قيم التقدم: تهذيب الذات

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: يرى بعض علماء الاجتماع، أن تطور المجتمع يعتمد بصورة مباشرة، على تطور الأفراد المنتمين له، فكريا وسلوكيا، وهذا الهدف (التطور المتواصل)، لا يتحقق إلا من خلال مراقبة الانسان لذاته وتنمية قدراته، ومتابعة هفواته وأخطائه المقصودة وغير المقصودة، ومن ثم الشروع بتصحيحها، او تهذيبها، من خلال معرفة الصواب والايمان به، ثم اعتناقه لكي يتحرك الانسان في ضوء هذا المبدأ أو المسار لتحقيق هدف تهذيب الذات، ولا ينحصر هذا التمسك بحالة دون اخرى، انه يبدو في الظاهر فعلا فرديا، لكنه بالنتيجة سيشكل منهج حياة جماعية لعموم المجتمع، يتسم بالتزام الفكر الانساني القويم والسلوك السليم.

ويركز علماء الاجتماع على دور الانسان في هذا المجال، بمعنى أن الذات وما يتعلق بها، تعود بالدرجة الاولى الى الفرد نفسه، وثباته وقوة ارادته، واصراره على التغيير نحو الافضل، ولكن لابد من توافر الظروف الموضوعية والاجرائية التي تساعد الانسان على تهذيب ذاته من الشوائب التي تعلق بها، نتيجة للتربية الخاطئة، او طبيعة المحيط العائلي والمدرسي وما شابه، فضلا عن التأثر بسلوك الكبار او النماذج التي يقتدي بها الاقل عرما وتجربة.

تؤكد تجارب الامم التي كانت تقبع في حضيض الجهل، وخاضت حروبا متواصلة نحو الارتقاء، تؤكد أن الاصرار الفردي على تصحيح الذات، والتحول من خانة التطرف والاستحواذ والاستئثار وما شابه، يستدعي منهجا مخططا لا عشوائيا، بمعنى ان بناء الذات بالطريقة السليمة، لا يتأتى لكل من فكر بهذا الامر تفكيرا محضا يفتقر لرؤية التحقيق او التكوين، او ظل يعيش في حالة الحلم، انما يتطلب الامر تخطيطا سليما، وسعيا حثيثا نحو الهدف، لان الامر لا يختلف عن البناء المادي المتعارف عليه لجميع الاشياء، فلو اراد الانسان أن يهذب ذاته عليه أن يتبع الخطوات النظرية والتطبيقية التي تقوده نحو هدفه بأقصر الطرق.

في بعض المجتمعات المتأخرة عن ركب التقدم، يرى الناس أن لا قيمة للذات، ولا يعرف هؤلاء قيمة احترام الذات، كذلك لا يسعون نحو بناء ذواتهم، كونهم لا يؤمنون اصلا بهذا الامر، ولا يفهمونه، إنهم يعيشون على هامش الحياة في حالة من الخمول والكسل، وحالة من العيش الآلي الممل الخالي من التجديد والابتكار والانتاج عموما، حتى تغدو حياة الفرد أشبه بالعبء على غيره، وقد تصبح هذه الظاهرة عامة، فيتحول المجتمع كله او نسبة كبيرة منه الى مجتمع لا يعرف قيمة الذات، ولا يفقه دورها في نقل الانسان من حيّز الجهل والمرض والحرمان، الى فضاء العلم والنور والرفاهية.

لذلك سعت المجتمعات الراقية ولا تزال، الى تعميد قيمة الذات، وحماية كرامة الانسان، وترسيخ ايمانه بنفسه وقدراته، واحترامه لذاته، والحرص على متابعتها ومراقبتها خوفا من السقوط في الزلل، واذا حدث أن تعرض الانسان الى زلة او خطأ او هفوة، او حتى لو كان الخطأ كبيرا، فإن الشروع بالتهذيب والتصحيح الفوري، افضل من البقاء في حالة احباط او تكاسل او لامبالاة، لان الهدف دائما هو تهذيب الذات، وبهذه السلوك الفردي والجمعي، يصبح المجتمع كله قادرا على فهم الذات واحترامها وحمايتها من الوقوع في الزلل.

وعندما يعيش الانسان في اجواء التصحيح الدائمة للذات، فإن هذا السلوك سيصبح منهج حياة، وبالتالي، سيعتاده الانسان نفسه، ويتأثر به المقربون منه (الاولاد، البنات، الاصدقاء، محيط الدراسة والعمل، وحتى الشارع)، لان الانسان بطبعه يميل الى التقليد، لذلك كلما أصبح (تهذيب السلوك) منهجا للناس، كلما أصبحت حياة المجتمع اكثر استقرارا وقدرة على التطور والابداع، وهكذا تكون لقيمة تهذيب الذات قدرة مهمة وكبيرة في نقل الفرد والمجتمع الى اجواء التقدم والارتقاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 3/تموز/2013 - 23/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م