترض ان تصمد هذه السنة وان تشهد نموا تبلغ نسبته 4,9 بالمئة مدفوعا "بطلب داخلي كبير" و"ارتفاع" تحويلات المغتربين، اما الصين القوة الاقتصادية الثانية في العالم فيفترض ان يتباطأ نموها 0,1 نقطة ليبلغ 7,7 بالمئة مما سيسمح بتصحيح بعض الافراط وخصوصا في مستوى الاستثمار "غير القابل للاستمرار" في البلاد، حسب البنك الدولي، واعرب بيسو عن ارتياحه لان اسعار المواد الاولية بدأت بالتراجع وان كانت عائدات بعض الدول المصدرة قد تتأثر.

من جهتها عبرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد عن خشيتها امكان ان يدخل الاقتصاد العالمي "مرحلة اكثر صعوبة" وذلك بناء على المراجعة التي اجراها الصندوق مؤخرا لبياناته وخفض فيها توقعاته لمعدلات النمو الاقتصادي في كل من المانيا وفرنسا والصين، وقالت لاغارد في خطاب امام معهد بروكينغز للابحاث في واشنطن "هناك بعض ملامح توجهات اكثر تشاؤما. البيانات الأخيرة، على سبيل المثال، تؤشر الى بعض التباطؤ في النمو"، وفي مراجعة لارقامه خفض صندوق النقد بنسبة طفيفة توقعاته لمعدل النمو الاقتصادي في 2013 في فرنسا وذلك غداة تخفيضه الى النصف توقعاته للنمو في المانيا (0,3%)، علما انه في نهاية ايار/مايو اجرى مراجعة مماثلة لتوقعاته للاقتصاد الصيني خفض فيها نسبة النمو المتوقعة من 8% الى حوالى 7,75%". بحسب فرانس برس.

الركود في اوروبا ما زال يهدد الاقتصاد العالمي

في حين اعلنت منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في توقعاتها الاقتصادية ان الانتعاش الاقتصادي العالمي يتحسن بفضل العمل النشط للمصارف المركزية لكنه يبقى مهددا بسبب استمرار الركود في اوروبا.

وخفض خبراء المنظمة توقعاتها للنمو بالنسبة لجميع القوى الاقتصادية الكبرى باستثناء اليابان لكنهم توقعوا ان تصل نسبة النمو العالمي الى 3,1% هذه السنة مقابل 3,4% في توقعاتها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، وتحدثت المنظمة عن تفاقم الانكماش في منطقة اليورو هذا العام ليصل الى -0,6% بعدما كانت تتوقع سابقا -0,1%. وتعود المنطقة الى النمو العام القادم لكن بمستوى متواضع عند 1,1 بالمئة (مقابل 1,3 بالمئة متوقعة سابقا).

وكتب كبير اقتصاديي المنظمة بيير كارلو بادوان في التقرير ان ضعف النشاط قد يتطور الى "ركود مع عواقب سلبية على الاقتصاد العالمي"، كما حذر امين عام المنظمة انغيل غوريا في مؤتمر صحافي من انه في اوروبا "ما زال الوضع هشا بشكل خاص"، فقد بلغت البطالة في اوروبا مستويات قياسية و"تبقى التحدي الاكثر خطورة الذي تواجهه الحكومات، بحسب تقرير المنظمة التي تتخذ باريس مقرا.

في المقابل تمت زيادة توقعات النمو لليابان حيث غير البنك المركزي الوضع بشكل جذري عبر سياسة نقدية ادت الى تحسن "لافت" بحسب خبراء المنظمة، ولذلك فان توقعات النمو في اليابان ارتفعت بشكل ملحوظ من 0,7% الى 1,6% هذا العام. كما ان تحسن اجمالي الناتج الداخلي يمكن ان يتراجع الى 1,4% في 2014، الا ان ذلك لا يزال يشكل تقدما يفوق بشكل كبير ما كان متوقعا في تشرين الثاني/نوفمبر (0,8%).

