عقوبات إيران والأزمة النووية.. انفراجه مرتقبة

 

شبكة النبأ: تعد العقوبات الاقتصادية الغربية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية إحدى الأدوات الرئيسية التي يستخدمها الغرب وخاصة واشنطن في إستراتيجيتها لحرمان إيران من تمويل برنامجها النووي الذي يرتاب الغرب في أنه يهدف لإنتاج أسلحة نووية بينما تصر إيران على أنه مخصص للأغراض السلمية.

حيث يشكل تخصيب اليورانيوم العقبة الرئيسية في الازمة المستمرة منذ عقد حول برنامج ايران النووي نظرا لان هذه العملية يمكن ان تؤدي الى استخدام اليورانيوم كوقود نووي او نواة متفجرة لقنبلة ذرية، لكن أظهرت بعض التطورات والمستجدات على هذا الصعيد خيط امل غير مسبوق باحداث انفراج في الازمة النووية وذلك باستعداد طهران لتقديم تنازل كبير في مسالة تخصيب اليورانيوم، وفي حال تم ذلك يرى المحللون انها الخطوة ستكون اكبر تنازل تقدمه طهران منذ سنوات بشان هذه الازمة. خصوصا وان العقوبات الاخيرة دفعت بصادرات النفط الإيراني لأدنى مستوى في عقود.

عندما اعلنت الولايات المتحدة في الاونة الاخيرة سلسلة عقوبات جديدة ضد ايران المتهمة بمحاولة امتلاك السلاح الذري تخت غطاء برنامج نووي مدني، واستهدفت العقوبات الاخيرة خصوصا العملة الوطنية الايرانية، الريال، اضافة الى قطاعي السيارات والبتروكيميائيات، حيث تخضع ايران لسلسلة عقوبات من الامم المتحدة تم تشديدها بحصار مصرفي ومالي من الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة بعد ان كانت في البداية تستهدف القطاع النووي والدفاع، واصبحت تضر بالاقتصاد الايراني بشكل اوسع متسببة بقلق لدى ابناء الشعب الايراني وحتى القادة.

فيما تشهد المحادثات الدبلوماسية بين ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الصين والمانيا) مراوحة منذ سنوات عدة بشأن مسألة تعليق تخصيب اليورانيوم، الا ان محللين حذروا من المبالغة في تقدير التحول في الموقف الايراني نظرا الى ان السياسة الخارجية والامنية للبلاد لا تزال تحت سيطرة المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية اية الله علي خامنئي.

في حين يثير قرار الولايات المتحدة تخفيف عقوباتها على ايران بسماحها بتصدير تجهيزات هاتفية وبرمجيات تسهل استعمال الانترنت، يرى بعض المراقبين ان واشطن استخدمت اسلوب آخر لضغط على النظام الايراني وذلك برفع الحظر على مبيعات اجهزة الاتصالات لايران لتسهيل استخدام الانترنت لمساعدة الايرانيين على تجاوز الرقابة والقيود التي تفرضها الحكومة الايرانية على الانترنت.

وعليه فأن المعطيات آنفة الذكر تطرح العديد من التساؤلات والتكهنات حول تطورات ملف العقوبات الإيرانية، فهل ممكن ان تقدم إيران برئاستها البراغماتية الجديدة تنازلات حول ملفها النووي لتخفف من وطئ العقوبات الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.

محكمة بريطانية ترفع عقوبات عن مصرف ملي إيران

في سياق متصل قضت المحكمة العليا في المملكة المتحدة، بإلغاء عقوبات فرضتها الحكومة البريطانية على مصرف "ملي إيران" إثر فشل الحكومة البريطانية في إيجاد أدلة دامغة تثبت صلته بالبرنامج النووي الإيراني، ويشار إلى أن المحكمة العليا كانت قد عقدت في مارس/آذار الفائت أول جلسة سرية في تاريخها للنظر في أدلة بشأن بوجود روابط بين، المصرف الذي يعتبر من أكبر المصارف الإيرانية الخاصة، والبرنامج النووي للجمهورية الاسلامية حيث إن الحكومة البريطانية لا تريد الإفصاح عن هذه الأدلة علانية، وقال مكتب محاماة ساروش زايوالا، الذي يمثل "ملي إيران"، إن المحكمة قضت بعدم قانونية العقوبات بدعوى تقديم المصرف تسهيلات للبرنامج النووي الإيراني. بحسب السي ان ان.

