دور التعددية في تحقيق السلم الاجتماعي

رؤى من أفكار الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: من الواضح أن التعددية ثقافة تنتشر بين افراد ومكونات المجتمع، مع الزمن، ولكن وفق تخطيط وسعي وتنفيذ من لدن الجهات المعنية بهذا الامر، بمعنى ان التعددية لا يمكن ان تصبح ثقافة وسلوكا يتداوله افراد المجتمع، ما لم يتعلم الجميع ما هي التعددية وما هي فوائدها، وكيف يمكن ان تصبح سلوكا يتمسك به الجميع، فيصبح منهج حياة دائم لا يقتصر على جانب دون آخر، ولا نلجأ إليه في زمن دون آخر، فالتعددية بهذا المنظار تصبح حالة عامة دائمة تتلبس الناس من دون افتعال او تصنّع أو إقحام، إنما تصبح جزءً لا يتجزء من تفكيرهم و مبادئهم ومن ثم تعاملهم فيما بينهم، أو مع الاخرين.

وبها تصبح التعددية سمة من سمات المجتمع المتحضّر، حيث يسود الحكم المتوازن، وتشترك المؤسسات الرسمية في صناعة القرار، ويشترك الشعب وجميع مكونات المجتمع في صناعة القرار عبر ممثلين له في البرلمان والحكومة والسلطات الاخرى، التي ستكون في ظل التعددية حرة مستقلة غير خاضعة إلا لسلطة الدستور حصرا.

وكلما شاع المنهج التعددي في نظام الحكم السياسي، كلما انخفضت فرص الدكتاتورية والعكس يصح تماما، لذلك نلاحظ أن الطغاة يتخوفون من المنهج التعددي ويرفضونه، بل يحاربونه بقوة لانه يشكل مصدر خطر على عرشهم ومصالحهم.

يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله)، في كتابه القيم الموسوم بـ (من اسباب ضعف المسلمين)، حول هذا الموضوع: (إن من أهم أسباب تولد الطاغوت هو: الجهل وعدم الوعي الكافي، فان من يعلم بأن الله خلق الإنسان حراً، ومنحه حرياته الأساسية، وجعله حاكماً على نفسه وماله، لا يرضخ للعبودية والظلم، ولا يعترف بالطغاة والظالمين. من هنا يلزم السعي الجاد لتوعية الشعوب وذلك بنشر الفكر الإسلامي عبر الكتب والنشرات والإذاعات والانترنيت وما أشبه. كما ان من أسبابها أيضاً، فقدان ثقافة التعددية، وشيوع ظاهرة الاستبداد والأنانية، وفكرة الاستئثار والانحصارية، مع أن من ملك استأثر، كما قال تعالى: إن الإنسان ليطغى * أن رآه استغنى).

التعددية ومنهج الطغاة

من الملامح التي يمكن ملاحظتها في المشهد السياسي العربي والاسلامي، أن منهج التعددية يكاد يكون غائبا على نحو شبه كامل، حيث يتصدر الحكم في معظم هذه البلدان انظمة حكم استبدادية يقودها حكام طغاة، يحاربون التعددية بشتى السبل والوسائل، ولم ينحصر هذا الضعف في المنهج التعددي في العصر الراهن، بل يشكل امتدادا للعصور السابقة، حيث كان الحكام الطغاة في البلدان العربية والاسلامية يرفضون التعددية، ويفرضون سلطتهم الفردية التي لا تجيز التعامل العادل والمتساوي بين جميع مكونات المجتمع، ولعل السبب الاساس في ضعف المنهج التعددي وانتعاش الطغيان يعود ايضا الى ضعف الوعي والثقافة لدى المجتمع ككل.

يقول الامام الشيرازي بكتابه نفسه حول هذا الجانب: (إن ما نشاهده اليوم من حالة ضعف المسلمين هو نتيجة أمور عديدة، من أهمها ما سببه الحكام الطغاة، غير الشرعيين، على مر التاريخ من الأوائل والأواسط والأواخر، فإنهم من وراء حالة ضعف المسلمين التي نشاهده ونلمس آثاره حتى اليوم، فان الضعف السابق والوسط واللاحق يسبب ضعف المستقبل أيضاً).