في الولايات المتحدة، تحسن النمو خصوصا بفضل تصحيح القطاع المالي وعودة الثقة. ومن المفترض ان يسجل 1,9% هذا العام مقابل 2% كانت متوقعة في تشرين الثاني/نوفمبر، على ان يعود ليرتفع الى 2,8% في 2014. وهذا التراجع الطفيف في 2013 بالمقارنة مع التوقعات السابقة، يعود خصوصا الى انعكاسات الاقتطاعات التلقائية في الموازنة والتي دخلت حيز التنفيذ هذا العام بعد فشل الكونغرس في التوصل الى اتفاق حول خفض العجز الاميركي، بالتالي على البنك المركزي الاميركي ان يواصل دعمه الاستثنائي بحسب بادوان، وان كان يتعين على هذه السياسة النقدية التوسعية "التباطؤ تدريجيا".

في الصين، غير العضو في المنظمة، فان النمو في 2013 "سيكون اقل من المتوقع وذلك للعام الثاني على التوالي"، بحسب المنظمة. واعلن صندوق النقد الدولي انه خفض من 8% الى "نحو 7,75% تقريبا" توقعاته للنمو في الصين في 2013. بحسب فرانس برس.

وفي العام 2014، من المفترض ان يؤدي تسارع التبادلات الدولية الى تحفيز الاقتصاد وان يرفع النمو ال 8,4% بحسب تقرير المنظمة. وفي هذا الاطار، وبالنظر الى مستوى التضخم المتدني "يمكن ان تحصل ليونة في السياسة النقدية"، بحسب خبراء المنظمة، بشكل عام رحبت المنظمة بعمل المصارف المركزية في جميع الاقتصادات الكبرى في العالم، وشجعت منطقة اليورو على بذل المزيد على هذا المستوى. وكتب بادوان "المطلوب مرونة اضافية للسياسة النقدية في منطقة اليورو"، لكن غوريا حذر امام الصحافة من ان السياسات النقدية بلغت حدودها القصوى تقريبا حيث ينبغي على الحكومات تولي المسؤوليات عبر اجراء اصلاحات هيكلية.

غير ان البنك المركزي الاوروبي يملك هامش مناورة كبير بحسب المنظمة. وعليه بحث اجراءات جديدة غير تقليدية لحث المصارف على اقراض المؤسسات والافراد ولا سيما في الدول الاكثر هشاشة، واعتبرت المنظمة ان تحديد نسبة سلبية على الاموا المودعة من البنوك الاوروبية لدى البنك المركزي الاوروبي سيكون من شانه تشجيع هذه القروض خصوصا في البلدان الاكثر هشاشة مثل اسبانيا وايطاليا. وفي ايطاليا سيتواصل الانكماش طوال العام 2013 لان آثار التقشف في مستوى الميزانية وتضييق شروط منح القروض، يكبحان النشاط الاقتصادي، بحسب التقرير، في اسبانيا توقع التقرير تواصل انكماش الاقتصاد في 2013 قبل ان يعود ببطء الى النمو في 2014 في ضوء انتعاش منطقة اليورو، بحسب المصدر ذاته.

تفتت الاقتصاد العالمي وتراجع منطقة اليورو

على الصعيد نفسه قال كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي اوليفيه بلانشار في مؤتمر صحافي "نحن في وضع افضل ... لكننا لم نخرج بعد من الازمة"، وتجد هذه اللوحة القاتمة ترجمتها بالارقام. فقد اعاد صندوق النقد الدولي النظر في اجمالي الناتج العالمي وتوقع ان يبلغ 3,3% هذه السنة، في مقابل 3,5% كانت متوقعة في كانون الثاني/يناير، و3,2% العام الماضي، كما افاد صندوق النقد في تقريره الفصلي، وتواصل منطقة اليورو، خصوصا الوضع في قبرص وايطاليا، استقطاب هواجس صندوق النقد الذي يعقد جمعيته العمومية هذا الاسبوع في واشنطن.

واضاف بلانشار ان "الفراغ في منطقة اليورو امر مثير للقلق"، مشيرا الى الصعوبات التي تواجهها المؤسسات والافراد للاقتراض في البلدان "المحيطة" بالمنطقة و"الغموض الكبير" حول وضع بعض المصارف، وفيما تتكاثر الخطط الاقتصادية في اوروبا، يعرب صندوق النقد الدولي ايضا في تقريره عن قلقه من "وهن" متصل بخطط التقشف، واعتبر كبير الخبراء الاقتصاديين انه "اذا ما توافرت لاحد البلدان الامكانية، من الضروري ان يفكر في ما يمكن القيام به لخفض وتيرة تصحيح الميزانية حتى تحافظ على صدقيتها، على الا ينجم عنها تأثير سلبي على الطلب"، مشددا على ضرورة ان تعيد بريطانيا النظر في سياسة التقشف التي تطبقها.