وفرضت الحكومة البريطانية عقوبات على "ملي إيران" عام 2009 بمقتضى بنود قانون مكافحة الارهاب بحجة قيام المصرف بشكل غير مباشر بمساعدة البرنامج النووي للحكومة الايرانية، وهي اتهامات نفاها البنك وأقام دعوى قضائية في المحكمة العليا لإلغاء قرار العقوبات.

روسيا تدعو الغربيين الى تخفيف العقوبات على ايران

من جهتها دعت روسيا بلسان وزير خارجيتها سيرغي لافروف الغرب الى تخفيف العقوبات المفروضة على طهران متحدثا عن ظهور امل غير مسبوق باحداث انفراج في الازمة النووية فيما تستعد ظهران لتقديم تنازل كبير في مسالة تخصيب اليورانيوم، وقال لافروف ان ايران مستعدة الان للموافقة على تعليق نشاطاتها لتخصيب اليورانيوم الى نسبة 20%، وجاءت تصريحات لافروف لتضاف الى مشاعر التفاؤل الحذر التي تلت انتخاب رجل الدين المعتدل حسن روحاني رئيسا لايران خلفا للرئيس المتشدد محمود احمدي نجاد.

وقال لافروف في حديث الى وكالة الانباء الكويتية (كونا) نشرت نصه الخارجية الروسية "ان من الضروري تفادي تشديد العقوبات على ايران والبدء بالتفكير في طرق تخفيفها تدريجا بطريقة تشعر بها ايران". واجرت ايران جولتين من المحادثات مع الدول الكبرى في الماتي في كازاخستان سادتها اجواء افضل من تلك التي سادت المحادثات السابقة. وقال لافروف "لاول مرة منذ سنوات عدة، بدأت مؤشرات امل تظهر في هذه العملية".

واضاف ان "الايرانيين يؤكدون الشيء الرئيسي وهو الاستعداد حتى في المرحلة الحالية لوقف تخصيب اليورانيوم الى نسبة 20%"، ولمح كبير المفاوضين في الملف النووي الايراني سعيد جليلي عقب محادثات في الماتي في نيسان/ابريل الى احتمال تقديم تنازل بشان تخصيب اليورانيوم. وقال ان ايران يمكن ان "تعيد النظر" في تعليق عمليات تخصيب اليورانيوم الى نسبة 20% فيما اصر على حقوق بلاده في دورة الوقود الكاملة، وقال لافروف "يمكن ان يكون هذا اتفاقا يشكل انفراجا ويزيل إلى درجة كبيرة حدة المشاكل الحالية" مشيرا الى ان تقديم ايران اي تنازلات يجب ان يقابله خطوات من الدول الكبرى.

وقال "يتعين على المجتمع الدولي ان يبدي رد فعل كافيا على اي خطوات بناءة تتخذها ايران من بينها الازالة التدريجية للعقوبات الاحادية والعقوبات التي فرضها مجلس الامن الدولي"، واكد ان "عدم انتهاز هذه الفرصة هو امر لا يمكن غفرانه"، ولا يعرف بعد كيف يمكن ان تستجيب القوى الغربية لدعوات لافروف. الا ان الرئيس الاميركي باراك اوباما قال الاثنين ان على طهران ان تدرك ان اقسى العقوبات الاقتصادية ستبقى مفروضة اذا لم تتخذ طهران خطوات واضحة تبرهن انها لا تقوم بتطوير قنبلة نوويةن وقال "لقد كان كلامنا دائما هو: اظهروا للمجتمع الدولي انكم تلتزمون بالمعاهدات والواجبات الدولية وانكم لا تقومون بتطوير سلاح نووي". بحسب فرانس برس.