وكلما تراجع الشعب عن المطالبة بحقوقه، كلما اصبح الطغيان اقوى وأشد، لذلك يستميت الحكام الفرديين والمتعاونون معهم وبطاناتهم على محاربة المنهج التعددي، وتركيز الحكم والسلطات في ايدي قلة من الافراد التي تؤازر الحاكم على قمع الشعب، وبهذا يفقد المجتمع مزايا التعددية التي تصب في الصالح العام، من خلال عدم السماح بتركيز السلطة، وحصر صناعة القرار بيد الفرد الحاكم، انما هناك مؤسسات دستورية تأسست استنادا الى المنهج التعددي (الدستوري)، يتم من خلالها صناعة القرار الذي يشترك فيه جميع ممثلي الشعب، فيأتي ممثلا لطموحاتهم ومحققا لتطلعاتهم.

وطالما ان التعددية تقلل من سلطة الطاغية، فإنه يحاربها بقوة كما أثبتت التجارب، في مجتمعاتنا وشعوبنا العربية والاسلامية، لذلك يؤكد الامام الشيرازي، في كتابه المذكور نفسه قائلا أن: (من صفات الطغاة انهم لا يرون أية قيمة للشعوب. ولذلك نسمع تصريحات كثيرة لحكام كثيرين: بأنهم للاحتفاظ بعروشهم مستعدّون لإبادة الشعب كله، كما أنهم طبقوا تصريحاتهم الإرهابية على ساحة الواقع).

لماذا تأخر المسلمون؟

من الاسباب الرئيسية التي ادت الى تأخر العرب والمسلمين عن الغرب، في السياسة وسواها، هو غياب التعددية، من خلال العمل بقوة على قمع المعارضة، وقد برع الحكام الطغاة في البلاد العربية والاسلامية في الطرق والاساليب التي يحدون فيها ويحجمون من دور المعارضة، وكان الهدف الاساس لهؤلاء الحكام وحكوماتهم هو تحجيم الصوت والرأي المعارض لهم، خاصة ان المنهج التعددي يتيح للجميع التعبير عن رأيهم بوضوح وصراحة، كما ان التعددية تضمن للجميع المشاركة في صناعة القرار عبر ممثليهم، فضلا عن حماية الحقوق المدنية والسياسة وحفظ الحريات الفردية والجماعية ايضا، لذلك تعد قضية قمع المعارضة من اهم اهداف الطغاة.

يقول الامام الشيرازي في هذا المجال بكتابه نفسه: (من أشهر صفات الطغاة محاولتهم القضاء على المعارضة بمختلف الطرق الإرهابية: سجناً وتعذيباً وقتلا).

أما في الغرب فقد حرص المعنيون في الامر على اشاعة التعددية في قيادة وادارة مجتمعاتهم، لذلك تقدم هؤلاء في المجالات كافة، وتأخر المسلمون عنهم كثيرا، حتى باتوا يعانون من غياب التعددية وانتشار الطغيان، لذلك يقول الامام الشيرازي حول هذا الجانب: لقد (تقدم الغرب وتأخر المسلمون، حيث استيقظ أولئك وغفل هؤلاء، فوقع بينهما ما وقع مما نشاهده من الهوّة السحيقة، والفجوة الكبيرة، وقد أصيب المسلمون في هذا اليوم بضعف غريب).

وطالما ان الاسباب هي التي تقودنا الى النتائج، فإن غياب التعددية يؤدي الى التفرد في السلطة، وهو امر عانى منه المسلمون سابقا ولاحقا، ولكل نتيجة سبب، لذا لا يمكن ان يغيب الطغيان إلا بحضور التعددية، يقول الامام الشيرازي في هذا الصدد: (من سنن الله في هذا الكون انه لا تتقدم أمة إلا بسبب، ولا تتأخر أمة إلا بسبب أيضاً، وهذا من الواضح والثابت بالتجربة والامتحان).

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 1/تموز/2013 - 21/شعبان/1434

 

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1433هـ  /  1999- 2013م