وهذا ليس الخطر الوحيد الذي يكشف عنه صندوق النقد الدولي. ولأنها المنطقة الوحيدة التي تواجه كسادا في العالم، تشهد اوروبا مزيدا من التراجع مقارنة بالمناطق الاخرى، مما يؤدي الى تعقيد التعاون بين البلدان والبحث عن حلول شاملة، وكتب اوليفييه بلانشار في مقدمة التقرير ان "ما كان حتى الان انتعاشا بسرعتين -قويا في البلدان الناشئة لكنه ضعيف في الاقتصادات المتقدمة-، بات انتعاشا بثلاث سرعات"، مشيرا الى تزايد "الفارق" بين الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة، وستواجه الولايات المتحدة التي ارهقتها الاقتطاعات التلقائية في الميزانية، حالا من المراوحة هذه السنة (+1,9%، بتراجع 0,2 نقطة)، لكنها ستبقى في وضع تحسد عليه "بفضل طلب داخلي متين"، كما يقول صندوق النقد الدولي.

لكن صندوق النقد يعرب عن "قلقه" من الا تبصر النور اي خطة تتمتع بالصدقية لخفض العجز في البلاد، فيما سيرفع سقف الدين لتجنب العجز عن الدفع، ولا تواجه كبرى البلدان الناشئة هذه المشكلة. وعلى رغم تراجع توقعات النمو في الصين (+8,0%) وخصوصا في البرازيل (3,0%)، يتوقع ان تؤكد حيويتها هذه السنة والاستمرار في حمل الاقتصاد العالمي. بحسب فرانس برس.

واعتبر صندوق النقد ان "الصين عادت الى وتيرة نمو سليمة"، لكن الصندوق كشف عن "استثناء" يتمثل بالمغرب العربي والشرق الاوسط، حيث من المتوقع ان يتباطأ تقدم النشاط بالمقارنة مع 2012 بسبب "عمليات الانتقال السياسي" في عدد من البلدان التي يحاول صندوق النقد ابرام اتفاق معها (مصر، تونس ...)، ويعرب صندوق النقد الذي خرج من جبهة النمو عن ارتياحه لتراجع بعض الاختلالات العالمية وينتقد مرة اخرى فرضية اندلاع حرب عملات ويصفها بأنها "مبالغ فيها"، وفيما عمدت اليابان الى تليين سياستها النقدية، دافع صندوق النقد الدولي من جديد عن التدابير التي اتخذتها المصارف المركزية لمعالجة الازمة (خفض نسبة الفوائد وضخ السيولة). لكنه حذر من بعض النتائج غير المرغوب فيها لهذه السياسات، كتدفق رؤوس الاموال المقوضة للاستقرار نحو البلدان الناشئة، وخلص بلانشار الى القول "يتعين فعلا مراقبة هذه الامور".

النهوض الاقتصادي في اليابان يدفع البعض في اوروبا الى الحلم بالخروج من الازمة

الى ذلك نشرت طوكيو رقم نموها الاقتصادي في الفصل الثاني من العام والذي بدا مميزا مع 0,9 بالمئة، مما يشهد على تسارع النشاط الاقتصادي بعد اكثر من عقد مفقود بالنسبة الى اجمالي الناتج الداخلي الغارق في الانكماش.

ولفت كريستيان شولتز الخبير الاقتصادي في بنك برنبرغ الالماني الخاص قائلا "بعد يوم واحد من تاكيد منطقة اليورو تسجيل فصل سادس من الانكماش على التوالي، نشرت اليابان رقما قويا من+0,9 بالمئة".