وفي بيان منفصل رحبت وزارة الخارجية الروسية بما وصفته وعود روحاني باظهار شفافية أكبر بشان برنامج ايران النووي، ودعت الى عقد جولة جديدة من المحادثات بين ايران والدول الكبرى بالسرعة الممكنة "وخصوصا انه تم ارساء اسس للتحرك باتجاه اتخاذ اولى القرارات في المفاوضات".

بحث العقوبات ضد طهران وبيونغ يانغ

من جانب آخر بدأ مسؤول في وزارة الخزانة الاميركية مكلف مكافحة تمويل الارهاب جولة تشمل موسكو وبكين وهونغ كونغ لبحث العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية وايران، كما اعلنت وزارة الخزانة، وسيزور دانيال غلاسر مساعد وزير الخزانة الاميركي المكلف مكافحة تمويل الارهاب، كلا من روسيا والصين وهونغ كونغ بحلول العاشر من حزيران/يونيو، وسيلتقي "في كل من هذه المحطات، مسؤولين حكوميين كبارا للبحث في العقوبات الدولية والاميركية الاخيرة ضد النظامين الايراني والكوري الشمالي"، كما قالت متحدثة باسم وزارة الخزانة، واوضحت الوزارة ان "حماية النظام المالي الدولي من فاعلين مجرمين" سيكون ايضا على جدول هذه المحادثات. بحسب فرانس برس.

تفاؤل في ايران اثر تخفيف العقوبات الاميركية بشان الانترنت

فيما يثير قرار الولايات المتحدة تخفيف عقوباتها على ايران بسماحها بتصدير تجهيزات هاتفية وبرمجيات تسهل استعمال الانترنت، بعض التفاؤل لدى الايرانيين الخاضعين لرقابة حكومية شديدة، ويسمح القرار الذي اتخذته الولايات المتحدة نهاية ايار/مايو بهدف واضح هو الالتفاف على الرقابة في ايران، للشركات الاميركية بان تصدر الى ايران هواتف نقالة بما فيها هواتف ذكية وبطاقات "سيم" وهواتف تعمل بالاقمار الاصطناعية واجهزة مودم للاتصال عبر الانترنت وبرامج مضادة للفيروسات، وذلك لاول مرة منذ 1992.

كذلك يسمح بتصدير برمجيات خدمات رسائل الكترونية فورية (ام اس ان...) ومناقشات على الانترنت (تشات)، واتخذ القرار قبل اسبوعين من موعد الانتخابات الرئاسية في الرابع عشر من حزيران/يونيو وبعد اربع سنوات من التظاهرات الجماهيرية ضد اعادة انتخاب محمود احمدي نجاد تلك التظاهرات التي جرت خصوصا بفضل شبكات التواصل الاجتماعي فايسبوك وتويتر.

واعلن احسان (32 عاما) البائع في مركز باي تخت التجاري بطهران المتخصص في التكنولوجيات الجديدة والبرمجيات المقرصنة ان "هذا القرار واي قرار اخر من شانه ان يضعنا على اتصال بالعالم مرحب به"، من جانبه قال نيما (25 سنة) بائع الاي فون "لا اريد التسرع بالقول ان المشكلة ستحل بشكل كامل قريبا جدا لكن لاول مرة بدأت ارى بصيصا من النور في اخر النفق"، لكن بموازاة ذلك قررت الولايات المتحدة الاثنين تشديد عقوباتها بحق ايران واستهدفت بشكل خاص عملتها الريال وقطاع السيارات مبررة هذه الاجراءات بقلة تعاون طهران في المجال النووي، وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي اللذان يشتبهان في ان ايران تحاول حيازة السلاح الذري تحت غطاء برنامج مدني، منذ 2012 عقوبات شديدة تنعكس سلبا على اقتصاد ايران، وقال رامين (26 سنة) المولع بالتكنولوجيا ان العقوبات "سببت مشاكل للحكومة لكن الشعب دائما هو الذي يدفع الثمن" معربا عن ارتياحه للتمكن من شراء برامج بطريقة قانونية.

