شبكة النبأ: عندما ظهر الاسلام في
الجزيرة، كانت العصبية والقبلية تعيش في أوجها، وقد بلغ التعصب اقصاه،
فكان الاحتراب والاقتتال والغزوات مستمرة على قدم وساق، وكان الظلم
طاغيا حيث القوي ينتهك حرمة الانسان، لا لشيء إلا لكونه اضعف منه ولا
حيلة له في الدفاع عن نفسه، فكانت شريعة الغاب هي التي تحكم بين الجميع
آنذاك، ولعل قضية وأد الرجال الآباء للبنت، وقتلها ودفنها وهي على قيد
الحياة من الظواهر التي تثبت جانبين آنذاك، الاول شدة الكراهية
والضغينة، والثاني شدة الطغيان والظلم نتيجة للجهل الذي يتلبس العقول،
ويقودها كيفما تشاء القبلية والتطرف والكراهية.
وقد شذب الاسلام بتعاليمه السمحاء كثيرا من النفوس وتراجعت هذه
الظاهرة الى ادنى مستوياتها، وتم بناء الدولة الاسلامية لتصبح اقوى
دولة في العالم في وقتها، بل كانت الدولة النموذجية للجميع في مجالات
الاقتصاد والادارة والعلم وما شابه، ولكن في اعقاب ذلك ظلت جذور الكره
تتنامى في المجتمع العربي، على يد محرفي الاحاديث النبوية الشريفة،
فضلا عن تفسير النصوص القرآنية المباركة وفقا لاهوائهم وبالطريقة التي
تحقق مصالحهم، لذلك تم تحريف وتزييف مئات بل آلاف الاحاديث النبوية،
ونسبها الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو منها براء.
وهكذا تمكنت هذه الجذور السامة من تسميم الفكر العربي الى الان، اذ
نلاحظ اشتداد هجمة الكراهية ونموها وسيطرتها على الشعوب العربية، حيث
ظهرت امواج الكراهية متتابعة لتطول الضعفاء وتنتهك حرماتهم، كما حصل
مؤخرا مع الشهيد الشيح حسن شحاته (رحمه الله واحسن مثواه)، هذا الشيخ
الذي لم يكن يشكل ادنى خطر على احد، بل كان المصريون ينظرون له على انه
داعية اسلامي من الطائفة الشيعية التي تسكن مصر، لكن التطرف الذي بلغ
الذروة هذه الايام في المجتمع المصري، والكراهية التي تضخمت الى اقصى
درجاتها، جعلت من هذا الشيخ المسالم واربعة معه ضحية للكراهية، حيث تم
قتلهم ظلما وعدوانا وتم سحلهم في الشوارع والتمثيل بجثثهم، في هجوم قام
به آلاف من الرعاع الهمج، وهذه صورة لا تحتاج لشرح تؤكد تجذر الكراهية
في الفكر العربي لكل ما رأي مختلف او عقيدة مغايرة، وهو ما يؤكد القصور
الفكري للذهنية العربية التي تنحو الى التطرف والكراهية.
وهذا يؤكد ان الاسلام الحالي صورة مستنسخة عن مجتمع ما قبل الرسول
صلى الله عليه وآله وسلم، حيث تسيطر البداوة والتطرف على العقلية التي
تدعّي الاسلام، من دون ان تلتزم بجوهره قولا وتطبيقا، لهذا نلاحظ
انتشار الكراهية ونمو التطرف وتحكم التكفير بالمجتمع العربي، الامر
الذي يدل بصورة قاطعة على تزوير وتحريف جوهر الاسلام، الذي استطاع في
صدر الرسالة النبوية ان يحول المجتمع البدوي الجاهل الى مجتمع متطور
يعيش في ظل اقوى دولة وحكومة بالعالم آنذاك.
طغاة الامس ومحرفو احاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، هم
انفسهم، ينشرون اليوم موجات الكراهية والتطرف بين المسلمين، وفي طوائف
ومكونات المجتمع العربي، والادلة على هذا السلوك المخطط له واضحة تمام
الوضوح، لهذا تحول الربيع العربي من بوادره الثورية التصحيحية الى وبال
على العرب جميعا، بعد أن انتعشت الكراهية الى اقصاها، وتنامى التطرف
ليصل الى اقصاه، وسيطر الوهابيون السلفيون المتطرفون على مقدرات الشعوب
العربية، واصبحوا يتحكمون بها كما يشاؤون بعيدا عن روح الاسلام
وتعاليمه السمحاء وجوهره الانساني الاصيل.
لذلك يجب أن تشن حملة مضادة على وباء الكراهية الذي يستشري في عموم
المجتمع العربي، ولابد من فضح كل من يحرف الدين والاحاديث النبوية
الشريفة، ويبث الضغينة والفتنة بين الناس، ويجب الانتباه الى النصوص
التي تم تحريفها، واشباعها بالكراهية وروح الفتنة، وفضحها ورفضها رفضا
قاطعا. |