وراى الخبير الاقتصادي ان "سياسة الحكومة الجديدة برئاسة (شينزو) ابيه، هي مزيج من سياسة نقدية قوية وتحفيز مالي بدأ يعمل"، وقرر بنك اليابان (المركزي) اخيرا اصلاح سياسته عبر مضاعفة الكتلة النقدية بعمليات شراء مكثفة لاصول من بينها سندات دولة، بهدف القضاء على الانكماش ودفع النشاط، وهذا التسارع الكبير لسياسة التليين التي بدات منذ وقت طويل، اضعف ايضا سعر صرف الين وشجع الصادرات. خصوصا وان المستهلكين استعادوا الثقة واعادوا تحريك الاستهلاك الداخلي، واعتبر المحللون في شركة "سي ام-سي آي سي للابحاث الاستراتيجية" ان ارقام النمو هذه "ستعزز بذلك التوقعات المتعلقة بمواصلة السياستين النقدية والمالية المناسبتين جدا بهدف دعم بداية هذا النهوض".

وفي الولايات المتحدة، دافع الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) ايضا عن سياسة تليين نقدية. لكن في اوروبا، لا يملك البنك المركزي الاوروبي الذي يتحرك في اطار تفويض صارم جدا وتحت اعين المانيا المناهضة لاي افراط في اصدار الاوراق النقدية، الادوات نفسها، وبالتاكيد، فقد خفض معدل فائدته الرئيسية الى مستوى تاريخي ويقول انه يدرس كل الادوات التي في حوزته. لكن الالية الوحيدة المشابهة لما طبقه البنك المركزي الياباني، اي برنامج شراء السندات السيادية (او ام تي)، تخضع لاطار ضيق جدا. ومع ذلك فانه لم يتم استخدامها حتى الان.

وتنص هذه الالية على ان يقوم البنك المركزي الاوروبي بشراء سندات دولة قصيرة الامد بشكل غير محدد. وستكون النتيجة النهائية النظرية عندئذ قريبة من الاجراءات اليابانية: ضخ كميات كبيرة من السيولة لتحريك العجلة. بحسب فرانس برس.

وحدها السندات السيادية (او ام تي) تخضع لشروط قاسية وخصوصا لطلب رسمي من دولة عضو. ذلك ان العواصم الاوروبية لا تريد ان تقوم بهذا الطلب خشية التعرض لانتقادات، لكن في اطار الاجواء العامة السائدة في اوروبا حيث تصطدم الدعوات الى انعاش النمو بسياسة اصلاح المالية العامة، تطالب بعض الاصوات باعتماد اجراءات التليين هذه، واكد وزير تشجيع الانتاج الفرنسي ارنو مونتيبورغ اخيرا في مقابلة شارك فيها كبير الاقتصاديين السابق في البنك المركزي الاوروبي يورغن ستارك، ان "السياسة النقدية بالتليين الكمي ادت الى نتائج مفيدة في الولايات المتحدة"، واضاف "لا نعرف ما اذا كان هذا الامر سيستمر والنتائج في اليابان لا يمكن قياسها الآن. لكن خطر التضخم معدوم وبالتالي فان السياسة النقدية الاوروبية يمكن ان تؤدي الى ذلك في نهاية المطاف".

وعارض ستارك هذا الطرح. وقال "حتى الاميركيين يتساءلون ان كان الانتعاش الناشىء بطريقة مصطنعة سيكون دائما"، مؤكدا ان "تطبيق اصدار الاوراق النقدية لا يساعد لان الافراط في السيولة يخلق طفرة مضاربات جديدة"، وكان كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية بيار كارلو بادوان اعلن في آذار/مارس "في منطقة اليورو لا يزال هناك بعض الهامش لمزيد من تليين السياسة النقدية نظرا لضعف الطلب وتضخم دون الهدف الذي حدده البنك المركزي الاوروبي".