وحتى الوقت الراهن يستعمل مستخدمو الانترنت خوادم بروكسي الالكترونية او شبكات افتراضية خاصة (في بي ان) محظورة في ايران، من اجل الظهور في بلد اخر لا يكون فيه الوصول الى حسابي أبل وادوب ممنوعا، وستمكن هذه التكنولوجيا مستخدمي الانترنت من الالتفاف على نظام التصفية الصارم الذي تفرضه السلطات ويحظر الوصول الى شبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر ويوتيوب والاف من المواقع الاخرى منذ التظاهرات التي تلت انتخابات 2009، وقال جمال عبدي من منظمة المجلس الوطني الايراني الاميركي ومقرها في الولايات المتحدة ان "الايرانيين الراغبين في التعبير بحرية عن آرائهم يفعلون ذلك بصعوبة كبيرة بسبب العقوبات"، واضاف "لحسن الحظ بدأت هذه العقدة تحل والان على الشركات مثل غوغل وآبل ان ترفع القيود عن الوصول الى برمجياتها وتجهيزاتها وان تفتحها امام الايرانيين"، ولم ترد الحكومة الايرانية على القرار الاميركي لكن موقع مشرق نيوز الاخباري المحافظ جدا شدد على "المخاطر" التي تشكلها الهواتف الذكية. بحسب فرانس برس.

وقال "بكونها انظمة معلوماتية نقالة يمكن للهواتف الذكية ان تلعب دورا كبيرا في الاضطرابات الاجتماعية"، محذرا من "خطر اندلاع احداث اوسع" من تلك التي جرت في 2009 نظرا لشغف الشبان الكبير بتلك الاجهزة، واعلنت الناطقة باسم وزارة الخارجية الاميركية جين بساكي ان تخفيف العقوبات سيسمح للايرانيين بالاتفاف على "محاولات" الحكومة "اسكات شعبها" وممارسة "الحق في حرية التعبير"، واعتبر كولين اندرسن المحلل المتخصص في ايران ومقره واشنطن في تصريح لفرانس برس انه اصبح بامكان الايرانيين حماية انفسهم بشكل افضل من عمليات القرصنة والمراقبة الحكومية.

العقوبات تدفع صادرات النفط الإيراني لأدنى مستوى في عقود

الى ذلك أفادت مصادر من قطاع النفط وبيانات تعقب السفن أن العقوبات الغربية خفضت صادرات النفط الإيرانية إلى أدنى مستوياتها في عقود في مايو أيار حتى قبل أن تشدد واشنطن العقوبات بهدف الحد من مبيعات النفط، وأظهرت بيانات المصادر أن شحنات الخام انخفضت إلى 700 ألف برميل يوميا الشهر الماضي أي نحو ثلث صادرات النفط الإيرانية قبل الجولة الاخيرة من العقوبات.

وتهدف العقوبات الأمريكية والأوروبية إلى الضغط على طهران بسبب ما يشتبه انه سعي إيراني لامتلاك سلاح نووي وخفضت بالفعل إلى أقل من النصف شحنات إيران النفطية ما كلف طهران مليارات الدولارات من الإيرادات الضائعة منذ بداية 2012.

وتسعى واشنطن الآن لخفض الشحنات إلى اقل من 500 ألف برميل يوميا عن طريق تشديد العقوبات، وقالت مصادر من القطاع إن مشتريات العملاء الكبار في اسيا انخفضت الشهر الماضي بنحو 12 بالمئة عن ابريل نيسان. وكانت صادرات ابريل قد تضررت بالفعل بعد أن اوقفت اليابان ثالث اكبر مستهلك للنفط في العالم وارداتها من الخام الإيراني تماما، ومع سعر نفط فوق مئة دولار للبرميل يعني تراجع الصادرات في مايو عنها في ابريل خسارة أكثر من 300 مليون دولار من الإيرادات في دولة شهدت بالفعل انهيار قيمة عملتها، وإذا تأكدت نسبة الانخفاض في مايو عن طريق بيانات رسمية فقد تزيد من احتمالات أن تمنح واشنطن عملاء إيران فرصا اكثر لتجنب العقوبات الأمريكية حتى إذا أبقوا على مشترياتهم من الخام الإيراني، وقبل أحدث تشديد للعقوبات كانت طهران تبيع 2.2 مليون برميل يوميا من الخام لآسيا وأوروبا وافريقيا.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تموز/2013 - 23/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م