ما من دولة بمنأى عن الاضطرابات الاجتماعية

على صعيد ذو صلة قال رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم في مقابلة حصرية انه ما من بلد "بمنأى" عن اضطرابات مماثلة لتلك التي تهز البرازيل وريو دي جانيرو، داعيا مؤسسته الى مكافحة "الخوف من المجازفة"، وهذا الطبيب السابق والجامعي الاميركي الذي تم تعيينه منذ عام على راس هذه المؤسسة المالية الدولية، يتابع من كثب التظاهرات الحاشدة في هاتين الدولتين الناشئتين الكبريين اللتين رفعتا من شأن النمو العالمي في السنوات الاخيرة، بدلا من اوروبا والولايات المتحدة، واكد رئيس البنك الدولي البالغ من العمر 53 عاما من احدى قاعات مقار البنك الدولي في واشنطن، ان "اي بلد ليس بمنأى من هذا النوع من تحركات المواطنين الذين يحتشدون للمطالبة بالمزيد"، وبالنسبة الى "الدكتور كيم"، فان البرازيل مثل تركيا "فعلتا الكثير" بالتاكيد لاعادة توزيع ثمار النمو الاقتصادي في السنوات الاخيرة لكن "لا يزال هناك الكثير من التفاوت"ـ ويقول كيم "سيكون هناك صعود وهبوط لكن من الاهمية بمكان ان لا نبالغ في رد الفعل".

ولدى رئيس البنك الدولي افكار اخرى في ذهنه وخصوصا مشروعه الكبير لاستئصال الفقر المدقع من الان وحتى العام 2030، وقال "لا يزال هناك 1,2 مليار شخص يعيشون باقل من 1,25 دولار في اليوم وهذه وصمة عار على ضميرنا الجماعي"، وردا على سؤال عما اذا كان لا يخشى من ان يثير توقعات كبيرة؟، اجاب "اعتقد ان توقعات كبيرة هي بالتحديد ما نحن بحاجة اليه"، مضيفا انه "ينبغي عدم تجاهل" اي بلد في مكافحة الفقر وخصوصا مالي ودول الساحل، وقال كيم ايضا ان "هذا الهدف يعطينا سببا طارئا اضافيا لم يكن لدينا في ما مضى"، داعيا كل دولة الى التفكير بوسائل لدفع اقتصادها. بحسب فرانس برس.

لكن واجبا اخر يطرح نفسه: لقد دق البنك الدولي اخيرا ناقوس الخطر حول اضرار الاحتباس الحراري وسيفكر من الان فصاعدا في وسائل دعم النمو من دون ان يزيد من تفاقم انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون، ويؤكد رئيس البنك الدولي ان هناك حلولا، متطرقا خصوصا الى محطات صغيرة للطاقة الشمسية او الهوائية في افريقيا. وينبغي تشجيع تنمية الزراعة ايضا لان الامر يتعلق برايه بالنشاط الوحيد الذي يتيح "رد الكربون" الى الارض، لكن كيم يريد ان يبدو واقعيا. فقال "سيكون من المستحيل ترشيد التوجه منذ الان نحو عالم من دون طاقات احفورية"، مضيفا ان الدول الناشئة لن تقبل عواقبها، وهذه الدول "لم تصدر الكثير من انبعاثات الكربون وستجد نفسها اليوم محرومة من الطاقة لاننا نحن الدول الغنية القينا الكثير من الكربون في الجو. هذا امر غير مقبول بالنسبة اليها"، كما قال، وهذه ليست ورشة العمل الوحيدة لهذا الطبيب من اصل كوري جنوبي الذي وصل الى الولايات المتحدة في سن الخامسة. واقر بان التباحث بشان وزن الدول الناشئة داخل البنك الدولي سيحصل "في غضون بضع سنوات"، وتوقع قائلا ان "النقاشات ستكون متوترة"، رافضا التكهن بما ستتوصل اليه، وبصورة اكثر تكتما، اطلق جيم يونغ كيم ايضا فكرة للبحث داخل المؤسسة لاستئصال "ثقافة الخوف" السائدة برايه داخل البنك الدولي.

وبحسب تشخيصه للامر، فان بعضا من حوالى 10 الاف موظف في البنك الدولي سيتوقفون عن "الخوف من المجازفة" الذي قد يعرقل عملهم ومبادراتهم، واعتبر كيم ان "التنمية عمل فيه مجازفة". وقال "ينبغي ان ننتقل من ثقافة الخوف من الفشل الى ثقافة عمل اي شيء للحصول على نتائج في الوقت الذي نعرف فيه انه سيكون هناك فشل"، وخلص الى القول ان "اكبر مجازفة ستكون عدم الاقدام على المجازفة".

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 4/تموز/2013 - 24/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م